الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الجنائز
هي بفتح الجيمِ جِنَازة بكسرها وتفتح، من الخبر وهو الستر اسم للنعش عليه الميت (1). والكلام هنا ينحصر في سبعة أصول:
(أ) المرض:
المرض نعمة من نعم الله تعالى على عباده الصالحين والكلام فيه ينحصر في أحد عشر فرعا:
(1)
فضل المرض: جاء في فضله أحاديث (منها) حديث أبى هريرة: " من يُرد الله به خيراَ يُصَيِب منه " أخرجه الشيخان والنسائي (2){1}
(وحديث) أنس بن مالك: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ابنة لي كذا وكذا ذكرت من حسنها وجمالها. أتْرِ بُكَ بها قال: قد قبلتُها فلم تزل تمدحُها حتى ذكرت أنها لم تصُدع ولم تشتك شيئا قط " قال " لا حاجة في ابنتك. أخرجه أحمد وأبو يعلى بسند رجاله ثقات (3){2}
(1) وقيل هى بكسر الجيم اسم للنعش وبالفتح اسم للميت
(2)
انظر ص 86 ج 10 فتح البارى (كفارة المرض) و (يصب) بكسر الصاد عند الأكثر. والمعنى يبتليه الله تعالى بالمصائب ليثيبه عليها. وروى بفتح الصاد والمعنى يوجه اليه البلاء فيصيبه وهو أليق بالأدب لقوله تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفين) ويشهد للأول حديث محمود بن لبيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أحب الله قوما ابتلاءه فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع " أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات. انظر ص 86 ج 10 فتح البارى
(3)
انظر ص 294 ج 2 مجمع الزوائد (من لم يمرض) أتربك: أى اغنيك بها، يقال: اترب الرجل إذا استغنى.
وهو رافع للدرجات مكفر للسيئات لمن صبر ولم يجزع (لحديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما مِن مصُيبِة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يُشاكُها " أخرجه البخاري (1){3}
(وحديث) أبى سعيد وأبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما يصيب المؤمن من نصَب ولا وصَب ولا هَم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه " أخرجه البخاري والشيخان (2){4}
(في هذه) الأحاديث بشارة عظيمة للمؤمن لأنه لا ينفك غالبا عن ألم من مرض أو نحوه. وفيها أن الأمراض والآلام بدنية أو قلبية تكفر ذنوب من يصاب بها.
وظاهره تعميم جميع الذنوب لكن خصه الجمهور بالضفائر (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر " أخرجه احمد ومسلم والترمذى (3){5}
حملوا المطلقات الواردة في التكفير على هذا المقيد، ويحتمل أن يكون معنى المطلق أن البلايا والأمراض ونحوها صالحة لتكفير الذنوب فيكفر الله بها ما شاء من الذنوب. والمراد بتكفير الذنب ستره أو محو أثره المترتب عليه من استحقاق العقوبة (وقد) استدل بإطلاق الأحاديث على أن السيئات تكفر بمجرد حصول المرض أو غيره وإن يكن معها صبر (وقال) القرطبي وغيره: محله إذا صبر المصاب واحتسب (لحديث) صهيب بن سنان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد غير المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا " أخرجه مسلم (4){6}
(1) انظر ص 82 ج 10 فتح البارى (كفارة المرض).
(2)
انظر ص 84 ج 10 فتح البارى و (النصب)" بفتحتين " التعب. و (الوصب) المرض. والهم: الحزن على ما يأتى والغم: والآلم لما وقع
(3)
انظر ص 117 ج 3 نووى مسلم.
(4)
انظر ص 125 ج 12 منه
والظاهر أن المصيبة إذا قارنها الصبر حصل التكفير ورفع الدرجات وإن لم يحصل صبر ولا جزع يذم عليه من قول أو فعل ففضل الله واسع. ولكن منزلته منحطة عن منزلة الصابر. وإن لم يكن صبر ومعه جزع يذم عليه نقص الأجر أو التكفير فقد يستويان وقد يزيد أحدهما على الآخر فبقدر ذلك يقضى لأحدهما على الآخر (1).
هذا ويندب للمريض أن يصبر ويحمد الله ولا يشكو وأن يتضرع إلى ربه (لحديث) أبى أمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل ليقول للملائكة: انطلقوا إلى عبدي فصبتوا عليه البلاء صبا فبحمد الله فيرجعون فيقولون: يا ربنا، صببنا عليه البلاء صبا كما أمرتنا فيقول: ارجعوا فإني أحب أن أسمع صونه " أخرجه الطبرانى في الكبير. وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف (2){7}
(2)
فضل الله تعالى على المريض: من فضل الله تعالى على عبده المؤمن أنه إذا مرض أو منعه مانع من طاعة كان يؤديها وهو صحيح مقيم أن يعطيه الله تعالى أجر ما كان يعمله من الخير ومنعه منه مرض أو غيره. وقد ورد في هذا أحاديث (منها) حديث أبى بردة عن أبى موسى الأشعرى قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم غيره مرة ولا مرتين يقول " إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عنه مرض أو سفر كُتِب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم " أخرجه آبو داود والبيهقى وكذا البخاري (3) بلفظ: إذا مرض العيد أو سافر كُتِب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا. {8}
(وحديث) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد
(1) انظر ص 88 ج 10 فتح البارى (آخر كفارة المرض). ويشير الى هذا التفصيل حديث محمود بن لبيد المتقدم بهامش حديث رقم 1.
(2)
انظر ص 290 ج 2 مجمع الزوائد (فيمن يبتلى)
(3)
انظر ص 218 ج 8 - المنهل العذب (إذا كان الرجل يعمل صالحا فشغله عنه مرض) وص 83 ج 6 فتح البارى (يكتب للمسافر ما كان يعمل فى الإقامة)
إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به أكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفِته إلى " أخرجه أحمد وعبد الرازق بسند صحيح (1){9}
والأحاديث في هذا كثيرة: (2)
(3)
فضل الصبر: الصبر لغة حبس النفس عن الضجر والرضا بما يقتضيه العقل أو الشرع. واصطلاحا خلق فاضل يحمل النفس على التحلي بما يحسن والتخلى عن القبيح. (وقيل) هو اعتراف العبد بأن ما أصابه من الله واحتساب أجره عنده ورجاء ثوابه منه. (وقيل) هو حبس النفس على الطاعة ومشاقها والمصائب وحرارتها وعن المنهيات والشهوات ولذاتها (وهو) ثلاثة أنواع: صبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية. هذا. والصبر فضله عظيم وأجره عميم قال الله تعالى:(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (3) وقال: " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ "(4)
وأفضله ما كان عند الصدمة الأولى (لحديث) ثابت عن أنس قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تبكى على صبى لها فقال لها: اتقى الله واصبري
(1) انظر ص 303 ج 2 مجمع الزوائد (ما يجرى على المريض) وأكفته بفاء وتاء مثناه أى أضمه الى القبر.
(2)
تقدم بعضها فى بحث صلاة المريض ص 36 ج 4 الطبعة الأولى.
(3)
الزمر: 39 - أى يعطون أجرهم بلا مكيال ولا ميزان (فقد) قال على رضى الله عنه: كل مطيع يكال له كيلا يوزن له وزنا الا الصابرين فإنه يخشى لهم خثيا.
(4)
البقرة: 155 - 157 - والصلاة: المغفرة والثناء الحسن. والرحمة: العطايا والإحسان. والمهتدون: الكاملون فى الهداية، فإن الرضا بالقضاء فى كل حال علامة الهدى الكامل. ولما نزلت هذه الآية قال عمر رضى الله عنه: نعم العدلان ونعمت العلاوة. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة فهذان العدلان وأولئك هم المهتدون. فهذه العلاوة وهى ما يوضع بين العدلين.
فقالت: وما تُبالى أنت بمصيبتي؟ فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وسلم فأتته فلم تجد على بابه بوابين فقالت يا رسول الله لم أعرفك. فقال: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " أخرجه الخمسة وأبو نعيم والطبرانى والبيهقى (1){10}
أي لا يكون الصبر الكامل المترتب عليه الثواب العظيم والأجر الجزيل إلا عند أول نزول المصيبة بخلاف ما كان بعد ذلك فإنه بمرور الأيام يسلو
(وفائدة) جواب المرأة بذلك أنها لما جاءت بين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال، فهو الذي يترتب عليه الثواب الكامل.
