الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه ثم سأله فنهاه فقال له يا شئ الله: أنها دواء: قال النبي: لا، ولكنها داء. أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى وقال حسن صحيح (1){84}
ففيه التصريح بأن الخمر ليست بدواء بل داء فيحرم التداوي بها عند أكثر الفقهاء كما يحرم شربها. وأباح بعضهم التداوي بها عند الضرورة لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع التداوي بالخمر وذكر إنها داء، أباح التداوي ببول الإبل فلا يصح قياس أحدهما على الآخر بعد أن فرق بينهما النبي صلى الله عليه وسلم (أما) إذا غص إنسان بلقمة، ولم يجد ما يسبغها إلا الخمر فيلزمه الإساغة بها لأن حصولها حينئذ مقطوع به بخلاف التداوي (هذا) وفد نص الإمام أحمد رحمة الله على كراهة التداوي بما يصنعه أهل الذمة لأنه لا يؤمن أن يخلط به سحري محرم.
(ج) الطب النبوي:
أنجح دواء وأنفعه ما بينه من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرضى نوعين: علاج بالأدوية الطبيعية وعلاج بالأدوية الإلهية.
العلاج بالأدوية الطبيعية
قد ورد عنه في ذلك الكثير وهناك خمسة وعشرين دواء:
(1)
العمل: المراد به العسل النحل وله منافع كثيرة: يجلو الأوساخ التي في العروق والأمعاء ويدفع الفضلات، ويغسل المعدة ويسخنها تسخينا معتدلا وبفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة والمنافذ، ويحلل
(1) انظر ص 7 ج 4 عون المعبود. وص 160 ج 3 تحفة الأحوذى (كراهة التداوي بالمسكر).
الرطوبات أكلا وطلاء ويحفظ المعجونات وينقى الكبد والصدر ويدر البول والحيض وينفع للسعال البلغمى واصحاب البلغم والأمزجة الباردة وإذا أضيف إليه الخل نفع أصحاب الصفراء. وهو غذاء من الأغذية ودواء وحلوى وطلاء.
وإذا شرب وحده بماء نفع من عضه الكلب الكلب وإذا وضع فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة اشهر وكذا الخيار، والقرع، والباذنجان، والليمون ونحوها. وإذا لطخ به البدن قتل القمل والصئبان وطول الشعر وحسنه، وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر، وإن استن به صقل السنان وحفظ صحتها. ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه وهو شفاء بنص الكتاب والسنة قال تعالى:" وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ"(1)
(1) انظر ص 108 ج 10 فتح الباري (الدواء بالعسل)
(وعن) أبى سعيد الخدرى أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال: اسقه عسلا فسقاه، ثم جاءه فقال أنى سقيته فلم يرده إلا استطلاقا ثلاث مرات فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا فسقاه فبرا " أخرجه أحمد والشيخان والترمذى وقال حسن صحيح (1) {
85}
في قول النبي صلى الله عليه وسلم، وكذب بطن أخيك: إشارة إلي أن هذا الدواء نافع وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ولكن لكثرة المادة الفاسدة فمن ثم أمره بمعاودة شرب العسل لاستفراغها فكان كذلك وبرأ بإذن الله.
(2)
الجبة السوداء: هي دواء عام النفع عظيم الفائدة. وهى مذهبه للنفع نافعة من حمى الربع والبلغم مفتحة للسدد والريح مخففة ليلة المعدة وإذا دقت
(1) النحل: 68، 69 (وأوحى ربك إلى النحل) ألهمها (أن أتخذى من الجبال بيوتا) آي مساكن توافقها في كوى الجبال وتجويف الشجر وفى العروش التي يبنيها الناس. ومن كمال قدرته تعالى أن الهم النحل اتخاذ بيوت على شكل مسدس ذي أضلاع متساوية وليس فيه خلل ولا فرج والهمها أن تجعل عليها أميرا نافذا حكمه وألهمها أن تجعل على كل باب خلية بوابا لا يمكن غير أهلها من دخولها. والهمها الخروج من بيوتها فترعى ثم ترجع إليها ولا تضل عنها (ثم كلى من كل الثمرات)(آي حلوها ومرها وطيبها ورديئها 0 فاسلكي سبل ربك) طرقه في طلب المرعى (ذللا) جمع ذلول حال من السبل آي مسخرة لك غير متوعرة لا تضلي عن العود منها إلى مسكنك.
والمراد بالشراب العسل ومعنى (مختلف ألوانه) أن بعضه ابيض وبعضه أحمر وبعضه أزرق وبعضه أصفر باختلاف مأكولها. وهو يخرج من أفواهها عن الجمهور (فيه شفاء للناس) من معظم الأمراض. وقيل شفاء لجميعها. ففي الباردة يستعمل خالصا وفى الحارة يستعمل مشوبا بغيره (روى) عن ابن عمر أنه كان لا يشكو قرحة ولا شيئا إلا جعل عليها عسلا حتى الدمل وكان بعضهم يكتحل به ويستنشق. وبالجملة فهو من أعظم الأغذية وأنفع الأدوية.
وعجنت بالعسل وشربت بالماء الحار إذابت الحصاة وأدرت البول والحيض (قال) خالد بن سعد: خردجنا ومعنا غالب بن أبحر فمرض في الطريق فقدمنا المدينة وهو مريض فماده ابن آبى عتيق فقال لنا: عليكم بهذه الحبيبة الشويداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفى هذا الجانب فإن عائشة رضى الله عنها حدثتنى أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام " قلت وما السام؟ قال " الموت " أخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه (1) {
86}
وهذا الذي أشار إليه ابن آبى عتيق ذكره الأطباء في علاج الزكام العارض من عطاس كثير. قالوا: تغلى الحبة السوداء ثم تدق ناعما ثم تنقع في زيت ثم يقطر منه في الآنف ثلاث قطرات. فلعل غالب بن أبحر كان مزكوما فلذلك وصف له ابن آبى عتيق الصفة المذكورة. وقد رويت من طريق حسام بن مصك عن عبيد الله بن بريد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن هذه الحبة السوداء فيها شفاء " الحديث وفيه قال: كيف اصنع بها؟ قال: " تأخذ إحدى وعشرين حبة فتصرها في خرقة ثم تضعها في ماء ليلة فإذا أصبحت قطرت في المنخر الأيمن واحدة وفى الأيسر اثنتين فإذا كان من الغذ قطرت في المنخر الأيمن اثنتين وفى الأيسر واحدة فإذا كان في اليوم الثالث قطرت في الأيمن واحدة وفى الأيسر اثنتين " أخرجه المستغفرى في كتاب الطب (2){87}
ويؤخذ من هذا أن معنى كون الحبة السوداء شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة ومركبة ومسحوقة وغير مسحوقة وأكلا وشربا وسعوطا وضمادا وغير ذلك. وقيل: المراد أنها شفاه من كل داء يحدث من الرطوبة (3).
(1) انظر ص 130 ج 10 فتح الباري (دواء المبطون) وص 176 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء في العسل)(وكذب بطن أخيك) آي لم يصلح لقبول الشفاء (وقد) اعترض بعض الجهلة بان العسل مسهل فكيف يوصف لمن به الإسهال (والجواب) أن الإسهال يحدث بأسباب منها التخمة وعلاجها بترك الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى مسهل معين أعينت ما دام بالعليل قوة. فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته فوصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل لدفع الفضول المجتمعة في المعدة والأمعاء لما في العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها .. وللمعدة خمل كخمل المنشفة فغذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط ولا شئ في ذلك مقل العسل لاسيما إن مزج بالماء الحار، وإنما لم يفده في أول مرة لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية وإن جاوزه أضعف القوة وأحدث ضررا آخر فكأنه شرب منه أولا مقدارا لا يفي بمقاومة الداء فآمره بمعاودة سقيه فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء ن برا بإذن الله تعالى. انظر ص 131 ج 10 فتح الباري
(2)
انظر ص 111 ج 10 فتح الباري (الحبة السوداء 9 وص 178 ج 2 - ابن ماجه.
(3)
انظر ص 111 ج 10 فتح الباري
(3)
العجوة: هي نوع من التمر الجيد بالمدينة ونخلها يسمى لينة قال تعالى: ماَ قَطَعُتْم مِن لِينَةٍ " وتخصيص المدينة إما لما فيها من البركة التي حصلت بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم أو لأن تمرها أوفق لمزاج المريض (1) لتعوده تناوله والعجوة تنفع لمرض القلب (روى) مجاهد عن سعد بن آبى وقاص قال: مرضت مرضا أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها في فؤادي فقال: " إنك رجل مفئود غبت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطيب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن " أخرجه أبو داود وهو منقطع فإن مجاهدا لم يدرك سعدا إنما يروى عن مصعب بن سعد عن سعد (2){88}
وعن سعد بن آبى وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم " أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي (3){89}
(1) انظر ص 111 ج 10 فتح الباري
(2)
مزاج البدن بكسر الميم ما ركب عليه من الطبائع.
(3)
انظر ص 8 ج 4 عون المعبود (تمرة العجوة) و (مفئود)(اسم مفعول من الفؤاد وهو الذي أصابه داء في فؤاده آي قلبه 0 وابن كلدة) بفتحات و (يتطيب آي يعرف الطب. و (فليجأهن) بفتح الجيم وسكون الهمزة آي فليكسرهن (ثم ليلدك) بكسر اللام وسكونها وفتح الياء وضم اللام وشد الدال مفتوحة آي ليسقيك، من لده الدواء إذا صبه في فمه.
وخصوص السبع لعسله لسر فيها وإلا فيستحب أن يكون ذلك وترا، وقيل إنه تعبدي وهذا في عجوة المدينة وهى من أجود تمر الحجاز وهو صنف كريم مقو للجسم ومن ألين التمر وأطيبه وألذه.
(4)
الحناء: هي نافعة للقروح والصداع (فعن) سلمى أم رافع مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء " أخرجه ابن ماجه والترمذى وهو حديث حسن (1){90}
(وقال) ابن القيم: روى ابن ماجه في سننه حديثا في صحته نظرا إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صدع غلف رأسه بالحناء ويقول إنه نافع بإذن اله من الصداع (2) والصداع ألم في الرأس بعضا أو كلا (3). وعلاجه مختلف. فمنه ما علاجه بالاستفراغ. ومنه ما علاجه بتناول الغذاء. ومنه ما علاجه بالسكون والدعة. ومنه ما علاجه بالضمادات. ومنه ما علاجه بالتبريد. ومنه ما علاجه بالتسخين. ومنه ما علاجه باجتناب سماع الأصوات والحركات.
(1) انظر ص 187 ج 10 فتح الباري (الدواء بالعجوة 9 وص 2 ج 14 نووي (فضل تمر المدينة) وص 8 ج 4 عون المعبود (تمرة العجوة) و (تصبح) آي أكلها في الصباح قبل أن يطعن شيئا و (تمرات عجوة) بالإضافة ويجوز التنوين على أن عجوة عطف بيان لتمرات أو صفة لها أو لسبع. ولفظ عجوة مطلق في هذه الرواية ومقيد بعجوة المدينة في الحديث السابق. وروى عند الاسماعيلى بلفظ: من تصبح بسبع تمرات عجوة من تمر العالية. والعالية قرى في الجهة العالية من المدينة جهة نجد وعند مسلم عن عائشة بلفظ: إن في عجوة العالية شفاء أول البكرة. وتمامه في فتح الباري ص 187 ج 10.
(2)
انظر ص 185 ج 2 - ابن ماجه (الحناء 9 وص 164 ج 3 تحفة الاحوذى (التداوي بالحناء). (والقرحة) بفتح أو ضم فسكون الجراحة من نحو سيف أو سكين.
(3)
كذا في زاد المعاد ص 90 ج 3 ولم أر الحديث في ابن ماجه. و (غلف رأسه) من باب ضرب ضمخها. وغلف بشد اللام من كلام العامة والصواب غللها بالتشديد وغلاها تغلية أيضا. مصباح.
