الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تعليق على أحاديث من سنن أبي داود]
باب في نسخ المراجعة بعد التَّطليقات الثَّلاث
* حدثنا بشر بن هلال، أن جعفر بن سليمان حدثهم، عن يزيد الرِّشْك، عن مُطرِّف بن عبد الله، أن عمران بن حصين سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها، ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال:«طلقتَ لغير سنة وراجعتَ لغير سنة، أشهِدْ على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعُدْ»
(1)
.
أقول: لم يستفصله عمران أطلَّق واحدة أو أكثر؟ فالظاهر أنه كان لا يرى فرقًا في ذلك، ويشبه أن يكون أبو داود أورده في هذا الباب لهذا المعنى لكن
…
(2)
.
* حدثنا أحمد بن محمد المروزي، حدثني على بن حسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:«{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} الآية [البقرة: 228]، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثًا، فنسخ ذلك فقال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]»
(3)
.
[قال الشيخ معلِّقًا على قوله: «وإن طلقهما ثلاثًا»]: أي ثلاث مرات كما يدل عليه جعلُه سببا لنزول الآية. والله أعلم
(4)
.
(1)
برقم (2186).
(2)
بياض في الأصل.
(3)
برقم (2195).
(4)
مجموع [4711].
[تعليق على حديث: «إن الله قد أعطى كلَّ ذي حق حقه»]
حديث أبي داود وابن ماجه والترمذي
(1)
: «إن الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه فلا وصيةَ لوارثٍ» دليل واضح على أن الناسخ لآية الوصية هي آية المواريث المشار إليها بقوله: «إن الله قد آتى كل ذي حقٍّ حقَّه» . والحديث إنما هو بيان لما دل عليه القرآن في هذا، فكأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«إن الله قد آتى كل ذي حقٍّ حقَّه» من باب ذكر الملزوم على سبيل الاستدلال، ثم عقَّبه بقوله:«فلا وصية لوارث» بيانًا للازم، أي قد ثبت إيتاء الله كلَّ ذي حق حقه، فلَزِم منه أن لا وصية لوارث، وذلك أن الوصية للوارث إنما شُرعت أولًا لأجل أداء ما لَه من الحق، ثم علم الله تعالى أن ابن آدم لا يمكنه الوفاء بمقتضى الحق لعدم علمه، قال تعالى:{آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: 11]، ففرض المواريث بحكمه كما قال تعالى عقب ذلك:{وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 12]، أي حالَّة محل الوصية التي أُمرتم بها.
والآية واضحة في نسخ آية الوصية، وبيَّنَها الحديث، فكأنه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الوصية للوارث إنما شرعت لأداء ما له من الحق، ثم إن الله تعالى فرض لكل ذي حق حقَّه، فلم يبقَ للوصية معنى لأنها إنْ وقعت بمقدار ميراثه كانت تحصيل حاصل، وإن وقعت بأكثر كان فيها زيادة عن حقه الذي علمه الله له
(1)
أبو داود (2870، 3565)، والترمذي (2120)، وابن ماجه (2713) من حديث أبي أمامة. وقد روي من حديث عمرو بن خارجة عند الترمذي (2121) وغيره، ومن حديث أنس عند ابن ماجه (2714) وغيره. والحديث «حسن صحيح» كما قال الترمذي عقب حديث أبي أمامة وحديث عمرو بن خارجة.
وفرضه مِن عنده، مع ما في ذلك من ظلم غيرِه بنقصان أنْصِبائهم، وإن وقعت بأقل كان فيها زيادةُ غيره وظلمُه.