(وجوابه) صلى الله عليه وسلم بهذا عن قولها " لم أعرفك " من قبيل الأسلوب الحكيم كأنه قال لها: أدعى الاعتذار فآني لا أغضب لغير الله تعالى. وتحلى بما فيه سعادتك في الدارين وإنما يكون ذلك بالصبر والرضا بقضاء الله وقدره ولا سيما عند مفاجأة المصيبة. وقد ورد في فضل الصبر أحاديث كثيرة (منها) حديث آبى هريرة قال: " جاءت امرأة بها آلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ادع لي فقال: إن شئتِ صبرتِ ولا حساب عليك. قالت بلى، أصبر وَلا حساب علىَّ " أخرجه البزار بسند حسن وأحمد وابن حبان بسند رجاله رجال الصحيح خلا محمد ابن عمرو وهو ثقة وفيه ضعف (2){11}
(1) انظر ص 95 ج 3 فتح البارى (زبارة القبور) وص 227 ج 6 نووى (الجنائز) وص 273 ج 6 المنهل العذب (الصبر عند المصيبة) وص 130 ج 2 تحفة الأحوذى (الصبر فى الصدمة الأولى) و (اتقى الله واصبرى) إنما أمرها النبى صلى الله عليه وسلم بذلك لأنها تبكى بنوح. ففى رواية يحيىبن كثير: فسمع ما يكره والمعنى: احذرى غضب الله تعالى وعقابه واتركى النياحة ولا تجزعى ليحصل لك الأجر (وما تبالى أنت بمصيبتى) أى لا يهمك أمرها. وفى رواية البخارى: إليك عنى فإنك لم تصب بمصبتى (والصدم) فى الأصل: ضرب الشئ الصلب بمثله فاستعير لورود المصيبة على القلب لشدته.
(2)
انظر ص 307 ج 2، وص 116 ج 5 مجمع الزوائد، وص 91 ج 10 فتح البارى
(وعن) عطاء بن آبى رباح عن ابن عباس قال: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت بلى. فقال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إنى اصرع وإنى أتكشف فادع الله تعالى لي. فقالت إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة. وإن شئتِ دعوتُ الله تعالى أن يعافيك فقالت أصبر. فقالت إنى أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف فدعا لها. أخرجه الشيخان (1){2}
(وعن) أنس قال ك سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة. يريد عينيه " أخرجه البخاري (2){12}
(وعن) أبى منيب الأحدب قال: خطب معاذ بالشام فذكر الطاعون فقال: إنها رحمة ربكم ودعوة نبيكم وقبضُ الصالحين قبلكم، اللهم اجعل على آل محمد نصيبهم من هذه الرحمة ثم نزل عن مقامه ذلك فدخل على عبد الرحمن ابن معاذ فقال عبد الرحمن (الحقُ مِن رَّبك فَلَا تكُونَنَ مِنَ الممتَريِن) فقال معاذ: ستجدني إنْ شَاء اللهُ مِنَ الصَابرين. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (3){14}
(وعن) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة " أخرجه البخاري (4)
(1) انظر ص 191 ج 10 فتح البارى (فضل من يصرع من الريح)(والصرع 9 بفتحتين: علة تمنع الأعضاء الرئيسية عن انفعالها منعا غير تام (وسببه) ريح غليظة تنجس فى منافذ الدماغ أو بخار ردئ يرتفع اليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج فى الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبا بل يسقط ويقذف بالزبد لشدة الرطوبة (وقد) يكون الصرع من الجن ولا يقع الا من النفوس الخبيئة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية. وإما لإيقاع الأذية به، وهذا لا يعالج الا بمقاومة الأرواح الخيرة العلوية ليندفع ىثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطل افعالها. انظر ص 90 ج 10 فتح البارى وتمامه يأتى علاج الصرع.
(2)
انظر ص 92 ج 10 فتح البارى (فضل من ذهب بصره)
(3)
انظر ص 311 ج 2 مجمع الزوائد (الطاعون وما تحصل به الشهادة).
(4)
انظر ص 191 ج 11 فتح البارى (العمل الذى يبتغى به وجه الله تعالى)
(4)
عبادة المريض: العبادة: الزيارة وتفقد الحال، وهى حق من حقوق المسلم على المسلم (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم على المسلم ست. قيل ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيتَه فسلَّم عليه، وإذا دعاك فاجبه. وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عَطَسَ فحمد الله فسمَّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتَّبعه " أخرجه أحمد والشيخان {16} (1)
والكلام فيها ينحصر في خمسة مباحث:
(أ) حكمها: هي سنة مؤكدة عند الجمهور (لقول) ابن عباس رضى الله عنهما: " عيادة المريض أول يوم سنة وبعد ذلك تطوع " أخرجه الطبرانى في الكبير والأوسط، وفيه النضر آبو عمر وحديثه حسن (2){17}
(وقال) البخاري: إنها واجبة. وقال ابن حمدان: إنها فرض كفاية (لحديث) آبى موسى الأشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أطعموا الجائع وعودوا المريض وفُكّوا العانى " أخرجه احمد والبخاري وأبو داود (3){18}
(ولحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض واتباع الجنائز " أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم (4){19}
(وأجاب) الجمهور بأن الأمر في الحديث الأول والوجوب في الثاني محمول
(1) انظر ص 143 ج 14 نووى (من حق المسلم على المسلم رد السلام) وص 72 ج 3 فتح البارى (الأمر باتباع الجنائز) ولفظ البخارى: حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض الخ. (فسمته) بالسين المهملة من السمت وهو القصد والطريق القويم وروى بالشين المعجمة من التشميت وهو الدعاء بالخير والرحمة
(2)
انظر ص 296 ج 2 مجمع الزوائد (عيادة المريض)
(3)
انظر ص 89 ج 10 فتح البارى (عيادة المريض) وص 238 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء للمريض) و (العانى) الأسير.
(4)
انظر ص 143 ج 14 نووى مسلم (حق المسلم للمسلم) وص 73 ج 3 فتح الباري (الأمر باتباع الجنائز) ولفظ البخاري تقدم بهامش حديث رقم 16.
على مزيد الترغيب في عيادة المريض والاهتمام بشأنها، وللحث على التواصل والألفة، وإلا فهي في الأصل مندوبة، وقد تصل إلي الوجوب في حق البعض وتتأكد في حق من ترجى بركته، وتسن فيمن يراعى حاله وتباح فيما عدا ذلك (ونقل) النووي الإجماع على عدم الوجوب يعنى على الأعيان (1)
(هذا) وقد استدل بعموم قوله: " عودوا المريض " على مشروعية العيادة لكل مريض (وقد) جاء في عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم قال: " عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني " أخرجه أبو داود وأحمد والبيهقى والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه (2){20}
(ويلحق) بعيادة المريض تعهده وتفقد أحواله والتلطف به وربما كان ذلك سببا لنشاطه وانتعاش قوته وفى إطلاق الحديث دليل على أن العيادة لا تتقيد بوقت.
(ب) فضل العبادة: قد ورد فضلها والترغيب فيها أحاديث منها (حديث) ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عاد مريضا لم يزل في خرفه الجنة حتى يرجع قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: جناها " أخرجه أحمد ومسلم والترمذى والبيهقى (3){21}
(وحديث) ثابت البنانى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من
(1) انظر ص 89 ج 10 فتح الباري (وجوب عيادة المريض)
(2)
انظر ص 232 ج 8 - المنهل العذب (العيادة من الرمد) وص 381 ج 3 بيهقى (وأما) حديث آبى هريرة مرفوعا " ثلاث لا يعاد صاحبهن: الرمد، وصاحب الضرس، وصاحب الدملة " أخرجه الطبرانى في الأوسط، في سنده مسلمة بن على الحبشي ضعيف. انظر ص 300 ج 2 مجمع الزوائد وذكره ابن الجزرى في الموضوعات (ورد) بأنه ضعيف فقط.
(3)
انظر ص 125 ج 16 نووي مسلم (فضل عيادة المريض) وص 380 ج 3 بيهقى وص 124 ج 2 تحفة الاحوذى (والخرفة) كغرفة وهى ثمرة الجنة النضجة شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه من يجتنى الثمر (وجناها) آي يؤول به ذلك ذلك إلى الجنة واحتناء ثمارها.