إذا عرف هذا فعلاج الصداع بالحناء علاج نوع من أنواعه فإنه إذا كان من حرارة ملهبة ولم يكن من مادة استفراغها نفع فيها الحناء نفعا ظاهرا وإذا دق وضمدت به الجبهة مع الخل سكن الصداع وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به سكن وجعه بالرأس أو غيره. وفيه قبض تشد به الأعضاء وإذا ضمد به موضع الورم الحار والملتهبة سكنه (1) وقد روى فائد عن مولاه عبيد الله بن على بن آبى رافع عن جدته سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: " ما كان أحد يشتكى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا في رأسه إلا قال: احتجم، ولا وجعا في رجليه إلا قال: أخضبهما بالحناء ط أخرجه البخاري في تاريخه وأبو داود (2) وعبيد الله بن على قال ابن معين: لا باس به. وقال أبو يحيى الرازى: لا يحتج بحديثه {91}
والحجامة تكون دواء لوجع الرأس إن كان ناشئا من كثرة ألم. والحناء تكون دواء لوجع الرجل الناشئ من الحرارة. والحديث بإطلاقه يشمل الرجال والنساء لكن الرجل يكتفي بخضب كفوف الرجل ويجتنب صبغ الأظافر احترازا من التشبه بالنساء ما أمكن (3) وليس في الحديث دليل على جواز خضاب الرجل يده ورجله لغير ضرورة
(5)
السنا: هو بالقصر والمد بنت حجازي يتداوى به. وأفضله المكي وهو دواء مأمون الغائلة حار يابس معتدل يسهل الصفراء والسوداء ويقوى القلب وينفع من الشقاق العارض في البدن ويفتح العضل وينشر الشعر وينفع من القمل والصداع العتيق والجرب والبثور والحكة والصرع. وشرب مائه مطبوخا اصلح من شربه مدقوقا ومقدار الشربة منه إلى ثلاثة دراهم ومن مائة إلي خمسة وإن طبخ
(1) فما كان منه في أحد شقى الرأس يسمى شقيقة وإن كان شاملا لجميعه يسمى بيضة وخوذة تشبيها ببيضة السلاح التي تستمل على الرأس كله. انظر ص 90 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم في علاج الصداع والشقيقة).
(2)
انظر ص 91 ج 3 زاد المعاد (علاج الصداع والشقيقة).
(3)
انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (الحجامة).
معه شئ من زهر البنفسج والزبيب الأحمر المنزوع العجم كان اصلح (1) وهو دواء مسهل (قالت) أسماء بنت عميس قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بم تستمشين؟ قالت بالشبرم. قال: حار جار قالت: ثم استمشيت بالسنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو إن شيئا كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا " أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم والترمذى وقال حديث غريب (2){92}
(6)
النسط: بضم فسكون نوع من البخور وهو نوعان: هندي اسود، وبحري ابيض. والهندي أشدهما حرارة. ومن منافع أنه يدر الحيض والبول ويقتل ديدان الأمعاء ويدفع السم ويسخن المعدة ويحرك شهوة
الجماع ويذهب الكلف طلاء وينفع لذات الجنب والعذرة (3) قال زيد بن أرقم: " امرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت "
(1) انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (الحجامة).
(2)
انظر ص 87 ج 3 زاد المعاد (علاج يبس الطبع) والعجم بفتحتين النوى من التمر والعنب وغيرهما، الواحدة عجمة بفتحات.
(3)
انظر ص 180 ج 2 - ابن ماجه (داء أتمشى) وص 175 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء في السنا) و (بم تتمشين) آي بآي دواء تستطلقين بطنك حتى يمشى ولا يصير كالواقف فيؤدى باحتباس البراز (والشبرم) بضم فسكون فضم: حب يشبه الحمص يطبخ ويشرب ماؤه للتداوى. وقيل إنه نوع من قشر شجر وهو حار بابس قد أوصى الأطباء بترك استعماله لفرط إسهاله وخطره. وقيل هو نوع من الشيح و (حار (بحاء مهملة وشد الراء و (حار) بالجيم. آي شديد الإسهال قيل الثاني تأكيد للأول كقولهم حسن يسن أي كامل الحسن وإن كان في الجار معنى آخر وهو ما يجر الشيء الذي يصيبه من شدة حرارته وجذب له.
أخرجه الترمذى وقال حديث وقال حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد والحاكم بلفظ " تداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت المسخن "(1) {
93}
وعن أم قيس بنت محصن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية يسعط به من العذرة ويلد به من ذات الجنب " أخرجه البخاري (2){94}
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة أصاب ولدها
(1)(كلف) الوجه كلفا تغيرت بشرته بلون علاه، و (ذات الجنب) ثلاثة أنواع:
(أ) حقيقي وهو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للإضلاع ويحدث بسببه الحمى والسعال وضيق النفس والنبض المنشاري (ب) غير حقيقي وهو ما يعرض في نواحي الجنب من رياح غليظة تحتقن بين الفاقات والعضل التي في الصدر والأضلاع فتحدث وجعا (ج) وجع الخاصرة هذا وذات الجنب من الأمراض المخيفة لأنها تحدث بين القلب والكبد ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان الله ليسلطها على، والمراد بها هنا النوع الثاني لأن القسط هو الذي يداوى به الريح الغليظة فغن القسط حار يابس قابض يحبس البطن ويقوى الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد ويذهب فضل الرطوبة ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقي إذا كانت ناشئة عن مادة بلغميك ولا سيما وقت انحطاط العلة. انظر ص 133 ج 10 فتح الباري (ذات الجنب) و (العذرة) بضم فسكون وجع في الحلق يعتري الصبيان غالبا وقيل هي قرحة تخرج بين الأذن والحلق أو في الخرم الذي بين الآنف والحق. (وقد) استشكل معالجتها بالقسط مع كونه حارا، وهى تعرض في زمن الحر للصبيان وأمزجتهم حارة وقطر الحجاز حار. (وأجيب 9 بأن مادة العذرة دم يغلب عليه البلغم وفى القسط تخفيف للرطوبة وأيضا فالأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالذات وبالعرض كثيرا، وقد ذكر ابن سينا في معالجة سعوط اللهاة القسط مع الشب اليماني وغيره. انظر ص 115 ج 10 فتح الباري (السعوط بالقسط الهندي).
(2)
انظر ص 174 و 175 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء في ذات الجنب).
عذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطا هنديا فتحكه بماء ثم تسعطه إياه " أخرجه أحمد وأصحاب السنن (1){95}
وعن انس إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري " أخرجه البخاري والنسائي " (2){96}
وهو محمول على إن النبي صلى الله عليه وسلم وصف لكل مريض ما يلائمه فحيث وصف الهندي كان الاحتياج في المعالجة إلي دواء شديد الحرارة، وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة لأن الهندي اشد حرارة من البحري (3).
(7)
الإثمد
:
هو بكسر فسكون، حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يوجد في بلاد الحجاز يكتحل به وهو دواء نافع للرمد (4) ويستحب
(1)(انظر ص 114 ج 10 فتح الباري 0 السعوط بالقسط الهندي والبحري) و (يسعط) بصيغة المجهول مخففا وروى مشددا مأخوذ من السعوط وهو ما يصب في الأنف (وكيفية) التداوي به أن يدق العود ناعما ويدخل في الأنف وقيل يبل ويقطر فيه. و (يلد) بصيغة المجهول وشد الدال من لد الرجل إذا صب الدواء في أحد شقى الفم. وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمسة الباقية لعدم الاحتياج إلى تفصيلها حينئذ. ففي رواية للبخاري عن الزهري قال: بين لنا اثنين ولم يبين لنا خمسة.
(2)
(انظر ص 114 ج 10 فتح الباري) السعوط بالقسط الهندي)
(3)
انظر ص 116 ج 10 منه (الحجامة من الداء) وبالجملة ففي القسط منافع وفوائد عجيبة وردت في الأحاديث وتقدم بعضها. قال ابن القيم: القسط نوعان هندي وأبيض وهو الينها ومنافعها كثيرة وهما حاران يابسان ينشفان البلم قاطعان للرزكام وإذا شربا نفعا من ضعف الكبد والمعدة ومن بردهما ومن الحمى وقطعا وجع الجنب ونفعا من السموم وإذا طلى به الوجه معجونا بالماء والعسل قلع الكلف وينفع من وجع الجنبين فأنكروه كيف وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمى من ذات الجنب ولو أن هؤلاء الجمال وجدوا دواء منصوصا عن بعض اليهود والنصارى لنقلوه بالقبول والتسليم ولم يتوقفوا على تجربته فما بالهم ينكرون ما نص عليه سيد الأنبياء والأطباء. نعم نحن لا ننكر أن للعادة تأثيرا في الانتفاع بالدواء وعدمه فمن اعتاد دواء وغذاء كان أنفع له واوفق مما لم يعتده بل وربما لم ينتفع به من لم يعتده وكلام الأطباء وإن كان مطلقا فهو بحسب الأزمنة والأمكنة والعوائد وإذا كان التقييد بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق ولكن نفوس البشر مركبة على الجهل والظلم إلا من أيده الله بروح افيمان ونور بصيرته بنور الهدى - انظر ص 179 ج 3 زاد المعاد.
(4)
انظر ص 114 ج 10 فتح الباري (السعوط بالقسط الهندي)
الاكتحال به (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة والمشى وخير ما اكتحلتم به الإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم له مكحلة يكتحل بها عند النوم ثلاثا يبتدئ بها ويختم بها وفى اليسرى اثنين " أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية (1){98}
وحاصل ما ورد في كيفية الاكتحال أنه يكون ثلاثا في كل عين أو اثنين في كل عين وواحدة بينهما أو في اليمين ثلاثا وفى اليسرى ثنتين أرجحها الأول (2).
هذا ويعالج الرمد بالسكون وترك الحركة. والحمية يهيج الرمد وقد حمى إن النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا من التمر وأنكر عليه أكله وهو ارسد وحمى عليا من الرطب لما أصابه الرمد. وكان صلى الله عليه وسلم إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها. هذا وفى الرمد منافع كثيرة: منها ما يستدعيه من الحمية والاستفراغ وتنفية الرأس والبدن من فضلاتها والكف عما يؤذى النفس والبدن من الغضب والهم والحزن والحركات العنيفة والأعمال الشاقة. وفى أثر سلفى: لا تكرهوا الرمد فإنه يقطع عروق العمى. ومن أسباب علاجه ملازمة السكون والراحة وترك مس العين والاشتغال بها. وقد روى في حديث مرفوع (الله اعلم به)
(1) الرمد بفتحتين: ورم خار يعرض في بياض العين.
(2)
انظر ص 161 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء في السعوط) وسيأتي بيان السعوط و (اللدود) بفتح اللام الدواء يصب في أحد جانبي فم المريض ويسقاه أو يدخل بإصبع وغيرها ويحتك به. (والمشى) بفتح فكسر فشد فعيل من أتمشى وهو ما يؤكل أو يشرب لاطلاق البطن.
علاج الرمد تقطير الماء البارد في العين. وهو من أكبر الأدوية للرمد الحار فإن الماء بارد يستعان به على طفى حرارة الرمد إذا كان حارا، قال عبد الله بن مسعود لامرأته وقد اشتكت عينها: لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر أن تشفى. تنضجين في عينك الماء ثم تقولين أذهب اليأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما. وهذا خالص ببعض البلاد وبعض أوجاع العين فلا يجعل كلام النبوة الجزئي الخاص كليا عاما ولا الكلى العام جزئيا خاصا فيقع من الخطأ ما يقع (1)
(8)
السعوط: هو بفتح فضم ما يتداوى به في الأنف ويكون بالقسط وكيفية استعماله أن يستلقي المريض على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر ذمي ويقطر في انفه ماء أو دهن فيه دواء منفرد او مركب ليتسنى وصوله إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس وهو من خير الأدوية (روى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير ما تداويتم به السعوط والحجامة واللدود والمشى " أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد والترمذى وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور (2){99}
(9)
دواء الحمى: الحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنتشر منه في العروق إلي جميع البدن وهى قسمان: (1) عرضية وهى الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس أو الحر الشديد ونحو ذلك (ب) مرضية وهى ثلاثة أنواع منها ما يسخن جميع البدن فإن كان مبدا تعلقها بالروح فهي حمى يوم لأنها تزول غالبا في يوم ونهايتها إلي ثلاثة. وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الأصلية
(1) انظر ص 366 ج 2 تيسير الوصول (ما وصفه صلى الله عليه وسلم من الأدوية)
(2)
انظر ص 121 ج 10 فتح الباري (الإمد والكحل).
