الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البخاري كان عند الفربري وكانت فيه إلحاقات في الهوامش وغيرها، وكان من ينسخ الكتاب يضع الملحق في الموضع الذي يظنه لائقًا به. فمِن ثَمَّ وقع الاختلاف في التقديم والتأخير، ويزاد هنا أن بعضهم احتاط فكتب الملحق في الموضعين فنشأ عنه التكرار» اهـ.
أقول: أو وقع التكرار ممن نسخ مِن أحد الفروع، وقابل بفرعٍ آخر. والله أعلم
(1)
.
* * * *
باب من جوّز طلاق الثلاث
(2)
«
…
ويمكن أن يتمسك له بحديث «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»
(3)
…
وأخرج سعيد بن منصور
(4)
عن أنس «أن عمر كان إذا أتي برجل طلق امرأته ثلاثا أوجع ظهره» وسنده صحيح. ويحتمل أن يكون مراده بعدم الجواز من قال: لا يقع الطلاق إذا أوقعها مجموعة للنهي عنه، وهو قول للشيعة وبعض أهل الظاهر، وطرد بعضُهم ذلك في كل طلاق منهيّ كطلاق
(1)
مجموع [4718].
(2)
«فتح الباري» (9/ 362).
(3)
أخرجه أبو داود (2177، 2178)، وابن ماجه (2018) من حديث ابن عمر. والصواب فيه أنه مرسل. انظر:«علل ابن أبي حاتم» (1297)، و «العلل» للدارقطني (3123).
(4)
برقم (1073) ومن طريقه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/ 58).
الحائض، وهو شذوذ، وذهب كثير منهم إلى وقوعه مع منع جوازه، واحتج له بعضهم بحديث محمود بن لبيد قال:«أُخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ » الحديث. أخرجه النسائي
(1)
ورجاله ثقات، لكن محمود بن لبيد ولد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يثبت له منه سماع، وإن ذكره بعضهم في الصحابة فلأجل الرؤية، وقد ترجم له أحمد في «مسنده»
(2)
وأخرج له عدة أحاديث ليس فيها شيء صرح فيه بالسماع، وقد قال النسائي بعد تخريجه: لا أعلم أحدًا رواه غير مخرمة بن بكير يعني ابن الأشج عن أبيه. اهـ. ورواية مخرمة عن أبيه عند مسلم في عدة أحاديث، وقد قيل: إنه لم يسمع من أبيه، وعلى تقدير صحة حديث محمود فليس فيه بيان أنه هل أمضى عليه الثلاث مع إنكاره عليه إيقاعَها مجموعة أو لا؟ فأقل أحواله أن يدل على تحريم ذلك وإن لزم. وقد تقدم في الكلام على حديث ابن عمر في طلاق الحائض أنه قال لمن طلق ثلاثًا مجموعة:«عصيت ربك، وبانت منك امرأتك» . وله ألفاظ أخرى نحو هذه عند عبد الرزاق
(3)
وغيره. وأخرج أبو داود
(4)
بسند صحيح من طريق مجاهد قال: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا، فسكت حتى ظننت أنه سيردُّها إليه فقال: «ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول: يا ابن عباس [يا ابن عباس]، إن الله قال: {وَمَنْ
(1)
(3401)، وفي «الكبرى» (5564).
(2)
(39/ 30 - 44) وأخرج له (18) حديثا.
(3)
برقم (10964، 11344). وأخرجه ابن أبي شيبة (18091) ط. دار القبلة.
(4)
برقم (2197).
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}، وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجًا، عصيتَ ربك وبانتْ منك امرأتك».
وأخرج أبو داود له متابعات عن ابن عباس نحوه.
ومن القائلين بالتحريم واللزوم من قال: إذا طلق ثلاثًا مجموعة وقعت واحدة، وهو قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي، واحتج بما رواه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنًا شديدًا، فسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«كيف طلقتها؟ » قال: ثلاثًا في مجلس واحد، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«إنما تلك واحدة، فارتجعها إن شئت» ، فارتجعها. وأخرجه أحمد وأبو يعلى
(1)
وصححه من طريق محمد بن إسحاق. وهذا الحديث نص في المسألة لا يقبل التأويل الذي في غيره من الروايات الآتي ذكرها. وقد أجابوا عنه بأربعة أشياء:
أحدها: أن محمد بن إسحاق وشيخه مختلف فيهما، وأجيب بأنهم احتجوا في عدة من الأحكام بمثل هذا الإسناد كحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ردّ على أبي العاص بن الربيع زينبَ ابنتَه بالنكاح الأول. وليس كل مختلف فيه مردودًا.
الثاني: معارضته بفتوى ابن عباس بوقوع الثلاث كما تقدم من رواية مجاهد وغيره؛ فلا يُظنُّ بابن عباس أنه كان عنده هذا الحكم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يفتي بخلافه إلا بمرجِّح ظهر له، وراوي الخبر أَخبرُ مِن غيره بما روى. وأجيب أن الاعتبار برواية الراوي لا برأيه لما يطرق رأيه من احتمال النسيان وغير ذلك،
(1)
«مسند أحمد» (2387) و «مسند أبي يعلى» (2500).
وأما كونه تمسك بمرجح فلم ينحصر في المرفوع لاحتمال التمسك بتخصيص أو تقييد أو تأويل، وليس قول مجتهد حجة على مجتهد آخر.
الثالث: أن أبا داود رجح
(1)
أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة، وهو تعليل قوي
(2)
لجواز أن يكون بعض رواته حمل «البتة» على الثلاث، فقال: طلقها ثلاثًا، فبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث ابن عباس.
الرابع: أنه مذهب شاذ فلا يعمل به، وأجيب بأنه نُقل عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير مثله، نقل ذلك ابن مغيث في «كتاب الوثائق» له وعزاه لمحمد بن وضَّاح، ونقل الغنوي ذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي بن مخلد
(3)
ومحمد بن عبد السلام الخشني
(1)
علق عليه الشيخ بقوله: «إنما رجّحه لأنه لم يصحّ مقابله عنده، وقد صحّ عند غيره» .
(2)
علق عليه الشيخ بقوله: «إنما يكون قويًّا لو صحّ حديث آل بيت ركانة، ولا يصحّ، بل لو صحّ لكان حمله على حديث ابن إسحاق أولى؛ فإن التعبير عن الثلاث بالبتّة أسهل من عكسه. وأظهر من هذا أن لفظ الحديث: «ثلاثا في مجلس واحد» ، فقوله «في مجلس واحد» صريح في رفع الاحتمال المذكور. حتى لو كان لفظه:«طلقها البتة في مجلس واحد» لكان ظاهرًا في أن المراد بالبتة الثلاث لا لفظ البتة. فتأمل. والله أعلم».
(3)
كذا في الأصل تبعًا للفتح. والصواب: «أحمد بن بقي بن مخلد» قاضي قرطبة (ت 324 هـ)، له ترجمة في «سير أعلام النبلاء»:(15/ 83). والتصويب مستفاد من رسالة «تسمية المفتين بأن الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة» (ص 61) للدكتور سليمان العمير.