الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كانت الندوة استجوابيةً: فلا بد من إعداد المحاور الأساسية للأسئلة التي ستطرح في الندوة، وتوزيعها على الأعضاء المشاركين؛ حتى يهيئوا أنفسهم للإجابة عليها، ويكشفوا عن دقائقها، فلا يفاجئون بأسئلة دقيقة لا يملكون الإجابة عنها، وبالتالي يكون ذلك سببًا في إحراجهم، ولا بد لمدير الندوة من إعداد أسئلته بعناية ودقة، وبأسلوب لا يحتمل التأويل، أو يخلو من اللياقة؛ إذ لا بد من توفر الذوق والأدب، ونبذ التعالم، ومحاولة إظهار المقدرة العلمية، والاستبداد بالحديث، أو التركيز على مشارك دون آخر، أو تعمد إحراج أحد المشاركين أو إهماله، ولا بد من تحديد الوقت وتوزيعه بشكل عادل، وعدم مقاطعة المنتدين، أو تفريع الموضوع، والدخول في متاهات تؤدي إلى تمييع القضية التي هي موضوع الندوة.
وفي الندوات المفتوحة: لا بد من السيطرة على زمام الموقف وضبط الأمور لاتساع دائرة الحوار، والمحافظة على النظام، ومراعاة أساليب الذوق واللياقة في التخاطب، وإيقاف المتحدثين الذين يجنحون للإساءة إلى أحد المشاركين، أو تسفيه رأيه، أو السخرية به.
هذه هي الندوة وما يتعلق بها.
المؤتمر
أما المؤتمر: فهو عبارة عن مجموعة محاضرات مكثفة، ذات موضوع مترابط، تلقَى في وقت محدد، لا يتجاوز في الغالب أيامًا معدودة، وفيها يتبادل المحاضرون وجهات النظر حول الموضوع المطروح.
وقد كثرت هذه الوسيلة الدعوية في الآونة الأخيرة، وعليها إقبال كبير من الشباب والمثقفين، وقد كان لكثير من هذه المؤتمرات أثر دعوي واجتماعي بين
المسلمين، وبخاصة تلك التي تُعقد في ديار الغرب بين غير المسلمين، الذين هم بحاجة ماسة إلى تعريفهم بالإسلام، وإظهار الدين الحنيف بمظهره الذي هو عليه.
وهذه المؤتمرات لها إيجابياتها وإن كان فيها سلبيات:
أما الإيجابيات:
فمنها: تبادل وجهات النظر والتعاون الفكري بين المسلمين بعامة وبين المحاضرين بخاصة.
الثانية: أثر هذه المحاضرات دعويًّا وعلميًّا على المدعوين وغيرهم فيما بعد.
الثالثة: الأثر الروحاني والاجتماعي الذي يعيشه المسلمون الحاضرون أثناء المؤتمر وبعده.
الرابعة: التعارف بين المسلمين في أفكارهم وأشخاصهم.
الخامسة: الظهور بمظهر القوة للإسلام والمسلمين.
ففي هذه المؤتمرات يستشعر المسلمون وغيرهم بقوة الإسلام، وبخاصة القوة العلمية، كما يستشعرون إقبال الناس على الإسلام في الوقت الذي يُدبر الناس عن أديانهم، وهذا من القوة الذاتية لدين الإسلام بفضل الله عز وجل.
فالإسلام ينتشر بقوته الذاتية بين غير المسلمين، بينما كثير من أهل الأديان الأخرى يرجعون عن أديانهم ويتركونها؛ لأنهم لم يجدوا فيها ما يبغون، وما تطمئن به قلوبهم، وما يغذي أرواحهم.
السادسة: من إيجابيات المؤتمرات العلمية: الخروج بحلول لكثير من قضايا الإسلام العالقة، أو التفكير في حلها، وما أكثرَ القضايا التي تقع بين المسلمين
ويحتاجون إلى إظهار الحل لها، أو تقع بين غير المسلمين ويريدون أن يعرفوا ما هي الحلول التي في دين الإسلام لهذه القضايا؟ فيأتي المؤتمرون ويعقدون مؤتمرهم؛ لبحث هذه القضية التي شغلت بال الناس من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، فيدرسونها، ويطرحون الحلول التي يرونها مناسبة لهذه القضية.
كذلك من إيجابيات المؤتمرات: إنقاذ كثير من المسلمين دينيًّا واجتماعيًّا مما حل بهم من الضياع والفساد وبخاصة في ديار الغرب.
إلا أن هذه المؤتمرات لم تخلو أيضًا من سلبيات، ونذكر هذه السلبيات من أجل تلاشيها؛ حتى تؤدي المؤتمرات غرضها وتحقق أهدافها.
من السلبيات التي تقع في بعض المؤتمرات:
قلة المادة العلمية التي تُعرض فيها، وما يترتب على ذلك من ضعف في التأصيل والمنهج، فعلى الذين يشاركون في مثل هذه المؤتمرات أن يبذلوا جهدهم في دراسة الموضوع أو القضية التي ستناقش في هذا المؤتمر، ويؤصلونها تأصيلًا علميًّا يعتمد على كتاب الله، وسنة رسول الله، وأقوال الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم أجمعين- فإن عدم اهتمام المشارك في المؤتمر بتحضير مادته العلمية؛ أولًا يعرضه هو بالظهور بمظهر الضعف، ولا يلقى القبول بين أخوانه ولا بين الحاضرين، وضعفه هو سيؤدي بالطبع إلى ضعف هذا المؤتمر، والإخلال به، وعدم تحقيق أهدافه التي عُقِد من أجلها.