فهي حمى دق وهى أخطرها. وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية وهى بعدد الأخلاط الأربعة. (1)
هذا ودواء النوع الاول يكون بالانغماس في الماء البارد وشرب الماء المبرد بالثلج وغيره وعليه يحمل حديث نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحمى من فيح جهنم فاطفئوها بالماء " قال نافع: وكان عبد الله يقول: اكشف عنا الرجز. أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه (2){100}
وعن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحمى كثير من كثير جهنم فنحوها عنكم بالماء البارد " أخرجه ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات (3){101}
(1) انظر ص 98 و 99 ج 3 زاد المعاد.
(2)
انظر ص 161 و 163 ج 3 تحفة الأحوذى. و (اللدود) بفتح فضم دواء تقدم بيانه. واللدود بضمتين الفعل. ولددت المريض به ذلك.
(3)
انظر ص 136 ج 10 فتح الباري (الحمى من فيح جهنم).
وهو يشمل كل ماء (وقيل) المراد به ماء زمزم لما روى همام عن آبى جمرة الضبعى قال: " كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال أبردها عنك بماء زمزم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هي الحمى من فيج جهنم فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم. شك همام " أخرجه البخاري (1){102}
وقد تعلق به من قال: إن ذكر ماء زمزم ليس قيدا لشك همام فيه وتعقب بأنه روى عن عفان عن همام: " فأبردوها بماء زمزم " أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان (2){103}
وقال ابن القيم: ولو جزم به لكان أمرا لأهل مكة بماء زمزم إذ هو متيسر عندهم ولغيرهم بما عندهم من الماء (3) والأمر بإطفاء الحمى بالماء البارد خاص ببعض الحميات دون بعض وببعض الأشخاص دون بعض وبأهل البلاد الحارة كأهل الحجاز إذ كان اكثر الحميات التي تعرض لهم من العرضية الحادثة عن شدة الحرارة وهذه ينفعها الماء البارد شربا واغتسالا (وكيفية) ذلك ما في حديث هشام عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت ندعو لها، أخذت الماء فصبته بينها وبين جبيها وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نبردها بالماء، أخرجه الشيخان وابن ماجه (4){104}
وما في حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أصاب أحدكم الحمى فإن الحمى قطعة من النار فليطفئها بالماء فليستنقع في نهر جار فليستقبل
(1) انظر ص 134 ج 10 فتح الباري وص 195 ج 14 نووي (لكل داء دواء) وص 182 ج 2 - ابن ماجه (الحمى من فيح جهنم). و (فيح) بفتح فسكون الياء وفى رواية فوح بالواو وفى رواية فور بالواو والراء والمراد شدة حرها.
واختلف في نسبتها إلى جهنم فقيل هي حقيقة واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة أطهرها في هذه الدار عبرة ودلالة. ويحتمل أنه من باب التشبيه.
والمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم تنبيها للنفوس على شدة حر النار وأن هذه الحرارة شبيه بفيحها وهو ما يصيب من قرب منها من حرها 0 ويؤيد) الأول قول ابن عمر: اكشف عنا الرجز. والرجز العذاب. انظر ص 134 و 135 ج 10 فتح الباري (وكأن) ابن عمر فهم من كون اصل الحمى من جهنم أن من أصابته عذب بها وهذا العذاب يكون للمؤمن تكفيرا لذنوبه وزيادة في أجوره، وللكافر عقوبة وانتقاما وإنما طلب ابن عمر كشفه مع ما فيه من الثواب لمشروعية طلب العافية من الله تعالى فإنه القادر على أن يكفر سيئات عبده ويعظم ثوابه من غير أن يصيبه شئ يشق عليه. انظر ص 137 ج 10 فتح الباري.
(2)
انظر ص 182 ج 2 ابن ماجه (الحمى من فيح جهنم) وكسرها بفتح فسكون فيحها
(3)
انظر ص 210 ج 6 فتح الباري (صفة النار)
(4)
انظر ص 210 ج 6 فتح الباري (الحمى من فيح جهنم)
جريته فيقول باسم الله اللهم اشف عبدك وصدق رسولك بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس وليغمس فيه ثلاث خمسات ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس فإن لم يبرا في خمس فسبع، فإن لم يبرا فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله " أخرجه أحمد والترمذى وقال غريب (1) وفيه سعيد بن زرعة مختلف فيه
قال أبو بكر الرازى: إذا كان القوى قوية والحمى حادة والنضج بين ولا ورم في الجوف ولا فتق فإن الماء البارد ينفع شربه فإن كان العليل خصب البدن والزمان حارا وكان معتادا استعمال الماء البارد اغتسالا فليؤذن له فيه (وقد) نزل ابن القيم حديث ثوبان على هذه القيود فقال: هذه الصفة تنفع في فصل الصيف في البلاد الحارة في الحمى العرضية فإن الماء في ذلك الوقت (قبل طلوع الشمس) أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشمس وفور القوى في ذلك الوقت لكونه عقب النوم والسكون وبرد الهواء (2)
وقد تكرر في الحديث استعمال النبي صلى الله عليه وسلم الماء البارد في مرضه كما في حديث عائشة قالت ك لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين يحظ رجلاه في الأرض بين عباس ورجل آخر وقال بعد ما دخل بيته واشتد وجعه هويقوا على من سبع قرب لم تحلل أو كيهن (الحديث) أخرجه البخاري (3){106}
(1) انظر ص 72 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم في علاج الحمى)
(2)
انظر ص 137 ج 10 فتح الباري وص 196 ج 14 نووي (لكل داء ودواء 9، وص 182 ج 2 ابن ماجه (الحمى من فيح جهنم) و (الجيب) بفتح فسكون فتحة الثوب كالطوق والكم.
(3)
انظر ص 177 ج 3 تحفة الأحوذى (فليستنقع) آي فليغتسل و (الجرية) بكسر الجيم و (بعد صلاة الصبح)(ظرف لستنقع. وكذا 0 قبل طلوع الشمس)
وقال سمرة: " النبي صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل " أيخرجه البزار والحاكم وصححه. ورد بان في سنده روايا ضعيفا (1){107}
وقال أنس: " إذا حم أحدكم فليشن عليه من الماء البارد من السحر ثلاث ليال " أخرجه الطحاوى وأبو نعيم في الطب والطبرانى في الأوسط بسند قوى وصححه الحاكم (2){108}
(وروى) عبد الرحمن بن المرقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحمى رائد الموت وهى سجن الله في
الأرض فبردوا لها الماء في الشنان وصبوه عليكم فيما بين الأذانين المغرب والعشاء قال ففعلوا فذهب عنهم " أخرجه الطبرانى (3){109}
(1) انظر ص 137 ج 10 فتح الباري (الحمى من فيج جهنم)
(2)
انظر ص 211 ج 1 منه (الغسل والوضوء في المخضب) وتقدم رقم 66 ص 28 و (من سبع قرب) يشبه أن يكون خص السبع تبركا بهذا العدد لأن له دخولا في كثير من أمور الشريعة وفى رواية الطبرانى في هذا الحديث من أبار شتى والظاهر أن ذلك للتداوى لقوله في رواية أخرى في الصحيح لعلى استريح فاعهد أو أوصى. و (اوكية) جمع وكاء وهو ما يشد به فم القربة.
(3)
انظر ص 137 ج 10 فتح الباري وقد خفي ما دلت عليه هذه الأحاديث على بعض سخفاء الأطباء فاعترض على الحديث بان اغتسال المحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك لأنه يجمع المسام ويحقن البخار ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم فيكون ذلك سببا للتلف (والجواب) أن هذا إنما يصدر عن مرتاب في صدق الخبر فيقال له أولا من أين حملت الأمر على الاغتسال؟ وليس في الحديث تخصيصه بالعسل وإنما فيه الإرشاد إلى تبريد الحمى بالماء. فإن تبين أن انغماس كل محموم في الماء أو صبه على جميع بدنه يضره فليس هو المراد وإنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم استعمال الماء على وجه ينفع وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما صنعته أسماء بنت الصديق فإنها كانت ترش على بدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها. والصحابي ولا سيما مثل أسماء التي كانت تلازم بيت النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بالمراد من غيرها (وقال) المازرى: ولا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل حتى أن المريض يكون الشيء دواءه في ساعة ثم يصير داء له في الساعة التي تليها فعارض بعرض له من غضب يحمى مزاجه مثلا فتغير علاجه ومثل ذلك كثير فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشيء في حاله ما، لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال والأطباء مجمعون على أن المرضى الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء وقوة الطباع وعلى تقدير ورود التصريح بالاغتسال في جميع الجسد فيجاب بأنه يحتمل أن يكون في وقت مخصوص بعدد مخصوص فيكون من الخواص التي اطلع صلى الله عليه وسلم عليها بالوحي ويضمحك عند ذلك كلام أهل الطب. انظر ص 135 ج 10 فتح الباري (الحمى من فبح جهنم)
وهذه الأحاديث ترد تأويل ابن الأنبارى أن المراد بقوله: فأبردوها بالماء الصدقة به (قال) ابن القيم: أظن الذي حمل ثائل هذا أنه أشكل عليه استعمال الماء في الحمى فعدل إلي هذا وله وجه حسن لأن الجزاء من جنس العمل. فكأنه لما أحمد لهيب العطش عن المآن بالماء أحمد الله لهيب الحمى عنه جزاء وفاقا، ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته وأما المراد به فهو استعماله في البدن حقيقة. (1)
(10)
التلبينة: بفتح فسكون فكسر بهاء وبدونها وهى حساء رقيق يعمل من دقيق او نخالة ويجعل فيه عسل أو لبن ن وقيل يؤخذ العجين غير خمير فيخرج ماؤه فيجعل حسوا لا يخالطه سحري، وقيل هي ماء الشعير المطحون المغلي سميت تلبينة لتشبهها باللبن في الرقة والبياض وهو دواء للمريض والمحزون (روى) عروة عن عائشة أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض ولمخزون على الهالك وكانت تقول: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن التلبينة تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن " أخرجه أحمد والشيخان (2){110}
(1) انظر ص 137 ج 10 فتح الباري
(2)
انظر ص 113 ج 10 فتح الباري (التلبينة للمريض) وص 302 ج 14 نووي مسلم 0 لكل داء دواء 9 و (تجم 9 بفتح فضم وبضم فكسر وفى رواية مسلم: التلبينة مجمة بفتح الميم والجيم وشد الميم الثانية. وروى بضم أوله وكسر الثانية. يقال جم وأجم. والمعنى أنها تريح قؤاد المريض وتزيل عنه الهم والألم وتنشطه وتزيل عن المخزون الحزن. والمراد بالفؤاد براس المعدة فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض. لكن المريض كثيرا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمى أو صديدي وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة. انظر ص 114 ج 10 فتح الباري.
وعن محمد بن السائب بن بركة عن أمه عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه ويقول: إنه ليرتو فؤاد الحزين وبشروا عن فؤاد الحزين وبشرو عن فؤاد السقيم كما تشرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها " أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح وابن ماجه والحاكم (1){111}
ومن شاء معرفة منافع التلبينة فليعرف منافع ماء الشعير ولا سيما إذا كان نخالة فإنه يجلو وينفذ بسرعة ويغذى غذاء لطيفا. فإذا شرب حارا كان أجلى وأقوى نفوذا وأنمى للحرارة الغريزية ولا شئ أنفع من الحساء لمن يغلب عليه في غذائه الشعير وأما من يغلب على غذائه الحنطة فأولى به في مرضه حساء الشعير.
