الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو سعد محمد بن ميسر ضعفه جماعة كثيرون وقال أحمد: صدوق (1). {365}
وحكمة طلب الإسراع بتجهيز الميت خوف تغيره وإذا تغير استقذرته النفوس ونفرت منه الطباع فيحط ذلك من كرامته، ولأن إبقاءه بين أهله يؤلمهم ويحملهم على كثرة البكاء والعويل. وهذا مذموم شرعا فينبغي أن يعجل به ولا ينتظر به حضور أحد إلا الولي فإنه ينتظر ما لم يخش عليه التغير. وإن مات فجأة لم يبادر بتجهيزه لئلا تكون به سكته ولم يمت بل يترك حتى يتحقق موته فيبادر حينئذ إلى تجهيزه وكذا إذا مات مصعوقا أو غريقا أو حريقا أو خوفا من حرب أو سبع أو تردى من جبل أو فأعقبني بئر فمات فإنه لا يبادر به حتى يتحقق موته لئلا يكون مغمى عليه أو انطبق حلقه (2).
(9) البكاء على الميت
البكاء بالمد اسم لخروج الدموع مع الصوت. وبالقصر اسم لخروجها بلا صوت. وقيل: هما بمعنى واحد. وهو جائز إذا خلا مما لا يجوز كالصراخ ودعوى الوبل والثبور وشق الجيوب وضرب الخدود وإلا حرم (لحديث) ابن عباس رضى الله عنهما قال: لما مات عثمان بن مظعون رضى الله عنه قالت امرأته: هنيئا لك يابن مظعون بالجنة، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها نظر غضب فقال: وما يدريك؟ قالت: وينبغي الله فارسك وصاحبك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله إني رسول الله وما أدرى ما يفعل بي فأشفق الناس على عثمان. فلما ماتت زينب ابنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) انظر ص 20 ج 3 مجمع الزوائد (تجهيز الميت وغسله والإسراع بذلك).
(2)
انظر ص 124 ج 5 مجموع النووى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحقي بسلفنا الصالح الخير عثمان بن مظعنون فبكت النساء، فجعل عمر يضربهن بسوطه. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: مهلا يا عمر. ثم قال: ابكين وغياكن ونعيق الشيطان، ثم قال: إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان. أخرجه أحمد وفى سنده على بن زيد وهو ثقة وفيه مقال (1). {
366}
(وعن) سالم أبي النضر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان ابن مظعون وهو يموت، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب فسجى عليه وكان عثمان نازلا على أم معاذ الأنصارية قالت: فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبا عليه طويلا واصحابه معه ثم تنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) انظر ص 129 ج 7 - الفتح الربانى (الرخصة فى البكاء من غير نوح) وص 17 ج 3 مجمع الزوائد (ما جاء فى البكاء)(وقالت امرأته) وفى رواية البخارى أن أم العلاء امرأة من الأنصار - كان يسكن عثمان فى بيتها وتوفى فيه - فقالت نحو ذلك. وقالته أيضا أم معاذ الأنصارية كما فى رواية الطبرانى التالية فيحتمل أن الكل شهدن له بذلك: و (نظر غضب) إنما غضب صلى الله عليه وسلم لأنها أخبرت بإمر مغيب لا يعلمه لعبد الرزاق: فوالله ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم. وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك لقوله تعالى " قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم " وكان ذلك قبل نزوله قوله تعالى " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " لأن الأحقاف مكية وسورة الفتح مدنية .. وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: أنا أول من يدخل الجنة فيحمل الإثبات فى ذلك على العلم المجمل، والنفى على الإحاطة من حيث التفضيل. انظر ص 74 ج 3 فتح البارى (الدخول على الميت) و (يضربهن 9 الظاهر أن بكاءهن كان بصوت غير موتفع فنهاهن عمر حتى لا يجر الى النباحة فإمره النبى صلى الله عليه وسلم بتركهن مبينا عذرهن من النياحة بقوله وإياكن ونعيق الشيطان.
فبكى، فلما بكى أهل البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحمك الله ابا السائب، وكان السائب قد شهد معه بدرا. قال: فتقول أم معاذ: هنيئا لك ابا السائب الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يدريك يا أم معاذ؟ أما هو فقد جاءه اليقين ولا نعلم إلا خيرا. قالت: لا والله لا أقولها لأحد بعده أبدا أخرجه الطبرانى فأعقبني الكبير وهو مرسل ورجاله ثقات (1). {367}
ففيما ذكر دليل على جواز البكاء الخالي مما لا يجوز كالصراخ والندب وشق الجيب ولطم الخد. وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون كما ترى وبكى عند موت ولده إبراهيم غيره (روى) ثابت البنانى عن أنس قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم، فإخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان. فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: يابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بإخرى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك بإبراهيم لمحزونون. أخرجه الشيخان والبيهقى وهذا لفظ البخاري (2). {368}
(1) انظر ص 18 ج 3 مجمع الزوائد (ما جاء فى البكاء).