توضا فأحسن الوضوء وعاد أخاه المسلم محتسبا بوعد من جهنم مسيرة سبعين خريفا، فقلت يا ابا حمزة ما الخريف؟ قال: العالم " أخرجه أبو داود (1){22}
(وحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من عاد مريضا خاض في الرحمة، فإذا جلس إليه غمرته الرحمة، فإن عاده من أول النهار استغفر له سبعون ألف ملك حتى يمسى، وأن عاده من أول الليل استغفر له سبعون آلف ملك حتى يصبح، قيل يا رسول الله هذا للعائد فما للمريض؟ قال: أضعاف هذا " أخرجه الطبرانى في الكبير. قال الهيثمى وفيه محمد بن عبد الملك الأنصاري ولم أجد من ذكره (2){13}
(وحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا بن آدم مرضت فلم تعدني. قال: يا رب كيف أدعوك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده "(الحديث) أخرجه مسلم (3){24}
أضاف المرض إليه تعالى - والمراد العبد - تشريفا للمريض، ومعنى " وجدتني عنده، " أى وجدت ثوابي وكرامتي، لقوله في تمام الحديث: لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، لو اسقياه لوجدت ذلك عندي: أى ثوابه (4)
(ج) آداب العبادة: يندب فيها أمور: المذكور منها هنا عشرة:
(1)
يستحب لعائد المريض أن يدعو له بالشفاء ويأمره بالصبر (لحديث) عائشة بنت سعد بن أبى وقاص أن أباها قال: " اشتكيت بمكة فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ووضع يده على جبهتي ثم مسح صدري وبطني ثم
(1) انظر ص 227 ج 8 - المنهل العذب (فضل العبادة).
(2)
انظر ص 298 ج 2 مجمع الزوائد (عيادة المريض).
(3)
انظر ص 125 ج 16 نووي مسلم (عيادة المريض).
(4)
انظر ص 126 ج 16 نووي مسلم
قال: اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته " أخرجه أبو داود والبيهقى وكذا البخاري مطولا (1){25}
(وعن) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من عاد مريضا لم يحضر اجله فقال عنده سبع مرار: أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض " أخرجه الثلاثة وابن حبان (2){26}
(وعن) ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاء الرجل يعود مريضا فليقل: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوا أو يمشى لك إلى جنازة " أخرجه أبو داود والحاكم وابن حبان (3){27}
(وعن) أبى أيوب الأنصاري رضى الله عنه قال: " عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار، فأكب عليه يسأله قال: يا رسول الله ما غمِضت منذ سبع ليال ولا أحَدُ يحضرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أى أخي اصبر، أى أخي اصبر، تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها. أخرجه ابن أبى الدنيا {28}
(2)
ويستحب إن يقول الزائر للمريض: لا باس عليك، طهور إن شاء الله تعالى (لحديث) ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل يعوده فقال:" لا باس، طهور إن شاء الله، فقال: كلا بل هي حُمى تفور على شيخ كبير حتى تزيره القبور. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فنعم إذا " أخرجه البخاري (4){29}
(1) انظر ص 237 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء للمريض) وص 381 ج 3 بيهقى (وضع اليد على المريض) وص 94 ج 10 فتح الباري.
(2)
انظر ص 239 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء للمريض)
(3)
انظر ص 24 ج 8 منه (الدعاء للمريض) و (ينكأ) كيمنع مهموزا: يجرح لإرضائك عدوا لدينك.
(4)
انظر ص 95 ج 1 فتح الباري (ما يقال للمريض)(ولا باس) آي أن المرض يكفر الخطايا و (طهور) آي هو مطهر لك من ذنوبك، وهو دعاء (فنعم إذا) آي إذا كان الأمر كما ظننت فنعم يحتمل أنه دعاء عليه. وأخبر عما يؤول إليه أمره ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه سيموت من ذلك المرض فدعا له بأن يكون الحمى طهرة لذنوبه. انظر ص 94 ج 10 فتح الباري.
(3)
ويستحب للزائر أن يضع يده على مكان المرض ويسمى الله تعالى ويدعو للمريض لما تقدم، ولقول عائشة:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذي يألم ثم يقول: باسم الله " أخرجه أبو يعلى بسند حسن (1){30}
(4)
ويستحب للزائر أن يطيب نفس المريض بإطماعه في الحياة وقرب الشفاء (لحديث) آبى سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب بنفس المريض " أخرجه ابن ماجه والترمذى بسند فيه لين (2){31}
(5)
ويستحب لعائد المريض أن يطلب منه الدعاء فإن دعاءه مستجاب (لحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عودوا المرضى ومروهم فليدعوا لكم فإن دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور " أخرجه الطبرانى في الأوسط وفيه عبد الرحمن بن قيس الغبي وهو متروك الحديث (3){32}
(6)
ويستحب تخفيف العبادة وعد تكريرها في اليوم إلا إن رغب المريض في ذلك فإن رغب في التطويل أو تكرير العبادة من صديق ونحوه ولا مشقة في ذلك فلا بأس به (ويؤيده) حديث عروة عن عائشة قالت: " لما أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق رماه رجل في الأكحل فضرب عليه النبي صلى الله عليه وسلم قال خيمة في المسجد ليعوده من قريب " أخرجه آبو داود ومسلم وكذا البخاري مطول (4) {
33}
(1) انظر ص 95 ج 10 منه (وضع اليد على المريض)
(2)
انظر 226 ج 1 - ابن ماجه (عيادة المريض)" ويطيب بنفس " الباء للتعدية أو زائدة.
(3)
انظر ص 295 ج 2 مجمع الزوائد (دعاء المريض)
(4)
انظر ص 231 ج 8 - المنهل العذب (العيادة مرارا) وص 373 ج 1 فتح الباري (الخيمة في المسجد للمرضى (والرجل) هو حبان - بكسر فشد - ابن قيس =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ابن علقمة (والأكحل) بفتح فسكون ففتح عرق في الذراع إذا قطع لا يرقا دمه حتى يموت صاحبه. (وغزوة) الخندق كانت في شوال سنة أربع من الهجرة (مارس سنة 626 ميلادية) لقول ابن عمر: " رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة ثم اجازنى يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة (وحاصلها) أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه تحزب قبائل العرب بإغراء حيى بن أخطب من بنى النضير وآخرين لمهاجمة المدينة فاشار سلمان الفارسى على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر خندق شمال المدينة وهى الجهة التي يخاف دخول العدو منها فحفر وقد قاسى المسلمون في حفره صعوبات وكابدوا مشقات وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكابد معهم وينقل التراب بنفسه حتى وارى الغبار بشرته وكان يتمثل بقول عبد الله بن رواحه:
والله لولا الله ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبت الأقدام إن لا فينا
إن الآلي قد بغوا علينا
…
إذا أرادوا فتنة أبينا
ولما رأى ما بهم من النصب قال:
اللهم إن العيش عيش الآخرة
…
فاغفر للأنصار والمهاجرة
فقالوا مجيبين:
نحن الذين بايعوا محمدا
…
على الجهاد ما بقينا أبدا