كذلك من سلبيات المؤتمرات: عدم التركيز على القضايا العملية، مما يجعل المؤتمرات نظرية وبخاصة في الجانب الدعوي، فينبغي للذين يعدون هذه المؤتمرات أن يهتموا باختيار القضية التي سيناقشونها في أبحاثهم من خلال هذا
المؤتمر، وأن تكون ذا غرض عملي يترجم في حياة الحاضرين إلى واقع عملي، يعني: يسمعون من هؤلاء المحاضرين في هذا المؤتمر أشياء يحتاجون إلى العمل بها، فيخرجون من هذا المؤتمر فيطبقون ما سمعوا ويعملون به، وبذلك يستمر انتفاعهم بما سمعوا في هذا المؤتمر إذا هم عملوا بما سمعوا، أما إذا كان المؤتمر مجرد أقوال نظرية لا تتعلق بالناحية العملية، فإنه سُرعان ما ينساها الناس، ولا يذكرونها، فضلًا عن أن يعملوا بها وينتفعوا، وقد كان السلف يقولون: كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به.
فمن سلبيات المؤتمرات عدم التركيز على القضايا العملية.
كذلك من سلبياتها: عدم الالتزام في كثير من الأحايين بمقررات المؤتمرات، مما يجعلها حبرًا على ورق، إن المشاركين في المؤتمر بعد مناقشة البحوث التي عرضت من المشاركين، خرجوا بقرارات وتوصيات، ينبغي أن تكون هناك لجنة تتابع هذه القرارات، وما نفذ منها وما لم ينفذ، وما هي المعوقات التي حالت دون تنفيذ ما لم ينفذ؟ فإن هذه المتابعة أمر ضروري جدًّا؛ حتى لا تكون هذه القرارات -كما سبق قوله- حبرًا على ورق، نأتمر ونجتمع ونقدم بحوثًا، ونعرض آراءً وحلولًا لقضايا، ونقرأ القرارات والتوصيات، ثم لا يُعمل بها بعد ذلك، فهذه من السلبيات.
كذلك من سلبيات المؤتمرات: عدم ضبط ما يلقَى فيها بما يوافق الدليل من الكتاب والسنة، مما يسبب تناقضات في المطروح، واضطرابات لدى المدعوين، وانحرافات منهجية خطيرة في صفوف الصحوة المرتبطة بها.
إن العلم كما قال ابن القيم رحمه الله:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحابة، ليس بالتمويه.
فلا بد أن تكون البحوث والتي تُطرح في هذه المؤتمرات منضبطة بضابط الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، ولا بد أن تكون الحلول المطروحة لتلك القضية التي يعالجها المؤتمر حلولًا مستمدةً من كتاب الله وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قال:} إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ {(الإسراء: 9) يهدي للتي هي أقوم في كل قضية من القضايا، في كل مشكلة من المشاكل، في كل واقعة من الوقائع، في كل حادثة من الحوادث التي تحدث في بلاد المسلمين وفي غير بلاد المسلمين.
إن هذا القرآن هو الحل الأوحد للخروج بالناس من المآزق التي دخلوا فيها، ولا يعرفون الخروج منها، وهو الحل الأمثل لكل المشكلات والأزمات التي يعاني منها الناس مسلمين وغير مسلمين على حد سواء؛ لأن الله تبارك وتعالى قال في القرآن الكريم:} وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى {(طه: 124 - 127).
فينبغي للمؤتمرين أن يحرصوا على أن يكونوا منضبطين في أبحاثهم التي يعالجون بها القضايا والوقائع والأحداث، يكونوا منضبطين بالكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، وإلا فإن كل الحلول التي تُطرح بعيدةً عن ذلك تجعل المدعوين في اضطراب، وتصيب تلك الصحوة المرتبطة بهذا المؤتمر بانحراف كثير عن المنهج.
كذلك من سلبيات المؤتمرات: الاهتمام البالغ في الشكليات، مما يؤدي إلى الإسراف وعدم ظهور الدعاة بمظهر التواضع، مما يثير مشاعر الفقراء وغيرهم بذلك، فيبغي في المؤتمرين والقائمين على إعداد المؤتمر أن يبتعدوا عن مظاهر
الترف والسرف والبذخ، وأن يقتصدوا فيما ينفقون في هذه المؤتمرات؛ حتى لا يقال فيهم ما يقال، وما أكثرَ ما يقال. والسعيد الموفق مَن ذب الغيبة عن نفسه.
كذلك من سلبيات المؤتمرات: نَحْو كثير من المؤتمرات منحًا سياسيًّا بحتًا، وغلبة التحليلات الواقعة عليها، وهذا منزلق خطير، ينبغي أن نهتم بقضايانا العقائدية والتعبدية والتعاملية، وما ينفع المسلمين وما يردهم إلى دينهم ردًّا جميلًا بإذن الله عز وجل.
كذلك من السلبيات: تتبع الأحداث بعيدًا عن مضامين الشرع ومنهج الكتاب والسنة، وانطلاق بعضها انطلاقاتٍ حزبيةً، مما يعطل شموليتها، ويحجر واسعها، ويقطع في كثير من الأحيان سيرها.
إن الحزبية أمر خطير، فَرَّق المسلمين، وأضعف قوتهم، وأصابهم في مقتل، فعلى المسلمين أن يتحرروا من هذه الحزبية، وأن يجتمعوا على كتاب الله وعلى صحيح سنة رسول الله، وأن يستجيبوا لرب العالمين حيث قال:} وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا {(آل عمران: 103) وأن يستجيبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أوصَى أصحابه وكل مَن بلغهم في آخر أيام حياته صلى الله عليه وسلم.
يقول العِرباض بن سارية رضي الله عنه: ((وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً، وجلت من القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد حبشي، فإنه مَن يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.