المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(أ) غسل الميت - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٧

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌الجنائز

- ‌(أ) المرض:

- ‌(ب) التداوي

- ‌(ج) الطب النبوي:

- ‌العلاج بالأدوية الطبيعية

- ‌(د) بعض الأدوية والأغذية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(هـ) العلاج بالأدوية الروحية الإلهية

- ‌(و) الآثار الموضوعة في المرض والطب

- ‌(جـ) الطاعون

- ‌(د) ما يطلب للمريض والمحتضر

- ‌(هـ) الموت

- ‌(11) ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) عرض عمل الحي على الميت

- ‌(13) مكان الموت

- ‌(14) الآثار الموضوعة فكأني الموت

- ‌(و) الروح

- ‌(ز) ما يتعلق بالميت

- ‌(7) قضاء دين الميت

- ‌(8) المبادرة بتجهيز الميت

- ‌(9) البكاء على الميت

- ‌(10) ندب الميت

- ‌(11) النياحة والندب

- ‌(12) هل يعذب الميت بالنياحة عليه

- ‌(13) نعى الميت

- ‌(14) الإحداد على الميت

- ‌(15) تجهيز الميت

- ‌(أ) غسل الميت

- ‌(ب) تكفين الميت

- ‌الصلاة على الميت

- ‌(د) حمل الجنازة

- ‌(هـ) الدفن

- ‌(1) حكم الدفن:

- ‌(2) وقت الدفن:

- ‌(3) مكان الدفن:

- ‌(4) دفن النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌(5) ما يطلب في القبر:

- ‌(أ) يستحب توسيعه وتحسينه اتفاقا وكذا إعماقه عند غير المالكية

- ‌(ب) ويسن رفع القبر عن الأرض نحو شبر اتفاقا

- ‌(جـ) ويسن بناء القبر باللبن والقصب

- ‌(د) ويسن - عند الحنفيين ومالك وأحمد وبعض الشافعية -: تسنيم القبر

- ‌(هـ) ويسن -عبد النعمان ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد - رش الماء على القبر ليسكن ترابه

- ‌(6) من يتولى الدفن:

- ‌(7) كيفية الدفن:

- ‌(8) ما يطلب للدفن:

- ‌(أ) يستحب: عند الحنفيين ومالك وأحمد ستر فم القبر بثوب عند دفن المرأة دون الرجل

- ‌(ب) ويستحب لواضع الميت في القبر الدعاء له وإن كان مأثورا فما أحسنه

- ‌(جـ) ويلزم توجيه الميت إلى القبلة عند الجمهور

- ‌(د) ويستحب اتفاقا أن يوضع على شقه الأيمن وأن يوضع خده على لبنه أو حجر أو تراب أو نحوه

- ‌(هـ) ويستحب وضع شيء خلفه من لبن أو غيره يمنعه من الوقوع على قفاه

- ‌(و) ويستحب حل عقد الكفن بعد الدفن

- ‌(9) ما يطلب بعد الدفن:

- ‌(أ) يستحب سد القبر سدا محكما بطوب نيء ووضع البوص ونحوه فوق اللبن ليمنع نزول التراب على الميت

- ‌(ب) وبعد إهالة التراب على القبر يستحب - اتفاقا - لمن شهد الدفن أن يحثو على القبر ثلاث حثيات بيديه جميعا من قبل رأس الميت

- ‌(جـ) ويستحب - عند الحنفيين ومالك والشافعي - أن يقول في الحثية

- ‌(د) ويسن للمشيعين الانتظار بعد الدفن قدر بحر جمل وتفريق لحمه ليأتنس بهم الميت

- ‌(هـ) ويستحب الاستغفار للميت والدعاء له عند القبر بعد دفنه بالثبات

- ‌(و) يستحب - عند أكثر الشافعية والحنبلية وبعض الحنفيين والمالكيين - تلقين الميت المكلف بعد الدفن

الفصل: ‌(أ) غسل الميت

(أ) غسل الميت

الغسل - بفتح فسكون مصدر غسل - لغة الإسالة، وشرعا إيصال الماء إلى جميع بدن الميت، والكلام فيه ينحصر في ثمانية مباحث.

(1)

حكم: هو فرض كفاية في حق المسلم غير الشهيد عند الأئمة الأربعة والجمهور إذا لم يكن خنثي. فإن كان فالأولى أن ييمم. وقيل يغسل في ثيابه.

(ودليل) الوجوب حديث ابن عباس قال: بينما رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فوقصته ناقته فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رآسة فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا. أخرجه السبعة (1){407}

(2)

سبب غسل الميت: سبب لزومه الحدث على الأصح لأن الموت سبب للإسترخاء وزوال العقل وليس الغسل لنجاسته لأن الآدمي لا ينجس حيا ولا ميتا.

(قال) ابن عباس: المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا. ذكره البخاري تعليقًا ووصله

(1) انظر ص 188 ج 7 - الفتح الربائى (تطيب بدن الميت) وص 88 ج 3 فتح الباري (كيف يكفن المحرم؟ ) وص 127 ج 8 نووى مسلم (ما يفعل بالمحرم إذا مات) وص 109 ج 9 - المنهل العذب. وص 269 ج 1 مجتبى (كيف يكفن المحرم إذا مات) وص 135 ج 2 - ابن ماجه (المحرم يموت) و (وقصته ماقته) من باب وعد اى رمت به فدقت عنقه. و (في ثوبيه) المراد بهما الإزار والرداء لان المحرم لا يلبس الثياب المخيطة. وفى رواية للبخاري وأبى دواد: وكفنوه في ثوبين (ولا تحنطوه) اى لا تطيبوه بالحنوط، وهو خليط من الطيب. (ولا تخمروا رأسه) اى لا تغطوه لان المحرم ممنوع من ذلك حيا وميتا عند الشافعى واحمد (وقال) الحنفيون ومالك: يفعل بالمحرم الميت ما يفعل بالحلال فيطيب ويغطى رأسه وقالوا: الحديث خاص بهذا الأعرابي ولا دليل على الخصوصية. كما سيأتي في بحث التكفين إن شاء الله.

