الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
23 -
التزام المكث بعد الصلاة.
24 -
التزام الدعاء بعد الصلاة مشتركَا، بحيث يدوم رفع المأمومين أيديهم ما دام الإمام رافعًا يديه.
25 -
جعل الإمام يساره إلى المصلين
(1)
.
* * * *
[حكمة النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم]
الحمد لله.
ثبت في «الصحيح»
(2)
عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يصوم أحدكم يومَ الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده» .
ولمسلم
(3)
عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تختصّوا ليلةَ الجمعة بقيامٍ مِن بين الليالي، ولا تختصّوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم» .
وفي «حواشي المشكاة»
(4)
عن «اللمعات» : «قد ذكروا للنهي عن تخصيص يوم الجمعة بصوم وجوهًا:
الأول: أنه نهى عن صومه لئلّا يحصل به ضعفٌ يمنعه عن إقامة وظائف
(1)
مجموع [4726].
(2)
البخاري (1985)، ومسلم (1144) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
(1144/ 148).
(4)
(ص 179).
الجمعة وأورادها.
والثاني: خوف المبالغة في تعظيمه، فيفتتن كما افتتن اليهود بالسبت والنصارى بالأحد.
والثالث: أن سبب النهي خوف اعتقاد وجوبه.
والرابع: أن يوم الجمعة يوم عيد فلا يصام فيه، وقد ورد:«يوم الجمعة يوم عيدكم فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم»
(1)
. وهذا الوجه أحسن الوجوه لأنه منطوق الحديث». اهـ اللمعات مختصر.
يقول كاتبه: كلٌّ من هذه الوجوه فيه نظر:
أما الأول: فلأنه إنما يحتمل لو كان النهي عن صوم يوم الجمعة وقيام ليلتها مطلقًا، وليس الأمر كذلك. وإنما النهي عن التخصيص؛ فلو صام يوم الخميس جاز أن يصوم يوم الجمعة، وكذا يجوز أن يصوم يوم الجمعة إذا كان يريد أن يصوم يوم السبت، كما هو منطوق الحديث، وخوف الضعف حاصل فيه.
وأما الثاني، فلأن مجرد التخصيص بالصيام والقيام لا يؤدي إلى الفتنة. ونحن مأمورون بتخصيص يوم عاشوراء بالصيام، وبتخصيص شهر رمضان
(1)
أخرجه أحمد (8025) وابن خزيمة (2161) والحاكم في «مستدركه» (1/ 437) من طريق أبي بشر، عن عامر بن لدين الأشعري، عن أبي هريرة مرفوعًا. قال الحاكم:«صحيح الإسناد ولم يُخرجاه، إلا أن أبا بشر هذا لم أقف على اسمه» ، وتعقّبه الذهبي بقوله:«قلتُ: هو مجهول، وشاهده في الصحيحين» . يعني ما ورد في الصحيحين من النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام.
بالصيام، وغير ممنوعين عن تخصيصه بالقيام بدليل زيادة الترغيب فيه.
وأما الثالث، [فـ]ـإنه كان يكفي في دفع ظن الوجوب أن ينصّ نصًّا قاطعًا على عدم وجوبه. وقد رُغِّبنا في صيام يوم عاشوراء، ولم يُخش من ذلك أن يُظَنَّ الوجوب، ورُغِّبنا في صيام أيام مخصوصة كالاثنين والخميس وثلاث من كلّ شهر وستٍّ من شوال وغير ذلك، ورغبنا في قيام رمضان أكثر من قيام غيره، وذلك يدل على عدم المنع من تخصيصه، ولم يُخش في شيء من ذلك ظن الوجوب.
وأما الرابع، فالحديث الذي ذكره لا أظنّه يصح، فلا حجّة فيه. والمعنى ضعيف لِما أوردناه على الوجه الأول بأن المنهي عنه إنما هو التخصيص، وصومُ يوم قبله أو بعده لا يخرجه عن كونه عيدًا، كما أن صوم يوم الأضحى ويوم الفطر حرامٌ مطلقًا لا تخصيصهما فقط.
