المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم الدرس الرابع عشر ‌ ‌(الندوة والمؤتمر، وخصائص كل منهما، - الخطابة - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 مقدمة في الخطابة

- ‌مقدمة في تعريف الخطابة

- ‌تعريف الخطابة

- ‌تاريخ علم الخطابة ونشأتها

- ‌أهمية الخطابة ومكانتها

- ‌الدرس: 2 الغاية من الخطابة

- ‌أهمية الخطابة للدعوة الإسلامية

- ‌إعداد الخطبة

- ‌الدرس: 3 عناصر الخطبة

- ‌تركيب الخطبة

- ‌مصادر الخطبة

- ‌الأسلوب الخطابي

- ‌الدرس: 4 محتويات الخطبة

- ‌افتتاح الخطبة

- ‌الغرض من الخطبة

- ‌تقسيم الخطبة، وترتيب أفكارها

- ‌الدرس: 5 الخطيب وصفاته

- ‌أهمية الخطيب ومكانته في الإسلام

- ‌صفات الخطيب في الإسلام

- ‌الدرس: 6 تابع: الخطيب وصفاته

- ‌صفات الخطيب الفطرية

- ‌إعدادُ الخطيب الداعية عقليًّا

- ‌صفات الداعية النفسية

- ‌آداب تتعلق بالخطيب أثناء خطبته

- ‌إعداد الخطيب علميًّا وثقافيًّا

- ‌الدرس: 7 الخطابة في الجاهلية والإسلام

- ‌الخطابة في العصر الجاهلي

- ‌خصائص ومميزات الخطابة في الجاهلية

- ‌الخطابة في عصر الإسلام

- ‌مقارنة بين الخطابة في الجاهلية، والخطابة في الإسلام

- ‌دواعي الخطاب في عصر الإسلام

- ‌الدرس: 8 عوامل رقي الكتابة وازدهارها في صدر الإسلام

- ‌العوامل التي أدت إلى نمو الكتابة وازدهارها في صدر الإسلام

- ‌خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ونماذج أخرى

- ‌الدرس: 9 نماذج من خطب الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة والتابعين