(2)
انظر ص 112 ج 3 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم إما بك لمحزونون)(وص 74 ج 15 نووى 0 رحمته صلى الله عليه وسلم. و (القين) بفتح فسكون، الحداد. و (الظئر)(بكسر فسكون زوج المرضع 0 وتذرفان) أى يجرى دمعهما (وإنها رحمة) أى ما تراه من دمع العين هو رحمة أودعها الله فى قلوب عباده المؤمنين تنشا عن رقة القلب لا من الجوع. و (لمحزونون) كان حزن النبى صلى الله عليه وسلم بحكم الطبيعة لبشرية وهذا ليس محظورا فى الشرع إلا إن صحبة رفع صوت وجزع. وخاطب النبى صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم بهذه الكلمات مع أنه لم يكن يفهم الخطاب لصغره واحتضاره ليبين أن مثل هذا القول ليس منهيا عنه.
(وقال) ابن عباس: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلي بعض بناته وهى فأعقبني السوق، فإخذها ووضعها فأعقبني حجرة حتى قبضت فدمعت عيناه، فبكت أم ايمن، فقيل لها: أتبكين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إلا أبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبكى؟ قال: إني لم ابك وهذه رحمة إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل. أخرجه أحمد والنسائي أسعده بسند جيد (1). {369}
(وقال) أسامة بن زيد: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغميمة ابنة زينب ونفسها نفعفع كأنها فأعقبني شن. فقال صلى الله عليه وسلم: لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل إلى أجل مسمى فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سعد بن عبادة: يا رسول الله أتبكى؟ أولم تنه عن البكاء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هي رحمة جعلها الله فأعقبني قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء أخرجه أحمد والشيخان (2). {370}
(1) انظر ص 136 ج 7 - الفتح الربانى (الرخصة فى البكاء من غير نوح) وص 18 ج 3 مجمع الزوائد. وبنات النبى صلى الله عليه وسلم كلهن توفين متزوجات. فالمراد هنا بعض بناته ولعلها أمام بنت زينب كما فى الحديث الآتى (والسوق) بفتح فسكون النزع كأن روحها تساق لتخرج من بدنها (وهذه رحمة) أى الدموع أثر الرحمة (ويحمد الله) * لآنه تعالى يطلعه على منزلته فى الجنة فيحمده لذلك.
(2)
انظر ص 140 ج 7 - الفتح الربانى (الرخصة فى البكاء من غير نوح) وص 100 ج 3 فتح البارى. وص 224 ج 6 نووى (الكاء على الميت) و (اميمة) تصغير أمامة وهى بنت ابى العاص. ولم تمت فى هذا المرض بل عاشت حتى تزوجها على بعد فاطمة رضى الله عنهم. و (تقعقع) أى تتحرك وتضطرب (والشن) بفتح الشين القربة الخلقة اليابسة شبه البدن بالجلد وشبه حركة الروح فيه بما يطرح فى الجلد من حصاة ونحوها. و (لله ما أحد) وفى رواية الشيخين إن لله ما أخذ، وله ما أعطى والمقصود الحث على الصبر والتسليم لقضاء الله فإنا لله وإنا اليه راجعون (وكل) أى كل واحد من الأخذ والإعطاء مقدر باجل معلوم وفى رواية وكل شئ عنده أى فى علمه وإحاطته (والرحماء) جمع رحيم ومقتضاء أن رحمة الله مختصة بمن كثرت رحمته بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت فى حديث عبد الله بن عمرو: الراحمون يرحمهم الرحمن. اخرجه ابو داود وغيره. والراحمون جمع راحم وهو يشمل من فيه أدنى رحمة.
(وقال) ابن عمر رضى الله عنهما: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده فأعقبني غشية، فقال: قد قضى؟ فقالوا: لا يا رسول الله، فبكى صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاءه بكوا. قال: ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - أشار إلى لسانه - أو يرحم. أخرجه الشيخان والبيهقى (1). {371}
(دلت) هذه الأحاديث على إباحة البكاء على الميت والحزن عليه إذا لم يصحبه نوح أو شق جيب أو لطم خد أو سخط لأمر الله تعالى. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بكى، وبكى بعض الصحابة أيضا. (وقال) عبد الله بن يزيد: رخص فأعقبني البكاء من غير نوح أخرجه الطبرانى فأعقبني الكبير بسند جيد (2). {372}
وعلى هذا أجمع العلماء ويجوز أيضا البكاء بصوت إذا غلب على الباكي الحزن ولم يبلغ إلى حد المنهي عنه (روت) عائشة رضى الله عنها أن سعد بن معاذ
(1) انظر ص 113 ج 3 فتح البارى (البكاء عند المريض) وص 226 ج 6 نووى (الجنائز) وغشية بفتح فسكون فتخفيف الياء وفى رواية البخارى " فى عائشة " اى ما يغشاه من كرب الموت أو من يغشاه من أهله.
(2)
انظر ص 19 ج 3 مجمع الزوائد (البكاء)