ولما تم الخندق أقبلت الأحزاب كما قال الله تعالى في سورة الأحزاب (إذ جاءوكم من فوقكم) آي من الشرق وهم غطفان خرجوا في آلف. عليهم عوف بن مالك، وعيينه بن حصن في بنى فزازة، والحارث بن عوف المرى، في بنى مرة. ومسور ابن مخرمه. فيمن تابعه من أشجع (ومن أسفل منكم) وهم قريش وكنانة وكانوا عشرة آلاف قائدهم أبو سفيان وانضم إليهم بنو قريظة ناقضين العهد. وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف. وجعل بينه وبين العدو الخندق وترامى الفريقان بالنبل نبفا وعشرين ليلة. اشتد فيها الحصار على المسلمين ونجم النفاق واضطرب ضعفاء الدين قال الله تعالى (وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا (10) هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا (11) (وإذا يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) (129 ورجع المنافقون قائلين: " إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا) (13) أراد النبي صلى الله عليه وسلم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أن يصالح عيينه بن حصن على ثلث ثمار المدينة ثمار المدينة ليفرق الجمع واستشار سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في ذلك فقال ابن معاذ: قد كنا وهؤلاء على الشرك وهم لا يطعمون منا بثمرة إلا قرى- بالكسر - آي ضيافة أو بيعا فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعنابك نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيك إلا السيف. فترك النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد ثم أفحم جماعة من العدو خيلهم مهزما - آي مضيفا - من الخندق منهم عمرو بن عبد ود وكان عمره تسعين سنة فبارزه على بن آبى طالب فقتله ومنهم عكرمة بن أبى جهل فجعل عليه على فالقى رمحه وولى منهزما. ومنهم نوفل بن عبد الله المخزومى فسقط في الخندق فقتله على. وأصيب سعد بن معاذ في أكحلة فقال: اللهم لا تمتنى حتى تقرعينى من بنى قريظة ثم جاء نعيم بن مسعود الأشجعى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنى قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني ما شئت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنت واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة - بفتح فسكون أو بضم ففتح - فتوجه إلى بنى قريظة وقال لهم: إن العرب إن لم ينصرفوا ينصرفوا ويتركوكم ومحمدا ولا طاقة لكم به فاتخذوا منهم رهائن كي لا ينصرفوا حتى يناجزوا منكم رهائن ويسلموهم له فيقتلهم وأخبر غطفان بمثل ذلك، ولما اصبحوا طلبت العرب من بنى قريظة الخروج للحرب فاعتذروا السبت وأنهم لا يخرجون معهم حتى يأخذوا منهم رهائن فصدقوا نعيما وتوهنوا وتخاذلوا وتفرقوا. ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أدعية (منها) ط اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله عليهم ريحا في برد شديد فزلزلتهم واقلعتهم وأسقطت كل خيمة قائمة لهم وجالت الخيل بعضها في بعض وكثر تكبير الملائكة فيهم حتى قالوا: النجاء النجاء. وقام أبو سفيان وقال: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام فقد هلك الكراع (الخيل) والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون. والله ما تطئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يتمسك لنا بناء ، فارتحلوا فإنى مرتحل فارتحلوا. ولما سمع غطفان بما فعلت قريش انهزموا راجعين إلى بلادهم تاركين ما استثقلوا من متاعهم فغنمه المسلمون وانصرفوا منصورين يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة أربع (وقد) استشهد منهم ثنى: ثلاثة من الأوس وهم سعد بن =
وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب عليه الخيمة في المسجد لتسهل عليه عيادته كثيرا.
(7)
ويستحب لمريد العبادة الوضوء (لحديث) أنس السابق في فضل العبادة (1)
(8)
ويستحب للعائد الذي يتبرك به المريض أن يتوضأ ويصب عليه وضَوءه (لقول) جابر " مرضت مرضا فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان فوجداني أغمى على فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب وضَوءه على فأفقت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالي كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث أخرجه البخاري (2){34}
(9)
والأفضل المشي في العبادة ولا باس بالركوب لا سيما إذا كان لحاجة (لحديث) جابر: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغلا ولا بِرْذَوْناً " أخرجه البخاري وأبو داود والترمذى والحاكم (3){35}
(وعن) عروة أن أسامة بن زيد أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف على قطيفة فَدَكِيه وأردف أسامة وراءه بعود سعد بن عبادة
= معاذ وأنس بن أوس وعبد الله بن سهل وثلاثة من الخزرج وهم الطفيل بن نعمان وثعلبة ابن عنمه - بفتح المهملة والنون - وكعب بن زيد، وقتل من المشركين ثلاثة: منبه ابن عبد العبدرى، ونوفل بن عبد الله المخزومى، وعمرو بن عبدود (وفى غزوة الخندق) نزل قول الله تعالى من سورة الأحزاب (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا) 29 (إذ جاءوكم من فوقكم) الآيات.
(1)
تقدم رقم 22 ص 9.
(2)
انظر ص 90 ج 10 فتح الباري (عيادة المغمى عليه).
(3)
انظر ص 96 ج 1 مه (عيادة المريض راكبا وماشيا) وص 227 ج 8 المنهل العذب (أتمشى في العيادة) و (البرذون) بكسر فسكون ففتح - في الأصل: الدابة، وفى العرف: التركى من الخيل.
قبل وقعة بدر (الحديث) أخرجه البخاري (1). {36}
(10)
ويستحب للعائد ألا يتناول عند المريض طعاما ولا شرابا فإنه مكروه مضيع لثواب العيادة (لحديث) آبى أمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عاد أحدكم مريضا فلا يأكل عنده شيئا فإنه حظه من عيادته " أخرجه الديلمى في مسند الفردوس. وفيه موسى بن وردان ضعفه ابن معين والذهبي (2){37}
وفى معنى الأكل ما اعتيد من إتحاف الزائر يشرب القهوة أو الشراب أو اللبن أو نحو ذلك. فينبغي تجنبه للعائد إلا الأصل في عيادة فرعه فلا يمنع من ذلك (لحديث) سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنت ومالك لأبيك " أخرجه الطبرانى والبراز وفيه عبد الله بن إسماعيل لحرراني قال أبو حاتم لين وبقية رجاله ثقات (3){38}
(فائدة) قال جابر: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يأبها الناس أنا أكرم الناس حسبا فذكر حديثا وفيه: من عاد مرضانا عدنا مرضاه " أخرجه أبو الطيب الغولى بسند ضعيف (4){39}
ولذا قال ابن وهب وأحمد: " لا تعد من لا يعودك "(لكن) قد يعارضه حديث قيس رجل من الأنصار قال: أخبرت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " عد من لا يعودك " أخرجه الديلمى وهو حديث ضعيف (5){40}
ويجمع بينهما بأن هذا محمول على الفصل والأول على العدل.
(1) انظر ص 95 ج 10 فتح الباري (عيادة المريض راكبا وماشيا وردفا على الحمار) و (على قطيفة) بدل مما قبله. (والإكاف) ما يلي ظهر الحمار كالبرذعة (والقطيفة) كساء يوضع فوق الإكاف (وفد كية) بفتحتين فكسر نسبة إلى فدك قرية بالشام صنعت فيها القطيفة.
(2)
انظر ص 402 ج 1 مناوى الجامع الصغير رقم 753.
(3)
انظر ص 49 و 50 ج 3 منه رقم 2713
(4)
انظر ص 357 ج 2 كشف الخفاء. ورقم 3033
(5)
انظر ص 357 ج 2 كشف الخفاء. ورقم 3033
(د) عيادة المرأة: لا باس بعيادة الرجل المرأة المريضة إذا لم تؤذ إلى خلوة بأجنبية (لحديث) عبد الملك بن عُمَيْر عن أم العَلاء قالت: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة فقال: ابشري يا أم العلاء فإن مرض المسلم يُذْهب الله به خطاياه كما تُذْهِب النارُ خبث الذهب والفضة أخرجه أبو داود (1){41} (وللمرأة) الأجنبية عيادة الرجل مع التستر وأمن الفتنة (فقد) عادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار. ذكره البخاري معلقا. (2)
(وقالت) عائشة: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وُعِكَ أبو بكر وبلال فدَخلتُ عليهما فقلت يا أبت كيف تجدُك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:
كل امرئ مُصَبَّح في أهله
…
والموتُ أدنى من شِراك نعله
وكان بلال إذا أقلعت عنه يقول:
ألا ليتَ شعري هل أبيتنّ ليلة
…
بواد وحولي إذخِر وجَليل
وهل أَرِدَنْ يوما مياه مَجِنَّة
…
وهل تَبّدُوَنْ لي شامة وطفيل أخرجه البخاري (3){42}
(1) انظر ص 219 ج 8 - المنهل العذب (عيادة النساء).
(2)
انظر ص 93 ج 10 فتح الباري (عيادة النساء الرجال) و (وعك) بضم فكسر آي أصابه الوعك وهى الحمى (كيف تجدك) آي كيف تعلم حال نفسك؟ و (مصبح) اسم مفعول كمحمد: آي مصاب بالموت صباحا أو يقال له: صبحك الله بالخير وقد يأتيه الموت بعد وهو مقيم بأهله (والشراك) بكسر الشين - السير يكون في وجه النعل. والمعنى: أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله برجله. و (الإذخر) بكسر فسكون: نبت طيب الرائحة. و (جليل) بالجيم بنت صفيق بوضع في سقف البيوت و (أردن) بنون التوكيد الخفيفة وكذا (تبدون) و (مجنة) بالجيم وشد النون. موضع على أميال من مكة كان به سوق (وشامة وطفيل) قيل جبلان قرب مكة. وقال الخطابى: ثبت عندي أنهما عينان.
