الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، ولو شئت لسميت العاشر قال: فقالوا: مَن هو؟ فسكت، قال: قالوا: مَن هو؟ قال: سعيد بن زيد)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن جموح))، فعلينا أن نفطن إلى هذا الأسلوب الدعوي الجميل، إذا أردنا التحذير من منكر ارتكب بعض الناس لا نذكر أسماءهم، وإذا أردنا تذكير الناس بعمل حسن فعله بعض الناس ليقتدوا به، فنذكر الفاعل تكريمًا له وتشريفًا، وليكون أسوة حسنة لغيره.
الحث والإكثار من استخدام عبارت الاستفهام
كذلك ينْبَغِي على الدّاعِية أن يَغْلِبَ على عباراته الاستفهام؛ سواء كان تقريريًّا أو استنكاريًّا أو تعجبيًّا، وأن يُكثر من ألفاظ الترجي:"لعل""أرأيت"، و"رب" بدل الخطاب التقريري والاستنكاري المباشرين، ذلك لأن استعمال أساليب الاستفهام وألفاظ الترجي في الخطاب أبلغ تأثيرًا، وأقل أثرًا سلبيًّا، ولو كان يتضمن نقدًا مُباشرًا؛ لعدم استساغة الخطاب الاستنكاري والتقريري المُباشرين.
فبدل أن يقول: لا يَجُوز للمسلم أن يُدَخّن، أو يحرم انتهاك حرمات الله في رمضان. يقول الداعية: أيليق بالمسلم أن يدخن؟ أيجوز انتهاك حرمات الله وفي رمضان؟ وبدل أن يقول: ستلقى الله على هذه الحالة الآثمة، أو ستكون سيئاتكم تغلب حسناتكم؛ ينبغي أن يقول: كيف سنلقى ربنا ونحن على هذه الحال، أو يقول:
هل ستكون حسناتنا أرجح من سيئاتنا؟ وبدل أن يقول: أنتم لا تحبون الله ورسوله، أو يقول: يَجِبُ أنْ تُحِبّوا الله ورسوله، يقول: ألَا تُحِبّون الله ورسوله؟ أو هل يفعل هذه المخالفة من يحب الله ورسوله؟ أو يقول: لعلنا نتوب إلى الله، أو أرأيتم لو تبنا إلى الله؟ وهكذا.
وتأمل أيها الداعية -رحمك الله- قول الخليل إبراهيم عليه السلام لأبيه الكافر بعد أن استنفذ كافة أساليب الخطاب الدعوي، من استفهامات وترجي وإثارة للعاطفة والعقل، قال مرهبًا بأسلوب مفعوم بالشفقة والخوف على أبيه:{يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} (مريم: 45)، فانظر إلى كلمة:{أَخَافُ} وكلمة: {يَمَسَّكَ} اللتين تقطران شفافيةً وتخوفًا. ومثله قول أخيه هود عليه الصلاة والسلام لقومه الذين أذاقوه ما أذاقوه من صنوف الأذى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الشعراء: 135).
والمقصود أن يضع الداعية أداة الاستفهام قبل خطابه، وكلمات الرجاء والترجي في كلامه، وما شابه ذلك حتى يُحَلّي أسلوبه؛ فلا يكون مرًّا، ويرطب خطابه حتى لا يكون جافًّا.
والمُتأمل لأسلوب القرآن الكريم يجده مشحونًا بهذا الأسلوب الهادف، والتعبير الممتع، حتى مع الكافرين ومع أشد الناس عداوةً لله ولرسوله وللمؤمنين، اقرأ إن شئت قوله سبحانه:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم: 35 - 3 6)، استفهامان مُتتاليان:{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} يَهُزّان الضمير، ويُحَرّضان العقل، ويُقرران الحقّ بأسلوب مقبول، وتعبير مثير، يدفع العاقل للإقرار والتسليم.
وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الطور: 43)، وقال سبحانه:{أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} (مريم: 67)،
وتكرر قول ربنا سبحانه: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} (النمل: 60)، كما تكرر قوله:{أَرَأَيْتَ} (الفرقان: 43)، {أَرَأَيْتُمْ} (القصص: 71)، {لَعَلَّ} (الطلاق: 1)، {لَعَلَّهُمْ} (السجدة: 21). وفي هذه التعابير ما لا يخفَى من التأثير النفسي على السامع أو القارئ؛ لأنّ النفس تكره التقريع المباشر والاتهام الصريح، ولو كانت مذنبةً ومقرةً بذلك في نفسها. لذلك جاء هذا الأسلوب مقررًا الحقائق مراعيًا حال المخاطبين؛ فجمع بين قول الحق وحسن العرض.
كذلك سلك الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- في خطابهم هذا المسلك، قال الله تبارك وتعالى:{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} (إبراهيم: 10)، وقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم لقومه:{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (الأنبياء: 52)، وقال لهم أيضًا:{أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} (الصافات: 86)، وقال موسى صلى الله عليه وسلم لقومه:{أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} (يونس: 77)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا لقومه:{لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} (الصف: 5).
فانظر -رحمني الله وإياك- ما أعظمَ هذا التقريرَ، وما أبدع هذا العرض! قول الحق بأسلوب مقبول، وطرح مؤثر، وقال مؤمن "يس":{أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (يس: 23 - 24)، وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه:((كيف أنت وقوم كذا وكذا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم؟!)). وقال صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد: ((أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟!)) وفي رواية: ((أقال لا إله إلا الله وقتلته؟!)) وقال صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة رضي الله عنهما وقد طرقهما ليلًا فوجدهما نائمين، فقال:((ألا تصليان؟))، أسلوب عرض، بدل أن يقول:"قومَا فصليا"، بصيغة الأمر.
وقال عليه الصلاة والسلام لرجل من الأنصار أرسل إليه، فخرج ورأسه يقطر من الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لعلنا أعجلناك، قال: نعم يا رسول الله، قال: إذا أُعْجِلْتَ أو أقحطت؛ فلا
غُسْلَ عَليك وعليك الوضوء)). وقال صلى الله عليه وسلم لمن رمى ماعزًا بوضيح حمار فصرعه، حين فر من ألم الرّجم:((هَلّا تركتموه لعله أن يتوب؛ فيتوب الله عليه؟)).
فليتأمل الداعية قوله صلى الله عليه وسلم: ((هلا تركتموه؟)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لعله يتوب؟)) وذلك بعدما ارتكب ماعز الخطيئة وجاء يطلب إقامة الحد عليه، حتى يطهره رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامة الحد من ذنبه حتى يلقَى الله تائبًا، فلما بدأ التنفيذ ووجد أثر الحجارة في بدنه ولَّى مُدبرًا؛ فتبعوه حتى رماه أحدهم بوضيح حمار فصرعه، فلما رجعوا للنبي صلى الله عليه وسلم قال مقولته:((هلَّا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه؟)) يقول هذا كله بعدما فعل ماعز ما فعل لعله يتوب.
وكم من حديث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعل" و"أرأيتم" مما لا يكاد يحصى.
وخلاصة هذه القواعد -قواعد الأسلوب الدعوي-:
أن عليك أخي الداعية وعلى جميع الدعاة أن يَختاروا الأسلوب الحسن في خطابهم الدعوي، فإن الله تبارك وتعالى قال:{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} (الإسراء: 53). فعلى الداعية أن يحسن من أسلوبه، وذلك باستعمال الضمائر التي تفيد اشتراكه هو مع المدعوين، وذلك أيضًا بتعليم الخطاب لا بتعيين المخاطبين.
وأن يكثِرَ من استعمال أدوات الاستفهام، وألفاظ الرقة واللين وكلمات الترجي والرفق؛ مما يُضفي على أسلوبه لذة في السماع، وقبولًا من المدعوين.
فاللهم اهدنا لمُخاطبة الناس بالتي هي أحسن واجعلنا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا، وقال إنني من المسلمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.