الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مناقشة الشافعية في قولهم بركنيَّة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التشهد]
الحمد لله.
احتجَّ الشافعية على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التشهُّد ركن بحديث فَضالة بن عُبيد قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلَّى فقال: اللَّهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عجلتَ أيها المصلِّي! إذا صلَّيتَ فقعدت فاحْمد الله بما هو أهله وصلِّ عليَّ ثم ادْعُه» . قال: ثم صلَّى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلَّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له النبى صلى الله عليه وآله وسلم:«أيها المصلِّي ادعُ تُجَبْ»
(1)
.
ورُدَّ بأنه دليل عليكم؛ إذ لو كانت ركنًا لأَمَره بالإعادة كما أمر المسيء صلاته. فأما كونه لم يأمر الذي تكلَّم في صلاته جاهلًا، فلأن مثل ذلك الكلام يُعذر به الناسي والجاهل بخلاف ترك الركن فإنه لا يُعذر ناسيه ولا جاهله؛ وهذا مذهبكم.
ومع هذا فلا ندري هل كان دعاء الرجل ودعاؤه
(2)
بعد الفراغ من الصلاة أم فيها، فإن كان الأول فلا علاقة له بالمسألة، إلا أن الأشبه الثاني.
واحتجُّوا بحديث الحاكم على شرط مسلم عن ابن مسعود قال: «أقبل
(1)
أخرجه أحمد (23937)، والترمذي (3476، 3477) ــ واللفظ لأُولى روايتيه ــ، والنسائي (1284)، وابن خزيمة (709)، وابن حبَّان (1960). وقال الترمذي:«هذا حديث حسن» . وقال في الرواية الثانية: «حسن صحيح» .
(2)
كذا في الأصل.
رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن عنده فقال: يا رسول الله أما السَّلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلِّي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا ــ صلى الله عليك ــ؟ قال: فصَمَت حتى أحببْنا أن الرجل لم يسأله، ثم قال: إذا صليتم عليَّ فقولوا
…
».
وحملوا قوله «في صلاتنا» على ذات الركوع والسجود، وهو محتمل كما أنه يحتمل أن يكون المراد: في صلاتنا عليك؛ كأنه قال: كيف نقول في صلاتنا عليك؟ وربَّما يؤيِّده جوابه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «إذا صليتم عليَّ فقولوا» ، ولم يقل: إذا صلَّيتم عليَّ في صلاتكم
…
وعلى كلِّ حال، فلا دلالة فيه على الوجوب فضلًا عن الركنيّة؛ فإن قوله:«إذا صلَّيتم عليَّ» معناه: إذا أردتم الصلاة عليَّ، فقوله:«فقولوا» أمر إرشاد وتعليم لتعليقه على إرادتهم. وأيضًا فكونه تعليمًا لسائل التعليم ظاهر في كونه إرشادًا فقط.
واستدلُّوا أيضًا بالآية، والأمر للوجوب.
وأجيب بتسليم الوجوب، ولكن لا تتعيَّن الصلاة. كما أن الله عز وجل أمرنا بالاستغفار، ولم يقل أحدٌ: إنه ركن من أركان الصلاة.
ويظهر لي وجهٌ آخر وهو أن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] معناه: ادعوا له، وفي التشهُّد الدعاء له:«السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته» .
وإن ادُّعي أن قوله: {صلُّوا} أراد به: انطقوا بلفظ الصلاة.
قلنا: أفلا يحتمل أن يكون المراد الصلاةَ أو ما يرادفها، وهو الرحمة؛ فإنَّ في الصلاة الإبراهيمية: «كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد [مجيد]
…
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد». وهو مأخوذ من قوله تعالى حاكيًا عن الملائكة في خطابهم لآل إبراهيم: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ
(1)
…
حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73]. فأنت ترى كيف أبْدَلَ الرحمةَ بلفظ الصلاة، وهو يدلُّ على ترادفهما.
ثم إن العبارة التي في التشهُّد: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» مطابقة للآيتين.
أما آية: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، فلأنّ قولنا:«السلام عليك» يقابل قوله: {وَسَلِّمُوا} . وقولنا: «ورحمة الله» يقابل قوله: {صَلُّوا} كما مرَّ.
وأما آية: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} فظاهر. والله أعلم
(2)
.
* * * *
(1)
في الأصل: «إنك» سبق قلم.
(2)
مجموع [4716].