- ‌نماذج من خطب الخلفاء الراشدين الأربعة

- ‌نماذج من خطب الصحابة والتابعين

- ‌الدرس: 10 الدرس الديني: شروطه، فوائده، الفرق بينه وبين الخطبة

- ‌الدعوة أو التبليغ بالقول، وضوابطه، وآدابه

- ‌الدرس وشروطه وفوائده

- ‌الفرق بين الخطبة والدرس

- ‌الدرس: 11 المحاضرة والمناظرة، وآدابهما في الإسلام

- ‌كيف يحضر المحاضر محاضرته

- ‌الحديث عن المناظرة والمجادلة والمناقشة، وآدابها في الإسلام

- ‌الدرس: 12 ضوابط الخطاب الدعوي، ورسالة الخطاب الدعوي المعاصر

- ‌(ضوابط الخطاب الدعوي

- ‌رسالة الخطاب الدعوي

- ‌الدرس: 13 مثالب الخطاب الدعوي وطرق علاجها

- ‌مثالب الخطاب الدعوي وطرق علاجها

- ‌أصول ومنهج وأساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه وحواره

- ‌ضرورة توافر النطق الجيد لدى الخطيب، وحسن الصوته وتمرينه

- ‌ضرورة الابتعاد عن الإسرائيليات والموضوعات والمنكرات، والضعيف

- ‌الدرس: 14 الندوة والمؤتمر، وخصائص كل منهما، وفوائده

- ‌(الندوة

- ‌المؤتمر

- ‌الدرس: 15 قواعد في الأسلوب الدعوي

- ‌قاعدة القول الحسن والكلمة الطيبة

- ‌الرِّفْقُ واللين والتّيسير

- ‌الشفقة والنصح لا التوبيخ والفضح

- ‌سهولة الأسلوب وبساطة الطرح، وواقعية التمثيل

- ‌التحدث بلُغة الجمع، وتعميم الخطاب عامةً دون قصد أفراد أو تعيين أشخاص

- ‌الحث والإكثار من استخدام عبارت الاستفهام

- ‌الدرس: 16 بعض الآفات التي قد يصاب بها الداعية

- ‌من الآفات التي قد تُصيب بعض الدعاة: "الرياء

- ‌من الآفات التي يتعرض لها بعض الدعاة: "العُجْب

- ‌من الآفات التي تصيب بعض الدعاة: "الغرور

- ‌من الآفات الخطيرة التي قد تصيب الدعاة: "الكِبْر

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم الدرس الرابع عشر ‌ ‌(الندوة والمؤتمر، وخصائص كل منهما،

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الرابع عشر

‌(الندوة

والمؤتمر، وخصائص كل منهما، وفوائده)

الندوة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:

فالندوة لغةً: الجماعة، ونادَى الرجل: جالسه في النادي، وتنادوا أي: تجالسوا في النادي، ويقال: ندوت القوم أندوهم: إذا جمعتهم في النادي، وبه سُميت "دار الندوة" بمكة التي بناها قصي، سميت بذلك؛ لاجتماعهم فيها. قال الجوهري: الندي: مجلس القوم ومتحدثهم، وكذلك الندوة والنادي والمنتدَى.

وقد جاء في القرآن الكريم قول رب العالمين سبحانه عن قوم لوط عليه السلام:} وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ {(العنكبوت: 29) قيل: كانوا يحذفون الناس في مجالسهم، فأعلم الله سبحانه أن فعلهم هذا من المنكر، وأنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس عليه ولا يجتمعوا علي الهزؤ والتلهي، وأن لا يجتمعوا إلا فيما قرب من الله عز وجل ورضوانه، وباعد من سخطه وعذابه.

وجاء في القرآن الكريم أيضًا قول ربنا سبحانه وتعالى:} فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ {(العلق: 17) يريد عشيرته، وإنما هم أهل النادي، والنادي مكانه ومجلسه، فسماه به.

أما الندوة في اصطلاح العلماء: فهي اجتماع مجموعة من المتخصصين أو المهتمين بأمر معين في مكان محدد وزمان محدد؛ لمناقشة موضوع محدد سلفًا، يتناوله كل واحد من المجتمعين من زاوية معينة من زواياه، ويبين كل منهم رأيه وما يعود على الناس من الخير في هذا الموضوع، وقد يُفتح بعد ذلك باب التعليق والمناقشة والسؤال من جانب جمهور المستمعين.

والندوة أسلوب من أساليب الدعوة له أهميته، وذلك أن هذا النوع من الوسائل -وسائل الدعوة، وهو الندوة- أقرب إلى النفوس، والندوة لها أهمية كبرى في

ص: 277

توضيح الفكرة المعروضة على العلماء؛ حيث إن كثرة المتكلمين تبعث على النشاط وتفض الملل والكسل؛ لأن المتحدثين يتناولونها من جميع الجهات، كل منه يعطى عُصارة فكره وقصارة مجهوده، وما نسيه واحد يذكره الآخر، وما لم يستطع أن يبين ما يريد بينه الآخر.

وهكذا من خلال تعريف الندوة وأهميتها، نستطيع أن نفرق بينها وبين الخطبة وغيرها من الوسائل القولية.

وللندوة أهدافها، وهي:

الخروج بواجبات عملية تنفذ وليست للإثراء الثقافي فقط.

ثانيًا: تكوين وعي ثقافي حول قضية معينة.

ثالثًا: تكوين رأي موحد وفكر مشترك حول موضوع معين.

رابعًا: تنمية قدرة الأفراد على المناقشة وإبداء الرأي.

خامسًا: التعايش والاحتكاك بأفراد جدد.

سادسًا: تبادل الخبرات والتجارب.

سابعًا: اكتشاف المواهب والعمل على توظيفها.

ثامنًا: استثمار طاقات المحاضرين والأساتذة؛ لتوريث الدعوة.