ص: 293

الحاكم والبيهقى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنجسوا موتاكم فان المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا (1). {408}

(3)

شروط: هي شروط وجوب وصحة وجواز. (1) فشروط الوجوب خمسه:

(1)

كون الميت مسلما فلا يجب غسل الكافر - لان الغسل شرع كرامة وتعظيما للميت، والكافر ليس من أهل الكرامة والتعظيم - إلا إذا كان ذا رحم من المسلم فانه يغسله ويكفنه ويتبع جنازته على ما سيأتي بيانه، إن شاء الله تعالى في بحث (تجهيز المسلم الكافر).

(2)

وجود الميت كلا أو جلا عند الحنفيين ومالك. فلو وجد طرف من أطراف الإنسان كيد أو رجل لا يغسل لان الشرع ورد بغسل الميت والميت اسم لكله أو أكثره، لان للأكثر حكم الكل. وإن وجد اقله أو نصفه لم يغسل لانه ليس بميت حقيقة ولا حكما. ولان الغسل للصلاة. ما لم يزد عن النصف لا يصلى عليه فلا يغسل إلا إذا وجد النصف مع الرأس فانه يغسل لكونه معظم البدن (وقال) الشافعي واحمد: عن وجد عضو إنسان تيقن موته يغسل ويصلى عليه لقول الشافعي: أنبا بعض أصحابنا عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان أن أبا عبيدة صلى على رءوس. قال الشافعي: وبلغنا أن طائرا القي يدا بمكة في وقعه الجمل فمرفوها بالخاتم فغسلوها وصلوا عليها. أخرجه البيهقى (2)[409]

(1) انظر ص 82 ج 3 فتح البارى (غسل الميت) وص 398 ج 3 بيهقى (من لم ير الغسل من غسل الميت)(ولا تنجسوا موتاكم) أي لا تقولوا إنهم نجس.

(2)

تنظر ص 18 ج 7 بيهقى (غسل بعض الأعضاء إذا وجد مقتولا) و (وقعة الجمل) كانت في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين (وحاصلها) انه لما قتل عثمان رضى الله عنه، أتى الناس عليا رضى الله عنه وهو في سوق المدينة، فقلوا له ابسط يدك نبايعك =

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فقال حتى يتشاور الناس .. فقال بعضهم لئن رجع الناس إلى أمصارهم بقتل عثمان ولم يم خليفه بعده لم يؤمن الاختلاف وفساد الأمة فاخذ الاشتر بيده فبايعوه ثم أرسل إلى طلحه والزبير فبايعاه واستاذناه في العمرة وخرجا الى مكة فلقيا عائشة وعبد الله بن عامر - كان عاملا على البصره لعثمان - ويعلى بن أمية - كان عاملا له على اليمن - واتفقوا على المطالبة بدم عثمان حتى يقتلوا قتلته (قال) عوف الأعرابي: لما قتل عثمان وكان يعلى قدم حاجا فأعان طلحة والزبير باربعمائة الف وحمل سبعين رجلا من قريش واشترى لعائشة جملا يقال له عسكر بثمانين دينارا. أخرجه عمر بن شبية (انظر ص 42 ج 13 فتح البارى) واجتمع بمكة خلق من سادات الصحابة وأمهات المؤمنين فقامت عائشة رضى الله عنها في الناس تخطبهم وتحثهم على المطالبة بدم عثمان وذكرت انه قتل ظلما في بلد حرام وشهر حرام فاستجاب الناس لها وساروا معها في آلف فارس من أهل المدينة ومكة قاصدين البصرة وتلاحق بهم آخرون فصاروا ثلاثة آلاف. وقد مروا في مميرهم ليلا بماء الحويا (بفتح فسكون) فنبحتهم كلاب عنده فقالت اى ماء هذا؟ فقالوا الحوبا. فقالت إنا لله وأنا إليه راجعون ما اظنننى الا راجعة قالوا ولم؟ قالت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم: كيف بأحد كن تنبح عليها كلاب الحويا؟ أخرجه احمد والحاكم بسند على شرط الصحيح (انظر ص 42 ج 13 فتح البارى) فقال لها عبد الله بن الزبير. إن الذى أخبرك أن هذا الماء ماء الحويا قد كذب: فارتحلوا نحو البصرة فأما اقتربوا منها كتبت الى الاحنف بن قيس وغيره من رءوس الناس انها قدمت فبعث عثمان بن حنيف- عامل على على البصرة - عمر أن بن الحصين وأبا الأسود الدؤلى اليها ليعلما ما جاءت له فأما قدما سألاها ما جات له فذكرت أنها جاءت تطالب بدم عثمان وقالا لطلحة والزبير ما اقدمكها؟ فقالا: الطلب بدم عثمان فرجع عمران وابو الأسود إلى عثمان بن حنيف فقال أبو الأسود:

يا ابن الأحنف قد أتيت فانفر وطاعن القوم وجالد واصبر

واخرج لهم مستلما وشمر

فصمم عثمان بن حنيف على منعهم من دخول البصره حتى يحضر على رضى الله عنه ونادى في الناس يامرهم بالاستعداد للقتال فقام رجل فقال ايها الناس: إن كان هؤلاء القوم (يعنى طلحة ومن معه) جاءوا خائقين فقد جاءوا من بلد يامن فيه الطير. وإن كانوا جاءوا=

