الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وقال) أبو سعيد الخدرى: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وفى سنده محمد بن الحسن بن عطية العوفى عن أبيه عن جده والثلاثة ضعفاء. وأخرجه البزار والطبرانى وزادا فيه وقال: ليس لنساء في الجنازة نصيب (1). {385}
وعلى هذا اتفقت كلمة جمهور العلماء، ودلت الأحاديث على التغليظ في آمر النائحة إذا لم تتب قبل موتها، وأنها مطرودة عن رحمة الله تعالى. وكذا المستمع لها وعليها مثل أوزار من اقتدى بها وعمل بعملها أو استمع لها وعلى ولى آمرها منعها من ذلك بكل طريق ممكن وإلا كان شريكها في الإثم نسال الله تعالى السلامة والهداية.
(12) هل يعذب الميت بالنياحة عليه
؟
ورد أن الميت يعذب بالنياحة والبكاء عليه (روى) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة. أخرجه أحمد (2). {386}
(1) انظر ص 112 ج 7 - الفتح الربانى (التغليظ فى النياحة والنائحة والمستمعة)(وص 281 ج 8 - المنهل العذب 0 النوح) وص 63 ج 4 بيهقى. و (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أى دعا عليها بالطرد عن رحمة الله. (والنائحة) المرأة التى تندب الميت وتعدد محاسنه (والمستمعة) والتى تعضد السماع وترغب فيه فهى شريكة النائحة فى الإثم وخصت المرأة بالذكر لأن النوح والإصغاء اليه يكون من النساء غالبا وإلا فالرجل كالمرأة فى ذلك.
(2)
انظر ص 117 ج 7 - الفتح الربانى (الميت يعذب ببكاء أهله عليه).
(وعن) عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب في قبره بما نيح عليه. أخرجه احمد والشيخان والنائحة وابن ماجه والبيهقى (1). {387}
(وعن) أنس أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما عولت عليه حفصة قال: يا حفصة، أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: المعول عليه يعذب؟ وعول صهيب، فقال عمر: يا صهيب، أما علمت أن المعول عليه يعذب؟ أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والبيهقي. {388}
فظاهر هذه الأحاديث أن الميت يعذب بالبكاء عليه بصوت ونوح مطلقا. وبه قال عمر وابنه والمغيرة بن شعبة وأبو موسى الأشعرى وغيرهم (وقال) جماعة من الشافعية منهم أبو حامد: إن الميت لا يعذب ببكاء الغير عليه مطلقا، لقوله تعالى:"وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى "(2). . (وروى) عن أبي هريرة وعائشة: روى هشام بن عروة عن أبيه أن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الميت ليعذب ببكاء أهله، فذكر ذلك لعائشة فقالت: وهل (تعنى ابن عمر) إنما مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبر، فقال: إن صاحب هذا ليعذ وأهله يبكون عليه. أخرجه البيهقى والسبعة، إلا البخاري وابن ماجه (3). {389}
(1) انظر ص 119 ج 7 - الفتح الربانى. وص 105 ج 3 فتح البارى (ما يكره من النياحة على الميت) وص 229 ج 6 نووى. وص 262 ج 1 مجتبى (النياحة على الميت وص 249 ج 1 - ابن ماجه وص 71 ج 4 بيهقى.
(2)
انظر ص 119 ج 7 - الفتح الربانى (الميت يعذب ببكاء أهله عليه). وص 230 ج 6 نووى. وص 72 ج 4 بيهقى (وعولت) بشد الواو أى بكت رافعة صوتها.
(3)
الأنعام: 164 أى لا تحمل نفس مذنبة إثم نفس أخرى. وكذا غير المذنبة لا تحمل ذنب أخرى. فلا مفهوم لقوله وازره.
(وعن يحيى) بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابن عمر قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر فقال: إن هذا ليعذب الآن ببكاء أهله عليه. فقالت عائشة: غفر الله لأبى عبد الرحمن إنه وهل إن الله تعالى يقول: " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا ليعذب الآن أهله يبكون عليه. أخرجه أحمد (1). {390}
(والجواب) أن إنكار عائشة هذا وحكمها على ابن عمر بالخطأ أو النسيان غير مسلم لأنه قد ثبت الحديث عن عمر وأبى موسى الأشعرى والمغيرة بن شعبة كما ثبت عن ابن عمر - كما تقدم - وهم جازمون به فلا وجه للنفى مع إمكان تأويله صحيحا (2)، كما يأتي. فإنكار عائشة لذلك بعد رواية الثقات لا يعول عليه فإنهم قد يحضرون مالا تحضره ويشهدون ما تغيب عنه. واحتمال السهو والغلط بعيد جدا.
(1) انظر ص 116 ج 7 - الفتح الربانى (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) وص 234 ج 6 نووى. وص 282 ج 8 - المنهل العذب (النوح) وص 262 ج 1 مجتبى (النياحة على الميت) وص 136 ج 2 تحفة الأحوذى (الرخصة فى البكاء على الميت) وص 73 ج 4 بيهقى (الميت يعذب بالنياحة عليه)(وهل) بفتح الهاء واللام أى ذهب وهمه ما قال. ويجوز أن يكون من باب تعب بمعنى غلط. وفى رواية مالك ومسلم والبيهقى: ذكر لعائشة أن ابن عمر يقول: إن الميت يعذب ببكاء الحى فقالت عائشة: يغفر الله لأبى عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسى أو خطأ. إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال: أنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب فى قبرها (انظر ص 283 ج 8 - المنهل العذب - الشرح).