هذه هي الأهداف التي يحرص المجتمعون في الندوة على تحقيقها.

وللندوة عناصر، وعناصرها هي: موضوع الندوة.

ثانيًا: مدير الندوة أو المقرر لها.

ص: 278

ثالثًا: المحاضرون.

رابعًا: الجمهور.

خامسًا: الحوار والمناقشة.

سادسًا: الزمان.

سابعًا: المكان.

وأخيرًا من عناصر الندوة: الوسائل المعينة لاستخدامها في هذه الندوة.

وحتى تؤتي الندوة أكلها وثمارها وتحقق أهدافها، لا بد أن يراعي المحاضرون في الندوة أسباب النجاح التي يتوصلون بها إلى تحقيق أهداف الندوة ونجاحها، ونستطيع أن نقيس نجاح ندوة أو عدم نجاحها من خلال هذه العناصر، فأي خلل في واحد منها يؤدي إلى ضعف في الندوة.

أما بالنسبة للمدير أو مقرر الندوة: فينبغي أن يكون ذا خبرة في تقديم إدارة الندوات.

ثانيًا: أن يكون على اطلاع جيد على الموضوع الذي سيديره في الندوة.

ثالثًا: تحضير الربط بين فقرات الندوة.

رابعًا: ضبط الوقت منه ومن المحاضرين؛ حتى يكون كل محاضر على علم بالوقت المتاح له في هذه الندوة، لا يقصر عنه ولا يزيد عليه.

خامسًا: حِرص المقرر للندوة حرصه الدائم على تحقيق أهداف الندوة.

سادسًا: إعطاؤه الحرية في إبداء الآراء.

ص: 279

سابعًا: رد الحاضرين إلى صُلب الموضوع كلما ابتعدوا عنه، فربما لو أعطيت الفرصة للحاضرين للسؤال وإبداء الرأي، ربما خرج بعضهم بسؤاله أو رأيه عن الموضوع الذي تدور حوله الندوة، وهذا من أسباب فشل الندوة، وتضييع وقت الحاضرين والمحاضرين، فعلى مدير الندوة أن يرد الحاضرين إلى صلب الموضوع كلما خرج أحدهم بسؤال خارج الموضوع أو برأي لا يمت إلى الموضوع بصلة.

ثامنًا: أن يكون مقرر الندوة قادرًا على التلخيص واستخلاص النتائج، بحيث يعطي الحاضرين خلاصةَ ما قاله كل محاضر عقب محاضرته، أو خلاصةَ ما أُلقي في هذه المحاضرة كلها في نهايتها.

تاسعًا: أن يحسن تجهيز المكان والوسائل المعينة للاستخدام في هذه الندوة.

عاشرًا: على مقرر الندوة ومديرها أن يعد العدةَ، ويجهز كل ما يحتاجه للندوة مع المحاضرين فيها قبل موعدها بزمن كافٍ.

وأخيرًا على مقرر الندوة أو مديرها: أن يتسم بسعة الصدر، والحلم، وجميل الأخلاق، ولين القول، وبَشاشة الوجه؛ حتى يستطيع أن يستميل جمهور الحاضرين إليه، وإلى المشاركين معه في هذه الندوة.

أما المحاضِر في الندوة فيُشترط فيه حتى تحقق الندوة أهدافها، وتكون ندوة ناجحةً بإذن الله عز وجل يشترط في المحاضر أو يلزم المحاضر:

- تقسيم المحتوى إلى عناصر تخدم الأهداف، أن يقسم المحاضر ما أعده للإلقاء في هذه الندوة إلى عناصر تخدم أهداف الندوة، وتحقق أغراضها.

- تحديد الزمن وعدم تخطيه، فالندوة -كما قلنا- يشترك فيها أكثر من عالم، فينبغي للمحاضِر أن يلتزم بالزمن الذي حدده له مقرر الندوة ومديرها؛ لأن في

ص: 280

تخطي المحاضر الوقت المحدد له تعد على إخوانه، وقد يلجئهم إلى عدم استيفاء ما أعدوه للمحاضرة، وما أعدوه للإلقاء في هذه الندوة، فلا تتم الأغراض ولا تتحقق الأهداف.