ص: 295

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يطلبون قتله عثمان فأطيعوني وردوهم من حيث جاءوا فقام الأسود بن سريع السعدى فقال: إنما جاءوا يستعينوا بنا على قتله عثمان منا ومن غيرنا فحصبة الناس فعلم عثمان بن حنيف أن لطلحة والزبير أنصارا بالبصرة وقدمت ام المؤمنين بمن معها غفنزلوا المربد قريبا من البصرة وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها وخرج عثمان بن حنيف بالجيش فاجتمعوا بالمربد وتكلم طلحة والزبير فندبا إلى الأخذ بثار عثمان والطلب بدمه وحرضت عائشة الناس وحثهم على القتال فقال لها حارثة بن قدامه السعدى: يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة للسلاح واقبل حكيم بن جبلة من فرسان البصرة فانشب القتال. وجعل أصحاب عائشة يكفون أيديهم ويمتنعون من القتال وحكيم يقتحم عليهم فاقتتلوا حتى حجز الليل بينهم فأما كان اليوم الثاني خرجوا فاقتتلوا قتالا شديدا إلى أن زال النهار وقتل وجرح خلق كثير من الفريقين وتنادوا إلى الصلح على أن يرسلوا إلى المدينة من يتعرف أكانت بيعة طلحة والزبير طوعا أم كرها فإن ثبت انهما اكرها عليها ترك ابن حنيف البصرة وإن لم يكونا اكرها على البيعة خرج طلحة والزبير من البصرة. فأرسلوا كعب بن سور قاضى البصره فاما قدم المدينة قال: يا أهل المدينة أأكره طلحه والزبير على البيعة أم أتياها طائعين؟ فقال اسامة بن زيد إنهما اكرها. فلقى أسامة من سهل بن حنيف-والى المدينة - إهانة وبلغ هذا عليا. فأرسل إلى عثمان بن حنيف يقول: والله ما اكرها على فرقة ولقد اكرها على جماعة وفضل. فاما رجع كعب وانتشر خبر إكراه طلحة والزبير على البيعة طلبا من عثمان بن حنيف أن يخرج من البصرة فامتنع محتجا بكتاب على رضى الله عنه فبيته القوم ليلة واستولوا على البصرة فامتنع محتجا بكتاب على رضى الله عنه فبيته القوم ليلة واستولوا على البصرة وحبسوا ابن حنيف فبلغ ذلك حكيم أهل المدينة للخروج الى البصرة وقال: إن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم امركم فخف قوم لاجابته وتثاقل قوم فخرج من المدينة. فاما وصل الربذة أرسل محمد بن أبى بكر ومحمد بن جعفر يستفران الناس. وأرسل معهما كتابا إلى أهل الكوفة فيه: أني اخترتكم على أهل الأمصار ورغبت إليكم وفزعت لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وانهضوا إلينا فالإصلاح تريد =

ص: 296

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= لتعود هذه الأمة إخوانا. وكان مت رأى أبى موسى الاشعرى أمير الكوفة قعود الناس عن هذه الفتن فلم يخرج من الكوفه أحد فاغلظ محمد بن أبى بكر وابن جعفر لأبى موسى فقال إن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما. فإن لم يكن بد من قتال فلا نقاتل أحدا حتى نفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا فرجعا إلى على بالخبر فأرسل الحسن بن على وعمار بن ياسر ثانيا الى الكوفة فاقبلا حتى دخلا المسجد. فقال الحسن لأبى موسى لم تثبط الناس عنا فو الله ما أردنا الا الإصلاح؟ فقام القعقاع بن عمرو وقال: يأهل الكوفة لا بد من إمارة تنظم الناس وتنزع الظالم وتعز المظلوم. وهذا أمير المؤمنين إنما يدعو إلى الإصلاح فانفروا فكونوا في هذا الأمر بمراى ومسمع. وقال ريد بن صوحان من زعماء الكوفة مثله. وقال الحسن على أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى إخوانكم والله لان يدعيه أولو النهى امثل في العاجل والأجل وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم. وان أمير المؤمنين يقول: قد خرجت مخرجي هذا ظالما او مظلوما وإني اذكر الله رجلا رأى حق الله الا نفر فمن وجدني مظلوما أعانني ومن وجدني ظالما اخذ منى فانفروا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر. فاثر فيهم هذا القول ونفر معه قريب من تسعة الاف ثم نزل القعقاع بن عمرو ليكون بينهم وبين طلحة والزبير فقدم القعقاع البصرة وبدا بام المؤمنين فقال لها: أي أمة ما أقدمك هذه البلدة؟ قالت الإصلاح بين الناس. قال فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما فبعثت إليهما فحضروا فقال القعقاع: إنى سالت أم المؤمنين ما اقدمها؟ فقالت الإصلاح فهل أنتما متابعان؟ قالا نعم قال فأخبرني ماوجه هذا الإصلاح؟ قالا قتله عثمان فان هذا الأمر إن ترك تركا للقران. قال قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة وأنتما قبل قتلهم اقرب إلى الاستقامة منكم اليوم قتلتم سمائة رجل فغضب لهم سته آلاف فاعتزلوكم فقالت له عائشة: فماذا تقول أنت؟ قال إن هذا الأمر دواؤه التسكين فإذا سكن اختلجوا فان انتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشر رحمة وإدراك الثأر وإن انتم أبيتم فعلامة شرو ذهاب هذا الملك فاثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولا. قالوا أصبت واحسنت فإن رجع على وهو على مثل رأيك صلح الأمر فرجع إلى على واخبره الخبر فأعجبه ذلك واشرف القوم على الصلح والكل راغب فيه سمع بذلك السبيه (أصحاب عبد الله بن سبإ) وتحققوا أن الصلح إنما يعود عليهم بالوبال لانه إن تم كان على قتلهم لانهم هم الذين أثار واامر عثمان =