(2)
انظر ص 115 ج 7 - الفتح الربانى (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) وأبو عبد الرحمن كنية ابن عمر.
(وذهب) الجمهور إلى تأويل الأحاديث الدالة على تعذيب الميت ببكاء أهله عليه لمخالفتها لقوله تعالى: " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى "(1)، واختلفوا في التأويل على أقوال (أ) ذهب الجمهور إلى حملها على من أوصى أن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته. فهذا يعذب ببكائهم ونوحهم عليه لأنه بسببه ومنسوب إليه. وكان ذلك معروفا للعرب. قال طرفة بن العبد:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله
…
وشقى على الجيب يا ابنه معبد
(واعترض) بإن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدروها والحديث دال على أنه إنما يقع عند وقوع الامتثال (والجواب) أنه ليس شئ السياق حصر فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلا. أما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية فلا يعذب، لقوله تعال:" وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " وهذا هو الصحيح وعليه عامة أهل العلم.
ب- (وقال) داود الظاهري وطائفة: إنها محمولة على من لم ينه أهله عن ذلك. ولا يخفى أن محله ما إذا لم يتحقق أنه ليست لهم بذلك عادة ولا ظن أنهم يفعلون ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن ارتكابه، فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده.
جـ- (وقال) ابن حزم وجماة: الأحاديث محمولة على أنه يعذب بسبب الأمور التي يبكية أهله بها ويعذبونه لأجلها كرياسته التي جار فيها وشجاعته التي صرفها شئ معصية الله. وكرمه البخاري لم يضعه شئ موضعه. فهم يمدحونه بها ويبكونه لأجلها وهو يعذب بها (2)(واستدلوا) بحديث ابن عمر السابق في بحث البكاء
(1) انظر ص 99 ج 3 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه).
(2)
الأنعام: 164
على الميت، وفيه القضاء كفر صلى الله عليه وسلم قال:" ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بها - وأشار إلى لسانه - أو يرحم " أخرجه الشيخان والبيهقى (1). {391}
دل على أن البكاء البخاري يعذب به الإنسان ما كان منه باللسان إذ يندبونه برياسته التي جار فيها ونحو ذلك مما تقدم
د- وأحسن تأويل شئ هذه المسالة أن المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة الميت بما يندبه أهله به (ويؤيده) حديث أسيد بن أبى أسيد عن موسى بن أبي موسى الأشعرى عن أبيه أن القضاء كفر صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب ببكاء الحي عليه، إذ قالت النائحة: واعضداه واناصره واكاسباه جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها؟ أنت ناصرها؟ أنت كاسبها؟ فقلت: سبحان الله، يقول الله عز وجل:" وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ". فقال: ويحك أحدثك عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد وابن ماجه (2). {392}
(1) انظر ص 99 ج 3 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح فى سنته).
(2)
تقدم رقم 371 ص 269
(وعن) أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه واسيداه، أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت؟ أخرجه الترمذى وقال: حسن غريب والحاكم وصححه (1). {393}
(وعن) النعمان بن بشير قال: أغمى على عبد الله بن رواحه فجعلت أخته تبكى وتقول: واجبلاء واكذا وكذا تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل في آنت كذلك؟ فلما مات لم تيك عليه. أخرجه الآية (2). {394}
هـ- (وقال) أبو جعفر الطبري والقاضى عياض وغيرهما: المراد بالتعذيب تألم الميت مما يقع من أهله من النياحة (لحديث) قيلة بنت مخرمة قلت: يا رسول الله، قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة ثم أصابته الحمى فمات، ونزل على البكاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه شئ الدنيا معروفا وإذا مات استرجع؟ فوالذى نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكى فيستعبر إليه صويحبه. فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم (الحديث) أخرجه ابن أبي شيبه والطبرانى وغيرهما بسند حسن (3). {395}
(وقال) أبو هريرة: إن أعمالكم تعرض على أقربائكم من موتاكم فإذا رأوا خيرا فرحوا به، وإذا رأوا شرا كرهوه (الأثر). أخرجه ابن جرير الطبري بسند صحيح (4). {396}
(1) انظر ص 125 ج 7 - الفتح الربانى (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) وص 249 ج 1 - ابن ماجه (الميت يعذب بما نيح عليه)(وحبذة) حبذا من باب ضرب مثل جذبه جذبا.
(2)
انظر ص 136 ج 2 تحفة الأحوذى (كراهية البكاء على الميت) و (لهزه) كمنعه لكزة وضربه.
(3)
انظر ص 363 ج 7 فتح البارى (غزوة مؤته - بضم فسكون)
(4)
انظر ص 99 ج 3 فتح البارى (الشرح) و (قيلة) و (مخرمه) بفتح فسكون فيهما. و (الزيدة) بفتحات قرية من قرى المدينة على ثلاثة أميال منها قريبة من ذات عرق. وفيها مات ابو ذر الغفارى رضى الله. و (يستعير اليه) يعنى يتالم من بكائه