ثالثًا: إبراز النقاط المهمة: على المحاضر أن يبرز أهم النقاط التي يراها في محاضرته.

ورابعًا: ترك الدخول في التفاصيل لأسئلة الجمهور؛ لأنه حين يُفتح باب الأسئلة على مصراعيه للجمهور الحاضر، فإنهم بذلك سيضيعون الوقت، ويحولون بين المحاضر وبين إلقاء ما أعده للإلقاء عليهم.

خامسًا: مراعاة مستوى الحضور ومرحلتهم العلمية، بمعنى: أن نُخاطِب الناس على قدر عقولهم، وأن يكون المحاضر على دراية وبينة وعلم بِمَن يحاضرهم في هذه الندوة، أن يكون على علم بمستواهم الثقافي، ومراحلهم التعليمية؛ حتى لا ينزل عن مستواهم ولا يصعد إلى ما هو أعلى من مستواهم، وبذلك لا تؤت المحاضرة أكلها، ولا تحقق الندوة أهدافها.

سادسًا: أن يتوفر في المحاضر مهارات الأداء في محاضرته الحيوية، والتفاعل، والتعايش مع ما يلقيه على الحاضرين حتى يؤثر فيهم، فإنه إن لم يتعايش ويتفاعل هو مع ما يقوله فلن يتعايش الحاضرون معه ولن يتفاعلوا مع محاضرته.

أما الجمهور: فحتى تنجح الندوة وتحقق أهدافها، فيلزمهم أثناء الندوة:

- أن يكونوا قد درسوا موضوع الندوة دراسةً جيدةً؛ حتى يستطيعوا التداخل مع المحاضر، والاستفهام والسؤال.

ص: 281

- وعلى الحاضرين أن لا يقاطعوا المحاضر أثناء محاضرته، بل إذا بَدَا لأحدهم سؤال أثناء المحاضرة كتبه، فإذا انتهى المحاضر من محاضرته وفتح باب السؤال، سأل مَن أراد السؤال.

ثالثًا: أن لا يخرج الجمهور بأسئلتهم عن موضوع الندوة.

رابعًا: على الجمهور التفاعل والحيوية أثناء الندوة، فينبغي لكل مَن حضر الندوة أن يكون حاضرًا بقلبه لا ببدنه فقط، وأن يلقي السمع ويحسن الاستماع، ويحرص على الفهم والتدبر والانتفاع بما يلقى في هذه المحاضرة، فلا ينشغل عما يلقى عليه بأي شاغل آخر يشغله، ويجعله لا يسمع ولا يعي ولا يستفيد من حضوره، والله سبحانه وتعالى قد قال:} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ {(ق: 37).

فهذه شروط الانتفاع من الحاضرين للندوة أن يحضروا بقلوبهم، وأن يلقوا أسماعهم، وأن يقطعوا الشواغل التي تشغل سمعهم وأبصارهم وقلوبهم عن المحاضر أثناء الندوة، وقد ذم الله تبارك وتعالى المشركين على تشاغلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أثناء حديثه، فقال عز وجل:} نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى {(الإسراء: 47) حاضرون لا يستمعون لمن يحاضرهم ولا من يعظهم، وإنما يتناجون أي: يتحدثون سرًّا أثناء المحاضرة وأثناء الندوة وأثناء الموعظة، فأنَّى لهم أن يعوا وأن يستفيدوا وأن ينتفعوا؛ ولذلك قال الله تعالى:} وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا {(محمد: 16) فهم لم يدروا ماذا قال؟ ولم يعوا ماذا قال؟ لأنهم لم يحسنوا الحضور ولم يحسنوا الاستماع، لم يتفاعلوا ويتعايشوا مع المحاضر أثناء الندوة.