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فباتوا شر ليلة وتشاورا فلم يجدوا غير انتشار الحرب ثم اصبح الناس والتقى الجيشان خارج البصرة وخرج الزبير وطلحة بين الجيشين فخرج إليهما على وقال لهما لعمرى قد اعددتما سلاحا وزجالا عن كنتما أعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ألم اكن أخاكما في دينكما تحرمان دمى واحرم دمكما فهل من حدث احل ذلك؟ فقال طلحة البت على عثمان فامن على قتلة عثمان ثم ذكر الزبير بأشياء (منها) مارواه عبد الملك بن مسلم عن أبى حزم المازنى قال: شهدت عليا والزبير حين توافقا فقال له على يازبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى عليه يقول إنك تقاتلني وانت ظالم؟ قال نعم لم اذكره إلا في موقفى هذا ثم انصرف. اخرجة أبو يعلى والبيهقى (انظر ص 240 ج 7 - البداية لابن كثير)

(ولما) رجع الزبير رجع الناس وهم لا يشكون في الصلح وباتوا بأهنإ ليلة وبات الدخلاء باسوا حال فاما كان الغلس قاموا من غير أن يشعر بهم أحد واعملوا السلاح وثار كل قوم في وجوه أصحابهم فسال طلحة والزبير عن الخبر فقيل له ما شعرنا إلا وقوم منهم يعملون فينا السلاح. فقال: قد علمت أن طلحة والزبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء ونادى في الناس أن كفوا واخرجوا أم المؤمنين في هودجها لعل الله يصلح بها فجعلت تنادى البقية البقية يا بنى اذكروا الله والحساب. والغوغاء يرمون الهودج ولا يأبون إلا إقداما واشتدت حمية اهل البصرة لحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن محيص من القتال فاقتتلوا وترك الزبير القوم ورجع فتتبعه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلى بوادي السباع. وقد امسك بخطام الجمل كثير من أرباب الشجاعة والنجدة فقتل دونه السبعين من قريش وغيرهم واشتد أهل الكوفة على الجمل لانهم رأوا ان البصريين لا ينهزمون ما دام واقفا فرماه كثير منهم وكل من رماه قتل ثم عقروا الجمل وتفرقواعنه وحمل الهودج وهو مثل القنفذ من كثرة السهام وظهرت أثار الكدر على أمير المؤمنين من هذا الحادث الذى لم يكن فيه لاحد مأرب وأمر بحمل الهودج من بين القتلى وقال لمحمد بن أبى بكر انظر هل وصل على أم المؤمنين شئ من الجراحة؟ فوجدها بحمد الله سليمة لم تصب بشيء ثم جاءها على فقال: كيف أنت يا أمة؟ قالت بخير يغفر الله لك قالولك. وامر رضى الله عنه بدفن القتلى بعد ان صلى على الفريقين ثم طاف عليهم فاما =

ص: 298

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= اتى على طلحة قال: لهفى عليك ابا محمد إنا لله وإنا إليه راجعون والله لقد كنت اكره أن أرى قريشا صرعى وأنت كما قال الشاعر.

فتى كان يدنيه الغنى من صديقه إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر

ثم جهز على أم المؤمنين وسيرها إلى مكة فبقيت بها حتى حجت ثم رجعت الى المدينة ورجع على إلى الكوفة التي جعلها مقر خلافته وقانا الله شر القيا والقال ولا سيما في شان الصحابة هداة الامة رضى الله عنهم (هذا) وقد ورد في هذه الوقعة أحاديث وأثار غير ما تقدم منها. (حديث) أبى رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلى بن أبى طالب: إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله؟ قال لا ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مامنها. أخرجه احمد والبراز بسند حسن (انظر ص 42 ج 13 فتح الباري).

(وقول) أبى مريم عبد الله بن زياد الاسدى: لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث على عمار اسفل من الحسن فاجتمعنا اليه (اى الى عمار)(قال ابو مريم) فسمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والاخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم اياه تطيعون أم هي؟ وفي رواية ام إياها. أخرجه البخاري (انظر ص 44 ج 13 فتح البارى) أراد عمار بذلك ان الصواب في تلك القصة مع على وان عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام ولا عن أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسل. وهذا يعدمن أنصاف عمار وشدة ورعه وتحريه قول الحق.

(وقول) ابى زيد قال عمار بن ياسر لعائشة لما فرغوا من الجمل: ما ابعد هذا المسير من العهد الذى عهد اليكم يشير الى قوله تعالى (وقرن في بيوتكن) فقالت ابو اليقظان؟

قال نعم قالت والله إنك - ما علمت - لقوال بالحق. قال: الحمد لله الذى قضى لى على لسانك. أخرجه الطبرانى بسند صحيح (انظر ص 45 ج 13 فتح الباري).

ص: 299

لكن في سند اثر أبى عبيدة مجهول. وقال ابن المنذر في الأشراف: لا يصح ذلك عن أبى عبيدة:

وذكر الحاكم في المستدرك بسنده عن الشعبي قال: بعث عبد الملك بن مروان براس عبد الله بن الزبير إلى خازم بخراسان، فكفنه وصلى عليه.

قال الشعبي: اخطأ لا يصلى على الرأس. وفي سند الثاني بلاغ (1).

ولان الغسل وصلاة الجنازة شرعا لحرمه الآدمي، وكل جزء منه محترم (وقال) احمد: صلى أبو أيوب على رجل، وصلى عمر على عظام بالشام. أخرجه عبدا لله بن احمد.

وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم نعرف منهم مخالفا، وإن وجد الجزء بعد دفن الميت غسل وصلى عليه ودفن إلى جانب القبر، أو نبش بعض القبر ودفن فيه ولا حاجة إلى كشف الميت لان ضرر نبش الميت وكشفه اعظم من الضرر بتفرقة أجزائه (2).

(واستدل) الحنفيون ومالك بما روى عن ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما قالا: لا يصلى على عضو وهو يدل على انه لا يغسل، لان الغسل لاجل الصلاة، وأما صلاة أهل مكة على اليد التي ألقاها الطائر، فلا حجة فيها لأنه لم يعلم من المصلى عليها؟ أو تحمل الصلاة على الدعاء. (وكذا) صلاة أبى عبيدة على رءوس، وصلاة أبى أيوب على رجل، وصلاة عمر على العظام (تحمل) على الدعاء (3)، (وحاصل) المذاهب في المسألة انه إذا وجد بعض الميت بعض الميت غسل وصلى عليه عند الشافعي واحمد قل البعض أم كثر (وقال) دواد: لا يغسل ولا يصلى عليه مطلقا (وقال) الحنفيون ومالك: إن وجد اكثر من نصفه غسل وصلى عليه وإن وجد النصف فأقل فلا غسل ولا صلاة (4).