والتلبية أنفع من الحساء لأنها تطبخ مطحونة فتخرج خاصة الشعير بالطحن وهى أكثر تغذية وأقوى فعلا وأكثر جلاء. وإنما اختار الأطباء النضيج لأنه أرق والطف فلا يثقل على طبيعة المريض. وينبغي أن يختلف الانتفاع بذلك بحسب اختلاف العادة في البلاد ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحا وبالحزين إذا طبخ مطحونا (2) وهو نافع للسعال، وخشونة الحلق، صالح لقمع حدة الفضول، مدر للبول، جلاء لما في المعدة، قاطع للعطش، ملطف للحرارة، وفيه قوة يجلو بها ويلطف ويحلل
(1) انظر ص 113 ج 10 فتح الباري (التلبينة للمريض) وص 158 ج 3 تحفة الأحوذى (ما يطعم المريض) وص 178 ج 2 - ابن ماجه (التلبينة) و (برتو) بفتح فسكون فضم المثناه أى يقوى. و (يسرو) بفتح فسكون أى يكشف عنه ضره ويزيله
(2)
انظر ص 114 ج 10 فتح البارى
وصفته أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدار ومن الماء الصافي العذب خمسة أمثاله ويغلى في قدر نظيف بنار متعدلة إلى أن يبقى خمساه ويصفى ويستعمل منه مقدار الحاجة محلى (1).
(11)
لبن الإبل وبولها: هو دواء نافع للمعدة من داء الاستسقاء (روى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عليكم بابوال الإبل فإنها نافعة لذرية بطونهم " أخرجه ابن المنذر (2){112}
وعن أنس: " أن ناسا من عرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابل الصدقة وقال: اشربوا من ألبانها وابوالها فشربوا من ألبانها وابوالها حتى صلحت أبدانهم "(الحديث) أخرجه الشيخان والترمذى وقال حسن صحيح (3){113}
كانوا مرضى بالاستسقاء ففي رواية مسلم انهم قالوا: إنا اجتوينا المدينة فعظمت بطوننا وارتهشت (4) أعضاؤنا والجوى داء في الجوف والاستسقاء مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء فتربو بها كلها أو المواضع الخالية من النواحي آلتي بها تدبير الغذاء والأخلاط (ولما كانت) الأدوية الجالية آلتي بها علاجه هي الأدوية آلتي فيها إطلاق معتدل وإدرار بحسب الحاجة وهى موجودة في ابوال الإبل وألبانها (أمرهم) النبي صلى الله عليه وسلم بشربها
(1) انظر ص 171 ج 3 زاد المعاد (شعير)
(2)
انظر ص 110 ج 10 فتح البارى (الدواء بابوال الإبل) و (الذرية) بفتح فكسر جمع ذرب وهو من فسدت معدته والذرب بفتحتين فساد المعدة
(3)
انظر ص 110 ج 10 فتح البارى (الدواء بأوبال الإبل) و 159 ج 3 تحفة الأحوذى (شرب ابوال الإبل) و (عربنة) بالتصغير قبيلة و (اجتووا) أى حصل لهم الجوى وهو داء يصيب الجوف
(4)
ارتهش من الارتهاش وهو الاضطراب.
فإن في لبن اللقاح (1) جلاء وتلبينا وإدرارا وتلطيفا وتفتيحا للسدد إذ كان أكثر رعيها الشيخ والقيصوم والبابونج والأقحوان والإذخر (2) وغيرها من الأدوية النافعة للاستسقاء.
وهذا المرض لا يكون إلا مع آفة في الكبد، ولبن اللقاح العربية نافع من السدد لما فيه من التفتيح والتلبين والإدرار والجلاء قال الرازى: لبن اللقاح يشفى أوجاع الكبد وفساد المزاج وهو ارق الألبان وأكثرها مائية وحدة وأقلها غذاء ن فلذا صار أقواها على تلطيف الفضول وإطلاق البطن وتفتيح السدد لما فيه من الملوحة اليسيرة ولذا صار أخص اللبان بتطرية الكبد وتفتيح سدده وتحليل صلابة الطحال إذا كان حديثا وإنما ينفع من الاستسقاء إذا استعمل بحرارته آلتي يخرج بها من الضرع من بول الفصيل وهو حار كما يخرج من الحيوان فإن ذلك يزيد في ملوحته وتقطيعه الفضول وإطلاقه البطن فإن تعذر انحداره وإطلاقه البطن وجب أن يطلق بدواء مسهل ولا يلتفت إلى ما يقال من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الاستسقاء فإن لبن النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء وشدة المنفعة فلو أن أنسانا أقام عليه بدل الماء والطعام شفى به وقد جرب في قوم تزحوا إلى بلاد العرب فقادتهم الضرورة إلى استعماله فعوفوا، وانفع الأبوال بول الجمل الأعرابي وهو النجيب (3)
(12)
الحجامة والفصد: (الحجامة) هي شرط الجلد بنحو موسى وجذب الدم بالمحجم ونحوه (4)
(والفصد) قطع العرق لأخراج الدم عند الداعية وإلا فلا ينبغي إخراجه بل تركه أنفع فهو يقوى البدن لأنه من خالص الغذاء الذي هو قوام البدن.
(1) اللقاح بكسر اللام جمع لقحة وهى الناقه ذات اللبن
(2)
(القيصوم) نبات بالبادية منظف كالبابونج وهو الأقحوان، بضم فسكون فضم: نبات له نور ابيض لا رائحة له. و (الإذخر) بكسر فسكون فكسر: بنت بالحجاز له رائحة طيبة منظف.
(3)
انظر ص 78 ج 3 زاد المعاد (هدية رسول الله صلى الله عليه وسلم فى داء الاستسقاء).
(4)
يقال حجمه الحاجم حجما من باب قتل: شرطة، واسم الصناعة حجامة بالكسر.
والحجامة والفصد من خير الأدوية عند الداعية (لحديث) على بن أبى طالب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الدواء الحجامة والفصادة، أخرجه أبو نعيم في الطب ورمز السيوطى لضعفه (1){114}
وعن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن امثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري " أخرجه البخاري والنسائي (2){115}
والخطاب لأهل الحجاز والبلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة تميل إلى ظاهر البدن بجذب الحرارة لسطح الجلد. ومسام أبدانهم واسعة ففي الفصد لهم خطر فالحجامة أولى والخطاب أيضا لغير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم (قال) ابن سيرين: " إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم " أخرجه الطبري بسند صحيح وقال: وذلك أنه يصير حينئذ في انتفاض وانحلال من قوى بدنه فلا ينبغي أن يزيده وهنا بإخراج الدم. ومحله حيث لم تتعين حاجته إليه ولم يعتده (3).
هذا والحجامة تنفى سطح البدن أكثر من الفصد. والفصد ينفى أعماق البدن وهى للصبيان وفى البلاد الحارة أولى من الفصد وآمن غائلة وقد تغنى عن كثير من الأدوية ولهذا وردت الأحاديث بذكرها دون الفصد (والتحقيق) أنهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والمزاج فالحجامة في الأزمان والمكنة الحارة والبدان الحارة آلتي دم أصحابها في غاية النضج أنفع والفصد بالعكس ولهذا كانت الحجامة أنفع للصبيان ولمن لا يقوى على الفصد (4) وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن أتتداوى بالأخف لا ينتقل إلي ما فوقه. فمتى أمكن التداوى
(1) انظر ص 472 ج 3 مناوى رقم 4008
(2)
تقدم رقم 96 ص 49
(3)
انظر ص 116 ج 10 فتح البارى (الحجامة من الداء).
(4)
انظر ص 116 ج 10 فتح البارى (الحجامة من الداء).
بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء. ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب. ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى الفصد (1). ثم الكلام هنا في ثلاثة مباحث:
(أ) فضل الحجامة: قد ورد في فضلها أحاديث (منها) حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم العبد الحجام يذهب بالدم ويخف الصلب ويجلو عن البصر وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حين عرج به ما مر على ملا من الملائكة إلا قالوا عليك بالحجامة (الحديث) أخرجه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد والترمذى وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور (2){116}
(وحديث) ابن مسعود قال: " حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسرى به أنه لم يمر على ملإ من الملائكة إلا أمروه أن مر أمتك بالحجامة " أخرجه الترمذى وقال حسن غريب. وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس (3){117}
(وحديث) آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن كان في شئ مما تداويتم به خير فالحجامة " أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود وابن ماجه (4){118}
(1) انظر ص 3 ج 4 عون المعبود (قطع العرق).
(2)
انظر ص 182 ج 2 - ابن ماجه (الحجامة) وص 163 ج 3 تحفة الأحوذى (الرخصة فى الكى) و (يخف) من الإخفاق. و (الصلب) الظهر و (يجلو عن البصر) القذى والرمص ونحوهما و (قال) أى ابن عباس. و (عرج) بالبناء للمفعول أى اسرى به.
(3)
انظر ص 163 ج 3 تحفة الأحوذى (الرخصة فى الكى) وص 182 ج 2 ابن ماجه (الحجامة) و (ليلة) بالفتح مضاف الى (اسرى به) مبنى للمفعول. ويجوز جر (ليلة) منونة.
(4)
انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (الحجامة). وص 182 ج 2 ابن ماجه والتعليق بقوله " إن كان ط ليس للشك بل للتحقيق لأن وجود الخير فى الأدوية محقق لا شك فيه فالتعليق به يوجب تحقق المعلق به لا ريب. انظر ص 182 ج 2 سندى ابن ماجه.
(وحديث) عاصم بن عمر عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن كان في شئ من ادويتكم خير ففي شربه عسل او شرطه محجم أو لدغة بنار وما أحب أن أكتوى " اخرجه أحمد والشيخان والنسائي (1){119}
اشتمل هذا الحديث على جملة ما يتداوى به الناس. وذلك أن الحجم يستفرغ الدم وهو أعظم الأخلاط. والحجم أنجحها شفاء عند هيجان الدم. وأما العسل فهو مسهل للأخلاط البلغمية ويدخل في المعجونات ليحفظ على تلك الأدوية قواها ويخرجها من البدن. وأما الكي فإنما يستعمل آخرا لإخراج ما يتعسر إخراجه من الفضلات وحيث يتعين زوال الداء به. وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم. وفى المثل: آخر الدواء الكي. وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره واكتوى غير واحد من الصحابة (2)
(1) انظر ص 119 ج 10 فتح البارى (الحجم من الشقيقة والصداع) وص 192 ج 14 نووى (لكل داء دواء)
(2)
انظر ص 107 ج 10 فتح البارى (الشفاء فى ثلاثة) ولم يرد النبى صلى الله عليه وسلم الحصر فى الثلاثة فإن الشفاء قد يكون فى غيرها. وانما نبه بها على اصول العلاج. وذلك أن الأمراض الامتلائية تكون دموية وصفراوية وبلغمية وسوداوية. وشفاء الدموية بإخراج الدم بالحجم والفصد. والامتلاء الصفراوى وما ذكر معه، دواؤه المسهل، وقد نبه عليه بذكر العسل. والكى إنما يستعمل فى الخلط البلغمى الذى لا تنحسم مادته إلا به ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى الله عليه وسلم للكى وبين استعماله له أنه لا يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا، بل يستعمل عند تعيينه طريقا الى الشفاء مع اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى، وعلى هذا يحمل حديث المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم: من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل. أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح ابن حبان والحاكم. انظر ص 107 ج 10 فتح البارى (الشفاء فى ثلاثة) وص 184 ج 2 ابن ماجه (الكى) وص 164 ج 3 تحفة الأحوذى (كراهية الرقية) و (برئ من التوكل) محمول على من فعل ما ذكر معتمدا عليه لا على الله تعالى.
(ب) موضع الحجامة: تكون الحجامة بالرأس وبين الكتفين وفى الأخدعين والكاهل وظهر القدم والفخذ وغيرها (روى) أبو كبشة الأنمارى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول: من اهراق من هذه الدماء فلا يضره ألا يتداوى بشيء لشيء " أخرجه أبو داود وابن ماجه. وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان أثنى عليه غير واحد وتكلم فيه غير واحد النبي صلى الله عليه وسلم (1){120}
(وعن) قتادة عن أنس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ثلاثا في الأخدعين والكاهل" أخرجه الأربعة إلا النسائي بسند صحيح. وقال الترمذى حسن غريب وصححه الحاكم (2){121}
(قال) الأطباء: الحجامة في وسط راس نافعة جدا. وفصد الباسليق ينفع حرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك وفصد الأكحل ينفع الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويا ولا سيما إن فسد. وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد. وفصد الودجين ينفع لوجع الطحال والربو (3) ووجع الجنبين والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق وتنوب
(1) انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (موضع الحجامة) وص 183 ج 2 - ابن ماجه ز و (الهامة) الرأس وقيل وسطه (فلا يضره
…
الخ) أى لا يحتاج للتداوى بشئ آخر غير الحجامة لشئ من الأمراض.
