الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تعليق على «مقدمة الفتح» حول رواية الحسن عن أبي بكرة]
(ص 370)
(1)
: حديث (69): الحسن عن أبي بكرة، وكذا في حديث (59)
(2)
، وحديث (12)
(3)
.
وقال في حديث (59): «والبخاري إنما اعتمد رواية أبي موسى عن الحسن أنه سمع أبا بكرة. وقد أخرجه مطولًا في كتاب الصلح
(4)
، وقال في آخره: قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت عندنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث». اهـ.
يقول كاتبه: فعلى هذا فيسقط اعتراض الدارقطني في هذا الحديث فقط، ويبقى في بقية الأحاديث التي رواها البخاري من طريق الحسن عن أبي بكرة ولم يصرِّح الحسن بالسماع، مع أن الحسن كان يدلِّس
(5)
.
* * * *
[تعليق على مواضع من «فتح الباري»]
في «الفتح»
(6)
، في الطهارة، في «باب [البول] في الماء الدائم»:
(1)
«هدى الساري» (ص 371) ط. السلفية.
(2)
(ص 367).
(3)
(ص 354).
(4)
برقم (2704).
(5)
مجموع [4711].
(6)
(1/ 347 - 348).
«واستدل به
(1)
بعض الحنفية على تنجيس الماء المستعمل
…
وهذا من أقوى الأدلة على أن المستعمل غير طهور
…
ولا فرق في الماء الذي لا يجري في الحكم المذكور بين بول الآدمي وغيره خلافًا لبعض الحنابلة ولا بين أن يبول في الماء أو يبول في إناء ثم يصبه فيه خلافًا للظاهرية. وهذا كله محمول على الماء القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حد القليل. وقد تقدم قول من لا يعتبر إلا التغير وعدمه، وهو قوي، لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه. وقد اعترف الطحاوي من الحنفية بذلك، لكنه اعتذر عن القول به بأن القُلّة في العرف تطلق على الكبيرة والصغيرة كالجرة، ولم يثبت من الحديث تقديرهما فيكون مجملًا فلا يُعمل به، وقوّاه ابن دقيق العيد. لكن استدل له غيرهما؛ فقال أبو عبيد القاسم بن سلام: المراد القُلّة الكبيرة إذ لو أراد الصغيرة لم يحتج لذكر العدد؛ فإن الصغيرتين قدر واحدة كبيرة. ويرجع في الكبيرة إلى العُرْف عند أهل الحجاز. والظاهر أن الشارع عليهم السلام ترك تحديدهما على سبيل التوسعة، والعلم محيط بأنه ما خاطب الصحابة إلا بما يفهمون، فانتفى الإجمال. لكن لعدم التحديد وقع الخلف بين السلف في مقدارهما على تسعة أقوال حكاها ابن المنذر. ثم حدث بعد ذلك تحديدهما بالأرطال واختلف فيه أيضًا. ونقل عن مالك أنه حمل النهي على التنزيه فيما لا يتغير، وهو قول الباقين في الكثير. وقال القرطبي
(2)
: يمكن حمله على التحريم مطلقًا على قاعدة سد الذريعة؛ لأنه يفضي إلى تنجيس الماء».
(1)
أي بالنهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم. [المؤلف].
(2)
في «المفهم» : (1/ 542).
يقول كاتبه ــ عفا الله عنه ــ: الظاهر ما قاله القرطبي؛ وبيانه: أن أحكام الشارع عامَّة، فلو أبيح البول في الماء الدائم لأبيح للناس جميعًا. ولو كان ذلك، لم يَقتصر على البول فيه إنسان واحد مرَّة واحدة، بل يكون معرَّضًا لأن يتوارد على البول فيه كلُّ واردٍ مرارًا
(1)
كثيرة. ولاسيَّما والناس يعتادون الاغتسال، وإذا نزل الإنسان في الماء عرض له البول عادة، بل كثيرًا ما يعرض البول للإنسان بمجرَّد رؤيته الماء.