(3)
انظر ص 93 ج 10 فتح الباري (عيادة النساء الرجال) و (وعك) بضم فكسر آي أصابه الوعك وهى الحمى (كيف تجدك) آي كيف تعلم حال نفسك؟ و (مصبح) اسم مفعول كمحمد: آي مصاب بالموت صباحا أو يقال له: صبحك الله بالخير وقد يأتيه الموت بعد وهو مقيم بأهله (والشراك) بكسر الشين - السير يكون في وجه النعل. والمعنى: أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله برجله. و (الإذخر) بكسر فسكون: نبت طيب الرائحة. و (جليل) بالجيم بنت صفيق بوضع في سقف البيوت و (أردن) بنون التوكيد الخفيفة وكذا (تبدون) و (مجنة) بالجيم وشد النون. موضع على أميال من مكة كان به سوق (وشامة وطفيل) قيل جبلان قرب مكة. وقال الخطابى: ثبت عندي أنهما عينان.
عيادة الذمي: تجوز عيادته إذا أرجى منها مصلحة له أو للعائد أو كان قريبا أو جارا (لحديث) ثابت عن أنس أن غلاما من اليهود مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له: " اسْلِمْ " فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له أبوه: أطعْ أبا القاسم فاسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول " الحمد لله الذي أنقذه بى من النار " أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي (1){43}
(وعن) أنس أن أبا طالب مرض فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يابن أخي أَدعُ إلهك الذي تعبُد أن يعافيني. فقال: " اللهم اشفِ عَّمى " فقام أبو طالب كأنما نَشِط من عِقال فقال له يابن أخي: إن إلهك الذي تعبُد لَيُطِيعُك. قال: " وأنت يا عم إن أطعتَ الله ليطيعُك " أخرجه الطبرانى في الآوسط وفيه الهيثم بن جمار البكاء وهو ضعيف (2){44}
وبهذا قال الجمهور. قالت الحنبلية: لا يعاد مبتدع ومجاهر بمعصية وتحرم عيادة الذمي (3)
(5)
طول العمر مع حسن العمل: طول العمر له اثر عظيم في السعادة وضدها لأنه كلما طال عمر الإنسان كثر عمله واطلع على أحواله الدنيا وتقلباتها (فإنه) اتعظ بكثرة من مات وما يقع من الشدائد، فزهد في الدنيا وأكثر من عمل الخير والبر، كثرت حسناته وكُفَّرت سياتُه ورُفعت درجاته وقبله مولاه إذ لم يره حيث نهاه ولم تفقده حيث أمره فكان سعيدا في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: " مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
(1) انظر ص 94 ج 10 فتح الباري (عيادة المشرك)(وص 226 ج 8 - المنهل العذب)(عيادة الذمي).
(2)
انظر ص 300 ج 3 مجمع الزوائد (عيادة غير المسلم).
(3)
انظر ص 7 ج 2 غذاء الألباب.
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " (1) (وإن لم يتعظ) ويعتبر بتقلبات الدهر وشغلته دنياه عن طاعة مولاه كان طولُ عُمُره وبالا عليه وليس عليه وليس له عذر عند الله عز وجل بعد أن مدّ في عمره ومكنَّه من الطاعة فأبى أن يطيع مولاه قال الله تعالى: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ" (2)
وعن آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أنت عليه ستون سنة فقد أعْذر الله إليه في العُمُر. أخرجه أحمد والنسائي والطبرانى (3){45}
(1) النحل: 97.
(2)
فاطر: 27 (أو لم بعمركم) استفهام توبيخى. آي أو ما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لعملتم به في مدة عمركم. أو المعنى: أو لم نعمركم تعميرا يتذكر فيه من تذكر. وهو متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شانه فقصر ألا أن التوبيخ في المتطاول أعظم واختلف في مقدار العمر هنا. والصحيح أنه ستون أو سبعون (لحديث) آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. اعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة " أخرجه البخاري (انظر ص 188 ج 11 فتح الباري)(من بلغ ستين سنة) وفى رواية لأحمد والطبرانى عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد أعذر الله تعالى إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة .. لقد أعذر الله إليه. لقد أعذر الله إليه.
فالإنسان لا يزال في ازدياد إلى كمال الستين ثم يشرع في النقص والهرم. ولما كان هذا هو العمر الذي يعذر الله إلى عبادة ربه. كان هو الغالب على أعمار هذه الأمة (فعن) آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأفلهم من يجوز ذلك. أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حسن (انظر ص 264 ج 3 تحفة الأحوذى)(وجاءكم النذير) يعنى الشيب. والصحيح أن النذير هو النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو الحسن رزين بن معاوية عن ابن عباس.
(3)
انظر ص 52 - ج 7 - الفتح الرباني (لقد أعذر الله إليه) آي لم يبق له اعتذارا حيث امهله طول هذه المدة ولم يعتذر. فالأعذار إزالة العذر ومنه قولهم (أعذر من انذر) آي بالعذر وأظهره، وإنما كانت الستون أو السبعون حدا لهذا لأنها قريبة من معترك المنايا وهى سن الإنابة والخشوع وترقب المنية فهذا المنية فهذا أعذار بعد أعذار لطفا من الله بعبادة حيث نقلهم من الجهل إلى العلن ثم أعذر إليهم فلم يعاقبهم إلا بعد الحجج الواضحة وإن كانوا فطروا على حب الدنيا وطول الأمل لكنهم أمروا بمجاهدة النفس في ذلك ليتمثلوا ما أمره به وينزجروا عما نهوا عنه. انظر ص 189 ج 11 - فتح الباري (من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر).
وقد ورد في فضل طول العمر وحسن العمل أحاديث (منها) حديث عبد الرحمن ابن آبى بَكرة عن أبيه أن رجلا قال: " يا رسول الله أى الناس خير؟ قال: من طال عُمره وحسُن عملُه. قال: فأى الناس شر؟ قال: من طال عُمره وساء عملُه " أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح، والطبرانى والحاكم والبيهقى بسند صحيح (1){46}
(وحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أُنَبئكم بخيركم؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: " خيارُكم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا " أخرجه أحمد وابن حبان والبيهقى بسند رجاله رجال الصحيح (2){47}
6 -
حسن الظن بالله تعالى: ينبغي المريض أن يغلَّب الرجاء على الخوف ولا يياسَ من رحمة الله فإنه لا يياسُ من روَح الله إلا القوم الكافرون، وعليه أن يحسن الظن بالله بأن يرجوَ مغفرتهَ وعفوَه، ولا يياسَ من رحمته لكن لا يركن إلى حسن الظن وهو منغمس في الشهوات وغارق في المخالفات ظالم لنفسه مخالف أوامر ربه. بل يلزم سبيل الرشاد متذكرا قول الله تعالى:" ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ "(3) فمن فعل ذلك ثم أحسن الظن بالله فقد أحسن إلى نفسه
(1) انظر ص 50 ج 7 - الفتح الرباني وص 371 ج 3 بيهقى (طوبى لمن طال عمره وحسن عمله) وص 264 ج 3 تحفة الأحوذى (طول العمر للمؤمن).
(2)
انظر ص 50 ج 7 - الفتح الرباني. وص 371 ج 3 بيهقى (طوبى لمن طال عمره وحسن عمله).