(2)
انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (موضع الحجامة) وص 162 ج 3 تحفة الأحوذى (الحجامة) وص 183 ج 2 - ابن ماجه (موضع الحجامة) و (الأخدعان) عرقان فى جانبى العنق يحجم منه (والكاهل) ما بين الكتفين وهو مقدم الظهر.
(3)
الباسليق عرق عند المرفق من ناحية الإبط. و (الشوصة) بفتح فسكون وجع فى البطن أو ريح تعتقب فى الأضلاع أو ورم فى حجابها من داخل. قاموس. و (الأكحل) بفتح فسكون ففتح عرق بالزند الأعلى من اليدين وهو عرق الحياة و (القيفال) بكسر فسكون معرب. عرق فى اليد يمشى الى البدن من ناحية الكتف و (الربو) بفتح فسكون النفس العالى.
عن فصد الباسليق. والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه والأذنين والعينين والأسنان والأنف والحلق وتنوب عن فصد القيفال. والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع السنان والوجه والحلقوم وتنقى الرأس. والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن وتنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الحيض والحكة العارض في الأنثيين. والحجامة على اسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره ومن النقرس والبواسير وداء الفيل (1) وحكة الظهر ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الاحتياج إليه. والحجامة على المقعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض (2).
(فائدة) قال ابن الجوزى في اللقط: اعلم أن أحوج الناس للفصد الشبان والكهول وأصحاب الأبدان الثقيلة. وينبغي أن يتوقاه الصبيان إذ لم يبلغوا أربع عشرة سنة والمشايخ وأصحاب الأمراض الباردة ما أمكن. وقد يحدث من إسرافه الاستسقاء والهرم وضعف القوة والرعشان والفالج والسكتة والربو وضعف المعدة والكبد وربما أعقب استفراغ الدم الكثير وكثيرا ما تنحل عنه القوة ولا يرجع حتى يموت صاحبه على طول الأيام وكثيرا ما يثقل البدن به.
(ج) وقت الحجامة: اعلم أن الدم يغلب في أوائل الشهر ويقل في آخره ولذا قالوا: الأفضل في الحجامة أن تكون في الربع الثالث من الشهر (لحديث)
(1)(الصافن) عرق عند الكعب اليسر. و (البثور) جمع بثرة بفتح فسكون وهى خراج صغير و (النقرس) بكسر فسكون فكسر ورم ووجع فى مفاصل الكعبين وأصابع الرجلين.
(2)
انظر ص 117 ج 10 فتح البارى (الحجامة على الرأس)
أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: " من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان له شفاء من كل داء " أخرجه الحاكم وأبو داود. وفيه سعيد بن عبد الرحمن وثقة الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه (1){122}
وهو عام مخصوص بالداء الذي سببه غلبة الدم. وللحديث:
(أ) شاهد عن ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة ويوم تسع عشرة ويوم إحدى وعشرين " أخرجه أحمد والترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد (2){123}
(ب) شاهد عن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أراد الحجامة فليفحر سبعة عشر أو تسعة عشر أو إحدى وعشرين ولا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله، أخرجه ابن ماجه وفيه النهاس بن فهم ضعيف (3){124}
(وقال) أنس: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين " أخرجه الحاكم والطبرانى والترمذى وقال حسن غريب (4){125}
(ولكون) هذه الأحاديث لم يصح منها شئ (قال) حنبل بن إسحق:
(1) انظر ص 3 ج 4 عون المعبود (متى يستحب الحجامة).
(2)
انظر ص 163 ج 3 تحفة الأحوذى (الحجامة) ولفظ يوم مرفوع خبر إن وشد الياء وبالغين المعجمة من تبيغ الدم إذا فار وتردد فى البدن.
(3)
انظر ص 183 ج 2 - ابن ماجه (فى أى الأيام يحتجم؟ ) و (يتبيغ) بفتح الباء وشد الياء وبالغين المعجمة من تبيغ الدم اذا فار وتردد فى البدن.
(4)
انظر ص 162 ج 3 تحفة الأحوذى (الحجامة)
كان أحمد يحتجم آي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت (1)(وقال) البخاري: احتجم أبو موسى ليلا (وعن) ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم (2)
(أشار) البخاري إلى أن الحجامة تصنع عند الاحتياج ولا تتقيد بوقت دون وقت لأنه ذكر الاحتجام ليلا وذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم وهو يقتضي كون ذلك وقع منه نهارا (وقال) الأطباء: إن أنفع الحجامة ما يكون في الساعة الثانية أو الثالثة نهارا وألا يقع عقب استفراغ عن جماع أو حمام او غيرهما ولا عقب شبع ولا جوع (وقد) ورد في تعيين أيام للحجامة حديث ابن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الحجامة على الريق أمثل وفيه شفاء وبركة وتزيد في العقل وفى الحفظ فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت ويوم الأحد تحريا واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء وضربه بالبلاء يوم الأربعاء فإنه لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء فإنه لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء " أخرجه ابن ماجه من طريقين ضعيفين. أخرجه الدارقطني بسند جيد عن ابن عمر موقوفا (3){125}
(ونقل) الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وإن كان الحديث لم يثبت.
وحكى أن رجلا احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث (4)
(وقال) أبو بكرة بكار بن عبد العزيز: أخبرتني عمتي كبشة بنت أبى بكرة أن
(1)(انظر ص 116 ج 10 فتح البارى 0 اية ساعة يحتجم)
(2)
انظر ص 115 ج 10 منه
(3)
انظر ص 183 ج 2 - ابن ماجه (فى أى الياك يحتجم) وص 115 ج 10 فتح البارى
(4)
انظر ص 115 ج 10 فتح البارى
أباها كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء ويزعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ. أخرجه أبو داود. وأبو بكرة بكار قال ابن معين: ليس حديثه أن وقال ابن عدى: أرجو أنه لا باس به وهو من الضعفاء الذين يكتب حدثيهم (1){127}
(فائدة) قال في تسهيل المنافع: ينبغي أن تكون الحجامة على الريق إلا أن يكون الإنسان ضعيفا فله أن يأكل قبل أن يحتجم. وينبغي لمن احتجم أن يصبر عن الأكل ساعة (2)
(وقال) الشافعي رضى الله عنه: عجبت لمن يدخل الحمام ثم لا يأكل كيف يعيش؟ وعجبت لم احتجم وأكل من ساعته كيف يعيش؟ ومن افتصد أو احتجم وأكل لبنا أو حامضا يخشى عليه من البرص.
(13)
الكي: هو مس الجلد بحديدة محماة ونحوهما وهى المكواة وهو جائز للحاجة وتركه أولى إذا لم يتعين طريقا للدواء (قال) عاصم بن عمر بن قتادة: سمعت جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن كان في شئ من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربه عسل أو لدغة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوى " أخرجه أحمد والشيخان والنسائي (3)
{128}
(1) انظر ص 3 ج 4 عون المعبود (متى تستحب الحجامة) و (يزعم) أى يقول ويروى و (يوم الدم) أى يوم يكثر فيه الدم فى الجسم و (لا يرقا) بفتح فسكون ففتح فهمز أى لا يسكن الدم فيه.
والمعنى أنه لو احتجم او افتصد يوم الثلاثاء لربما يؤدى الى هلاكه لعدم انقطاع الدم (وقد 9 أورد ابن الجوزى الحديث فى الموضوعات وتعقبه السيوطى بأن بكار بن عبد العزيز استشهد له البخارى فى صحيحه وروى له فى الأدب وقال ابن معين: صالح
(2)
انظر ص 52 تسهيل المنافع.
(3)
انظر ص 108 ج 10 فتح البارى (الدواء بالعسل) والحديث تقدم رقم 119 ص 62 و (لدغة) بذال معجمة ساكنة وعين مهملة من اللذع وهو الخفيف من حرق النار. وفى قوله (توافق الداء) إشارة إلى أن الكى إنما يشرع منه ما يتعين طريقا الى الشفاء من الداء
فنسبة الشفاء إليه وقوله " توافق الداء " يدل على الجواز. وقوله " وما أحب أن أكتوى " يدل على فضل تركه (وروى) أبو الزبير عن جابر قال: " رمى سعد بن معاذ في أكحلة فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية " أخرجه مسلم (1){129}
(وعن) أبى سفيان عن جابر قالِ: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبى بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه " أخرجه مسلم (2){130}
(وعن) الحسن البصرى عن عمران بن حصين قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكي فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا. وفى رواية: فما افلحن ولا أنجحن " أخرجه أحمد وأبو داود بسند قوى وقال: وكان يسمع تسليم الملائكة فلما اكتوى انقطع عنه فلما ترك رجع إليه. وأخرجه الترمذى وقال حسن صحيح (ورد) بأن الحسن لم يسمع من عمران. وأخرجه ابن ماجه بلفظ: فاكتويت فما أفلحت ولا أنجحت (3){131}
(والنهى) فيه محمول على الكراهة أو خلاف الأولى لما يقتضيه مجموع الأحاديث من الجواز
(وقيل) إنه خاص بعمران لأنه كان به الباسور وكان موضعه خطرا فنهاه عن كيه فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح
(1) انظر ص 194 ج 14 نووى (لكل داء دواء) و (المشقص) بكسر فسكون: آلة الكى.
(2)
انظر ص 193 ج 14 نووى (لكل داء دواء واستحباب التداوى)
(3)
انظر ص 4 ج 4 عون المعبود (الكى) وص 162 ج 3 تحفة الأحوذى (كراهية الكى) وص 184 ج 2 ابن ماجه (الكى) ورواية (فما أفلحن ولا أنجحن) بنون النسوة هى الصحيحة يعنى أن تلك الكيات التى اكتوينا بهن مخالفين نهى النبى صلى الله عليه لم تفدنا.
(وهذا) والكي ثلاثة أنواع: (أ) كي الصحيح لئلا يمثل وهذا الذي قيل فيه " لم يتوكل من اكتوى " لأنه يريد أن يدفع القدر والقدر لا يدافع
(ب) كي الجرح إذا فسد والعضو إذا قطيع وهذا الذي يشرع أتتداوى به
(جـ) الكي لاحتمال أتتداوى به وهو خلاف الأولى لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق
(هذا) وقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أمور: فعل النبي صلى الله عليه وسلم له. وعدم محبته له. والثناء على من تركه. والنهى عنه. ولا تعارض بينها لأن الفعل يدل على الجواز وعدم المحبة لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أولى وكذا الثناء على تاركه وأما النهى عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه أو عما لا يتعين طريقا إلى الشفاء أو عما لا يحتاج إليه بل يفعل خوفا من حدوث الداء (1).