ولقائل أن يقول: إن الاستدلال بالحديث على بطلان الوصية لوارث مطلقًا فيه نظر؛ لأنه إنما ورد لبيان نسخ وجوب الوصية كما مرَّ تقريره، وذلك على أن المراد «فلا وصية لوارث» أي واجبة، فبقي الجواز. وأما ما مرَّ من قولنا: لأنها إن وقعت بمقدار ميراثه كانت تحصيل حاصل، فهذا مسلَّم، وأما قولنا: وإن وقعت بأكثر
…
إلخ، فهذا منقوض بجواز الوصية للأجنبي فإنه يلزم منها إعطاء الأجنبي ما لا يستحقه، ونقصُ حقوق الورثة، ومع ذلك فهي صحيحة قطعًا.
والجواب بالفرق بين إعطاء الأجنبي وبين تفضيل بعض الورثة على بعض، كما يدل عليه حديث الصحيحين
(1)
عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني نحلتُ ابني هذا غلامًا، فقال:«أكلَّ ولدك نحلتَ مثله؟ » قال: لا، قال:«فأرجعه» .
وفي رواية
(2)
أنه قال: «أيسرُّك أن يكونوا إليك في البرِّ سواء؟ » قال: بلى. قال: «فلا إذًا» . وفي رواية
(3)
أنه قال: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشْهِد رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أُشهدك يا
(1)
«صحيح البخاري» (2586) و «صحيح مسلم» (1623/ 9).
(2)
«صحيح مسلم» (1623/ 17).
(3)
«صحيح البخاري» (2587)، وبنحوه في «صحيح مسلم» (1623/ 13).
رسول الله، قال:«أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟ » قال: لا، قال:«فاتقوا الله واعْدِلوا بين أولادكم» ، قال: فرجع فرد عطيته. وفي رواية
(1)
أنه قال: «لا أَشهد على جور» هـ. هكذا في «المشكاة»
(2)
.
وفي «صحيح مسلم»
(3)
عن جابر نحوه، وفي آخره قال:«فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حق» هـ.
والذي يظهر في الوصية للوارث أن مَن قال بحرمة تفضيل بعض الورثة على بعض في العطية يقول به في الوصية. ومَن اقتصر على مجرد الكراهة يلزمه الاقتصار عليها، اللهم إلا أن يقولوا: إن ما كان مكروهًا في صحته، يكون موقوفًا في مرضه؛ كما أن هبته للأجنبي في حال صحته صحيحة مطلقًا ولو في جميع ماله، وفي مرضه صحيحة في الثلث فقط، موقوفة في الباقي. فتأمل.
فأما حديث: «لا وصية لوارث» فالظاهر حَمْله على نفي الوجوب كما مرّ. نعم، إن صحت رواية:«لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة»
(4)
، كانت دليلًا خاصًّا على منع الوصية لوارث، وإن أمكن حمل نفي الجواز
(1)
«صحيح البخاري» (2650) و «صحيح مسلم» (1623/ 14، 15).
(2)
(2/ 183).
(3)
«صحيح مسلم» (1624).
(4)
أخرجها الدارقطني: (4/ 152) ومن طريقه البيهقي في «الكبرى» : (6/ 263) من طريق عطاء عن عكرمة عن ابن عباس، وعطاء هو الخراساني فيه ضعف. ورواه أبو داود في «المراسيل» (349) عن عطاء عن ابن عباس بنحوه، وهو مرسل. وانظر «البدر المنير»:(7/ 269 - 272).
على الكراهة، لأننا نقول: الظاهر من نفي الجواز الحرمة، وهذا بالنسبة إلى حياة الموصي أي فلا يحل له أن يوصي لبعض الورثة إلا إذا استأذن بقيتهم.
هكذا ظَهَر لي، ثم فهمت أنَّ «تجوز» ليس من الجواز بمعنى الإباحة ونحوه، بل من الجواز الذي هو النفاذ، أي لا تنفذ إلا إذا شاء الورثة.
ثم إن في حديث النعمان بن بشير دليلًا على صحة الوصية للورثة لكلٍّ بمقدار ميراثه، ويكون فائدة الوصية القِسْمة. والله أعلم
(1)
.
(1)
مجموع [4657].