الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهر إشارة إلى ظهوره واشتهاره، والشدة إشارة إلى أنه كثيرًا ما يشتد الكذب ويقوى بوجود أناسٍ يتعصبون له بجهلٍ أو هوى. وهذا مُشاهَد بكثرة.
والانخفاض: إلى أنه منخفض في ذاته، مُهْمَلٌ في صورته؛ فقد يُعْلِيهِ التعصُّب، وقد يخفضه الإنصاف
(1)
.
* * * *
[تعليقات على مواضع من «مختصر المعاني شرح تلخيص المفتاح» و «حاشيته» للبنَّاني]
الحمد لله.
* قول «المختصر»
(2)
: «وتقديم الحمد باعتبار أنه أهم [نظرًا إلى كون المقام مقام الحمد]» إلخ.
اعتُرض عليه بأن النكتة إنما تذكر للمُزال عن محله الأصلي لا القارِّ فيه. وحكى المحشِّي جوابين غير واضحين.
والجواب الصحيح أنه إنما يعتبر الأصل حيث لا مقتضى لخلافه، فإذا ورد شيء على أصله ولا مقتضى لخلافه لم يُسأل عنه. وأما إذا وجد ما يقتضي خلافه فإنه يُسأل، لأن كونه أصلاً مُعارَض بما هو أرجح منه، وهو ذلك المقتضي.
مثاله في النحو: أن يسأل سائل عن «ذو» بمعنى صاحب، لماذا أُعربَ مع كونه على حرفين؟ فلا يكفي في الجواب أن يقال: الأصل في الاسم الإعراب فلا يُسأل عنه؛ لأنه يقال: هذا إنما هو فيما ليس فيه مقتضٍ لخلافه، وهو هاهنا معارَض بما هو أرجح منه، وهو أن ما كان من الاسم على حرفين ما فيهما حرف علَّة واجبُ البناء.
فيتعين في الجواب أن يُقال: إن لفظ «ذو» ليس على حرفين، بل هو على ثلاثة؛ لأن أصله «ذوي» ، وقاعدة بناء الاسم إذا كان على حرفين إنما هي فيما كان على حرفين من أصل الوضع، وليس «ذو» كذلك.
إذا تقرر ذلك، فكون تقديم الحمد هو الأصل لكونه مبتدأً قد عارضه ما هو أرجح منه، وهو أن تقديم لفظ الجلالة أحق لأنه الأهم، فلا يكفي في الجواب أن يقال:«هو الأصل» ، لأن الأصل قد عارضه ما هو أرجح منه. وعليه فلابد من نكتة أخرى للعدول عمّا كان هو الظاهر في البلاغة، وهو تقديم الأهم. والله أعلم.
* * * *
* قول المختصر
(1)
: «والتعليل بأن البلاغة إنما هي باعتبار المطابقة لمقتضى الحال، وهي لا تتحقق للمفرد= وهمٌ
…
» إلخ.
أقول: وتعليل السعد بأنه «لم يُسمع: كلمة بليغة» تقصير لأنه قد يقال: ولماذا لم يستعمل العرب ذلك؟ فكان الأولى أن يعلل بأن البلاغة مُشتقة من البلاغ، ففي «القاموس وشرحه»: بَلُغ الرجل بلاغةً إذا كان يبلغ بعبارته كُنْهَ
(1)
«مختصر المعاني ــ مع التجريد» : (1/ 59 - 60).
مراده
…
إلخ، وهذا إنما يناسب المتكلم لكونه هو الذي يبلغ، فيقال: بليغ فعيل بمعنى فاعل؛ والكلامَ لأنه به يبلغ صاحبه مراده، فيكون فعيل بمعنى مُفعَل أي مبلَغ.
وأما المفرد، فلا مناسبة لذلك فيه، فلذلك لم تطلق العرب:«كلمة بليغة» . ولعل المعلل الأول قصد هذا ولكن قصرت عبارته عنه. والله أعلم.
* * * *
* البنَّاني ([ج 1] ص 91)
(1)
:
«مع أنه لا يحسن في نظر العقل طلب التصويت عند سماع صوت المحبوب» إلخ.
فيه نظر، أولاً: أن هذا إذا كان هو أيضًا بذلك المرأى والمسمع، كالحمامة، ولا دليل عليه، بل ربما كان بينه وبين ذلك المحلّ مراحل.
وقد يكون إنما قال ذلك للحمامة غبطةً لها. ومع ذلك، فليس المراد من كونها بمسمع منها كونها تسمع صوتها بالفعل. بل المراد أنها بحيث لو تكلمت لسمعتها.
ويظهر لي معنى آخر غير ما تقدم، وهو أنه أراد تنبيه الحمامة على جمال المحبوبة، يُقال لها: ينبغي لكِ إذا كنتِ بحيث ترينها وتسمعين كلامها أن تنشطي وتفرحي وتطربي.
(1)
تعليقًا على الشاهد التالي:
حمامةَ جرعا حومةِ الجندل اسْجَعي
…
فأنتِ بمرأى من سُعادَ ومسمع
ومعنى آخر: وهو أنه سمع الحمامة تسجع، فأمرُه لها بمعنى: دومي على السجع غير ملومة، فإنك بحيث ترين المحبوبة وتسمعين كلامها، فلا غرو إذا طربْتِ وطرَّبتِ! فيحق لمن كان بذلك المحلّ أن يطرَبَ ويُطرِّبَ.
