الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحبه أن لا يؤذيه، ثم وفائِه بالوعد، فلا يؤذيه ولا يغتابه ولا ينمّ عليه، ولا إليه. والله أعلم
(1)
.
* * * *
[كشف تحريف لأحد الجهلة في نسخة من "حلية الأولياء
"]
[حلية الأولياء: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن مخلد، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبادة بن زياد، ثنا يحيى بن العلاء، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد اعرض علي الإسلام، فقال:"تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله"، قال: تسألني عليه أجرا؟ قال: "لا، إلا المودة في القربى" قال: قرباي أو قرباك؟ قال: "قرباي". قال: هات أبايعك، فعلى من لا يحبك ولا يحب قرباك لعنة الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم:"آمين". هذا حديث صحيح
(2)
من حديث جعفر بن محمد، لم نكتبه إلا من حديث يحيى بن العلاء.]
قوله: "صحيح"، راجعت الأصل المنقول منه هذه النسخة، فإذا هذه الكلمة مكتوبة على حكٍّ، فظهر أنه في الكتابة الأولى كُتبت مكانها كلمةٌ أخرى ثمَّ حُكَّت وكُتبت هذه الكلمة:"صحيح".
وعند مقابلة الكلمة الموجودة بخط كاتب الأصل يتبيَّن أنَّها بغير خطِّه.
(1)
مجموع [4718].
(2)
هكذا في النسخة التي يتكلَّم عليها الشيخ، وفي المطبوع على الصواب:"هذا حديث غريب".
ولا شكَّ أنَّ كلمة "صحيح" غير صحيحة هنا؛ فإنَّ في السند يحيى بن العلاء، وهو البجلي، متَّفق على ضعفه. بل قال الإمام أحمد فيه: كذَّاب يضع الحديث. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" و"الميزان".
وفيه أيضًا عبادة بن زياد، وهو عبَّاد (ويقال: عبادة كما في "التهذيب") بن زياد بن موسى الأسدي الساجي، وفيه نظر. وقد قال ابن عديٍّ فيه: هو من أهل الكوفة الغالين في التشيُّع، له أحاديث منكرة في الفضائل.
وفي السند أيضًا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وفيه مقال.
فإن قيل: يحتمل أنه صحَّ عند المصنف من طريق أخرى.
قلت: هذا باطل لقوله في آخره: "لم نكتبه إلا من حديث يحيى بن العلاء".
فالحاصل أن كلمة "صحيح" لا محلَّ لها؛ والصواب: "غريب".
وكاتب الأمِّ، وإن كان زيديًّا، إلا أنه عالم جليل ليس محلًّا للتهمة. وقد بينَّا فيما تقدَّم براءته، فتعيَّن أن يكون الحكُّ والتغيير من فعل بعض الجهلة من الزيدية؛ لمَّا رأى في الحديث فضلًا لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ظنَّ أن الحديث لا بد وأن يكون صحيحًا أو نحو ذلك. والله أعلم
(1)
.
* * * *
(1)
مجموع [4718].
[بحث في معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله]
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
الصلاة في الأصل: الدعاء. ولكنها أُطلقت حقيقةً شرعيةً في ذات الركوع والسجود.
وأطلقت أيضًا حقيقة شرعية ــ وإن كانت أقل من الأولى ــ في ذكر صيغة دعاء تتضمن لفظ الصلاة أو الرحمة.
فقوله في الآية: {يُصَلُّونَ} من هذا الثالث، وهو ذكر صيغة تتضمن لفظ الصلاة أو الرحمة؛ احتمالان.
ولكنّها من الله عز وجل على سبيل الثناء، ومن الخلق على سبيل الدعاء.
على أنّه لا مانع من إطلاق أنها من الله عز وجل على سبيل الدعاء من نفسه لنفسه تعالى. والله أعلم.
وقال السّنْدي في حاشيته
(1)
: "قوله "كما صليت" قد اعترض بأنّ الصلاة المطلوبة له صلى الله عليه وآله وسلم ينبغي أن تكون على حسب منصبه وجاهه عند الله تعالى. ومنصبه أعلى، فكيف (تطلب)
(2)
له الصلاة المشبهة بصلاة إبراهيم،
(1)
(3/ 178).
(2)
هذه الزيادة زادها الشيخ بين القوسين ليستقيم الكلام.
