الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2.
أن الشافعي وصاحبه المزني يجيزان ورود الشرع بخلاف القياس، ويوجبان اتِّباع الدليل الشرعي في ذلك، وإن لم يخلُ من ضعفٍ.
3.
أن الشافعي يحتجُّ بقول بعض الصحابة لم يعلم له مخالفًا. ولكن هذا حيث لم يقم دليل على خلافه، كما حقَّقناه في غير هذا الموضع.
وهل يستجيز مخالفته للقياس؟ محل نظر. وليس في هذا الباب دلالة على عدم المخالفة لأنه قد يقال: إنه إنما لم يخالفه لاعتضاده بمرسل ابن المسيب، فالله أعلم.
4.
أن المزني لا يستجيز مخالفة قول من سبق، ولو كان بيده قياس إلّا إذا ثبت خلافٌ عنهم.
5.
[
…
]
(1)
.
* * * *
الحمد لله.
بيع الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، والمقتات بالمقتات
على الوجه المحرَّم، وحكمة تحريمه
(2)
.
أما بيع أحدها بشيء من صنفه متفاضلًا حالًّا، فمِنْ حكمة النهي عنه ــ والله أعلم ــ التضييق على المحتكرين؛ لأن من الناس من يحتكر الذهب مثلًا، فإذا اجتمع اثنان محتكران للذهب وعند أحدهما ذهب جيِّد وعند
(1)
كذا، وترك المؤلف باقي الورقة بياضًا. مجموع [4716].
(2)
وللمؤلف رسالة في الربا وأنواعه ضمن «مجموع رسائل الفقه» ، المجلد الثالث.
الآخر ذهب رديء، وهما يريدان التبايع، إما لمصلحة الاحتكار، لأن كلًّا منهما يقول: إذا احتكرت فينبغي أن يكون عندي من النوعين، وإما لغير ذلك، لكن مع مراعاة كلٍّ منهما للاحتكار، لأن أحدهما يقول: إذا لزم لي أن أشتري شيئًا من الذهب وأعطي في قيمته ذهبًا، فلا ينبغي أن أشتريه إلا من رجل آخر محتكر للذهب مثلي؛ لأنه أيضًا يراعي الاحتكار، فلا يخرج الذهب إلا عند غلاء سعره، وبذلك يتمُّ مقصودي في حكر الذهب حتَّى يغلى سعره.
والآخر يقول: إذا بدت لي مصلحة في أن أبيع شيئًا من الذهب، فلا ينبغي لي [أن] أبيعه إلا بذهب حتَّى لا أضيِّع شيئًا من المقدار الذي أريد احتكاره.
فضيَّق الشرع عليهم فألزمهم أن لا يبيعوا الذهب بالذهب حالًّا إلا مثلًا بمثل؛ لأن الغالب أن لا تدعو حاجة لاشتراء الذهب بالذهب إلا لمزيَّة لأحدهما على الآخر. وصاحب الذهب الممتاز لا يرضى أن يخسر تلك المزيَّة، فيضطرَّ أحدُهما إلى بيع ذهبه بفضَّة أو غيرِها ثمَّ يشتري بذلك ذلك الذهب الذي رغب فيه، فينفكُّ الاحتكار أو يبقيان مضيَّقًا عليهما.
وإنما لم يُمنع بيع الذهب بالذهب مطلقًا لأن في ذلك تضييقًا شديدًا على الناس. وقد يكون البائع أو المشتري غيرَ قاصد للاحتكار، وإنما دعتْه ضرورة أخرى.
والعادة أن صاحب الذهب الممتاز لا يرضى بخسارة تلك المزيَّة إلّا لضرورة دعته، فالتضييق عليه مع اضطراره منافٍ للحكمة، فكانت الحكمة أن يُحدَّ لذلك حدٌّ بحيث لا يباع الذهب بالذهب إلا من ضرورة، وهذا الحدُّ هو إيجاب المماثلة.
وأما بيع الذهب بالذهب متماثلًا نسيئة، فلأنه في معنى بيع الذهب بالذهب متفاضلًا نقدًا لأن الأجل في معنى الفضل.
فقد تكون قطعة من الذهب تزن أوقية وقيمتها خمسون درهمًا، وقطعة من ذهب آخر تزن أوقيةً أيضا
(1)
وقيمتها أربعون درهمًا، ولكن صاحب القطعة الممتازة يرضى ببيعها بالقطعة الأخرى إلى سنة، لِمَا يستفيده من الأجل. وبذلك لا يتحقق أنه كان مضطرًّا إلى البيع.