* * * *
* «(وبينهما) أي بين الطرفين (مراتب كثيرة) متفاوتة، بعضها أعلى من بعض بحسب تفاوت المقامات ورعاية الاعتبارات، والبُعد من أسباب الإخلال بالفصاحة. هـ مختصر.
قوله: «متفاوتة» لمَّا كان يُشكل التفاوت بأنه إن حصلت المطابقة حصلت البلاغة، وإن انتفت انتفت البلاغة = بيّنه بقوله:«بحسب تفاوت المقامات» أي كما في مقام يقتضي تأكيدًا شديدًا، ومقام يقتضي مطلق التأكيد، «ورعاية الاعتبارات» كما لو روعي اعتبار واحد، وروعي أكثر، «والبعد من أسباب
…
» إلخ كما لو انتفى الثقل بالكلية في موضع وبقي منه شيء يسير لا يخرجه عن الفصاحة في موضع آخر. اهـ «سم» ببعض تغيير.
ولا تغفل عمَّا قدمناه من أنه لا يشترط في أصل البلاغة المطابقة لجميع مقتضيات الحال، بل المطابقة في الجملة». هـ
(1)
.
أقول: قوله: «كما في مقام يقتضي تأكيدًا شديدًا ومقام يقتضي مطلق التأكيد» ، يعني فالإتيان بالتأكيد الشديد في الأول وبالتأكيد غير الشديد في الثاني أبلغ من العكس، فإن مَن جاء بالتأكيد الشديد في المقام الذي يقتضي
(1)
«التجريد» للبنَّاني: (1/ 112 - 113).
التوكيد الشديد قد وَفَى بتمام المقصود، ومَن جاء بالتأكيد الخفيف في المقام الذي يقتضي التأكيد الشديد قد جاء بأصل المقصود، وهو مطلق التأكيد، ولكنه أخطأ في نوعه. وهكذا مَن جاء بالتأكيد الخفيف في المقام الذي فيه التأكيد الخفيف فقد جاء بتمام المقصود، ومَن جاء بالتأكيد الشديد في المقام الذي يقتضي التأكيد الخفيف قد جاء بأصل المقصود وهو مطلق التوكيد، ولكنه أخطأ في نوعه، وبما ذكر تبين اقتضاء ما ذكر لتفاوت البلاغة.
ومن اختلاف المقامات أيضًا أن يكون مقام يقتضي نكتةً مخالفة للأصل، أي زائدة على أصل المراد، ومقام آخر لا يقتضيها، أو مقام يقتضي واحدة فقط، ومقام يقتضي اثنتين، وهكذا. فالكلام الوارد في المقام المقتضي للنكتة الزائدة على أصل المراد مطابقًا لها= أبلغ من الكلام الوارد في المقام الذي لا يقتضي ذلك، والكلام الوارد في المقام الذي يقتضي نِكاتًا متعددة مطابقًا أبلغ من الكلام الوارد في المقام الذي يقتضي أقل منها. والله أعلم.
ويدل على ما ذكرنا ما نقله عن الفَنَري
(1)
في الكلام على قوله: «عطف على قوله: هو» قال: «فإن قلت: لا يمكن إنكار تفاوت الآيات في البلاغة، قلت: التفاوت الحاصل فيها بالنظر إلى أن الأحوال المقتضية للاعتبارات في بعضها أكثر، فالمقتضيات المرعية فيها أوفر من المقتضيات المرعية في الأخرى، وذلك لا يقدح في أن يكون كل منها في الطرف الأعلى، أي في مرتبة من البلاغة لا بلاغة فوقها بالنسبة لتلك الآية لوجوب اشتمال كل آية على جميع مقتضيات الأحوال التي في نفس الأمر بناء على إحاطة علم الله
(1)
«التجريد» : (1/ 110).
تعالى بجميعها فتأمل». هـ
ثم نقل بعد ذلك بأسطر
(1)
كلامًا لابن قاسم قال في آخره: «على أنه يمكن أن يُدَّعى تفاوت نفس البلاغة القرآنية بغير النظر إلى ما ذكر، بأن يكون أحد الكلامين أبعد عن أسباب الإخلال بالفصاحة، كأن لا يكون في أحدهما شائبة ثقل ويكون في الآخر شائبة ثقل لا تخلُّ بالفصاحة، نحو {فَسَبِّحْهُ} [ق: 40]. ولا شك أن انقطاع الشائبة بالكلية أدخل في الفصاحة وموجب للأعلوية في البلاغة» . هـ
أقول: ومع ذلك، فتلك الآية المحتوية على اللفظ الذي فيه شائبة ثقل= هي في أعلى طبقات الفصاحة في بابها، أي أنه لا يمكن أن يؤدَّى ذلك المعنى بلفظ أفصح من ذلك اللفظ فتأمل. والله أعلم.
ونقل
(2)
عن يس الكلام على قوله: «وارتفاع شأن الكلام [في الحُسن والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب وانحطاطه]
(3)
» كلامًا فيه: «وبحمل الكلام على الكلام الفصيح لا البليغ يندفع ما أورد على كل من المقدمتين في قول المصنف: وارتفاع
…
إلخ. أما الأولى فلأن ارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول إنما هو بزيادة المطابقة للاعتبار المناسب وكمالها لا بنفس المطابقة، والثابت بنفس المطابقة إنما هو أصل الحسن .... » إلخ.
(1)
(1/ 111).
(2)
(1/ 105).
(3)
في الأصل: «
…
إلخ». وأكملنا الكلام ليتضح المعنى.