خامسًا: على الجمهور أن يتجنب تَكرار طرح الأسئلة التي سُئِلت من قبل ولو بأسلوب آخر، وهذا داء وآفة قد انتشرت في الجمهور في كل مكان، إلا مَن رحم

ص: 282

ربك وقليل ما هم، فأكثر الناس دأب على أنه كلما جاء محاضر أو حضر محاضرة أو حضر ندوة، أن يسأل سؤالًا، والسؤال هو هو لا يتغير، ولو حضر في اليوم خمس محاضرات أو خمس ندوات هو سؤاله الذي يسأله لهذا، ويسأله لهذا، ويسأله لهذا، وهذا من الأسئلة التي نُهينا عنها.

فمن آداب السؤال أن يكون سؤالَ تفقهٍ لا تفكه وتندرٍ، ولا لإعجاز المسئول، فحتى تنجح الندوة وتحقق أهدافها على الجمهور الحاضر أن يجتنب طرح الأسئلة المقررة ولو كان يغيرها بأسلوب آخر.

وأخيرًا على الجمهور: أن يقصد بحضوره تلك الندوة أن يترجم ما سمِعَ إلى حياته العملية، أو واقعه العملي، وأن يعمل بما سمع، وأن يستجيب لله وللرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما سمعه أثناء تلك الندوة أو أثناء تلك المحاضرة، أو من ذلك الواعظ وذلك المدرس، المقصود من التعلم هو العمل، فإذا حضر إنسان مجالس العلم على اختلاف أساليبها من الخطبة والدرس والندوة وغير ذلك ولم يكن له رغبة في العمل، فإنه إنما يستزيد من حجة الله عليه. كما روي: أن رجلًا كان كلما لقي أبا الدرداء سأله سؤالًا، فقال له أبو الدرداء:"يا هذا، أكل ما تسأل عنه تعمل به؟ فقال: لا، فقال: فما تصنع بازدياد حجة الله عليك؟ ".

فيجب على الجمهور إذا حضر الندوة أو الموعظة أو الخطبة أو المحاضرة أو الدرس أو غير ذلك، إذا حضر مجلس علم مهما اختلفت أساليبه، يجب على مَن حضر أن يكون حريصًا على أن يتعلم ليعمل، وأن يبادر عقب التعلم بالعمل؛ استجابةً لله وللرسول صلى الله عليه وسلم فإن الجمهور حين يحرص على العمل بما

ص: 283

يسمع إنما يكون من الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم:} فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ {(الزمر: 17، 18).

فهذه أسباب نجاح الندوة وتحقيقها أهدافها، والأسباب -كما بينا- منها أسباب تتعلق بمدير الندوة، ومنها أسباب تتعلق بالمحاضر، ومنها أسباب تتعلق بالجمهور الحاضر.

أما كيف تجرى الندوة وتُدار؟

فنقول: ينبغي الإعداد للندوة قبل انعقادها بزمن كافٍ، وذلك الإعداد يكون:

بترتيب المحاضرين وإبلاغهم قبل الموعد بوقت كافٍ.

ثانيًا: تجهيز المكان وإعداده إعدادًا مناسبًا.

ثالثًا: تجهيز الوسائل المعينة.

رابعًا: إعلام الجمهور بموعد وموضوع الندوة بوقت كاف.

وينبغي الحرص على كثرة الإعلام والإعلان عن هذه الندوة والدعوة إليها، وأن يغطي مساحةً واسعةً من المدينة أو من الأحياء أو من القرية؛ حتى تبلغ الدعوة لتلك الندوة أكبر قدر ممكن من الجمهور.

هذا ما ينبغي إعداده للندوة قبل انعقادها.

أما أثناء الانعقاد: فتتم الندوة على النحو التالي:

أولًا: افتتاح الندوة بكلمة موجزة وهادفة يلقيها مدير الندوة، يعرف الحاضرين بالموضوع الذي سيتناوله المحاضرون في هذه الندوة، والأهداف المقصودة من هذه

ص: 284

الندوة والأغراض التي يسعى الذين أعدوا هذه الندوة إلى تحقيقها من خلال هذه الندوة.