(3)
النحل: 119 (للذين) متعلق بمحذوف آي ثم إن ربك لغفور رحيم للذين عملوا السوء (بجهاله) آي بسبب جهل العواقب وجلال الله تعالى
وسَعِد سعادة أبدية ووضع الرجاء موضعَه. وأما ظن المغفرة والعفو مع الإصرار على المعصية فذلك محض الجهل والغرور. (روى) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس الإيمانُ بالتمني ولكن ما وَقَرَ في القلب وصدقه العمل وإن قوما ألههم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا نحن نُحسِنُ الظن بالله تعالى وكَذّبوا لو أحسنوا الظنَّ لأحسنوا العمل " أخرجه البخاري في تاريخه والديلمى في مسند الفردوس تفرد به عبد السلام بن صالح لعابد قال ابن عدى مجمع على ضعفه انظر ص 335 رقم 7570 ج 5 فيض القدير {48}
وعلى الجملة فحسن الظن المعتبر مستلزم لحسن العمل (لحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حسنُ الظن من حسن العبادة " أخرجه أبو داود والحاكم وابن حبان والترمذى وفيها مهنأ أبو شبل قال أبو داود ثقة بصري (1){49}
وأما حسن الظن بلا عمل فهو الطمع المذموم الواردُ فيه قول الله تعالى في الحديث القدسي: ما أقل حياء مَن يطمع في جنتي بغير عملِ كيف أجود برحمتي على من بَخِلَ بطاعتي؟ {50}
فيجب على المرء أن يجتهد في طاعة الرحمن موقنا بالقبول والغفران فقد وعد الله بذلك وهو لا يُخلف الميعاد. ومن اعتقد أو ظن خلافَ ذلك فهو آيس من رحمة الله. وهذا من الكبائر وإن مات على ذلك وُكِلَ إلى ظنه (وقد) ورد في هذا أحاديث منها (حديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يموتَنَّ أحدكم إلا وهو يُحسْن بالله الظنَّ فإن قوما قد أرادهم سوء ظنهم بالله عز وجل. وذلكم ظنُكم الذي ظننتم بربكم أرْدكم فأصبحتم من الخاسرين " أخرجه أحمد وعبد الرازق وابن آبى الدنيا (2){51}
(1) انظر ص 455 ج 4 عون المعبود (حسن الظن).
(2)
انظر ص 39 ج 7 - الفتح الرباني (وذلكم ظنكم) آي هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله تعالى لا يعلم كثيرا مما تعملون هو الذي أهلككم فأصبحتم من الخاسرين في مواقف القيامة وخسرتم أنفسكم وأهليكم (قال) ابن مسعود: اجتمع عند البيت (الكعبة) ثلاثة نفر كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم أترون أن الله يسمع ما نقول؟ فقال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا (وقال) الآخر إن كان يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون. وذلكم ظنكم (الآية) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى وقال حسن صحيح. انظر ص 178 ج 4 تحفة الأحوذى (سورة السجدة).
وحديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: " أنا عند ظن عبدي بى إن ظن بى خيرا فله وإن ظن شرا فله " أخرجه أحمد وفيه ابن لَهيعة مَتكلم فيه (1){52}
وحديث آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمر الله عز وجل فعَبدين إلى النار فلما وقف أحدهما على شَفَتِها التفت فقال: أمَا والله إنى كان ظني بك لَحَسن. فقال الله رُدوه فأنا عند ظنك بى فغفر له " أخرجه والبيهقى {53}
(7)
حسن الخاتمة: على العاقل ألا يغفُل عن طاعة الله تعالى وأن يجتهد في العمل بما يُرضى مولاه حتى يموت ويُبْعثَ على خير (لحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثم قبضه عليه " أخرجه أحمد والترمذى وابن حبان والحاكم (2){54}
(وحديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أراد الله بعبد خيرا قيض له قبل موته بعام مَاَ كان يسدده ويرَفقه حتى يقال مات بخيرِ ما كان فإذا حُضِر ورأى ثوابهَ اشتاقت نفسه حين أحب لقاء الله وأحبَّ الله لقاءه وإذا أراد الله بعبد شرا قيض له قبل موته بعام شيطانا فأضله وفتنه حتى يقال مات
(1) انظر ص 40 ج 7 - الفتح الرباني.
(2)
انظر ص 257 ج 1 مناوى رقم 381.
بشر ما كان عليه. فإذا حُضر ورأى ما أُعِدَّ له من العذاب جَزعَت نفسه فذلك حين كَره لقاء الله وكرِه الله لقاءه. أخرجه عبد بن حميد (1){55}
(8)
شكاية المريض: لا باس أن يُخبر المريض بما يجده من ألم لا على سبيل الضَّجَر والسخط مبتدئا بحمد الله بأن يقول: الحمد لله أجد كذا وكذا أو والحمد لله بى كذا وكذا من الأذى (فقد) قال ابن مسعود رضى الله عنه: إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك. أخرجه الشيخان. {56}
(وعن) هشام بن عروة عن أبيه قال: " دخلت أنا وعبدُ الله بن الزبير على أسماء بنتِ أبى بكر وأسماء وَجِعة فقال لها عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت: وَجِعَة "(لحديث) أخرجه البخاري في الأدب المفرد {57}
(وقال) القاسم بن محمد قالت عائشة: " وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاكِ لو كان وأنا حي فأستغفر لكِ وأدعو لك (لحديث) أخرجه البخاري (2){58}
وقد اختلف العلماء في هذا. والتحقيق أن الألم لا بقدر أحد على رفعه والنفوس مجبولة على وُجُدان ذلك فلا يُسْتطاع تغييرها عما جُبلت عليه وإنما كلف العبد ألا يقع منه في حَال المصيبة ماله سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد.
وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور. وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه بذكر الألم للناس على سبيل التضجر. وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا باس به اتفاقا (3). والشكوى إلى الله عز وجل لا تنافى الصبرَ الجميل فإن سيدنا يعقوب وَعَدَ بالصبر الجميل والنبي إذا وعد لا يُخْلِف.
ثم قال: " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ "(4) وكذلك سيدنا أيوب أخبر
(1) انظر ص 43 ج 7 - الفتح الرباني.
(2)
انظر ص 97 ج 10 فتح الباري (ما رخص للمريض أن يقول أنى وجع أو واراساه).
(3)
انظر ص 96 ج 10 فتح الباري (ما رخص للمريض أن يقول أنى وجع).
(4)
يوسف: 86
الله تعالى عنه أنه وجده صابرا مع قوله
" أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ "(1) وإنما ينافى الصبرَ شكوى الله لا الشكوى إليه كما رأى بعضهم رجلا يشكو إلى آخر فاقة وضرورة، فقال: يا هذا تشكو من يرحمك إلي من لا يرحمك؟ ثم أنشده.
وإذا عَرَاكَ بلية فاصبر لها
…
صبرَ الكريمِ فإنه بك أعلم
وإذا شكوتَ إلي ابنِ آدم إنما
…
تشكو الرحيم إلي الذي لا يرحمُ
هذا. وأنين المريض تارة يكون عند تبرم وتضجر فيكره. وتاره يكون عند تسخط بالمقدور فيحرُم. وتاره يكون لما ينشأ عنه من نوع استراحة بقطع النظر عن التبرم أو التضجر فيباح وتارة يكون عند ذل لرب العالمين وانكسار وخضوع مع حشم مادة العون إلا من بابه والشفاء إلا من عندِه فيندب (2).
(9)
مرض النبي صلى الله عليه وسلم: لما كان الموت مكروها طبعا لما فيه من شدة ومشقة عظيمتين، لم يمت نبي من الأنبياء حتى خير (قال) الزهري: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبي قط حتى يَرَى مقعَده من الجنة ثم يُخَيَّر. فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غُشِىَ عليه. فلما أفاق شَخَصَ بَصَرهُ نحو سقف البيت ن ثم قال: اللهم في الرفيق الأعلى. فقلت إذا لا يجاورنا فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح. أخرجه مالك والشيخان والترمذى 0 (3){59}
(1) الأنبياء: 83 وأول الآية: وأيوب إذ نادى ربه ربه أنى مسني
(2)
انظر ص 396 ج 1 - غذاء الألباب
(3)
انظر ص 97 ج 8 فتح الباري (مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وص 209 ج 15 نووي (فضائل عائشة) وفى البخاري (ثم يحيا أو يخير) شك من الراوي هل قال يحيا (بضم ففتح فشد الياء) أو قال يخير. وعند أحمد: ما من نبي يقبض إلا يرى الثواب ثم يخير.
