الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الخطيب المتصرف المجيد لا يضل في تمييز هذه الأصو ات إذا جعل دليله ما يشعر به من هذه المعاني، وما ير اه من الناس في محادثاتهم المعتادة في رفع أصواتهم أو خفضها، فإن المحادثات المعتادة هي الحاكية الصادقة الحكاية للأمر المألوف والذوق المعروف، فليكن في تغيير صوته صورة مكبرة، مزينة، مجملة بجيد التعابير لما يجري بين الناس، فإنه إن فعل ذلك كان صادرًا في نغماته عن إحساسهم ومشاعرهم وذوقهم العام.
ضرورة الابتعاد عن الإسرائيليات والموضوعات والمنكرات، والضعيف
أما الدكتور عبد المنعم أبو شعيشع فقد حدثنا وحذَّرنا عن الإسرائيليات والموضوعات والمنكرات التي ابتُلي بها كثيرٌ من الخطباء في خطابهم الدعوي، فقال: ينبغي أن تكون الموعظة ثابتة الأصول، باسقة الفروع، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وسبيل ذلك التمسك بالصحيح، وترك الأحاديث الواهية والمنكرة والموضوعة والروايات الضعيفة، ففي مجال التفسير يجب على الداعية أن يعرض عن الإسرائيليات.
يقول الدكتور: لما عجز اليهود عن مقاومة الإسلام عسكريًّا لجئوا إلى الغزو الثقافي، ودس الإسرائيليات المنكرة في كتب التفسير حتى امتلأت بها، وذلك -أي: تحريف الكلم- من أخلاقهم السيئة كما وصفهم الله تعالى. والذي دعا المسلمين عن الأخذ عن بني إسرائيل ما فهموه من حديث البخاري عن عبد الله بن عمر مرفوعًا: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)).
قال الدكتور يوسف القرضاوي: وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أذن بالتحدث عنهم أمرنا أن لا نصدقهم ولا نكذبهم، فأي تصديق لرواياتهم وأقاويلهم أقوى من أن نقرنها بكتاب الله، ونضعها منه موضع التفسير أو البيان؟ اللهم غفرانك.
ولابن كثير رحمه الله في تفسيره تعقيبات كثيرة من هذا النوع على الإسرائيليات تتضمن إنكاره عليها ورفضه لها وإن كان يذكرها تبعًا لمن قبله، وفي بعض الأحيان يرفض ذكرها بالكلية مبقيًا القرآن على إجماله دون الخوض في تفصيلات لم يأتِ بها حديث ثابت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
كذلك مما يجب على الخطيب أن يحذره ويحذر الوقوع فيه في خطابه الدعوي الأحاديث الضعيفة والأحاديث الموضوعة.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي: سواء من ذلك ما كان مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما كان موقوفًا على بعض الصحابة مثل علي وابن عباس وغيرهما، وما كان منسوبًا إلى بعض التابعين مثل مجاهد وعكرمة والحسن وغيرهم، أو منسوبًا إلى مَن بعدهم من أهل العلم.
يجب على الخطيب أن يتفحص الروايات التي يرويها، والأحاديث التي يستشهد بها، وعليه أن يبذل جهده في محاولة تحقيق الحديث الذي يرويه؛ حتى لا يقع في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:((من كذَب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)).
لقد حذَّر علماء الحديث من رواية الحديث الموضوع في مقام الأحكام والقصص والترغيب وغيرها، إلا مع التنبيه عليه، وبيان أنه حديث موضوع؛ وذلك ليحذر منه القارئ والمستمع.
لذا ينبغي على الخطيب الداعية أن لا يأخذ الحديث النبوي الشريف من كتب الوعظ والإرشاد والتصوف والتربية والتاريخ والتفسير ونحوها؛ وذلك لأنها
ليست من كتب السنة المعتمدة، ولا تعنَى بانتقاء الأحاديث التي توردها وغربلتها، ولا تعزوها إلى مَن خرَّجها من أصحاب الكتب الحديثية حتى لو كان مؤلفه من حفاظ الحديث.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي: حتى حفاظ الحديث الناقدون، إذا ألفوا في الوعظ وما يتعلق به تلخصوا وتساهلوا إلى حد التفريط فيما يروونه في بعض الأحيان، حتى وجدنا الإمام ابن الجوزي صاحب (الموضوعات) و (العلل المتناهية) وغيرها يرخي لنفسه العنان في كتاب (ذم الهوى) وغلبت فيه عاطفة الواعظ على عقلية الناقد الحافظ، وكذلك الحافظ الذهبي رأيناه يتساهل في كتابه (الكبائر).
واليوم يشهد العالم الإسلامي نهضة كبرى في تحقيق وتخريج وتبويب كتب الحديث، وتم تسجيلها على شاشات الكمبيوتر، ومن هنا سَهُل على كل خطيب أن يعرف درجة الحديث الذي يريد أن يستشهد به في خطبته، هل هو حديث صحيح مقبول يصلح للاحتجاج به؟ أو هو ضعيف مردود لا ينتهض الاحتجاج به؟ أو هو حديث موضوع مكذوب يجب تركه، بل يجب التحذير منه؟
هكذا، أرشدنا العلماء إلى مثالب الخطاب الدعوي وحذرونا منها، وأرشدونا إلى طرق علاجها، فعلى الخطيب الداعية أن يحرص على اجتناب هذه المثالب، وأن يحذرها، وأن يحذر الوقوع فيها؛ لأنها تصرف الناس عنه، وتجعل جهده لا يؤتي ثماره، ولا يصل إلى غايته.
هذا، والحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.