ونحن نرى الحكومات في البلاد المنظَّمة تشدِّد في النهي عن البول في الشوارع، وتعاقب من يبول، وإن كان واحدًا، مع العلم أنه ببوله لا يحصل المحذور الذي كان التشديد لأجله، وهو تقذُّر الشوارع.
ثم إن تعيينهم العلَّة بأنَّها خوف التنجُّس= فيه نظر؛ فقد يقال: هي خوف التقذُّر. وتقذير الماء حرام؛ لأنه إن كان مِلْك المقذِّر ففيه إضاعة المال أو الإضرار بالنفس؛ كيف والفقهاء يحرِّمون تناولَ نحو المخاط. وإن كان ملكَ غيره، فتقذيره ظلم.
وقد يقال: هي خوف الإضرار؛ فإن البول كثيرًا ما يحتوي على جراثيم ضارَّة. وإدخال الضرر في الماء حرام كما مرَّ في التقذير. وإذا كانت العلل الثلاث محتملة فتعيين بعضها يحتاج إلى دليل.
فالذين رجَّحوا الأولى رأوا أنها أقرب إلى التفات الشارع إليها، بدليل قلَّة تفصيله للسُّمِّيَّات والمضرَّات والمستقذرات.
(1)
في الأصل: «مرار» سهو.
وقد يُردُّ هذا بأن الأشياء التي جاءت الإشارة الشرعية إلى أنها سامَّة أو ضارَّة أو مستقذرة تفوق عدد النجاسات، وإنما لم يستوعبها الشارع لأن للناس إلى معرفتها سبيلًا من غير الشرع. أما السُّمِّيَّات والمضرَّات فبالتجارب وإخبار الأطباء. وأما المستقذرات فظاهر.
وقد وجدناه نصَّ على كثير من السُّمِّيات والمضرَّات، وذلك فيما الحاجة دعت إليه؛ إما لعموم وجوده وجهل أصحابه بسُمِّيته أو مضرَّته كنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن النفخ في الشراب والطعام، وإما لتهاون الناس به لاعتيادهم له. بل يرى بعض العقلاء من المسلمين أن غالب الأشياء التي حرَّمها الشرع إنما حرَّمها لضرر فيها.
إذا تقرَّر هذا، فالبول في الماء مما يعتاده الناس ويألفونه. وقد قدَّمنا ما يوضح ذلك. وكانوا يجهلون مضرَّته حينئذ أصلًا. ولو فُرض شعورهم بضرره في الجملة، فربما يرى أحدهم الماء الكثير فيرى أنَّ بوله مرَّة لا يضر بأحد، ولا يتنبَّه إلى أن جواز بول الواحد مرَّة واحدة يلزمه جواز بول جميع الناس دائمًا كما تقدَّم. ولا سيما إذا كانت العادة أن ذلك الماء لا يُشرب منه لظنِّهم أن الضرر إنما يصل إلى البدن بالأكل، ولا يشعرون بأن من الجراثيم ما يضرُّ بمجرَّد اتصاله بجرح أو بالأنف أو العين ونحو ذلك.
وهكذا قُل في التقذير؛ فقد يرى أن بوله مرَّة واحدة لا يقذِّر. وبعض الناس ــ ولو علم الضرر والقذر ــ قد يتهاون بحقِّ غيره.
فعلى هذا فينبغي التماس مرجِّح غير ما تقدَّم، وإلا فلا يحتج بالحديث في تنجُّس ولا عدمه. وربما يرجَّح الضرر بأنه أقرب إلى دخول أغلب أفراد
الماء الدائم في معنى الحديث، وذلك أقرب إلى إطلاقه؛ لأن الماء كثيرًا ما يبلغ في الكثرة إلى حدٍّ لا يتنجَّس معه، وربَّما يبلغ إلى حدٍّ لا يتقذَّر معه، فأما بلوغه إلى حدٍّ لا يحتمل إضرار البول فيه فأقلُّ من ذلك.
