الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخَشْيَة أنْ يَتأثر موسى عليه السلام بِمَا كَانَ عَليه فِرْعَون من الكفر الشديد، والظلم الكبير والعناد والخُبث، ذكره الله تعالى بأن لا يتجاوز الأسلوب الحسن في خطابه، وأن لا يلتفت إلى سوابق فرعون من كفر وظلم، وإلى تصرفاته السابقة من بطش وإجرام، ويظهر هذا في قول ربنا عز وجل مخاطبًا موسى وهارون -عليهما الصلاة والسلام-:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 43 - 44) ويظهر كذلك في المحاورة التي جرت بين موسى وفرعون مما ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم في أكثر من موضع.
فإذا كان الأسلوب الحسن واجبًا في أحق أكثر الكافرين، وأضَل الضالين؛ فكيف بمؤمن مخطئ أو مسلم منحرف؟!
لذلك كان من الأمور التي يجب على الداعية أن يلتزمها في دعوته طاعة لله ومصلحة لدعوته، حسن الأسلوب وثباته على هذا في كُلّ زمان ومكان، ومع كل مدعو ومدعوين، بما النظر إلى ما عليه المدعو من الأحوال الإيمانية والعدوانية والخُلقية، ومهما تصرف من تصرف حيال الدعوة أو الداعي؛ لأنّ حسن الأسلوب أمر شرعي مفروض على الداعية لا يتغير بتغير حال المدعو وتصرفاته، فلا يجوز في الدعوة إلا رفقًا بالأفعال ورقة في التعبير وعطفًا في التصرف.
الرِّفْقُ واللين والتّيسير
القاعدة الثانية: الرِّفْقُ واللين والتّيسير لا القساوة والغلظة والتعسير.
إن من أعظم مُميزات الأسلوب الحسن ومعالمه هو الرفق في المعاملة والكلمات الطيبة، والعِبَارَاتُ اللّينَة والبَشاشَةُ حين اللقاء، والبُعد عن الجفاء، والتجافي عن الفظاظة، والترفع عن الرد.
فقد مر سابقًا من النصوص ما يغني عن إعادتها من أهمها قول ربنا عز وجل لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} مع طغيانه وجبروته: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} وقد مدح الله تبارك وتعالى عبادَه الذين شرّفهم بالنسبة إليه؛ فسماهم عباد الرحمن مدحهم على القول الهين اللين، فقال عز وجل:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (الفرقان: 63)، وقال سبحانه:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: 34).
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((من يُحرم الرفق يحرم الخير كله))، وقال صلى الله عليه وسلم:((ألا أُخبركم بمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هين سهل)). فإذا كان هذا هو الواجب في أسلوب المسلم في حياته العامة؛ فمن باب أولى أن يتأكد هذا في أسلوب الدعاة؛ لِمَا سبق من بيان أهمية الأسلوب في الدعوة إلى الله تعالى.
ولذلك جاءت النصوص مؤكدةً على ذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159)، وقال سبحانه:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125)، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)). وفي رواية قالت رضي الله عنها: ((كنت على بعير صعب فجعلت أضربه، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك بالرفق)).
وبتعبير تأصيلي بديع وذكر للسر في ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه)) ومعنى: ((زانه)) أي: إذا كان