ثانيًا: تقديم كل مشارك في الندوة تقديمًا مناسبًا، أن يكون مدير الندوة على علم بالمحاضرين الذين دعاهم للاشتراك في هذه الندوة، وأن ينزل الناس منازلهم، وأن يكون قد قسَّم المحاور الرئيسية التي تدور حولها الندوة على المحاضرين، ويبدأ بالأهم فالمهم، ثم يقوم كل محاضر بتقديم الجزء المخصص له في الوقت المحدد، ولا يتخطاه -كما سبق بيانه- ثم التعليق من المشاركين، وينبغي أن يكون تعليقًا مدروسًا موجزًا هادفًا، وينبغي عدم الخروج عن الموضوع المطروح كما نبهنا.

ويخصص ثلثُ الوقت المتفق عليه سلفًا للمحاضرين، والثلثين للحوار والمناقشة أو العكس، كما يراه مقرر الندوة ومديرها، ويبدأ الحوار والمناقشة بين المحاضرين والجمهور بآداب الحوار بالتي هي أحسن، وبالكلمة الطيبة، وبالروح التي يسودها المحبة والألفة والأخوة، والحرص على الانتفاع وإصابة الأهداف وتحقيق الأغراض، فإن الله تبارك وتعالى قال:} وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {(العنكبوت: 46) وقال:} وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا {(البقرة: 83).

فينبغي على الحاضرين إذا فُتِح لهم باب النقاش والسؤال ولو كان الحاضر يخالف الفكرة المطروحة، عليه أن يطرح أسئلته بكل أدب وإخاء، وكذلك على المحاضِر أن يرد على مَن يسأله ولو خالفه في فكرته التي طرحها بكل أدب ومحبة وإخاء.

وفي النهاية يتم تسجيل النتائج والواجبات العملية التي نتجت من الحوار والمناقشة أثناء تلك الندوة.

ص: 285

فإذا انتهت الندوة وانصرف الجمهور، فإن على المسئولين عن عَقْد هذه الندوة أن يقيموا الندوة وينظروا فيها، ويقدروا نسبة النجاح فيها، فدراسة مدى نجاح الندوة في تحقيق أهدافها لا بد منه؛ حتى نعلم هل وُفقنا في هذه الندوة؟ وكم نسبة التوفيق؟ هل نجحنا إلى تبليغ الغرض الذي سعينا إلى تبليغه للناس أم لا؟ وما نسبة النجاح؟ حتى نتلاشى التقصير والخلل والزلل إذا كان في الندوة، نتلاشاه في الندوة التي بعدها.

وهذه الدراسة التي تقدر وتقيم الندوة تتم من خلال:

- ملاحظة سلوك الأفراد، ومدى ما حدث فيها من تغيير بعدما سمعوا ما سمعوا من المحاضرين في هذه الندوة.

- ثانيًا: استبيان يوزع على الأفراد؛ لمعرفة مدى التغيير الذي أحدثته الندوة في مفاهيمهم.

- العمل الحثيث على تنفيذ الواجبات العملية التي تم الاتفاق عليها في الندوة، فلا بد من المتابعة، فإذا اتخذت قرارات في الندوة فلا بد أن تكون هناك لجنة متابعة تتابع هذه القرارات وكيفية تنفيذها، وما الذي تم تنفيذه منها وما الذي لم يتم.

- متابعة الموهوبين والمتميزين الذين أفرزتهم اللجنة، هذا الجمهور الذي حضر تلك الندوة ظهر من خلال مشاركة بعض الحاضرين أفراد مميزون في أخلاقهم، مميزون في سلوكهم، مميزون في أدبهم، مميزون في أفكارهم وآرائهم، ومداخلتهم ومناقشتهم ومحاورتهم، فهؤلاء ينبغي أن يتابَعوا ليستغلوا ويرشدوا، ويُستعملوا بعد ذلك في الدعوة لله عز وجل.