وقد عرف الله النبي صلى الله عليه وسلم قثرْبَ أجله بإنزال سورة " إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ " دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال: إنه نُعِيتَ إلي نفسي فبكت فقال: لا تبكى فإنك أول أهلي لاحِق بي فضحِكت (الحديث) أخرجه الطبرانى في الكبير والأوسط بسند رجاله رجال الصحيح غبرَ هلالَ بن خَبَّابَ وهو ثقة وفيه ضعيف (1){60}
وقال جابر بن عبد الله رضى الله عنه: لما نزلت هذه السورة قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل نَعَيتَ إلى نفسي. فقال له جبريل: والآخر خير لك من الأولى. أخرجه الطبرانى. (2){61}
وعن آبى مُوَيِبَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. إنى أتِيتُ مفاتيح خزائنِ الأرض واُلخْلدَ ثم الجنةَ فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنةِ فاخترت لقاء ربى والجنةَ. أخرجه أحمد (3){62}
والأحاديث في هذا كثيرة (4). وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يُمَرَّضُ
(1) انظر ص 23 ج 9 مجمع الزوائد (باب في مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم إلى وما اطلعه الله عليه من ذلك).
(2)
انظر ص 92 ج 8 فتح الباري (مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته)
(3)
انظر ص 97 ج 8 منه.
(4)
(منها) حديث معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى تحت راحلته فلما فزع قال يا معاذ: إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا. ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبرى. فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله ثم التفت فاقبل بوجهه نحو المدينة فقال: إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا. أخرجه أحمد بسندين رجالهما رجال الصحيح إلا راشد بن سعد وعاصم بن حميد وهما ثقتان. انظر ص 22 ج 9 مجمع الزوائد (باب في مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم وحديث العباس بن عبد المطلب قال: رأيت في المنام كأن الأرض تنزع إلى السماء باشطان (جمع شطن بكسر فسكون وهو الحبل الطويل) شداد فقصمت ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم له فقال: ذاك وفاة ابن أخيك. أخرجه البزار والطبرانى ورجالهما ثقات. انظر ص 23 ج 9 مجمع الزوائد.
باقتراب أجله مرض في أواخر الحجة سنة إحدى عشرة هجرية (سنة 632 ميلادية) وأول ذلك أنه خرج من جوف الليل إلى البقيع فاستغفر لهم ودعا كالمودع للأموات واصبح مريضا من يومه (قالت) عائشة: لما رجَعَ من البقيع وجدني وأنا أجد صُداعاً في رأسي أقول: وارأساه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وأنا حي فاستغفر لكِ وأدعو لكِ فقلت: واثُكلياه والله إنى لأظنك تحب موتى ولو كان ذلك لَظَلَلْتَ آخرَ يومك مُعَرَّسا بعض أزواجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه (الحديث) أخرجه البخاري (1) {
63}
وكان وجعه صلى الله عليه وسلم في الخاصرة وهو عرق في الكلية إذا تحرك أوجع صاحبه. وقيل كان مرضه الصداع (وقالت) عائشة رضى الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلتُ بخيبر وهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم. أخرجه البخاري (2). {64}
(1) انظر ص 97 ج 10 فتح الباري وتقدم بعضه رقم 58 (واثكلياه) بضم الثاء وسكون الكاف وفتح اللام وتكسر. والشكل في الأصل فقد الولد ومن يعز على الفاقد وليس هذا مرادا هنا .. بل هو كلام يجرى على اللسان عند نزول المصيبة أو توقعها (ومعرسا) بضم ففتح أو سكون وشد الراء وتخفيفها من التعريس أو الإعراس. يقال: عرس واعرس إذا بنى على زوجه ثم استعمل في كل جماع.
(2)
انظر ص 92 ج 8 فتح الباري (مرضى النبي صلى الله عليه وسلم (وأبهري) بفتح فسكون ففتح وهو عرق مستبطن بالظهر بالقلب إذا انقطع مات صاحبه.
أصابه صلى الله عليه وسلم في مرضه هذا حمى شديدة (قال) عبد الله بن مسعود: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَكُ فمسته فقلت: " إنك لتوعك وعكا شديدا. قال اجَل كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذلك بان لك اجرين. قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها
سيئاتِه كما تحط الشجرة ورقها " أخرجه الشيخان (1). {65}
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدور في مرضه على أزواجه التسع حتى اشتد به المرض في يوم ميمونة فاستأذنهن أن يمرض في بيت عائشة فأذن له (قالت) لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فإذن له فخرج بين رجلين - العباس ورجل آخر - تخط رجلاه في الأرض
(1) انظر ص 88 ج 10 فتح الباري (شدة المرض)، وص 127 ج 16 نووي (ثواب المؤمن فيما يصيبه) والوعك -. بفتح فسكون أو فتح - الحمى أو المها (تحط الشجرة ورقها) بفتح فضم فشد أي تلقيه منتشرا والمعنى أن شدة المرض ترفع الدرجات وتحط السيئات حتى لا يبقى منها شئ.
فلما دخل بيني واشتد وجعه قال: هريقوا على من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن لعلى أعهد إلي الناس فأجلسناه في مخضب لحفصه زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه الماء من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن ثم خرج إلي الناس فصلى بهم وخطبهم أخرجه الشيخان (1). {
66}
وهذه آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم مع القوم (قال) ابن شهاب: حدثني انس بن مالك رضى الله عنه أن المسلمين ببناهم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلى لهم لم يفاجئهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبتسم يضحك فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة أرخى الستر، وتوفى من
(1) انظر ص 89 ج 8 فتح الباري (مرض النبي صلى الله عليه وسلم (وسبع قرب " الحكمة في هذا العدد أن له خاصية في دفع ضرر السم والسحر. وسيأتي الحديث: أن تصبح بسبع تمرات من عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر .. انظر رقم 89 والنسائي في قراءة الفاتحة على المصاب سبع مرات وسيأتي في الحديث رقم 218 وقل سبع مرات أعوذ بعزة الفاتحة على المصاب سبع مرات وسيأتي في الحديث رقم 218 " وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر 0 بحث الرقى)" وخطبهم " كان ذلك يوم الخميس قبل وفاته بخمسة أيام كان في مسلم: وهذه أخر حجة للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدمت بصفحة 257 ج 4 - الدين الخالص طبعة أتولى وروى أن أخر خطبة للنبي صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس وجلس في اسفل مرقاة من المنبر فحمد الله واثنا عليه وقال أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم فهل خلد نبي قبلي فيما بعث إليه فاخلد فيكم؟ ألا إنى لاحق بربى وإنكم لاحقون بي فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا أتوصى المهاجرين فيما بينهم فان الله تعالى يقول (والعصر أن الإنسان لفي خسر أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وان الأمور تجرى بإذن الله) استبطاء أمر على استعجال فان الله عز وجل لا يعجل بعجلة أحد: فمن غالب الله غلبه ومن خاضع الله أخضعه.، فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. وأوصيكم بالأنصار خيرا فغنهم الذين تبوءاوا الدار والأيمان من قبلكم أن تحسنوا إليه. آلم يشاطروكم في الثمار؟ آلم يوسعوا لكم في الديار؟ آلم يؤثروكم على أنفسهم وبهم خصاصة الله فمن ولى أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنها ولا تجاوزوا عن سيئهم. إلا ولا تستأثروا عليهم إلا وأنى فرط لكم وأنتم لاحقون بي إلا فان موعدكم الحوض، إلا فمن احب أن يجيد على غدا فليكف يده ولسانه (انظر ص 448 من كتاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للأستاذ محمد رضا).