مع أنّ صلاة إبراهيم على حسب منصبه صلوات الله وسلامه عليهما؟
وأجيب: بأنّ وجه الشبه هاهنا هو كون صلاة كلٍّ أفضل من صلاة من تقدم
…
وقد يُجاب بأن التشبيه في اشتراك الآل معه في الصلاة. أي: صلِّ صلاة مشتركة بينه وبين أهل بيته كما صليت على إبراهيم كذلك. فكأنّه صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى أنّ صلاة الله تعالى [عليه] دائمًا لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} بصيغة المضارع. وقد تقرّر أنّها تفيد الدوام والاستمرار، فالأفيد أنّ المؤمنين يطلبون اشتراك أهل بيته معه في الصلاة، فعلَّمهم هذه الكيفية، ليفيد دعاؤهم فائدة جديدة، وإلا فيصير دعاؤهم كتحصيل الحاصل. والله تعالى أعلم" اهـ سندي.
وأقول: إنّ هذا الرجل ــ أعني السندي ــ ذو ذكاء مفرط كما يظهر من حواشيه، ولكن هذا المقام مزلَّة أقدام، ومضلَّة أفهام.
فأقول: أوّلاً: إنّني لا أقول بتفضيل أحد من الأنبياء على نبينا صلى الله عليهم جميعًا وآلهم وسلم.
ولكن قد أثبتنا في بحث مستقل
(1)
أنّنا منهيُّون عن التخيير بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا الاستشكال ناشئ عنه كما لا يخفى.
والتخيير المنهي عنه هو أن نقول أو نكتب، فأمّا أن يعتقد أحدنا شيئًا من
(1)
تقدم في الفوائد الحديثية (ص 136) بحث في هذا المعنى في التعليق على حديث: "لا ينبغي لعبدٍ أن يقول: إنه خير من يونس بن متَّى" وإن أراد مبحثًا مستقلًا فلم نقف عليه.
ذلك بمقتضى ما ثبت له من الأدلة، فلا منع منه.
ولكنّنا مع هذا لا نخلي الآية والصلاة من البحث. فأقول: إنَّ نصَّ الآية: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} . و (يصلون) بصيغة المضارع، وصيغةُ المضارع من حيث هي لا تفيد دوامًا ولا استمرارًا، كما عليه المحققون، وأدلته غنية عن البيان.
ولكن قد تفيد ذلك بمعونة القرائن. والقرائن هاهنا إنّما تفيد نحو ما يفيده قولك: إنّ زيدًا يزورنا. أي أنّ ذلك في حكم العادة له، بحيث لا يقطعها مدة طويلة تُعَدّ في العرف قطعًا للعادة.
ومنه قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ليس المعنى أنّهم لا يفترون عن الإنفاق طرفة عين، كما لا يخفى، وإنّما المعنى أنّ الإنفاق عادة لهم.
ثم قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .
وقد تقرّر أنّ صلاتنا عليه هي الدعاء له بالصلاة، ولا يلزم من ذلك تحصيل حاصل؛ لِما تقدم أنّ أوّل الآية لا يدل على استمرار الصلاة منه عز وجل بحيث تستحيل الزيادة.
وأمّا الصلاة الإبراهيمية الواردة في الحديث ففيها مباحث:
الأول: أنّ فيها ذكر الآل، وليس في الآية، فدلّ أنّ ذكر الآل عَلِمه صلى الله عليه وآله وسلم من دليلٍ آخر.
الثاني: قوله "كما صليت"؛ الكاف إمّا تعليلية، وإمّا تشبيهية.
فإن كانت تعليلية، فلا محلّ للاستشكال، وكأنّنا نقول: اللهم إنّك قد صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، ولأجل ذلك نطلب منك أن تصلِّي على محمد وعلى آل محمد، لأنّ كلًّا منهما نبيّك وخليلك.
والكاف كثيرًا ما تجيء للتعليل، ولاسيَّما مع (ما) كما حقّقه ابن هشام في "المغني"
(1)
، فراجعْه إن أردت.
ومنه في القرآن قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ
(2)
كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110].
ومثال هذا قولك للملك: كما ولَّيتَ فلانًا فولِّني، وكما أنعمت عليه فأَنعِمْ عليّ؛ فإن علّة التولية والإنعام، وهي الاستحقاق الموجود فيه، موجود فيَّ أيضًا.
وإن كانت تشبيهية، وهو المشهور، فيحتمل أن يكون المراد التشبيه في مُطلق الصلاة، لا في صفتها ومقدارها، مثل قوله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} [المزمل: 15]. وقوله عز وجل: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163].
