الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغير ذلك من الأمثلة البديعة التي لا تكاد تحصى في السنة، كل ذلك كان بأسلوب ممتع وعبارات سهلة وتعبير مفهوم، وعرض حسن ونطق جميل.
فأين نحن اليوم معشر الدُّعاة من هذا؟!
لقد خَالفَ كثيرٌ من الدُّعاة هذه القواعد وخرجوا في أساليبهم عن هذه الضوابط؛ فصِرْتَ تَحْضُر لكثير من الخطباء، وتَستَمِعُ إلى خُطبهم، ولا تكاد تخرج من الخطبة بكثير ينفعك، وكذلك من الدروس لا تكاد تخرج منها بفائدة تذكر؛ لأنّ هَمّ الخطيب أو المدرس كان سرد المعلومات، وليس تبسيطها والإكثار منها. إنّ سهولة الأسلوب وبساطة الطرح وعذوبة الألفاظ، تدفع الناس إلى الاستماع فالتعلم فالتأثر فالعمل، وإن صعوبة الأسلوب وتعقيد الطرح يدفع الناس للإعراض، ولا يخفى ما يترتب على ذلك.
وأسوأ من هذا ما كتب باسم العقيدة بألفاظ أفلاطونية، وعبارات فلسفية؛ فضلًا عما فيها من مخالفات شَرْعِيّة، وتَكَلُّف ما لم يأمرنا به الله ولا رسوله، بعيدين عن هدي الكتاب والسنة في العقيدة، وما فهمه الصحابة -رضوان الله عليهم- والأئمة الأربعة رحمهم الله مما يُسمى بالعقيدة السلفية الصافية.
التحدث بلُغة الجمع، وتعميم الخطاب عامةً دون قصد أفراد أو تعيين أشخاص
ومن أهم ما ينبغي للداعية أن يلتزم به في أسلوبه: التحدث بلُغة الجمع، الخطاب بصورة الجمع باستعمال "نا" المتكلمين وبضمائر المخاطبة؛ فلا يقُل الداعية مثلًا في حال النصح وتصحيح الخطأ "أنت" أو "أنتم" فعلتم، وأنتم قصرتم، وانهزتم، وعليكم أن تتوبوا إلى الله، وأن تتبعوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم-
وهذا الذي أصابكم إنما أصابكم من ذنوبكم وأفعالكم، لا يقل هذا؛ فيُخرج نَفْسَه من جمهوره الذي يذكر عيوبه ويذكره بها، ويدعوهم إلى التوبة منها.
بل يدخل نفسه مع المخاطبين والحاضرين فيقول: نحن المسلمين قصرنا، ولو أننا فعلنا، لو أننا تبنا، أو يخاطبهم بأداة الشرط، من فعل كذا، كان له كذا وكذا، أو مَنْ فعل كذا فكان عليه كذا وكذا، أو يُخاطِبَهُم بصيغة مطلقة، لو تَاب المُسلم أو لو تاب المسلمون، لو أنّ المسلمين فعلوا وفعلوا؛ لأنّ في صيغة المُخاطب أنتم نوعًا من الاتهام للمدعوين، وتزكيةً لنفس المخاطب، مما يدفع بعض المدعوين لعدم الإنصات، بل وربما تكلم مع الداعية مما كان في غنى عن سماعه.
وأما في الصيغة الثانية صيغة المُتكلم، وفي الصيغة المُطلقة؛ فإنّ المُخاطبين يستشعرون بتواضع الداعية، وأنّه منهم ومعهم يصيبهم ما يصيبه، ويناله ما ينالهم؛ مِمّا يدفعهم للتفاعل معه، كذلك لا يحتج ببعض الآيات التي خاطبت الناس بميم الجمع؛ لأنّ المُخاطب هو الله سبحانه وتعالى وفَرْق كبير بين خطاب الرب العظيم وخطاب عبد غير معصوم، ولا يمكن أن يجتمع الله سبحانه مع خلقه في كائن أو ضمير في سياق التكليف أو التأديب.
ومع ذلك نجد الخطاب المُطلق والمُشروط بالأفعال والأقوال في كتاب الله عز وجل كثيرًا دون تعيين يقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} (الأعراف: 96)، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى} ، لم يسمّ القرية {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِه} (النساء: 66) لم يُسمهم.
كذلك من المستحسن الداعية أن يعمم في خطابه، وأن يُطلق في عباراته، دون أن يخصص أقوام أو يعين أفرادًا، ولو كانوا قائمين على الخطأ، أو مستمرين في العصيان؛ ويُمكنه عند الحاجة أن يُعَلّق الأحكام بالأفعال، وأن يُنِيطَها بالأقوال،
وهذا أسلوبٌ دَأبَ عليه القرآن الكريم، قال تعالى:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود: 18)، وقال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المائدة: 73)، وقال سبحانه:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (التوبة: 75 - 7 7).
