الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في حديث الصدقة
(1)
:
«[قال رجل: لأتصدَّقنَّ اللَّيلةَ بصدقة] فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية
فأصبحوا يتحدَّثون: تُصدِّق الليلة على زانية! قال: اللهم لك الحمد على زانية
…
».
قوله: «اللهم لك الحمد» أي على كلِّ حال، ثمَّ استأنف فقال:«على زانية» أي أَعلى زانية؟! من باب الاستفهام الإنكاري، أي أتصدَّقتُ على زانيةٍ؟ وهكذا في الموضعَين الآخرين.
* * * *
في «صحيح مسلم»
(2)
عن أبي أُمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يا ابن آدم إنك أن تَبذُل الفضلَ خيرٌ لك، وأن تُمسِكَه شرٌّ لك، ولا تُلام على كفاف، وابدأ بمن تعول» .
وفيه
(3)
:
«أفضل الصدقة ــ أو خير الصدقة ــ عن ظهر غنًى»
.
نقل المحشِّي عن ابن المَلَك
(4)
وغيره: أنه قد يُشكل هذا مع حديث: «أفضل الصدقة جُهد المقلِّ»
(5)
، وذكر الجواب عنه بما فيه نظر.
(1)
برقم (1022).
(2)
برقم (1036).
(3)
برقم (1034) من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.
(4)
انظر عن «المحشي، وابن الملك» ما تقدم (ص 150).
(5)
أخرجه أحمد (8702) وأبو داود (1677) وابن خزيمة (2444، 2451) وابن حبان (3346) والحاكم (1/ 414) من حديث أبي هريرة، وقال الحاكم:«صحيح على شرط مسلم» ، ولم يتعقَّبه الذهبي. وروي أيضًا من حديث عبد الله بن حبشي عند أحمد (15401)، وأبي داود (1449) وغيرهما بإسناد حسن.
وأقول: إنه لا منافاة؛ فإن المراد بالغنى الكفاف، بمعنى أنَّ أفضل الصدقة ما لم تخلَّ بالكفاف. أي ما تركتْ لصاحبها ما يكفيه. والمقصود أن المتصدِّق له حالان:
الأولى: أن يتصدَّق وقد بقي له ما يكفيه.
الثانية: أن يتصدَّق بقوته الذي هو محتاج إليه.
فالأولى أفضل. وقوله في الحديث الآخر: «جهد المقل» لا ينافي هذا؛ لأن جهد المقلِّ المراد به أقصى ما قدر عليه حيث لم يبق له غير الكفاف.
والحاصل أن للمتصدِّق في نفس الأمر ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يتصدَّق وقد بقي عنده أكثر مما يكفيه.
الثانية: أن يتصدَّق وقد بقي عنده ما يكفيه فقط.
الثالثة: أن يتصدَّق بقوته ويبقى محتاجًا.
فقوله: «عن ظهر غنى» يشمل الحالين الأوليين. وإنما فَضَّلهما بالنسبة إلى الثالثة. وقوله: «جهد المقلِّ» فَضَّل فيه الثانية على الأولى.
نعم، إنما يشكل ما جاء في فضل الإيثار لقوله عز وجل:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
والجواب: أن جهد المقل أفضل من الإيثار غالبًا، ولكن قد يكون الإيثار أفضل في بعض المواطن كحال الصحابي وزوجته اللذَين آثرا ضيف