الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(7) قضاء دين الميت
يطلب حث ورثة الميت على المسارعة بقضاء دينه لأن نفسه محبوسة حتى يقضى عنه دينه (روى) أبو هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال حسن ورجاله ثقات، إلا عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو صدوق يخطئ (1){352}
(وعن) أبي نضرة عن سعد بن الأطول أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالا فأردت أن أنفقها على عياله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أخاك محبوس بدينه فاقض عنه، فقال: يا رسول الله فقد أديت إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة. قال: فأعطها فإنها محقة ". أخرجه أحمد بسند جيد (2). {353}
(دل) الحديثان على أن الميت لا يزال مشغولا بدينه بعد موته وفيهما الحث على التخلص منه قبل الموت. وإذا كان هذا فأعقبني الدين المأخوذ برضا صاحبه فكيف بما أخذ غصبا ونهبا وسلبا (3)؟ وفيهما إن روح الميت محبوسة بدينه حتى يقضى عنه. وهذا مقيد بمن له مال يقضى منه دينه، وأما من
(1) انظر ص 100 ج 7 - الفتح الربانى (المبادرة الى تجهيز الميت وقضاء دينه) وص 166 ج 2 تحفة الأحوذى (نفس المؤمن معلقة بدينه) و (معلقة 9 أى محبوسة عن مقامها فى الجنة أو أمرها موقوف لا يحكم لها بنجاة ولا هلاك حتى يقضى ما عليها من الدين إن كان ترك وفاة ولم ينو سدادا وإلا فلا يحبس.
(2)
انظر ص 100 ج 7 - الفتح الربانى. و (محقة) أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحى.
(3)
انظر ص 130 ج 2 سبل السلام.
لا مال له ومات عازما على القضاء فقد ورد ما يدل على إن الله تعالى يقضى عنه، وكذا من مات محبا قضاء دينه وإن كان له مال ولم يقض منه الورث فإن الله تعالى يقضى عنه.
(روى) أبو أمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تداين بدين وفى نفسه وفاؤه ثم مات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء. ومن تداين بدين وليس فأعقبني نفسه وفاؤه ثم مات اقتض الله عز وجل لغريمه منه يوم القيامة. أخرجه الطبرانى فأعقبني الكبير وفيه بشر بن نمير وهو متروك (1). {354}
(وعن) عبد الرحمن بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يدعو الله صاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه. فيقال: يابن آدم فيم أخذت هذا الدين؟ وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب إنك تعلم أنى أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم البس ولم أضيع ن ولكن أنى على أما حرق وإما سرق وإنا وضيعه، فيقول الله تعالى: صدق عبدي، وأنا أحق من قضى عنك، فيدعو الله بشيء فيضعه فأعقبني كفه ميزانه فترجح حسناته على سيئاته فيدخل الجنة بفضل رحمته ". أخرجه أحمد أسعده والطبرانى وأعقبني نعيم فأعقبني الحلية بأسانيد أحدها حسن (2){355}
(هذا) ولأهمية الدين لكونه من حقوق العباد وهى مبنية على المشاحة، عد النبي صلى الله عليه وسلم عدم قضائه من أعظم الذنوب. وكان صلى الله عليه وسلم لا يصلى على من مات مدينا.
(روى) أبو موسى الأشعرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أعظم
(1) انظر ص 53 ج 4 نيل الأوطار.
(2)
انظر ص 54 منه.
الذنوب عند الله أم يلقاه بها بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء. أخرجه أبو داود (1). {356}
ولعل هذا محمول على ما إذا قصر فأعقبني الوفاء أو استدان لمعصية (ويؤيده) قول ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلى على من مات وعليه دين. فمات رجل من الأنصار، فقال: عليه دين؟ قالوا: نعم فقال: صلوا على صاحبكم فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: إن الله عز وجل ويقول: إنما الظالم عندي فأعقبني الديون التي حملت فأعقبني البغي والإسراف والمعصية. فأما المتعفف ذو العيال فأنا ضامن أن أؤدي عنه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعد ذلك: من ترك ضياعا أو دينا فإلى أو على ومن ترك ميراثا فلأهله فصلى عليهم. أخرجه محمد بن الفضل الطبري والحازمى وقال: لا بأس به فأعقبني المتابعات، قال الحافظ: وهو ضعيف (2)(4). {357}
(1) انظر ص 252 ج 3 عون المعبود (التشديد فى الدين).