ولكن ربما يدفع هذا بما قدَّمناه من احتمال أن يكون الشارع نظر إلى أن عدم النهي عن البول مطلقًا يؤدِّي إلى
(1)
أن يكثر البول من كثير من الناس بحيث يغيِّر الماء الكثيرَ فينجِّسه، إلا أن يقال: إن الماء قد يبلغ في الكثرة إلى حدٍّ لا يحتمل التغير بالبول فيه، وإن كثُر، ما دامت الكثرةُ إلى حدٍّ يُحتمل عادةً. فأما ما لا يحتمل عادةً فلا وجه لمراعاة الشارع إيَّاه.
وعلى فرض تسليم أنَّ العلَّة هي التنجُّس، فإمَّا أن يدَّعى أن ظاهره أن البولة الواحدة تنجِّس الماء، وإمَّا أن يقال: ظاهره أن البول في الماء قد ينجِّسه فيصدق بذلك وبما إذا كثر بول الناس فيه. والنهي صالح للأمرين وربما يرجَّح الأول بقوله: «لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه»
(2)
بنصب (يغتسلَ). ولكن المعروف في الرواية الضم، ومنع بعضهم النصب عربيةً أيضًا؛ انظر «الفتح»
(3)
.
ويرجِّح الثاني إطلاق الماء، فلم يقيَّد بقلَّة ولا كثرة مع اتفاقهم على أنَّ الكثير لا ينجس إلا بالتغيُّر، وإن اختلفوا في حدِّ الكثير.
وحَمْل الدليل على ما يسلم معه من التقييد والتخصيص أصلًا ــ أو من
(1)
في الأصل: «إلا» سبق قلم.
(2)
«صحيح البخاري» (239)، وبنحو في «صحيح مسلم» (282) من حديث أبي هريرة.
(3)
(1/ 347).
كثرتهما ــ أولى من حمله على خلاف ذلك كما مرَّ.
هذا بحثنا كلُّه في شأن البول، وبقي شأن اغتسال الجنب.
فقد يقال: إنه لا يحتمل التعليل بالاستقذار والإضرار؛ إذ لا يناسب التعليلَ بأحدهما التقييدُ بالجنب؛ فإن الاغتسال في الماء ربما يقذِّره أو يبث فيه ضررًا مطلقًا، سواءٌ أكان المغتسل جنبًا أم لا. وهذا قوي.
وقد سمعت من يعتذر عنه بأن الناس يستقذرون الماء الذي اغتسل فيه الجنب أشدَّ من استقذارهم الماء الذي اغتسل فيه غيره، وباحتمال أن يكون اغتسال الجنب أشدَّ ضررًا من اغتسال غيره؛ لاحتمال أن يكون في العرق والوسخ الذي ينفصل عن الجنب ضرر خاص، كما يرمز إليه إيجاب الغسل عليه، مع ما عُلم أن أحكام الشرع مبنيَّة على مصالح البشر.
فلا شك أنَّ الغسل من الجنابة من حكمته جلبُ مصلحة للجنب أو إزالةُ ضررٍ عنه، ويحتمل أن يكون في انغماسه ــ أعنى الجنب في الماء ــ إضرار
(1)
بصحَّته؛ لأن الأجزاء التي تنفصل عنه تبقى مدَّة مجاورةً لبدنه مع انفتاح مسامِّه، بخلاف الجاري فإنه وإن انغمس فيه فإن الماء يتجدَّد.
ولعلَّك ترى هذا تعسُّفًا أو قريبًا منه إلا أنه تؤيِّده الأدلة الظاهرة في جواز التطهُّر بالماء الذي اغتسل فيه الجنب. نعم، أدلَّة عدم تنجُّسه أكثر وأظهر من أدلَّة بقاء طهوريَّته
(2)
.
* * * *
(1)
الأصل: «إضرارا» سبق قلم.
(2)
مجموع [4716].