ص: 286

ثم علاج السلبية التي ظهرت عند بعض الأفراد أثناء الندوة، فإذا رأى القائمون على الندوة تصرفات مخلة أو تصرفات غير منضبطة بالضوابط الشرعية، من خلال قول بذيء، أو عمل قبيح، أو تصرف أساء إلى الحاضرين، أو سؤال خرج عن المعتاد، أو خرج عن محاضرة الندوة، فينبغي العناية بهؤلاء الأفراد بعد الندوة، والتركيز على توجيههم، والتركيز على تعليمهم الآداب والأخلاق التي أرشدنا ربنا سبحانه وتعالى إليها أثناء مثل هذه المجالس، مجالس العلم.

وأخيرًا: تسجيل أوجه الخلل التي حدثت في الندوة؛ لتلافي الوقوع فيها مستقبلًا، فلا بد من حصر ما حدث في هذه الندوة من سلبيات؛ حتى لا نقع فيها مرة ثانية.

هذه هي الندوة، وأهميتها، وعناصرها، وأسباب نجاحها، وأهدافها.

والندوة أنواع: من أنواع الندوة:

الندوة المغلقة:

التي تقتصر على الأعضاء المشاركين، ويكون لها مدير خاص يتولى إدارة الحوار بين الأعضاء، والندوة المغلقة قسمان:

الأول: الندوة البحثية: التي يقدم كل عضو من الأعضاء فيها بحثًا يخضع للمناقشة بعد إلقائه، وفي هذه الحالة يكون كل بحث معدًّا سلفًا قبل موعد الندوة بوقت طويل، ويقتصر دور مدير الندوة في هذه الحالة على تنظيم إلقاء البحوث وإدارة الحوار، ويكون موضوع الندوة تخصصيًا يقتصر على المتخصصين تخصصًا دقيقًا في موضوع الندوة، وفي الغالب فإن الذي يدعو إلى الندوة يكون جهة علمية أكاديمية، أو مؤسسة ثقافية، أو منظمة دولية متخصصة، ويتم نشر الأبحاث عادةً بعد انتهاء الندوة.

ص: 287

النوع الثاني من الندوة المغلقة: الندوة الاستجوابية: التي تقوم على طرح الأسئلة، ومن ثم الإجابة عليها، وفي مثل هذا النوع من الندوات يقوم مدير الندوة بدور رئيسي مشارك، فهو الذي يختار الأسئلة ويصوغها، ويختار أسئلة جديدة، وهو الذي يثير المشكلات التي تحتاج إلى استضاح، ولهذا فإن المفترض في مدير الندوة أن يكون ممن لهم علاقة تخصصية بموضوع الندوة، ممن تتوافر فيهم مهارة خاصة في إدارة الحوار، والسيطرة عليه.

وغالبًا ما تكون الندوة في موضوعات عامة تهم الجمهور، ومن هذه الندوات: الندوات التليفزيونية والإذاعية التي تنتشر في هذه الأيام.

النوع الثاني من أنواع الندوات: الندوة المفتوحة:

وتتميز هذه الندوة بالمشاركة الواسعة من جمهور الحضور الذين لا يقتصر دورهم على طرح الأسئلة فقط، ولكن يتعدى ذلك إلى التعليق، وطرح وجهات النظر المختلفة ولكن في حدود، وبعض أن ينتهي الأعضاء من طرح وجهات نظرهم حول القضية -قضية موضوع الندوة.

أما عن كيفية إدارة الندوة:

- فإذا كانت الندوة بحثيةً: فلا بد من اختيار أعضائها من بين الأعلام البارزين ومن ذوي الاختصاص المعروفين، وإبلاغهم قبلها بوقت كافٍ؛ حتى يعدوا أبحاثهم إعدادًا كافيًا، كذلك لا بد من اختيار موضوع الندوة بعناية فائقة، بحيث يكون ذا أهمية خاصة للإسهام في حل قضية علمية أو طبية أو إشكالية فلسفية أو أدبية نقدية، ولا بد من إعداد العدة لنشر النتائج وإذاعتها في الأوساط المختصة، وتوزيعها على المعاهد العلمية ذات الاهتمام بهذا الموضوع.

ص: 288