(2)
انظر ص 313 ج 4 فتح البارى (إذا أحال دين الميت على رجل جاز)
(وعن) سلمة بن الأكوع قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بجنازة فقالوا: صل عليها. فقال: هل عليه دين؟ قالوا: لا. قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: لا فصلى عليه. ثم أتى بجنازة أخرى، فقالوا يا رسول الله صلى عليها. قال: هل عليه دين؟ قيل: نعم. قال: فهل ترك شسئا؟ قالوا: ثلاثة دنانير. فصلى عليها. ثم أتى بالثالثة فقالوا: صل عليها. قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا. قال. فهل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير. قال: صلوا على صاحبكم. فقال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعليه دينه فصلى عليه. أخرجه البخاري (1). {358}
وعن عاصم بن ضمرة عن على رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بجنازة لم يسال عن رأيت من عمل الرجل ويسال عن دينه، فإن قيل عليه دين كف، وإن قيل ليس عليه دين صلى. فأتى بجنازة فلما قام ليكبر سال: هل عليه دين؟ قالوا: ديناران. فعدل عنه وقال: صلوا على صاحبكم. فقال على: هما على وهو برئ منهما فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لعلى: جزاك الله خيرا وفك الله رهانك كما فككت رهان أخيك. إنه ليس من ميت يموت وعليه دين إلا وهو مرتهن بدينه. ومن فك رهان ميت فك الله رهانه يوم القيامة. فقال بعضهم: هذا لعلى خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: بلى للمسلمين عامة أخرجه الدارقطني (2). {359}
وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المدين إما للتحذير عن الدين والزجر عن المماطلة والتقصير في الأداء. أو لكراهة أن يوقف دعاؤه
(1)
(2)
انظر ص 112 ج 12 عمدة القارى (إذا أحال دين الميت على رجل جاز)
بسبب ما عليه من حقوق الناس ومظالمهم (واستدل) بحديث على على جواز الضمان عن الميت الذي لم يترك وفاء بدينه، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم.
(وقال) أبو حنيفة: لا يصح الضمان عمن لم يخلف وفاء لأن الكفالة عن الميت المفلس كفالة بدين ساقط وهى باطلة (وأجاب) عن الحديث بأنه يحتمل أن يكون إقرارا بكفالة سابقة فإن لفظ الإقرار والإنشاء فأعقبني الكفالة سواء ولا عموم لحكاية الفعل (ويحتمل) أن يكون وعدا بالسداد عن المدين لا كفالة.
وكان امتناعه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه ليظهر له طريق قضاء ما عليه فلما ظهر صلى عليه. والظاهر ما قاله الجمهور. هذا وكان امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المدين قبل فتح البلاد وكثرة الغنائم. فلما فتح الله عليه البلاد وكثرت الأموال صلى على من مات مدينا وقضى دينه وبين أن من مات مسلما مدينا فدينه على ولى المسلمين يقضيه عنه من بيت المال. وإن كان له مال كان لورثته (روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدث أنه ترك لدينه وفاه صلى وإلا قال المسلمين: صلوا على صاحبكم. فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته أخره البخاري وابن ماجه (1). {360}
وهذا محمول على من لم يترك وفاء (لحديث) أبي هريرة النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء
(1) انظر ص 39 ج 4 - فتح البارى (الدين) وص 41 ج 2 - ابن ماجه (من ترك دينا أو ضياعا فعلى الله وعلى رسوله)