(1) انظر ص 18 ج 4 - الجوهر النقى

(2)

انظر ص 357 ج 2 شرح المقنع.

(3)

انظر ص 302 ج 1 بدائغ الصنائع.

(4)

انظر ص 255 ج 5 مجموع النووى.

ص: 300

(3)

ويشترط لوجوب غسل الميت ألا يكون ساعيا في الأرض بالفساد، فلا يغسل وقطاع الطريق إذا قتلوا لان الغسل الكرامة وهؤلاء لا يستحقونها بل يستحقون الاهانه، وهذا مذهب النعمانى وأبى يوسف (وعن) محمد بن الحسن امرأة من قتل مظلوما لا يغسل ويصلى عليه كالشهيد، ومن قتل ظالما يغسل ولا يصلى عليه كالباغي، وسيأتي بيان سائر المذاهب في بحث الصلاة على العصاة إن شاء الله تعالى.

(4)

ويشترط لوجوب الغسل وجود الماء، فان لم يوجد من غير الجنس فإن كانا من ذوى الرحم المحرم فكذلك وإن كانا من غير الجنس فإن كانا من ذوى الرحم المحرم المس كما في حالة الحياة إلا إذا كان أحدهما لا يشتهى كالصغير والصغيرة فييمه بلا خرقة، وإن كانا زوجين فالمرأة تيمم زوجها بلا خرقة كما تغسله بلا خرقة إذا لم تبن منه حال حياته اتفاقا وكذا إذا لم يحدث بعد وفاته ما يوجب البينونة عند النعمان وصاحبيه خلافا لزفر، وأما الزوج فلا ييمم زوجنه بلا خرقه عند الحنفيين خلافا للشافعي على ما يأتي بيانه في شرط الجواز (1).

(5)

ويشترط ألا يكون الميت شهيدا لا يغسل كما يأتي في بحث الشهيد إن شاء الله تعالى.

(ب) ويشترط لصحة غسل الميت شرطان: (1) النية من الغاسل لإسقاط الوجوب عن المكلف لا الطهارة فلا يصح تغسيل الكافر المسلم، لان الكافر ليس من أهل النية، وهذا مذهب الجمهور (والأصح) عند الشافعية انه لا يتشرط لصحة غسل الميت نية الغاسل لان القصد منه التنظيف فلا يجب فيه النية كإزالة النجاسة (وقيل) تجب لانه تطهير لا يتعلق بإزالة عين فوجب فيه النية كغسل الجنابة (وكيفية) النية أن ينوى الغسل الواجب أو الفرض أو غسل الميت.

(1) انظر ص 304 ج 1 بدائع الصنائع.

ص: 301

(2)

التييممة في إحدى الروايتين عن احمد، لانه غسل تعبدي من غير نجاسة - شرط لصحة الصلاة على الميت - فوجب فيه ذلك كغسيل الجنابة ولما تعذرت النية والتسمية من الميت طلبت من الغاسل، لانه المخاطب بالغسل (1)(ولا) تشترط التسمية عند الجمهور.

(جـ) ويشترط لجواز غسل الميت كون الغاسل ممن يحل نظرة المغسول فلا يغسل الرجل المرأة ولا العكس. وفيه أربع صور: (1) فإذا ماتت امرأة بين رجال يممها ذو رحم محرم منها، فان لم يوجد يممها أجنبي بخرقه يلفها على يده عند الحنفيين واحمد (لحديث) مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس معهم امرأة غيرها، والرجل مع النساء ليس معهمن رجل غيره فانهما ييممان ويدفنان وهما بمنزلة من لا يجد الماء. أخرجه أبو داود في سبيل المراسيل والبيهقى وقال: هذا مرسل (2){410}

(وقال) مالك والشافعي: إذا ماتت امرأة ليس لها زوج بين رجال غسلها ذو رحم محرم منها، لأنها كالرجل بالنسبة إليه في العورة والخلوة، ولمفهوم حديث سنان بن غرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الرجل يموت مع أخرجه البيهقى والطبرانى في الكبير، وفيه عبد الخالق بن يزيد بن واقد، وهو ضعيف (3). [311]

فقوله: ليس معهما محرم يفيد أنهما لا ييممان مع وجود المحرم بل يغسلهما

(1) انظر ص 328 ج 2 مغنى ابن اقدامة.

(2)

انظر ص 398 دج 3 بيهقى (المرأة تموت مع الرجال ليس معهم امراة)

(3)

انظر ص 398 منه. وص 23 ج 3 مجمع الزوائد (المرأة تموت مع الرجال ولا محرم لها منهم). و (غرفة) بالغين المعجمة وفتحات.

ص: 302

فإذا ماتت امرأة ليس لها زوج غسلها النساء المحارم كالأم والبنت ثم ذوات الأرحام غير المحارم - كبنت العم وبنت العمة - أقربهن فاقربهن، فان لم يكن فالأجنبيات، فان لم يكن نساء أصلا غسلها الأقرب فالأقرب من رجال المحارم، فيقدم الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم عم الأب ثم عم الجد (1)(وأجاب) الأولون عن الحديث بأنه ضعيف لا يحتج به، وبان المفهوم ليس بحجة عند الحنفيين.

