الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرفق في شيء جَعَله جَميلًا ومحبوبًا، ويكون ذلك بالمُعاملة الحسنة والكلمة الطيبة، والصفح الجميل، وهذا هو الذي يُصْلِحُ الأسلوب، ويَجْعَله مقبولًا لدى المدعوين. ومعنى قوله:((شانه)) أي: جعله مقبوحًا ومكروهًا، ويكون بالألفاظ القاسية والأسلوب الجاف، والتجهم بالوجه، والتأفف من المدعو وأفعاله؛ مِمّا يُؤدي إلى إفساده وإفساد الدعوة ونفور المدعوين.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاتبه ربه إذ عبَس في وجه أحد المدعوين، وهو عبد الله بن أم مكتوم الأعمى، وقد كان جاء النبي صلى الله عليه وسلم يسأله أن يُعلمه مما علمه الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت مجتهدًا في مناقشة ومحاورة ودعوة أكابر قريش إلى الله عز وجل فانشغل بهم عن عبد الله بن أم مكتوم، وعبس في وجهه أن أراد أو حاولَ أنْ يَقْطَع حَديثه مع أكابر القوم ويصرفه عنهم، ونزلت سورة عبس كما هو مشهور.
فإذا عوتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فما حال بعض الدعاة الذين يتجهمون في وجوه الناس وكأن بينهم وبين المدعوين حربًا ضروسًا، وعداءً مستحكمًا.
فحري بالداعية أن يراجع أسلوبه فهو نصف النجاح إن لم يكن معظمه.
الشفقة والنصح لا التوبيخ والفضح
القاعدة الثالثة من قواعد الأسلوب الدعوي: الشفقة والنصح لا التوبيخ والفضح.
إن المدعوين مرضَى، والداعية هو الطبيب، والطبيب الناصح يكون شفيقًا بالمرضى؛ همه معالجتهم والأخذ بأيديهم إلى طريق الصحة، وإنقاذهم مما هم فيه، ولا يَجُوز له إلقاء اللوم ولا فضيحة المريض، ولا التشفي منه؛ فإنّ هذا يزيدهم مرضًا على مرض، وضياعًا على ضياع، وهمًّا على هم؛ لأجْلِ هذا وجب أن يكون أسلوب الداعية أسلوب الشفيق بمدعويه الرحيم بهم.
قال الله تعالى عن رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((الدينُ النصيحةُ)) فجعل محور الدين النصيحة لا الفضيحة؛ فإن للنصيحة أسلوبها؛ وللفضيحة طريقها، وشَتّان بين الطريقين أسلوبًا وأثرًا.
ومن الخطأ الواضح ما يفعله بعض الدعاة من تتبع عثرات المسلمين، وكشف عوراتهم، بدعوى ظاهرها زين وباطنها شين، فقد قال عليه الصلاة والسلام:((يا معشر مَن آمَنَ بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومَن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)).
بلى على العكس من ذلك أمر الإسلام بستر المسلمين، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم:((ومَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة))، ولذلك كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحس من أحد خطأً، قام بواجب النصح في الأمر مع ستر عين الفاعل؛ فكان يقول على المنبر:((ما بال أقوام يقولون كذا))، ((ما بال أقوامًا يفعلون كذا)). فبهذا يؤدي واجب النصح ويؤدي في الوقت نفسه واجب الستر، وهي موازنة يجب أن يراعيها الدعاة إلى الله عز وجل.
فمِنَ الخَطأ تَسميةُ النّاسِ بأسمائهم في الأسلوب الدعوي على اختلاف أنواعه؛ فعل فعلان، وقال فلان، لا فَرْق في ذلك بين كبير القوم وصغيرهم، وأعلاهم وأدناهم، وكم لهذا الأسلوب من مساوئ، وكم حال هذا الأسلوب بين الداعية وبين جمهوره، وكم حال هذا الأسلوب السيئ القبيح المخالف للهدي النبوي الغير المنضبط بالقواعد الدعوية، كم جر هذا الأسلوب على الداعية نفسه من ويلات ونكبات.