الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[جمع الصلوات في الحضر]
الحمد لله.
في «الصحيح»
(1)
عن ابن عباس وأبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع بأصحابه في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء لغير عذر ولا سفر» . وفي رواية: «ولا مطر» .
فأخذ بهذا بعض التابعين وغيرهم. وتأوَّله الجمهور؛ فمنهم من تأوَّله بأنه كان لعذر. ورُدَّ بأن الصحابي قد قال: «بغير عُذرٍ» ، وفعله ابن عبَّاس لغير عذر.
ثم ما هو العذر؟ فقيل: مرض، ورُدَّ بما تقدَّم، وبأن ابن عبَّاسٍ فعله وهو يخطب في الجامع، وبأن المرض تُحِيل العادة أن يعمَّ، ولو كان خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن عذرًا في حقِّ غيره.
وقيل: مطر، ورُدَّ بما تقدَّم من إطلاق الصحابي أنه لغير عذر، وأن ابن عبَّاس فعله وهو يخطب في الجامع، وبأنه ثبت في بعض الروايات:«ولا مطر» . وأيضًا فابن عبَّاس جمع تأخيرًا، وجمع المطر في الحديث من مذهب الشافعي خاصٌّ بالتقديم، وهو الذي يقتضيه النظر. على أن الجمع للمطر لم تقم عليه حجَّة، وإنما يحتجُّون عليه بهذا الحديث، وهو كما ترى.
وقيل ــ وهو أقرب ما قيل ــ: لعلَّه جمعٌ صوري، ورُدَّ بأن ابن عبَّاس لمَّا سُئل عن سبب ذلك قال:«أراد أن لا يُحرج أمَّته» .
(1)
أخرجه البخاري (543) عن ابن عباس، ومسلم (705) من حديثهما.
والجمع الصوري أحرج من التوقيت. وهذا الرد محتمل ولكن ظهر لي ردٌّ أوضح منه وأبْيَن، وهو أن الصحابي أطلق الجمع، والمفهوم عند الإطلاق: الجمع الحقيقي. ولو أراد الجمع الصوري لقال: أخَّر الصلاة إلى آخر وقتها.
وأيضًا ــ وهو أظهر ــ أنه قال: «جمع
…
من غير عذر ولا سفر» فظهر من فحواه أنه أراد الجمع الذي يكون للسفر، وهو الحقيقي. كما لو قال قائل: قصَّر فلان الصلاة، لاحتمل إرادة القصر المعروف في السفر ــ وهو أن يصلِّي الرباعية ثنتين ــ، وإرادةَ القصر المقابل للتطويل. فإذا قال: قصَّر فلانٌ الصلاةَ من غير سفر= تعيَّن الأول، وهو صلاة الرباعية اثنتين.
وقيل: إن هذا الحديث منسوخ بأحاديث التوقيت، وفيها النص على تحديد وقت الظهر ووقت العصر ووقت المغرب ووقت العشاء. وهذا جيِّد لو ثبت تأخُّر أحاديث التوقيت عن هذا الفعل، ولا يثبت.
ثم في هذا الحديث أن ابن عبَّاس حضره، وهو إنما حضر المدينة أخيرًا. وكذا أبو هريرة. والظاهر أن أحاديث التوقيت متقدِّمة. ثمَّ فِعل ابن عبَّاس له واحتجاجه بهذا الحديث وتصديق أبي هريرة له يُبعد النسخ.
فأقوى ما بيد الجمهور أن عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الغالبَ التوقيتُ، وعمل الأئمة مستمرٌّ عليه. ولكن غايته أن يكون الجمع مكروهًا فقط. وفَعَله صلى الله عليه وآله وسلم لبيان الجواز، وتَرَكه الأئمةُ لكونه مكروهًا، فلا يلزم من هذا عدم الجواز. والله أعلم
(1)
.
(1)
مجموع [4716].