وبالمناسبة ينبغي -معشر الطلاب- أن تعلموا أن كثيرًا من كتب التفسير أوردت في تفسيرها هذه الآيات من سورة التوبة قصة مشهورة، تتردد على ألسنة الوعاظ والقصاص والمدرسين والخطباء، وهي معروفة بقصة حمامة المسجد، ونُسبت زورًا وبهتانًا وعدوانًا إلى صحابي جليل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثَعْلَبة بن أبي حاطب. ثعلبة بن أبي حاطب رضي الله عنه من الصحابة الكرام، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا، واستُشهد في أحد فنسبت هذه القصة إليه التي جعلوها سببًا نزول الآيات، يُعَدّ ظلمًا له رضي الله عنه وعدوانًا عليه.
ثم إنّ القصة أصلًا باطلة سندًا ومتنًا، لا يَصِحُّ سنَدُها، ومَتنها مُخالف بصريح القرآن الكريم. الله تبارك وتعالى فتح باب التوبة أمام كل من أراد أن يتوب وإن كان كافرًا، والقصة تقول: أن هذا الرجل الذي نُسبت إليه القصة لما نزلت الآيات خَافَ وجاء بصدقة لرسول الله فلم يقبلها وجاء إلى أبي بكر فلم يقبلها
…
إلى آخره. ثم إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الزكاة: ((من أعطاها متجرًا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات رَبّنا)) فكيف ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم-
ذلك الرجل الذي منع الزكاة؟ ولم يأخذها منه كما قال: ((فإنا آخذوها وشطر ماله)).
فعليكم معشر الطلاب أن تحذروا من ذكر هذه القصة، وسائر الإسرائيليات والضعيف والموضوع، احذروا من ذكرها، وذكروا الناس ببطلانها.
والشاهد: أنّك تلحظ في هذه الآيات أن الله عز وجل علق الأحكام بالأفعال والأقوال، ولم يذكر أسماء أصحابها؛ "ومنهم""ومنهم" وكذلك مضت السنة المطهرة -على صاحبها أزكى الصلاة والسلام- بعدم ذكر اسم المخالف أو المنصوح إلا بالتعريض والعموم، فما أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((ما بال أقوامًا فعلوا كذا))، ((ما بال أقوامًا قالوا كذا))، ((ما بال أقوامًا بلغني عنهم كذا)).
مع أنّ المقصود خطاب أقوام قاموا بالمخالفة التي دعت النبي صلى الله عليه وسلم لتوجيه خطابه إليهم، ومع ذلك لم يذكر أسماءهم. من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:((ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله))، ((ما بالُ رجال يحضرون الصلاة معنا بغير طهور))، ((ما بال أقوام))، ((ما بال رجال)) لم يسمهم:((ما بال رجال كلما نفرنا في سبيل الله تخلف أحدهم عندهن؟)) ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام لا يحسنون الوضوء ويَدعون مواضع من أرجلهم لا يصيبها الماء، فقال:((ويل للأعقاب من النار)) فلم يحكم عليهم ولا على أعقابهم بل لم يذكر أسماءهم، ولم يقل: ويل لكم، أو ويل لأعقابكم، مستعملًا كاف الخطاب.
وكان صلى الله عليه وسلم يتكلم أحيانًا بنا المتكلمين هو لم يفعل الفعل كما في خطبة الوداع قال: ((وأول ربًا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب))
فانظر -أيها الداعية- إلى عِظم هذه الأفعال التي فعلها هؤلاء المخطئون، وما يفعله المنافقون من الصلاة بغير طهور، ومن تركهم الجهاد واقترافهم لبعض الذنوب؛ فضلًا عن أذية بعضهم للرسول صلى الله عليه وسلم ومع هذا كله لم يذكر أسماءهم ولم يحذر من أعيانهم. ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يحكم على الأعمال ويصححها.
فمن هذا وغيره تستنبط القاعدة "نصحح ولا نجرح"، "ننصح ولا نفضح" فهل من مُدّكر!
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا وجميع إخواننا الدعاة سواء السبيل.
فعلى هذا لا يجوز ذكر الأسماء بالسوء في المجالس العامة؛ فضلًا عن ذكرها على عامة الناس إنما كان منهم في الضرورة القصوى، كدفع مفسدة جلية أو جلب مصلحة كبيرة، وهذا الكلام عام يشمل العامة والخاصة الكبراء والأصاغر، فما بال أقوام لا يتورعون عن ذكر كبرائهم وأمرائهم على منابرهم بالاسم الصريح، ولا يسكتون عن ذكر مثالبهم ومساويهم، بل يُشهرون بهم كلما قاموا وكلما قعدوا، كم أجلب هذا الأسلوب على الدعاة من شر وحال بينهم وبين الدعوة إلى الله عز وجل.
ومنه يُدْرِكُ المُسلم الواعي خطأ هذا الأسلوب خطر ذكر الأسماء على المنابر، والتشهير بهم في المجالس ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي الوقت الذي نجد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمي الذين يخطئون، نجده صلى الله عليه وسلم يسمي أهل الفضل والعلم على الملأ عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمرهم، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينًا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)).
وحديث العشرة المبشرين بالجنة حديث مشهور؛ فعن سعيد بن زيد قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته وهو يقول: ((عشرة في الجنة: النبي في الجنة،