(14)
الحمية: بكسر فسكون وهى منع المريض من تناول مالا يلائمه (2) وهى نوعان: حمية الصحيح يمنعه عما يجلب المرض. وحمية المريض يمنعه عما يزيد المرض وبها تتمكن القوى من دفع المرض. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بها وينهى عما يؤذى والأصل فيها قوله تعالى: " وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً "(3) فحمى المريض من استعمال الماء لأنه يضره
(1) انظر ص 119 ج 10 فتح البارى (من اكتوى أو كوى غيره) وص 83 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى الكى)
(2)
يقال حمى المريض ما يضره أى منعه إياه
(3)
المائدة: ىية 6. و (الغائط) فى الصل المكان المنخفض والمراد به هنا قضاء الحاجة و (لا مستم) أى جامعتم (فلم تجدوا ماء) اى لم تقجروا على استعماله لمرض خيف حصوله أو زيادته أو بطء برئه أو لبرد أو لغير ذلك من اسباب التيمم (انظر اسباب التيمم ص 383 وما بعدها ج 1 - الدين الخالص طبعة ثالثة)
(وقالت) أم المنذر سلمى بنت قيس: " دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه على وعلى ناقه ولنا دوال معلقة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها فقام على ليأكل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى: مه مه إنك ناقه فجلس على والنبي صلى الله عليه وسلم يأكل قالت فصنعت شعيرا وسلقا فجئت به فقال النبي صلى الله عليه وسلم على اصب من هذا فهو أنفع لك " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فليح ابن سليمان ورده المنذرى بان غير فليح قد رواه (1){132}
منع النبي صلى الله عليه وسلم عليا من الأكل من الدوالي لأنها فاكهة تضر بالناقه من المرض لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن دفعها لأنها مشغولة بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن وفى الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة فتشتغل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره فإما أن نقف تلك البقية وأنا أن تتزايد فلما وضع بين يديه السلق والشعير أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصيب منه فإنه من أنفع الأغذية لناقه فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتليين وتقوية الطبيعة ما هو اصلح للناقه ولا سيما إذا طبخ بأصول السلق فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه (2)
(وقال) صهيب: " قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر
(1) انظر ص 1 ج 4 عون المعبود (الطب) وص 178 ج 2 - ابن ماجه (الحمية) وص 157 ج 3 تحفة الأحوذى (الحمية) و (الناقة) بكسر القاف قريب العهد من المرض و (الدوالى) جمع دالية وهى العذق من البسر يعلق فإذا ارطب أكل و (السلق) بكسر فسكون: بنت معروف
(2)
انظر ص 97 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى الحمية).
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أذن فكل فأخذت آكل من التمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم تأكل تمرا وبك رمد؟ فقلت: إنى امضغ من ناحية أخرى فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم " أخرجه ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات (1){133}
(وعن) قتادة بن النعمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمى سقيمه الماء " أخرجه البيهقى في الشعب والترمذى وقال حسن غريب والحاكم وقال صحيح (2){134}
(وعن) جعفر بن محمد عن أبيه قال: " أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قناع من تمر وعلى محموم فناوله تمرة ثم أخرى حتى ناوله سبعا وقال حسبك " ذكره الذهبي في الطب النبوي (3){135}
وقال: وذلك لأن التمر فيه حرارة تضر أصحاب الحميات وتورئهم الصداع والعطش فإذا أخذ منه القليل لم يكن له تلك المضرة (وقال) زيد بن اسلم: حمى عمر مريضا له حتى أنه من شدة ما حماه كان يمض النوى. ذكره الذهبي في الطب النبوي (4).
(1) انظر ص 178 ج 2 - ابن ماجه (الحمية) و (مضغ) من بابى نفع وقتل و (من ناحية أخرى) أى أنه يجيد مضغه فى الشدقين.
(2)
انظر ص 157 ج 3 تحفة الأحوذى (الحمية) ومنع السقيم من شرب الماء اذا كان يضره وما اشتهر من قولهم (الحمية راس الدواء والمعدة بيت الداء وعودوا كل جسم ما اعتاد) ليس حديثا بل هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب: انظر ص 97 ج 3 زاد المعاد.
(3)
انظر ص 45 (منع المريض من الإكثار مما يزيد فى علته) والقناع بكسر ففتح - الطبق يؤكل فيه
(4)
انظر ص 42 (الحمية)
وبالجملة فالحمية من أكبر الأدوية: قبل الداء تمنع حصوله فإذا حصل تمنع تزايده وانتشاره (1).
(15)
الورس: هو بفتح فسكون. نبت طيب الرائحة يزرع باليمن وأجوده الأحمر اللين القليل النخالة ينفع من
الكلف والحكة والبثور في سطح البدن إذا طلى به. وله قوة قابضة صابغة وإذا شرب نفع من الوضح (2).
ومقدار الشربه منه درهم. وهو في منافعه قريب من القسط البحري وإذا لطخ به على البهق والحكة والبثور والسعفة (3) نفع منه (وهو) مع الزيت نافع من ذات الجنب (روى) قتادة عن ميمون أبى عبد الله عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينعت ألويت والورس من ذات الجنب قال قتادة وبلد من الجانب الذي يشتكيه أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح وكذا ابن ماجه بلفظ: نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذات الجنب ورسا وقسطا وزيتا بلد به (4){136}
وكيفية أتتداوى بما ذكر أن يدق القسط دقا ناعما ويخلط بالزيت المسخن وبذلك به مكان الألم والله الشافي.
(16)
رماد الحصير: يداوى به الجرح بعد غسله إن لم يكن غائرا (روى) أبو حازم عن أبيه سهل بن سعد الساعدى قال: جرح رسول الله صلى الله عليه
(1) انظر ص 97 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى الحمية).
(2)
(الوضح) بفتحتين: البرص.
(3)
(البهق) بفتحتين لون يعترى الجلد مخالف للونه وهو غير البرص (والسعفة) كغرفة سواد مشرب بحمرة.
(4)
انظر ص 174 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء فى دواء ذات الجنب) وص 181 ج 2 - ابن ماجه (ويلد) مبنى للمفعول أى يلقى فى الفم من اللدود بالضم. وأما اللدود بالفتح فهو الدواء يصب فى أحد جانبى فم المريض.
وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته وهشمت البيضة (1)
على رأسه فكانت فاطمة تغسل الدم عنه وعلى يسكب عليه الماء بالمجن. فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد
(1)(الرباعية) بوزن الثمانية، السن بين الثنية والناب (والبيضة) الخوذة توضع على الرأس و (أحد) بضمتين جبل فى الشمال الشرقى للمدينة على نحو ثلاثة أميال منها (كانت) غزوته فى شوال من السنة الثالثة للهجرة (يناير سنة 625 م) (وحاصلها) أن قريشا لما أصابها ببدر ما أصابها اجتمع كثير منهم بأبي سفيان وقالوا إن محمدا قتل خيارنا وقد رغبنا فى ترك ربح أموالنا فى التجارة التى خرجنا منها الى بدر (وكان الربح خمسين ألف دينار) لنحارب به محمدا فنزل " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا الى جهنم يحشرون " 36 سورة الأنفال. فخرج أبو سفيان فى ثلاثة آلاف معهم مائتا فرس وسبع عشرة امرأة يضربن بالدفوف ويبكين قتلى بدر ويحرضن المشركين على القتال ونزلوا بذى الخليفة وأبى العباس أن يخرج معهم بل كتب إلي النبى صلى الله عليه وسلم يخبره بخروجهم لقتاله فأشار النبى صلى الله عليه وسلم على أصحابه بأن يتحصنوا بالمدينة ولا يخرجوا للعدو فإن جاء قاتلوهم على افواه الأزقة فألح قوم من فضلاء المسلمين بالخروج فدخل صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته (بفتح اللام وسكون الهمزة أى درعه) وخرج فوجدهم قد رجعوا عن رايهم وقالوا اصنع ما ترى. فقال: ما ينبغى للنبى اذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل. واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وسار فى منتصف شوال بعد صلاة الجمعة فى الف منهم عبد الله بن ابى فى ثلثمائه منافق وفى اثناء الطريق رجع المنافق بمن معه. فهم بنو حارثه من الأوس وبنو سلمة من الخزرج بالرجوع فشلا فثنبتهما الله .. ونزل (اذا همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون) 122 آل عمران. ومضى النبى صلى الله عليه وسلم بسبعمائه مشاة نزل بهم فى شعب أحد وجعل ظهره إلى احد ورتب الصفوف وأعطى مصعب بن عمير لواء المهاجرين وأسيد بن حضير لواء الأوس والحباب بن المنذر لواء الخزرج وعين الرماة خمسين عليهم عبد الله بن جبير وأمرهم أن يقفوا على الجبل لحماية ظهر المسلمين وقال لهم: لا تبرحوا مكانكم نصرنا أم غلبنا. ثم حصل القتال فقتل حمزة ارظاة بن شرحبيل حامل لواء العدو واشتغل بقتل سباع بن عبد العزى الخزاعى فكمن له وحشى عبد جبير فقتله رضى الله عنه وقتل ابن قمأة مصعب بن عمير حامل لواء المهاجرين فأخذه على =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وحمل المسلمون على المشركين فهزموهم فترك الرماة مكانهم طنعا فى الغنيمة وقد حذرهم أميرهم عبد الله بن جبير قال: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ اثبتوا مكانكم. فابوا أن يطيعوه وثبت هو فيما دون العشرة وكان خالد بن الوليد على خيل العدو فصاح فيمن معه وحثهم على انتهاز الفرصة فقتلوا من ثبت من الرماة ثم ابوا المسلمين من خلفهم وكروا عليهم بالخيل واشبع أن محمدا قتل فانقضت صفوف المسلمين وتزاحفت قريش بعد هزيمتها وانهزم المسلمون لمخالفة بعضهم امر النبى صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الله حكمة ذلك وعرفهم سوء عاقبة المعصية بقوله: " لقد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم (تقتلونهم) بإذنه حتى اذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين " 152 - آل عمران.
وثبت النبى صلى الله عليه وسلم ومعه أربعة عشر من كبار الصحابه يدافعون عنه (وهم ابو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وأبو عبيدة وسعد بن مالك من المهاجرين وابو دجانة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ واسيد بن حضير من الأنصار) وقد خلص العدو الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورموه بالحجارى حتى وقع وكسرت رباعيته اليمنى السفلى وشج وجهه وكلمت شفتاه برمية من ابى عتبة بن وقاص فقال النبى صلى الله عليه وسلم كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وهو يدعوهم الى ربهم فنول قوله تعالى: " ليس لك من الأمر شئ أو (بمعنى الى، أى فاصبر الى أن) يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " 128 - آل عمران.
ودخلت حلقتان من المغفر فى وجنة النبى صلى الله عليه وسلم فانتزعهما ابو عبيدة عامر بن الجراح فسقطت ثليتاه (وقد) قاتل عن النبى صلى الله عليه وسلم جبريل وميكائيل (قال) سعد بن ابى وقاص رايت النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كاشد القتال ما رايتهما قبل ولا بعد أخرجه البخارى (انظر ص 252 ج 7 فتح البارى: اذ همت طائفتان منكم) وفى مسلم يعنى جبريل وميكائيل. ثم عرف كعب بن مالك الأنصارى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقتل فصاح: يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع نفر =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= من المسلمين الى الشعب فإدركهم ابى بن خلف وهو يقول اين محمد؟ لا نجوت أن نجا. فاعترضه رجال من المسلمين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلوا طريقه وأخذ حربه بن الحارث بن الصمة قطعته فى عنقه فتدأدا (أى تدحرج) منها عن فرسه مرارا ورجع يقول: قتلنى محمد، ومات بها وهو راجع الى مكه بسرف ولم يقتل النبى صلى الله عليه وسلم غيره (وممن ابلى) بلاء حسنا يوم أحد وعظم نفعه فيه طلحة بن عبيد الله وسعد بن ابى وقاص والزبير بن العوام (فقد) قال صلى الله عليه وسلم هذا اليوم كله لطلحة وقال سعد بن ابى وقاص: نثل 0 بالنون والثاء أى استخرج ما فيها من النيل وفى رواية بالتاء المثاه من فوق أى قدمها 9 لى رسول الله صلى الله عليه وسلم كسانته يوم أحد فقال ارم فداك ابى وأمى أخرجه البخارى انظر ص 252 ج 7 فتح البارى.