(2)

وإذا مات رجل لا يحضره إلا اجنبيه بيمم عند الحنفيين ومالك وهو الصحيح عند احمد والشافعي (وعنهما) انه يغسل ويجعل الغاسل على يده خرقة (وقال) الحسن البصري وإسحاق: يغسل من فوق القميص يصب الماء عليه صبا ولا يمس وهو رواية عن احمد (ورد) بان الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت ولا يسلم من النظر، فكان العدول إلى التيمم أحق. (2)

3) وإذ مات صبى آمرها صبية لم يبلغا حد الشهوة جاز للرجال والنساء غسله فان بلغت الصبية حدا تشتهى لم يغسلها إلا النساء وكذا الغلام إذا بلغ حدا يجامع الحق بالرجال (3).

وهذا مذهب الجمهور (والصحيح) عند احمد أن من بلغ عشرا ليس للنساء غسله (لحديث) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مروا أو دلاكم بالصلاة وهم أبناء سبع وضربوهم عليها وهم ابنا عشر.

وفرقوا بينهم في المضاجع. أخرجه احمد وأبو داود والحاكم وصححه (4). 412}

(1) انظر ص 134 ج 5 مجموع النووى.

(2)

انظر ص 314 ج 2 شرح المقنع (الشرح الكبير).

(3)

انظر ص 149 ج 5 مجموع النووى.

(4)

انظر ص 237 ج 2 - الفتح الربانى (امر الصبيان بالصلاة) وص 121 ج 4

ص: 303

وأما الجارية إذا لم تبلغ سبعا، فقيل: يجوز للرجال غسلها، وقيل: حكمها حكم الغلام ولا يغسل الرجل من بلغت عشرا، لما ذكر في الحديث (ويحتمل) امرأة يحد ذلك بتسع في حق الجارية (لقول) عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة (وقال) سعيد والزهري: يكره للرجل غسل الصغيرة. واختاره بعضهم، لان عورة الجارية افحش من عورة الغلام. (1)

(4)

وإذ مات الخنثى المشكل، فان كانت هناك محرم له من لرجال أو النساء، غسله اتفاقا، وإن لم يكن له محرم منهما. فان كان الحنثى صغيرا جاز أن يغسله رجل أو امرأة فوق ثوب ويحتاط الغاسل في غض البصر والمس لانه موضع ضرورة. (2)

فائدتين: (الأولى) إذا مات الجنب أو الحائض يغسل غسلا واحدا عند كافة العلماء إلا الحسن البصري فقال: يغسل غسلين (3)(ولعله) يستدل بما روى إسحاق بن الحارث قال: رأيت خالد بن الحواري - رجلا من الحبشة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى أهله، فلما حضرته الوفاة قال: اغسلونى غسلتين غسلة للجناية وغسلة للموت. أخرجه الطبرانى في الكبير، وإسحاق لم يترجم وبقية رجاله ثقاب (4). {413}

(الثانية) لا يجوز للسيد غسل أمته وأم ولده عند الحنفيين، ويجوز عند الثلاثة لانه يجوز له غسلهما في حال الحياة فجاز له غسلهما بعد الموت كالزوجة،

(1) انظر ص 313 ج 2 شرح المقتع.

(2)

انظر ص 147 ج 5 مجموع النووى.

(3)

انظر ص 152 منه.

(4)

انظر ص 23 ج 3 مجمع الزوائد (فيمن يجنب ثم يموت قبل ان يغتسل)

ص: 304

ولا يجوز لام الولد والقنة والمدبرة غسل سيدها عند الحنفيين وهو الأصح عند الشافعي، وفرقوا بينها وبين الزوجة بان أم الولد والمدبرة بالموت صارت حرة، ولاقنة صارت للوارث (وقال) مالك واحمد: يجوز لام الولد غسل سيدها لأنها في معنى الزوجة في اللمس والنظر والاستمتاع فكذا في الغسل ولأنها إذا ماتت تلزمه مئونة تجهيزها. أما غيرها من الإماء فلا يجوز لها غسل سيدها لما تقدم (1)

(4)

من يتولى غسل الميت: يستجيب أن يتولاء اقرب الناس إليه امرأة كان عالما بأحكام الغسل وإلا اختير رجل أمين ذو ورع ودين ورفق بالميت. إن رأى خيرا فشاه، وإن رأى عيبا ستره (وقد ورد) في هذا أحاديث (منها) حديث عائشة امرأة النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غسل ميتا فادى فيه الأمانة ولم بفش عليه ما يكون منه عند ذلك، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وقال: ليله أقربكم منه إن كان يعلم، فان كان لا يعلم فمن ترون امرأة عنده حظا من ورع وأمانة. أخرجه احمد والطبرانى في الأوسط بسند فيه جابر الجعفى، وفيه كلام كثير (2){414}

والمراد بتأدية الأمانة امرأة يغسله كالوارد في الشريعة كما بابني بيانه، وان يعنى به ويكتم ما يرى من الميت مما يكرهه الناس (وبالحديث) استدلت الهادية على اشتراط العدالة في الغاسل. وخالفهم الجمهور. فان صح الحديث فذاك، وإلا فالظاهر عدم اختصاص هذه القربة بمن ليس فاسقا لانه مكلف بالتكاليف الشرعية ومنها غسل الميت. وإلا لزام عدم صحة كل تكليف من الفاسق، وهو خلاف

(1) انظر ص 153 وص 154 ج 5 مجموع النووى. وص 398 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(2)

انظر ص 153 ج 7 - الفتح الربائى (من يلى غسل الميت) وص 21 ج 3 مجمع الزوائد (تجهيز الميت وغسله)

ص: 305

الإجماع ودعوى صحة بعضها دون البعض الأخر تحكم بلا دليل وترجيح بلا مرجح (1).

(وحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة. أخرجه احمد ومسلم (2){415}

(وفي الحديث) الترغيب في ستر عيوب المسلم لا فرق بين الحي والميت. فيدخل فيه ستر ما يراه الغاسل وغيره من الميت وكراهية إنشائه والتحدث به فانه من الغيبة. فيستجيب للغاسل إذا رأى من الميت ما يعجبه أن يتحدث به

وإن رأي ما يكره لم يجز امرأة يتحدث به (لحديث) أبى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غسل ميتا فكتم عليه غفر الله له أربعين كبيرة، ومن حفر لأخيه قبرا حتى يجنه فكأنما اسكنه مسكنا حتى يبعث. أخرجه الطبرانى في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح. (3){416} ويستثنى من هذا ما لو كان الميت مبتدعا مظهرا بدعته ورأى الغسل ما يكره فان له أن يحدث به الناس زجرا عن بدعته. والحديث محمول على الغالب (4)

(وحديث) عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كسر عظم الميت ككسره حيا. أخرجه احمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقى. (5)

في الحديث دلالة على وجوب الرفق بالميت في غسله وتكفينه وحمله وغير

(1) انظر ص 57 ج 4 نيل الاوطار (من يلى الميت والرفق به)

(2)

انظر ص 154 ج 7 - الفتح الربائى (من يليه ورفقه به وستره عليه) وص 143 ج 16 نووى (تحريم الغيبة)

(3)

انظر ص 21 ج 3 مجمع الزوائد (تجهيز الميت وغسله)

(4)

انظر ص 186 ج 5 مجموع النووى.

(5)

انظر ص 55 ج 9 - المنهل العذب (الحفار يجد العظم هل يتنكب المكان؟ )

ص: 306

ذلك لان تشبيه كسر عظم الحي إن كان في التألم فهو حرام، لانه كما يحرم تاليم الحي يحرم تاليم الميت. وإن كان في الإثم فلا شك في التحريم. (ويؤيده) حديث أم سامة امرأة النبي صلى الله عليه وسلم قال: كسر عظم الميت مثل كسر عظمة حيا في الإثم. أخرجه ابن ماجه. وفي سنده عبد الله بن زياد مجهول. (1){418}

والغرض بيان امرأة الميت يتأذى مما يتأذى منه حال حياته فلا يهان ميتا. كما لا يهان حيا (قال) ابن مسعود: أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته. أخرجه ابن أبى شبيه. (2){419}

(5)

غسل أحد الزوجين الأخر: يجوز لكل من الزوجين امرأة يغسل الأخر (لقول) عائشة رضى الله عنها: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم البخاري بدئ فيه فقلت: وارأساه، فقال: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنتك. أخرجه احمد والنسائي بسند جيد (3){420}

(وعن) أسماء بنت عميس امرأة فاطمة رضى الله عنها أوصت أن يغسلها على رضى الله عنه فغسلها هو وأسماء بنت عميس. أخرجه الدارقطني والبيهقى (4){421}

ولم ينكره أحد (وقالت) عائشة رضى الله عنها من حديث طويل: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه. أخرجه احمد وأبو داود وابن ماجة بسند جيد ولاحاكم وصححه (5){422}

(1) انظر ص 253 ج 1 - ابن ماجه. ولعل ابن زياد هو عبد الله بن زياد بن سليمان المدنى احد المتروكين.

(2)

تنظر ص 55 ج 9 - المنهل العذب (الشرح)

(3)

انظر ص 156 ج 7 - الفتح الربائى (غسل احد الزوجين للاخر)(وبدئ فيه) اى ظهر فيه مرض موته. (وددت الخ) يريد انها لو ماتت وهو حى لتولى ما يلزم لها بنفيه من تجهيز.

(4)

انظر ص 396 ج 3 بيهقى

(5)

انظر ص 156 ج 7 - الفتح الربائى (غسل أحد الزوجين للاخر) وص 299 = ج 8 - المهل العذب (ستر الميت عند غسله) وص 230 ج 1 - ابن ماجه (غسل الرجل امراته وعكسه) وص 398 ج 3 بيهقى (غسل المراة زوجها) والمعنى لو ظهر لى حين غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه.

ص: 307

(وقالت) عائشة: توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الأخر سنة ثلاث عشرة، وأوصى امرأة تغسله أسماء بنت عميس آمراته، وأنها ضعفت فاستعانت بعبد الرحمن. أخرجه البيهقى وقال: وهذا الحديث وإن كان من رواية محمد بن عمر الواقدى فليس بالقوى وله شواهد مراسيل عن ابن أبى مليكة وعن عطاء بن أبى رباح عن سعد بن إبراهيم أن أسماء بنت عميس غسلت زوجها أبا بكر. (1){423}

ولم ينكر عليها أحد (وبهذا) قال مالك والشافعي والجمهور، وهو المشهور عن احمد.

(وقال) الحنفيون والثوري: للمرأة أن تغسل زوجها لما تقدم، وليس للزوج امرأة يغسل امرأته، لان الموت فرقة تبيح زواج أختها وأربع سوى المتوفاة، فحرم عليه لمسها والنظر إليها كالطلاق بخلاف تغسيلها إياه فانه يجوز لبقائها في المدة.

(وأجابوا)(أولا) عن حديث عائشة وفيه: فهيأتك ودفنتك. بان معناه قمت بما يلزم لتجهيزك، آمرها انه كان مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، لان نكاحه لا ينقطع بالموت (لحديث) عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل سبب ونسب منقطع بالموت إلا سبى ونسبى. أخرجه الطبانى في الكبير والحاكم والبيهقى (2){424}

(1) حين غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه.

(2)

انظر ص 302 ج 8 - المهل العذب (ستر الميت عند غسله).

ص: 308

(وثانيا) عن تغسيل على فاطمة: بان ابن مسعود أنكر عليه فقال على: أما علمت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة (فدعواه) الخصوصية دليل على انه كان معروفا بينهم أن الرجل لا يغسل زوجته. كذا قالوا (والمعول) عليه عدم الخصوصية، فقد ثبت أن المرأة تكون زوجة في الجنة لمن ماتت على ذمته. وقد نقل ابن المنذر وغيره إجماع المسلمين أن المرأة غسل زوجها، ولكن تقدم ما يفيد منعه عند احمد في رواية.