وأيضا فالعيدية، وإن كان فيها مناسبة لعدم الصيام، فلا مناسبة فيها لعدم القيام، بدليل أننا لم نُنه عن تخصيص ليلة الأضحى وليلة الفطر بالقيام.
وإذا تقرّر هذا فالصحيح ــ والله أعلم ــ أن حكمة النهي إنما هي لأن تخصيص يوم من الأيام بالعبادة إنما يجوز إذا كان قد خصّه الشارع بذلك وإلا كان تخصيصه بدعةً، كما تقرّر في مباحث البدع، فخشي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقع الناس في هذه البدعة في صيام يوم الجمعة أو قيام ليلته استنادًا منهم إلى أنه يوم فاضل، فنهاهم عن ذلك تنبيهًا منه ــ والله أعلم ــ إلى أنَّ مجرّدَ كون الوقت فاضلًا لا يقتضي كون العبادة فيه فاضلةً مطلقًا. وإنما العبادة الفاضلة
فيه ما نصّ عليها الشارع بخصوصها، كالصيام في عاشوراء وغيره مما تقدّم، وكالقيام في رمضان.
فإن قيل: فعلى هذا لا يمتنع صوم يوم الجمعة وحده إذا وافق يوم نذرٍ مثلًا أو نحو ذلك، فيما إذا لم يكن تخصيصه بالصيام تحرّيًا لفضله، وإنما وقع اتّفاقًا.
فالجواب: أن هذا محتمِل إلا أن الأظهر أنه يمتنع أيضًا سدًّا للذريعة؛ لأن الجهّال إذا رأوا عالمًا خصَّ يوم الجمعة بصيام توهّموا أنه إنما خصّه لفضله، فيتتابعون في تخصيصه، بخلاف ما إذا رأوا عالمًا خصّ يوم الثلاثاء مثلًا، فإنه ليس ليوم الثلاثاء فضيلة تُوقع في أنفسهم أنه إنما خصّه لأجلها. فأما صيام يوم الخميس وحده، فإنما لم يُمنع لأنه مرغَّب فيه شرعًا.
والحاصل أن يوم الجمعة يوم فاضل في الشرع، ولكن لا بالنسبة إلى صيامه وقيام ليلته، بل بالنسبة إلى غير ذلك من العبادات المشروعة فيه. فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تخصيصه بالصيام والقيام؛ لأن تخصيصه إن كان عن اعتقاد أفضليّتهما فيه فهو خطأ، وإن كان اتفاقًا خشي أن تتوهّم العامة أفضليّتهما فيه. والله أعلم.
وبهذا يُعلم أن ما يفعله كثير من الناس من تخصيص يوم الجمعة بالصدقة بدعة؛ لأنه لم يثبت ذلك. وأيضا فإن تخصيصه بالصدقة مناقض للمصلحة الشرعية؛ لأن حاجة الفقراء لا تختص بوقت دون وقت، فلتكن الصدقة كذلك.
وأيضًا إذا علم الفقراء من رجلٍ أنه يخصِّص يوم الجمعة أدّى ذلك إلى
مفاسد.
منها: أن بعضهم قد يجهل ذلك، أو يكون له مانع عن الحضور فيفوز بالصدقة المبادرون.
ومنها: أن بعضهم قد يكون محلّه بعيدًا فيحمله الحرص على تحصيل الصدقة على أن يترك التهيّؤ للجمعة، بل قد يترك الجمعة!
فإن قيل: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخصِّص شهر رمضان بزيادة العطاء.
فالجواب أن ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم فهو مشروع قطعًا، ولا منافاة فيه للمصلحة المذكورة؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يخص رمضان بالصدقة، بل كان يخصُّه بكثرتها، فكان في سائر السنة كلَّ ما رأى محتاجًا للصدقة أعطاه. ثمّ يُكثر البذل في رمضان لإغناء الفقراء عن التكسّب أو كثرة الدوران فيه ليتفرّغوا للعبادة.
وشهر رمضان شهرٌ لا يؤدِّي إلى ما تقدّم من المفاسد.
والحاصل أن السعادة في الاتِّباع والشقاوة في الابتداع. وفقنا الله تعالى لرضاه بفضله وكرمه
(1)
.
* * * *
(1)
مجموع [4711].