الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس عشر
(قواعد في الأسلوب الدعوي)
قاعدة القول الحسن والكلمة الطيبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فبعدما انتهينا من دراسة الأساليب الدعوية؛ نتبعها بقواعد ينبغي على الداعية خطيبًا كان أو مدرسًا أو محاضرًا، أن ينضبط ويلتزم بهذه القواعد؛ حتى ينجح في دعوته، وتُؤتي دعوته أكلها بإذن ربها.
من هذه القواعد التي ينبغي للداعية أن يلتزمها في أسلوبه الدعوي القول الحسن:
فإن لحسن أسلوب والكلمة الطيبة وطِيب العشرة الأثر الطيب والثمر اليانع في حياة الناس بعامة، ولذلك حثّ اللهُ عز وجل الأنبياء والدعاة والناسَ أجمعين على هذا القول الحسن، قال الله تعالى مادحًا عباده المؤمنين:{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} (الحج: 24)، وقال آمرًا بالقول الحسن:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البقرة: 83).
فإذا كان هذا الأمر بعامة ولعامة الناس؛ فمن باب أولى أن يكون للداعية منه نصيب وافر وبخاصة في مقام الدعوة، ولذلك أكد الله عز وجل على حُسْنِ الأُسلُوب في مَقَام الدّعوة بغض النّظر عن حال المدعو؛ أيًّا كان في مقامه أو في دينه أو في كفره، قال الله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125).
ومع ما اتصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرفق واللين وحسن العشرة بشهادة الله عز وجل له: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4)، مع هذا كله حذَّر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من عواقب سوء الأسلوب وغِلظة العشرة، فقال سبحانه:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159).
وجاءت السُّنة لتُؤَكّد حُسْنَ الأُسلوب بصورة أشمل، وبتعبيرٍ أعَمّ يَشْمَلُ كل مخلوق، ويعم كل معاملة. قال عليه الصلاة والسلام:((ما كان الرفق في شيء قط إلا زانه، وما نُزِع من شيءٍ إلّا شانه)) فتنكير كلمة "شيء" تفيد العموم في كل قضية، ومع كل مخلوق، إنسانًا كان أو حيوانًا. وقال صلى الله عليه وسلم:((الكلمة الطيبة صدقة)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((تبسمك في وجه أخيك صدقة)).
ومن عظم ما يسطر ها هنا من خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أشد الناس عداوة لله ولرسوله وللمؤمنين، مما يُبرز سماحة هذا الدين وقصده الإصلاح: عن عائشة رضي الله عنها: ((أنّ يهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة رضي الله عنها: عليكم، ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال صلى الله عليه وسلم: مهلًا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحشَ، قالت رضي الله عنها: أَوَلَمْ تسمع ما قالوا؟ قال: أولم تسمعي ما قلتُ؟! رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يُستجاب لهم فيَّ)).
وحَذّرَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تَنْفِير الناس من الدعوة؛ بالتصرفات السيئة والأسلوب الفَظّ، والكَلِمات القاسية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن منكم منفرين)) وصدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المشهور أن هذا القول إنما قاله صلى الله عليه وسلم لمن أطال الصلاة، أطال إمام الصلاة بالمصلين، فشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((إن منكم منفرين)).
فإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم لمن أطال الصلاة، فما عساه أن يقول لمن يُطيل الخطاب ويسيء الأسلوب، وقد جاء أكثر من وفد من كفار قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتغير أسلوب خطابه، تأثرًا بما كان منهم من قبل من التعذيب والفجور والصد عن سبيل الله.