(وممن ثبت) أيضا فى هذا اليوم أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية فقد ذكر سعيد ابن ابى زيد الأنصارى أن أم سعد بنت سعد بن الربيع قالت: دخلت على أم عمارة فقلت لها أخبرينى خبرك فقالت: خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعى سقاء فيه ماء فانتهيت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى أصحابه والدولة والربح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف حتى خلصت الجراح الى. فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت من اصابك بهذا؟ قالت ابن قميئة أقمأه الله ز لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلونى على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب ابن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربنى هذه الضربة وقد ضربته على ذلك ضربات. قاله ابن هشام. ثم أشرف أبو سفيان فقال أفى القوم محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه فقال افى القوم ابن أبى قحافة ثلاثا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه ثم قال افى ابن الخطاب ثلاثا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه فقال إن هؤلاء قد قتلوا. لو كانوا فى الأحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه بل قال: كذبت يا عدو الله فقد ابقى الله لك ما يخزيك. فقال ابو سفيان: اعل هبل مرتين فقال صلى الله عليه وسلم قولوا: الله أعلى وأجل فقال ابو سفيان: انا العزى ولا عزى لكم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم قولوا: الله مولانا ولا مولىلكم فقال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال =
الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها (1) حتى إذا صار رمادا الزقته الجرح فاستمسك الدم. أخرجه الشيخان وابن ماجه. وكذا الترمذى عن آبى حازم قال: سئل بن سعد بأي شئ دووي جرح النبي صلى الله عليه وسلم؟
= وتجدون مثله لم ىمر بها ولم تسؤنى وقد استشهد من المسلمين سبعون (قال) ابى بن كعب: قتل من الأنصار يوم أحد أربعة وستون ومن المهاجرين ستة. أخرجه الحاكم فى الإكليل وصححه ابن حبان. انظر ص 263 ج 7 فتح البارى (من قتل من المسلمين يوم أحد) ومثلت نساء المشركين بالشهداء فبقرن البطون وقطعن المذاكير وجدعن الآذان والأنواف (وممن) مثلن به حمزة عم النبى صلى الله عليه وسلم فلما نظر ذلك سنة حزن حزنا شديدا وترحم عليه وأثنى وقال: أما والله لئن صبرتم لهو خير للصابرين " 126 - النحل فقال النبى صلى الله عليه وسلم: بل نصبر وكيف عما اراد وكفر عن يمينه.
(1)
المجن - بكسر ففتح فشد النون -: الترس و (فاطمة) هى بنت النبى صلى الله عليه وسلم وسبب مجيئها أحدا بينه أبو حازم قال: لما كان يوم أحد وانصرف المشركون خرج النساء الى الصحابه يعينونهم فكانت فاطمة فيمن خرج فلما رأت النبى صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته بالماء فيزداد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير فأحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم. أخرجه الطبرانى وفى رواية له عن ابى حازم قال: فأحرقت حصيرا حتى صارت رمادا فأخذت من ذلك الرماد فوضعته فيه حتى رقا الدم (الحديث) وفيه ثم قال يومئذ: اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله ثم مكث ساعة ثم قال: اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون (وقال) عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: إن الذى رمى النبى صلى الله عليه وسلم بأحد فجرحه فى وجهه قال خذها منى وأنا ابن قميئة (كسفينة 9 فقال اقمأك (صغرك وأذلك) الله فانصرف الى اهله فخرج إلي غنمه فوافاها على ذروة جبل فدخل عيها فشد عليه فنطحه نطحه أدرأه من شاهق الجبل فتقطع انظر ص 261 ج 7 فتح البارى (ما أصاب النبى صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد).
فقال: كان على يأتي بالماء في ترسه وفاطمة تغسل عنه الدم وأحرق له حصير فحشى به جرحه. قال الترمذى حسن صحيح (1){137}
وفى الحديث أمران: (أ) جواز أتتداوى وأن الأنبياء قد يصابون بالجراحات والآلام والأسقام ليعظم لهم بذلك الأجر وتزداد درجاتهم رفعة وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكارة (2)(ب) وأن الحصير إذا أحرقت ووضع رمادها على الجرح أبطل زيادة الدم بل الرماد كله كذلك لأنه من شأنه القبض. ولذا ترجم الترمذى الحديث " أتتداوى بالرماد" ورماد الحصير طيب الرائحة فالقبض يسد أفواه الجرح. وطيب الرائحة يذهب برائحة الدم (3).
(17)
الترياق: هو بتثليث التاء والمشهور الكسر، ما يستعمل لدفع السم من دواء معجون ويجوز أتتداوى به إذا لم يكن فيه محرم أو نجس وإلا لا يجوز (وعليه) يحمل حديث عبد الرحمن بن رافع التنوخى قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قيل نفسي " أخرجه أبو داود وقال: هذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وقد رخص فيه قوم يعنى الترياق وعبد الرحمن بن رافع قال البخاري: في بعض حديثه بعض المناكير (4)[138]
(1) انظر ص 261 ج 7 فتح البارى (ما أصاب النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد) وص 148 ج 12 نووى (غزوة أحد) وص 177 ج 3 تحفة الأحوذى (التداوى بالرماد) و (الترس) بضم فسكون ما يتترس به المحارب.
(2)
انظر ص 262 ج 7 فتح البارى (ما أصاب النبى صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد)
(3)
انظر ص 177 ج 3 تحفة الأحوذى (التداوى بالرماد)
(4)
(انظر ص 5 ج 4 عون المعبود الترياق) و (أو قلت الشعر من قبل نفسى) أى قصدته وتقولته فلا يقول الشعر لقوله تعالى: " وما علمناه الشعر وما ينبغى له وأما قوله صلى الله عليه وسلم:
أنا النبى لا كذب * أنا ابن عبد المطلب فقد صدر منه لا عن قصد
ومعنى الحديث: أنى إن فعلت هذه الأشياء كنت ممن لا يبالي بما فعله من الأفعال مشروعة أو غيرها ولا ينز جر عما لا يجوز فعله شرعا.
(هذا) والترياق إذا لم يكن فيه نجس فلا باس بتناوله (والتميمة) قيل إنها خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات واعتقاد هذا جهل وضلال إذ لا دافع غير الله تعالى ولا يدخل في هذا التعوذ بالقرآن والاستشفاء به لأنه كلام الله تعالى (1).
(18)
دواء النسا: النسا كالعصا عرق يظهر في الورك فيستبطن الفخذ (ويداوى) بما في حديث انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " شفاء عرق النسا إلية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم يشرب على الريق في
كل يوم جزء " أخرجه ابن ماجه والحاكم بسند صحيح (2){139}
وهذه المعالجة تصلح للعراب ومن يعرض لهم هذا المرض من يبس. وقد تنفع ما كان من مادة غليظة لزجة بالإنضاج والإسهال فإن الألية تنضج وتلين وتسهل والمقصود بالشاه العرابية ما قلت فضولها وشحومها. ورعيها يكون في البر ترعى مثل القيصوم والشيخ (3)(قال) ابن القيم: عرق النسا وجع يبتدئ من مفصل الورك وينزل من خلف إلى الفخذ وربما امتد على الكعب وكلما طالت
(1) وتقدم تمام الكلام فى تعليق التمائم ونحوها بهامش صفحة 205 وما بعدها ج 5 الدين الخالص طبعة ثانية
(2)
انظر ص 181 ج 2 - ابن ماجه (دواء عرق النسا). وفى الحديث دليل على جواز تسمية هذا المرض بعرق النسا خلافا لمن منع ذلك وقال: النسا هو العرق نفسه فيكون من باب اضافة الشئ الى نفسه وهو ممتنع وجوابه من وجهين:
(أ)
…
أن العرق أعم من النسا فهو من اضافة العام الى الخاص.
أن النسا هو المرض الحال بالعرق والاضافة فيه من اضافة الشئ الى محله وقيل وسمى بذلك لأن ألمه ينسى ما سواه. انظر ص 86 ج 3 زاد المعاد (علاج عرق النسا)
(3)
انظر ص 181 ج 2 سندى ابن ماجه (دواء عرق النسا).
مدته زاد نزوله ويهزل معه الرجل والفخذ. وهذا العلاج خاص بأهل الحجاز ومن جاورهم ولا سيما أعراب البوادي فإن هذا المرض يحدث من يبس وقد يحدث من مادة غليظة لزجة فعلاجها بالإسهال. والآلية فيها الخاصيتان: الإنضاج والتليين.
وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين. وتعيين الشاة الأعرابية لقلة فضولها وصغر مقدارها ولطف جوهرها مرعاها لأنها ترعى أعشاب البر الحارة كالشيح والقيصوم ونحوهما. وهذه إذا تغذى بها الحيوان صار في لحمه من طبعها بعد أن بلطفها بالتغذية بها ويكسبها مزاجا الطف منها ولاسيما الألية.
وظهور فعل هذه النباتات في اللبن أقوى منه في اللحم ولكن الخاصية آلتي في الألية من الإنضاج والتليين لا توجد في اللين (1)
(19)
دواء العين: روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العين حق " أخرجه أحمد والشيخان ،أبو داود وابن ماجه (2){140}
آي الإصابة بها شئ ثابت متحقق. وبظاهر الحديث أخذ الجمهور وأنكره طوائف المبتدعة بلا وجه لأن كل شئ ممكن في نفسه ولا يؤدى إلى قلب حقيقة فهو من متجاوز العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى ولا فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الآخرة (3)
(1) انظر ص 86 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى هلاج عرق النسا).
(2)
انظر ص 107 ج 5 مجمع الزوائد (العين) وص 158 ج 10 فتح البارى (العين حق) وص 170 ج 14 نووى (الطب) وص 1 ج 4 عون المعبود (العين) وص 185 ج 2 - ابن ماجه (العين).
(3)
انظر ص 158 ج 10 فتح البارى (العين حق)
(هذا) والعين نظر باستحسان مشوب بجسد من خبث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر وقد خفي هذا على بعض الناس فقال كيف تعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون؟ (والجواب) أن طبائع الناس تختلف فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن بالهواء إلى بدن المعيون. ويقرب من هذا أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد ويتثاءب شخص بحضرته فيتثاءب هو (ومذهب) أهل السنة في هذا أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص لآخر (وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس " قال الراوي يعنى بالعين. أخرجه أبو داود الطيالسى والبخاري في التاريخ والحكيم الترمذى والبراز بسند حسن ورجاله رجال الصحيح خلا طالب بن حبيب بن عمرو وهو ثقة (1){141}
(وقد أجرى) الله العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيرى في وجهه حمرة لم يتكن قبل ذلك وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه. والتأثير في هذا ونحوه بإرادة الله تعالى وخلقه وهو ليس مقصورا على الاتصال الجسماني بل يكون تارة به وتارة بالمقابلة وأخرى بمجرد الرؤية وأخرى بتوجه الروح كالذي يحدث من الأدعية والرقى وتارة يقع ذلك بالتوهم فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف البدن ولا وقاية له اثر فيه وإلا لم ينفذ السهم بل ربما رد على صاحبه كالسهم الحسي (2)(وعلاج العين) بما في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) انظر ص 106 ج 5 مجمع الزوائد (العين) وص 156 ج 10 فتح البارى (رقية العين).
(2)
انظر ص 156 ج 10 فتح البارى (رقية العين).
قال: " العين حق ولو كان شئ القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا " أخرجه أحمد ومسلم والحكيم الترمذى وابن حبان (1){142}
معناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى ولا تقع إلا على حسب ما قدرها وسبق بها علمه فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى (وفى الحديث) صحة أمر العين وأنها قوية الضرر. (وإذا استغسلتم) بالبناء للمجهول آي إذا طلب منكم من نظرتم إليه أن تغسلوا له أطرافكم فأجيوه (وظاهر الأمر) الوجوب فمن خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين (وكيفيته) أن يغسل العائن وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وأطراف رجليه وما تحت إزاره في إناء ثم يصب ذلك الماء على راس المعيون وظهره من خلفه ثم يكفأ الإناء وراءه على الأرض (روى) الزهري عن آبى أمامه بن سهل ابن حنيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة فما لبث أن لبط سهل فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: أدرك سهلا صريعا قال: من تتهمون؟ قالوا عامر بن ربيعة قال علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع
(1) انظر ص 171 ج 14 نووى (الطب). (ولو كان شئ سابق
…
الخ) فيه تأكيد وتنبيه على سرعة تأثير العين وفيه رد على من زعم من المتصوفة أن قوله (العين حق) يريد به القدر أى العين التى تجرى منها الأحكام فإن عين الشئ حقيقته والمعنى أن ما يصيب المعيون من الضرر عند نظر العائن إنما هو بقدر الله السابق لا بشئ يحدثه الناظر فى المنظور (ووجه الرد) أن الحديث ظاهر فى المغايرة بين القدر والعين وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور والحديث جرى مجرى المبالغة فى إثبات تأثير يسبق القدر لكان العين لكنها لا تسبق فغيرها أولى. انظر ص 159 ج 10 فتح البارى (العين حق)
له بالبركة، ثم دعا بماء فامر أن يتوضأ فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وكبتيه وداخله إزاره وأمره أن يصب عليه قال معمر عن الزهري وأمره أن يكفأ الإناء من خلفه .. أخرجه مالك وأحمد والنسائي وابن حبان وصححه وابن ماجه وهذا لفظه وفى رواية مالك: فبرأ من ساعته (1){143}
(هذا) والأمر بالغسل مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه (وإن) توقف فيه متشرع قلنا له: قل الله ورسوله أعلم وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة (وإن) توقف فيه متفلسف رد عليه بأن عنده الأدوية تفعل بقواها وقد تفعل بمعنى لا يدرك (وقال) ابن القيم: هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجربا غير معتقد. وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها فما الذي تنكره جهلتهم من الخواص الشرعية. هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة. فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن. فكأن أثر ذلك تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة. ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيئة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ولا شئ ارق من المغابن (الأطراف) فكان في غسلها إبطال لعملها (وفى الحديث) ما يدل على وصول أثر الغسل إلى القلب وهو من ارق المواضع وأسرعها نفاذا فتنطفئ تلك النار آلتي أثارتها العين بهذا الماء (2).