وفائدة هذا التشبيه ذكر نظير يعتبر به. ومنه قولك للمَلِك: أنفِق الأموال كما كان أبوك يُنفقها. وتقول للحاكم: لا ترتشِ كما كان فلان يرتش.
(1)
(1/ 192).
(2)
في الأصل: (وأهوائهم) سهو.
قال سعيد بن المسيب لغلامه: لا تكذب عليَّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس
(1)
.
ويحتمل أن يكون التشبيه في المقدار. ولا يلزم منه أفضلية ولا مساواة. فلو أنّ ملكًا أمرك أن تسأله حاجة، فقلتَ له: أعطني كما أعطيت فلانًا؛ لم يلزم من هذا أنّك تعتقد مساواته لك، وإنّما أردت بيان المقدار. على أنّه لو فرض إشعار ذلك بالمساواة، فلا بدع؛ فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:"نحن أحقُّ بالشكّ من إبراهيم"
(2)
.
وقال له رجل: يا خير البرية. فقال: "ذاك إبراهيم"
(3)
. إلى غير ذلك مما بينّاه في مبحث التفضيل بين الأنبياء عليهم وآلهم الصلاة والسلام
(4)
.
وأبلغ من هذا: تأدب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أراد أن يربط الشيطان الذي تفلَّت عليه في الصلاة حتى يراه الناس، ثم ذكر دعوة أخيه سليمان: رب {هَبْ لِي
(5)
مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]، فترك ذلك تأدبًا مع سليمان ــ عليه السلام ــ، مع أنّ ربط الشيطان إنّما هو شيء يسير من ملك سليمان، لا يلزم منه مخالفة لدعوته، كما هو ظاهر، ولكنّه صلى الله عليه وآله وسلم رأى أنّ مثل هذا ربما يكون فيه إيهام لذلك
(6)
.
(1)
انظر "العلل": (2/ 71) للإمام أحمد، و"الثقات":(5/ 230) لابن حبان.
(2)
أخرجه البخاري (4537)، ومسلم (151) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم (2369) من حديث أنسٍ رضي الله عنه.
(4)
انظر التعليق على (ص 402).
(5)
في الأصل: "آتني"، سهو.
(6)
وانظر في الكلام على هذه الآية ما سبق في الفوائد التفسيرية (ص 59 - 62).
وقد بينّا في مبحث التفضيل بين الأنبياء أنّه يجب على الأمة التأدب بأدبه صلى الله عليه وآله وسلم في حقّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فإذا تأدب صلى الله عليه وآله وسلم في حق أحد من الأنبياء لزم الأمة أن لا تخل بذلك التأدّب. كما لو أنّ عالمًا تأدب مع عالم آخر، فلم يقل: إنّه أعلم منه= لزم أولاده وتلامذته أن يتأدبوا مع ذلك العالم، فلا يقولوا: إنّ أباهم أو شيخهم أعلم منه؛ لأنَّ فعلهم منسوب إليه.
فأمّا ما ذكره السنْدي: أنّ وجه الشبه هو كون صلاة كلٍّ أفضلَ من صلاة من تقدم؛ فلا يخفى تكلُّفه وخروجه عن الظاهر.
والناس لا يفهمون من قولك للملك: (أعطني كما أعطيت فلانًا) إلا أحد الأوجه التي قدّمناها. فأمّا أن يُفهم منه أنّك أردت التشبيه بعطاء ذلك الرجل من حيث أن عطيَّته كانت أكثر ممن تقدمه، فيلزم من ذلك أن يكون مطلوبك أكثر من عطية ذلك الرجل= فلا.
وإذا أردت منهم أن يفهموا هذا فقد كلّفتهم الغلط في الفهم! وهذا من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم محال. فلا يكون من الله عز وجل أن يكلم العباد بكلامٍ مكلِّفًا لهم أن يفهموه على خلاف ظاهره. وهكذا كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمّا ما وقع في الكتاب والسنة من المجاز ونحوه فإنّه تُنصب معه قرينة تدلّ على المراد دلالةً بيِّنة. وإذا قالوا فيه: خلاف الظاهر؛ فإنّما المراد أنّه خلاف الظاهر لولا تلك القرينة.
فأمّا ما ذكره السنْدي من عنديَّاته بقوله: "وقد يجاب بأن التشبيه باشتراك الآل"؛ فكلامٌ يُستحيى من ذكره!