يومه ذلك. أخرجه الشيخان. (1){67}
(10)
أخر وصايا وكلمات النبي صلى الله عليه وسلم (ورد) في ذلك أحاديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي توفى فيه ن الصلاة وما ملكت أيمانكم فما زال يقولون حتى ما يفيض بها لسانه. أخرجه ابن ماجه بسند من صحيح. (2){68}
وحديث أنس قال: كان أخر وصية النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة مرتين وما ملكت أيمانكم وما زال يغرغر بها في صدره وما يفيض بها لسانه. ذكره الحاكم في المستدرك وقال قد اتفقنا (يعنى الشيخين) على أخراجه على وأخراج حديث عائشة: أخر كلمة تكلم بها الرفيق الأعلى. وقال الذهبي: فلماذا أوردته (3){69}
وحديث ابن آبى مليكه أن ابا عمر ذكوان مولى عائشة أخبره إن عائشة كانت تقول أن من نعم الله عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى في بيتي وفى يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ربقى وريقة عند موته: دخل
(1) انظر ص 101 ج 8 - فتح الباري (مرضى النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
انظر ص 254 ج 1 - بن ماجه. و (الصلاة) آي ألزموها واهتموا بشأنها (وما ملكت أيمانكم) أي أدوار زكاة أموالكم وحقوق ما ملكتم من العبيد والدواب (حتى ما يفيض بها لسانة) آي ما يجرى بهذه الكلمة لسانه من فاض الماء إذا سال وجرى
(3)
انظر ص 57 ج 3 مستدرك (فلماذا أوردته) يريد أنه كان على الحافظ الحاكم إلا يورد الحديث في المستدرك حيث أن الشيخين اتفقا على إخراجه
على عبد الرحمن وبيده السواك وأنا مسندة النبي صلى الله عليه وسلم فرايته ينظر إليه وعرفت انه يحب السواك فقلت آخذه لك؟ فاشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتد عليه. وقلت: الينه لك؟ فاشار برأسه أن نعم، فلينته فأمره وبين يديه ركوة أو عليه فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: لا اله إلا الله إن للموت سكرات، ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده. أخرجه الستة ألا ابا داود (1){70}
وفى رواية مسلم: اللهم اغفر لي وارحمني والحقنى بالرفيق الأعلى (2)(والمراد) بالرفيق الأعلى: الملائكة أو المذكورون في قوله تعالى " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً "(3) قال السهيلى: فهذه آخر كلمة تكلم بها عليه الصلاة والسلام. وهى تتضمن معنى التوحيد الذي يجب أن يكون آخر كلام المؤمن لأنه قال " مَعَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيُهمُ " وهم أصحاب الصراط المستقيم وهم أهل لا اله إلا الله.
قال تعالى " اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ " ثم بين في الآية المتقدمة من الذين أنعم الله عليهم فذكرهم وهم الرفيق الأعلى الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم حين
(1) انظر ص 102 ج 8 فتح الباري (مرضى النبي صلى الله عليه وسلم (وسحري) بفتح فسكون في الأصل الرثة المراد به هنا الصدر و (نحري) بفتح فسكون موضع النحر. و (عبد الرحمن) هو ابن آبى بكر (فآمره) بشد الراء آي أداره في فمه (والركوة) بتثليث الراء إناء يصنع من الجلد و (العلبة) بضم فسكون القدح الضخم يتخذ من جلد الإبل. والشك من عمر بن سعيد الراوي عن ابن آبى مليكة.
(2)
انظر ص 208 ج 15 نووي.
(3)
النساء: 69 (والرفيق): المكان الذي تحصل المرافقة فيه مع المذكورين وقال الجوهري: الرفيق الأعلى: الجنة (وهذه) الأحاديث ترد على الرافضة زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى على رضى عنه. قال الأسود بن زيد: ذكروا عند عائشة أن عليا رضى الله عنهما كان وصيا فقالت: متى أوصى إليه؟ وقد كنت مسننه إلى صدري أو حجري فدعا بالطست فلقد انحنث في حجري فما شعرت أنه قد مات فمتى أوصى إليه. أخرجه الستة إلا أبا داود " انظر ص 223 ج 5 فتح الباري "" الوصايا " وقال طلحة بن مصرف: سالت عبد الله بن أبى أوفى هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى فقال لا فقلت كيف كتب على الناس الوصية أو مروا بالوصية؟ قال أوصى بكتاب الله. أخرجه الستة إلا أبا داود. انظر ص 231 ج 5 فتح الباري، أراد بالنفي الأول الوصية التي زعم بعض الشيعة أنه النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة إلى على رضى الله عنه، وقد تبرأ على من ذلك فقد قيل له أعهد إليك النبي صلى الله عليه وسلم بشيء لم بعهده إلى الناس، فقال لا والذي فلق الحبة وبرا النسمة ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة.
خير فاختار (وبعض) الرواة يقول عن عائشة في هذا الحديث: فاشار بإصبعه وقال: في الرفيق. وفى رواية أخرى أنه قال: اللهم الرفيقَ، أشار بالسبابة يريد التوحيد فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة في عموم قوله عليه الصلاة والسلام:" من كان آخر كلامه لا اله إلا الله دخل الجنة (1) " ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الجنة ولو لم بشر ولكن ذكرنا هذا لئلا يقول القائل لم لم يكن آخر كلامه لا اله إلا الله وأول كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسترضع عند حليمة أن قال: الله اكبر (2)
وفى حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أن آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيروا الوفد بما كنت أجيزهم ". أخرجه البخاري (3). {71}
وعن عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت عائشة:
(1) أخرجه أحمد وغيره عن معاذ بن جبل وسيأتي إن شاء الله رقم 254.
(2)
أخرجه ص 370 ج 2 - الروض الأنف
(3)
انظر ص 93 ج 8 فتح الباري (مرض النبي صلى الله عليه وسلم و (جزيرة العرب) تشمل الحجاز ويجد وتهامة واليمن عند الجمهور، وعليه فيجب إخراج الكفار من اليمن، وخص الشافعي الجزيرة بغير اليمن بدليل آخر (وأجيزوا) آي أعطوا من يفد إليكم الجائزة ضيافة وإكراما كما كنت افعل.
لولا ذلك لأبرز قبره خشي أن يتخذ مسجدا. أخرجه البخاري (1){72}
(11)
أنواع المرض: المرض نوعان: مرض القلوب، ومرض الأبدان
(1)
فمرض القلوب نوعان:
(الأول) مرض شبهة وشك وهو المراد بقوله تعالى: " فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً "(2) وقوله تعالى: " وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً "(3)
(الثاني) مرض شهوة وغى، قال الله تعالى:" يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ "(4) فهذا مرض شهوة الزنا (هذا) وطب القلوب إنما يكون من طريق الرسل والدعاة إلى الخير المهديين. فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وخالقها وبأسمائه وصفاته وافعاله وأحكامه وأن تكون مؤثرة لمرضاته تعالى ولمحابة متجنبة لمناهية ومساخطة. ولا صحة لها ولا حياة ألبته إلا بذلك ولا سبيل إلي تلقى القلوب طبها إلا من جهة الرسل وورثتهم. وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم فغلط.
(ب) وأما مرض الأبدان فهو المراد بقوله: " لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ "(5) وذكر مرض البدن في الوضوء والصوم والحج لسر بديع. ذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة:
(1) انظر ص 98 ج 8 فتح الباري (مرض النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
البقرة: 10
(3)
المدثر: 31 وصدر الآية: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة
(4)
الأحزاب: 32
(5)
النور: 61
حفظ الصحة، واستفراغ المواد الفاسدة، والحمية عن المؤذى. فذكر الله تعالى هذه الأصول في هذه المواضع الثلاثة. فقال في الصوم " وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ " (1) أباح الفطر - لعذر المرذ - وللمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر لاجتماع شدة الحركة وما يوجبه الصوم من تحليل ما في المعدة وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل فتخور القوة وتضعف. وقال في الحج:" فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ "(2) أباح لمريض ومن به أذى من رأسه من قمل أو حكة أو غيرهما أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر فإذا حلق رأسه فتحت المسام فخرجت تلك الأبخرة فهذا استفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذى انحباسه.
وما يؤذى انحباسه عشرة: الدم والمنى إذ هاجا، والبول، والغائط، والريح، والقيء، والعطاس، والنوم، والجوع، والعطس. وكل واحد من هذه يوجب حبسه داء. وقد نبه الله تعالى باستفراغ أدناها وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه تنبيها بالأدنى على الأعلى (وأما) الحمية فقال تعالى في آية الوضوء:" وَإِن كُنتُم مَّرْضَى وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً "(3) أباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيبه ما يؤذيه وهو تنبيه على الحمية عن كل مؤذ من داخل أو خارج.
فقد ارشد الله تعالى عباده إلى أصول الطب الثلاثة. وسنذكر هدى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ونبين أنه أكمل هدى (4) إن شاء الله تعالى.
(1) البقرة: 184
(2)
البقرة 196
(3)
المائدة: 6
(4)
انظر ص 63 و 64 ج 3 زاد المعاد