(1) انظر ص 373 ج 2 تيسير الوصول (العين) وص 107 ج 5 مجمع الزوائد وص 186 ج 2 - ابن ماجه والمخبأة المرأة المخدرة. و (لبط) كصرع وزنا ومعنى و (داخله الإزار) الطرف الذى يلى جسد المؤتزر. والمراد غسل ما يليه من الجسد.
(2)
انظر ص 160 ج 10 فتح البارى (العين حق)
(فائدتان)(الأولى) أن هذا الغسل إنما ينفع بعد استحكام النظرة. وقبله تدفع بالدعاء بالبركة (لما) في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة (1).
(وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من رأي شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم تضره العين " أخرجه البزار وابن السنى والبيهقى وفيه أبو بكر الهذلى ضعيف جدا (2){144}
(وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت وقرأ: " وَلَوْلَا إذْ دَخَلْتَ جَنتَكَ قُلتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قَّوةَ إلا باللهِ ". أخرجه الطبرانى والأوسط وفيه عبد الملك بن زراره وهو ضعيف (3){145}
(الثانية) دلت الأحاديث السابقة أن العائن إذا عرف يؤمر بالاغتسال وهو دواء نافع وأن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من رجل محب ومن رجل صالح وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر بالدعاء لمن أعجبه بالبركة وأن الإصابة بالعين قد تقتل. وهل يقتص من العائن؟
(قال) القرطبي: لو أتلف العائن شيئا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا (4).
(والجمهور) أنه لا قصاص في ذلك لأنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا وكذا
(1) انظر رقم 143 ص 81
(2)
انظر ص 109 ج 5 مجمع الزوائد (ما يقول اذا رأى ما يعجبه).
(3)
انظر ص 140 ج 10 مجمع الزوائد (ما يقول اذا رأى ما يعجبه).
(4)
انظر ص 160 ج 10 فتح البارى (العين حق)
لا دية فيه ولا كفارة لأنه لم يقع منه فعل سوى الحسد والنظر ولا يمكر على ذلك إلا الحكم بقتل الساحر فإنه في معناه، والفرق بينهما فيه عشر (وفى الحديث) أنه ينبغي للإمام منع العائن - إذا عرف بذلك - من مداخله الناس وأن يلزم بيته فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به فإن ضرره اشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضى الله عنه بمنعه من مخالطة الناس واشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة. وهذا القول صحيح متعين (1).
(20)
علاج الصرع: الصرع بفتحتين علة تمنع الأعضاء الرئيسية عن انفعالها منعا غير تام وهو نوعان: (أ) صرع من الأخلاط الرديئة وهو ملة تمنع الأعضاء النفسية عن الأفعال والحركة والانتصاب منعا غير تام وسببه خلط غليظ لزج يسد منافذ بطون الدماغ سدا غير تام فيمنع نفوذ الحس والحركة فيه وفى الأعضاء نفوذا ما من غير انقطاع بالكلية. وقد يكون لسباب أخر كريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبا بل يسقط ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة. وهذه العلة من الأمراض الحادة المزمنة باعتبار طول مكثها وعسر برئها لا سيما إن جاوز في السن خمسا وعشرين سنة وقد بين الأطباء سببها وعلاجها وقالوا إن الصرع يبقى فيمن يصاب به حتى يموت (2).
(ب) صرع من الجن: ولا يقع إلا من النفوس الخبيئة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية وإما لإيقاع الأذية به. وقد أثبته عقلاء الأطباء ولا يعرفون له علاجا إلا بمقاومة الأرواح الخيرة العلوية ليندفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطل أفعالها (3) وبدل على ثبوته حديث عطاء بن أبى رباح قال: قال لي ابن عباس:
(1) انظر ص 161 ج 10 فتح البارى. وص 173 ج 14 نووى مسلم (الطب والمرض)
(2)
انظر ص 85 ج 3 زاد المعاد (صرع الأخلاط)
(3)
انظر ص 90 ج 10 فتح البارى (فضل من يصرع من الريح)
ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إنى اصرع وإنى أتكشف فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت: اصبر وإنى أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف فدعا لها أخرجه الشيخان (1){146}
كان صرعها من الجن لا من الخلط (فقد روى) ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت: " إنى أخاف الخبيث أن يجردني فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتى أستار الكعبة فتتعلق بها " أخرجه البزار (2). {147}
(وفى هذه) الأحاديث بيان فضل من يصرع ويصبر وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة (وفيها) دليل على جواز ترك أتتداوى وأن علاج الأمراض بالدعاء والالتجاء إلى الله تعالى أنجح وأنفع من العلاج بالعقاقير وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية (3) 0
(قال) ابن القيم: وعلاج هذا النوع يكون بأمرين:
(أ) أمر من جهة المصروع يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلي فاطر هذه الأرواح وبارئها والتعوذ الصحيح الذي تواطأ عليه القلب واللسان فإن هذا نوع محاربة والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا أمرين: أن يكون السلاح جيدا وأن يكون الساعد قويا فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل فكيف إذا عدم الأمران بخراب القلب من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه ولا سلاح له.
(1) تقدم رقم 12 صفحة 7.
(2)
انظر ص 91 ج 10 فتح البارى (فضل من يصرع من الريح)
(3)
انظر ص 91 ج 10 فتح البارى (فضل من يصرع من الريح)
(ب) من جهة المعالج: بأن يكون فيه هذان الأمران حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله اخرج منه أو يقول باسم الله أو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله مادي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اخرج عدو الله وأنا رسول الله. وشاهدت شيخنا (1) يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح آلتي فيه ويقول: قال لك الشيخ أخرجي فإن هذا لا يحل لك فيفيق المصروع وربما خاطبها بنفسه وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب فيفيق المصروع ولا يحس بألم وكان كثيرا ما يقرأ في أذن المصروع " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ "(2) وكان يعالج بآية الكرسي ويأمر المصروع بكثرة قراءتها ومن يعالجه وبقراءة المعوذتين وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، واكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله يكون لقلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقيقة الذكر والتعاويذ والتحصينات النبوية والإيمانية فتلقى الروح الخبيئة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فيؤثر فيه. هذا ولو كشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى من هذه الأرواح الخبيثة وهى في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت (3) ولا عاصم للإنسان من الشيطان إلا ذكر الله تعالى فإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى.
(21)
دواء الجنون: قد ورد في هذا معجزة عظيمة كي صلى الله عليه وسلم (روى) سليمان بن عمرو بن الآحوص عن أم جندب قالت: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر ثم انصرف وتبعته
(1)(شيخنا) يعنى شيخ الإسلام تقى الدين أحمد بن تيمية.
(2)
سورة المؤمنون: آية 115
(3)
انظر ص 84 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى علاج الصرع)
امرأة من خثعم ومعها صبى لها به بلاء لا يتكلم فقالت يا رسول الله هذا أبني وبقية أهلي وإن به بلاء لا يتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيتونى أن من ماء فأتى بماء فغسل يديه ومضمض فاه ثم أعطاها فقال اسقيه منه وصبى عليه منه واستشفى الله له قالت: فلقيت المرأة من الحول فسألتها عن الغلام فقالت برئ وعقل عقلا ليس كعقول الناس " أخرجه ابن ماجه (1){148}
(22)
دواء الكلية: هي بضم فسكون ولكل حيوان كليتان وهما لحمتان منتبرتان حمراوان لازقتان بعظم الصلب عند الخاصرتين وإذا تحركت تداوى بالماء الحار والعسل (روت) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الخاصرة عرق الكلية إذا تحركت آذت صاحبها فدواؤها بالماء المحرق والعسل " أخرجه الطبرانى في الأوسط وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وثقه جماعة (2){149}
(23)
أتتداوى بسمن البقر: قال زهير: حدثتنى امرأة أهلي عن مليكة بنت عمرو الزيدية من ولد زيد الله بن سعد قالت: " اشتكيت وجعا في حلقي فأتيتها فوضعت له سمن بقر قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألبانها شفاء وسمنها دواء ولحمها داء قلت قوله فأتيتها يعنى أن المرأة من أهله أتت مليكة، أخرجه الطبرانى. والمرأة لم تسم وبقية رجاله ثقات (3){150}
(24)
الحقنة: هي بضم فسكون إيصال الدواء إلى الجوف بالحقنة (بكسر
(1) انظر ص 188 ج 2 - ابن ماجه (النشرة) بضم فسكون نوع من الرقية يعالج بها المجنون. و (بقية أهلى) أى أنهم ماتوا وما بقى منهم الا هذا.
(2)
انظر ص 87 ج 5 مجمع الزوائد (عرق الكلية).
(3)
انظر ص 90 ج 5 مجمع الزوائد (التداوى بسمن البقر)
فسكون) (وهى مكروهة إلا لحاجه على الصحيح 0 قال) الخلال: كان أبو عبد الله - يعنى أحمد - كرهها في أول أمره ثم أباحها على معنى العلاج واحتج القاضى للقول المرجوح يعنى كراهة الحقنة مطلقا بما روى وكيع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحقنة ورواه أبو بكر بن أبى شيبه عن على وسال ابن عباس رضى الله عنهما رجل: أحتقن؟ قال لا تبد العورة ولا تستن بسنة المشركين. وراه الخلال وروى الخلال عن عمر رضى الله عنه أنه رخص في الحقنة وكرهها على ومجاهد والشعبي والمعتمد كراهتها بلا حاجة ولها تباح. (1)
(25)
الباسور: هو بالسين والصاد علة تحدث في المقعدة وفى داخل الأنف وقطعة مباح. وقيل يكره إن لم يخف التلف وإلا حرم والمنصوص عنه النهى عند الحنبلية ونص أحمد على الكراهة (2) هذا ويحل قطع عضو تمكن فيه الداء وخيف من بقائه السريان أو زيادة الألم. ويحل شق جرح ونحوه إن لم يخش منه ضرر. قال الإمام أحمد رضى الله عنه: كان الحسن يكره البط - يعنى شق الجرح - ولكن عمر رضى الله عنه رخص فيه وكذا معالجة الأمراض المخوفة ومداواتها ويروى عن على رضى الله عنه قال: " دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل نعوده بظهره ورم فقالوا يا رسول الله: هذه مدة قال: بطوا عنه. قال على: فما ربحت حتى بطن مادي صلى الله عليه وسلم أمر طبيبا أن يبط بطن رجل أحوى البطن (3) فقيل يا رسول الله هل ينفع الطب؟ قال الذي انزل الداء أنزل الشفاء (وروى) ابن السنى عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرج في بعض أصبعى بثرة
(1) انظر ص 19 ج 2 غذاء الألباب.
(2)
انظر ص 21 ج 2 منه
(3)
الاحرى: السود