الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضرب يَرِد بصورة التخيير، ولا يعارضه شيء، سواء أجاء ما يؤيد التخيير أم لا. فهذا ــ والله أعلم ــ ليس مرادًا بالحديث، ومنه كفارة اليمين.
الثاني: ما ورد بصيغة الأمر ولم يعارضه شيء، فهذا هو المراد بالحديث.
ويبقى التردّد فيما ورد بصيغة نفي الحرج، أو نفي الجُناح ونحوهما.
فالظاهر في هذا أنّه من القسم الأول، إلاّ أن يجيء ما يدخله في القسم الثاني لورود أمر آخر به، أو مواظبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه، ومنه القَصْر في السفر.
وكان الظاهر في الصوم في السفر أنه من القسم الثاني؛ لأن ظاهر القرآن في معنى الأمر، بل آكد منه، إذ جعل محلّ الصيام هو أيام أُخَر. ولكن السنة خصّصت ظاهر القرآن بما إذا وُجِدت المشقة
(1)
.
* * * *
[مسألة الطلاق الثلاث، والتحليل]
(2)
الحمد لله.
أمّا السبيل الذي أشار إليه السائل
(3)
، فإنّ من أهل العلم [مَن] ذهب
(4)
إلى أنّ مثل هذا الطلاق المسؤول عنه لا يقع به إلا واحدة. وهذا مذهب الزيدية، يروونه عن أسلافهم من أئمة أهل البيت كابرًا عن كابر، ووافقهم
(1)
مجموع [4719].
(2)
للمؤلف رسالة بعنوان «القول المشروع في الطلاق المجموع» مطبوعة ضمن هذه الموسوعة.
(3)
لم نقف على كلام هذا السائل الذي كتب المؤلف هذا التقييد ــ فيما يظهر ــ إجابة لسؤاله.
(4)
غير محررة، وكان قد كتبها:«يذهب» ثم أصلحها كما هو مثبت.
عليهم المتأخرون من محدّثي أهل اليمن، كالشوكاني وغيره، وحكاه في «نيل الأوطار»
(1)
عن جماعة من الصحابة والتابعين وهلمّ جرًّا.
واختاره ابن تيمية وابن القيم، وهما من المنتسبين إلى مذهب إمام السنة الإمام أحمد بن حنبل.
ودليلهم حديث ابن عباس الثابت في «صحيح مسلم»
(2)
وغيره.
ولكن أئمة المذاهب الأربعة على أنّه يقع ثلاثًا.
وقد أجاب الشافعي ــ رحمه الله تعالى ــ عن هذا الحديث في كتاب «اختلاف الحديث» المطبوع بهامش «الأم» . انظر: ج 7 ص 310 إلى ص 315
(3)
.
وكلامه ــ رحمه الله تعالى ــ يدلّ على تردّد، فإنّه ذكر هذا الحديث، ثم ذكر أنّ ظاهر القرآن خلافه، ثم عارضه بحديث عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: إنّي كنت عند رفاعة فطلقني فبتَّ طلاقي
…
، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى يذوق عسيلتك
…
»
(4)
.
(1)
(6/ 260).
(2)
(1472) ونصه: قال ابن عباس: «كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمرٍ قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم» .
(3)
(10/ 256 - 260) ط. دار الوفاء.
(4)
أخرجه البخاري (2639)، ومسلم (1433).
قال الشافعي: «فإن قيل: فقد يحتمل أن يكون رفاعة بتّ طلاقها في مرّات. قلت: ظاهره في مرة واحدة
…
».
أقول: لكن قد ثبت في «صحيح مسلم»
(1)
وغيره أن طلاق رفاعة كان في مرات، فسقط الاستدلال بحديث رفاعة.
قال الشافعي: «فلما كان حديث عائشة في رفاعة موافقًا ظاهرَ القرآن، وكان ثابتًا، كان أولى الحديثين أن يؤخذ به، والله أعلم، وإن كان ليس بالبين فيه جدًّا
(2)
».
قال الشافعي: «ولو كان الحديث الآخر له مخالفًا كان الحديث الآخر يكون ناسخًا، والله أعلم، وإن كان ذلك ليس بالبين فيه جدًّا» . اهـ.
ففي كلامه ــ رحمه الله ــ من التردّد ما لا يخفى، مع أنّه كان بيده ظاهر حديث امرأة رفاعة، فكيف لو بلغه ما ثبت في مسلم وغيره أنّ طلاق رفاعة كان في مرّات؟
والكلام في المسألة طويل، والذي يترجّح لنا ــ وهو ظاهر جدًّا من كلام الشافعي رحمه الله ــ أنها من المسائل الاجتهادية التي لا يُشنَّع على أحد من المختلفين فيها، ولا مقلِّديه.
وقد نصّ جماعة من الأئمة، منهم السبكي رحمه الله، أنّه يجوز للمسلم تقليد غير الأئمة الأربعة في حقِّ نفسه.
(1)
(1433/ 112).
(2)
الخط من وضع المؤلف.
* وأمّا التحليل، فإنّ مذهب الشافعي ــ رحمه الله تعالى ــ جوازه إذا لم يُشْتَرط في صلب العقد.
وكثيرٌ من الأئمة يحرّمه، ودليلهم الحديث الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ » قالوا: بلى يا رسول الله، قال:«هو المحلل» ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لعن الله المحلِّل والمحلَّل له»
(1)
.
والحديث عامٌّ، فقَصْرُه على ما إذا كان بالشرط في صُلب العقد مفتقر إلى دليل، ولم يذكروا دليلاً ظاهرًا في ذلك.
وظاهر الحديث يأباه جدًّا، فإنّه علَّق الحكم بالمحلّل، وقد تقرَّر في أصول الفقه وعلم البيان أنّ تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعِلِّيّة ما منه الاشتقاق، فتكون العلة هنا هي التحليل من حيث هو تحليل.
فأمّا شرط الطلاق في صلب العقد فإنّه حرام، سواء أكان نيّته التحليل أو غيره، كما لو كانت بكرًا.
وقد روى الحاكم في «المستدرك»
(2)
ــ وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي ــ عن نافع قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن
(1)
أخرجه ابن ماجه (1936)، والحاكم:(2/ 198)، والبيهقي:(7/ 208) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. والحديث حسَّنه عبد الحق الإشبيلي، وصححه شيخ الإسلام وابن القطّان وقوَّاه الزيلعي. انظر «نصب الراية»:(3/ 239 - 240)، و «التلخيص»:(3/ 195).
(2)
(2/ 199). وأخرجه البيهقي: (7/ 208)، وأبو نعيم في «الحلية»:(7/ 96).