وفيه أيضًا الدخول في ربا القِران؛ إذ قد يكون إنسان محتاجًا إلى النقد ويعلم أنَّ عند صاحبه ذهبًا، فيقول: لو أَتَيته أستقرضه لم يقرضني، ولو شرطت له أن أزيده في القضاء كان ذلك ربا، فالحيلة أن أشتري منه مائة دينار من ذهبه بمائة دينار من ذهب أجود مع أنَّ الوزن واحد، وأؤجِّله إلى الأجل الذي أحتاج أن أقترض إليه. وهو طبعًا يرضى لزيادة الذهب الذي بعتُه منه في الجودة.
والحاصل أن مقصود هذا الرجل الاقتراض، وإنما جعل الصورة بيعًا ليسلم من الربا في زعمه. فهذا في المعنى اقترض من صاحبه مائة دينار وشَرَط له أن يقضيه مائة دينار أجود منها، وهذا هو الربا.
وأما بيع الذهب بالفضة متفاضلًا حالًّا فكأنه أجيز ــ والله أعلم ــ لأن الضرورة كثيرًا ما تدعو من عنده فضَّة أن يستبدلها بذهب وبالعكس، فتقلُّ تهمة قصد الاحتكار، بخلاف من كان عنده ذهب ويريد استبداله بذهبٍ، أو
(1)
في الأصل: «أيضا تزن أوقيةً أيضًا» .
فضةٌ ويريد استبدالها بفضَّة؛ فإن الضرورة في ذلك تقلُّ فتَقْوى تهمة قصد الاحتكار.
وأما بيع الذهب بالفضَّة نسيئةً فهو مظنَّة الربا؛ إذ قد يكون إنسان محتاجًا إلى مائة دينار مثلًا، ويريد أن يتحصَّل عليها من صاحبه، ولكنه يعلم أنه إن قال له: أقرِضْني، لم يُقرضه لأنه يطلب الربح. ولو شرط له أن يزيده في القضاء كان ذلك ربا، فيحتال بأن يشتري منه مائة دينار بألف وخمسمائة درهم إلى أجل مع أن صرف الدينار حينئذ ثلاثة عشر درهمًا مثلًا، وإنما زاده ليرضى بذلك.
فالحاصل أن مقصوده الاقتراض، وإنما جعل الصورة بيعًا ليسلم من الربا في زعمه. فهذا في المعنى من اقترض من صاحبه مائة دينار وشَرَط له أن يقضيه مائة دينار ومائتي درهم، وهذا هو الربا.
فالمقصود أنَّ الذهب والفضة متقاربان؛ لأنه تجمعهما النقديَّة، فإذا اقترض الإنسانُ أحدَهما على أن يردَّ الآخر، فكأنه اقترض أحدَهما على أن يردّ من جنسه مع زيادة. وإذا جعل بدل صورة القرض صورة البيع، فالمعنى باق.
ومثل الذهب والفضة: البرُّ والتمر، وبقيَّة المقتاتات، وما لا بدَّ لها منه كالملح.
أما في معنى الاحتكار، فلأن احتكار كلٍّ منها شديد الإضرار بالناس. أما احتكار القوت وما لا بدَّ منه فظاهر. وأمَّا احتكار النقد فلأنَّه الوسيلة إلى نيل الأقوات وغيرها. ويتبيَّن هذا بما إذا فرضنا أن النقد ارتفع من السوق
جملةً فإن الحركة تتوقَّف. فالذي عنده ثياب ويريد القوت، لا يتيسَّر له ذلك؛ لأن بائع الأطعمة قد لا يرغب في الثياب التي عنده، وإنما يريد نوعا آخر، أو لا يرغب في الثياب جملةً، وإنما يريد شيئًا من الآلات، أو يريد أن يستخدم من يعمل له، أو غير ذلك. وصاحب الثياب قد يجد آخر يرغب فيها ولكن يبذل له شيئًا من الجوهر مثلًا، أو غير ذلك مما لا يرغب فيه صاحب الطعام أيضًا.
ويموت صاحب الثياب جوعًا. بخلاف ما إذا كان النقد دائرًا في السوق؛ فإن صاحب الثياب يبيع به، لعلمه بأن صاحب الطعام طبعًا يقبله لأنه جامع الأغراض.
وأمَّا في معنى الربا، فلأن الأقوات جرت العادةُ باقتراضها، كما جرى العادة باقتراض النقد. والبرّ مع الذرة مثلًا كالذهب مع الفضَّة، يجمعهما القوتيَّة كما جمعت ذينك النقدية. فإذا اقترض الإنسانُ أحدَهما على أن يردَّ الآخر فكأنه اقترض صنفًا واحدًا على أن يردَّه بزيادة. وإذا جعل بدل صورة القرض صورة البيع فالمعنى باق.
فأما الثياب مثلًا، فحاجة الناس إليها دون حاجتهم إلى القوت، ولم تجرِ العادة باحتكارها جريانَها باحتكار القوت والنقد، ولا جرت العادة باقتراضها جريانَها فيهما
(1)
.
* * * *
(1)
مجموع [4716].