(هذا) والدليل ظاهر في جواز غسل الرجل امرأته. والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه اطلاع الأخر على عورته دون غيره لما كان بينهما في الحياة ويأتي بالغسل على اكمل ما يمكنه لما بينهما من المودة والرحمة. وقياس المانعين الموت على الطلاق لا يصح لان الطلاق يمنع الزوجة من التظر بخلاف الموت ولانه لا فرق بين الزوجين إلا بقاء العدة بالنسبة للمرأة ولا اثر لها بدليل ما لو مات المطلق ثلاثا فانه لا يجوز لها غسله مع المدة ولان المرأة لو وضعت حملها عقب موته كان لها غسله ولا عدة عليها. وللخلاف والشبهة في غسل الرجل زوجته قال الحنبليون: يكره له غسلها مع وجود من يغسلها سواه (1).

فوائد: (الالوى) إذا كانت الزوجة ذمية فليس لها غسل زوجها عند الحنفيين واحمد والجمهور، لان الكافر لا يغسل المسلم لان النية لازمة في الغسل والكافر ليس من أهلها وليس لزوجها غسلها، لان المسلم لا يغسل الكافر ولا يتولى دفنه ولانه لاميراث بينهما ولا موالاة وقد انقطعت الزوجية بالموت (2)

(وقالت) المالكية: يجوز تغسيل الكتابية زوجها المسلم ولو قلنا إن الغسل تعبدي وقولهم من الكافر ليس من أهل التعبد، مقيد بالتعبد الذي يتوقف

(1) انظر ص 398 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(2)

انظر ص 399 منه

ص: 309

على نية (1)(وقالت) الشافعية: إذا ماتت ذميه جاز لزوجها المسلم غسلها، وكذا لسيدها إن لم تكن مزوجه ولا معقده ولا مستبراة فان مات زوجها المسلم فهو مكروه. فقد نص الشافعي على أن غسل الكافر للمسلم صحيح ولا يجب على المسلمين إعادته. ولا يكفى انغسال الميت بالغرق، لانه لا بد في الغسل من فعل أدمى وقد وجد في الكافر دون الغريق. (2)

(الثانية) لو ماتت امرأة رجل فتزوج أختها أو أربعا سواها ليس له غسل المتوفاة عند الحنفيين

(وقال) مالك: يكره تغسيل الرجل امرأته إن تزوج أختها كما يكره لها تغسيله وإن تزوجت غيره (3)(ومشهور) مذهب الشافعي واحمد الجواز (وقيل) لا يجوز لان أختها والأربع لو متن في الحال لغسلهن. فلو جوزنا غسل هذه لزم منه جواز غسل امرأة وأختها في وقت واحد بالزوجية. (4)

(الثالثة) لو طلق الرجل امرأته ثم مات أحدهما في المدة، فان كان الطلاق رجعيا فحكمهما حكم الزوجين قبل الطلاق لأنها زوجة تعتد بالوفاة وترثه ويرثها ويباح له وطؤها. وغن كان الطلاق بائنا فليس لاحدهما أن يغسل الأخر، لان اللمس والنظر محرم حال الحياة فبعد الموت أولى (5)

(الرابعة) لو مات الزوج قبل الدخول بآمراته، يحتمل ألا يباح لها غسله، لانقطاع النكاح بالموت وعدم الاستمتاع بينهما حال الحياة (6)

(6)

تجهيز الكافر: لا يجب على المسلمين ولا غيرهم غسل الكافر اتفاقا سواء كان ذميا أم غيره، لانه ليس من أهل العبادة ولا من أهل التطهير.

(1) انظر ص 165 ج 1 - الصاوى على الشرح الصغير (أحكام غسل الميت)

(2)

انظر ص 144 ج 5 مجموع النووى.

(3)

انظر ص 165 ج 1 صاوى.

(4)

انظر ص 136 ج 5 مجموع النووى.

(5)

انظر ص 399 ج 2 مغنى ابن قدامه. وص 313 ج 2 شرح المقنع.

(6)

انظر ص 399 ج 2 مغنى ابن قدامه. وص 313 ج 2 شرح المقنع.

ص: 310

ويجوز للمسلمين وغيرهم غسله. وأقاربه الكفار أحق به من أقاربه المسلمين.

(وأما) تكفينه ودفنه فان كان ذميا ففي وجوهها على المسلمين إذا لم يكن له مال وجهان عند الشافعي (أصحهما) الوجوب وفاء بذمته كما يجب إطعامه وكسوته في حياته (وقيل) لا يجبان بل يبان وبه قال الحنفيون. وإن كان حربيا آمرها مرتدا لم يجب تكفينه اتفاقا ولا دفنه على الأصح بل يجوز إغراء الكلاب عليه. ويجوز للمسلم اتباع جنازة قريبة الكافر (1)(لحديث) ناجية بن كعب عن على رضى الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات. قال: اذهب فوار أباك ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني، فذهبت فواريته، وجئت فأمرني فاغتسلت ودعا لي بدءوات ما يسرني ما على الأرض بهن من شئ. أخرجه احمد وأبو داود والنسائي والبيهقى (2){425}

(1) انظر ص 142، 143 ج 5 مجموع النووى.

(2)

انظر ص 63 ج 9 - المنهل العذب (الرجل يموت له قرابة مشرك) وص 398 ج 3 بيهقى (المسلم ينسل ذا قرابته من المشركين ويتبع جنازته ويدفنه ولا يصلى عليه)(والشيخ الضال) هو أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب عم النبي وشقيق ابيه.

ولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وثلاثين سنة. ولما مات عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثامنة من عمره صلى الله عليه وسلم كفله ابو طالب واحست كفالته فكان فيها اليمن والبركة له ولولده ولاهل بيته. ولما رغبت خديجة في التزوج منه صلى الله عليه وسلموحضر رؤساء قريش خطب ابو طالب فقال " الحمد لله الذى جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما. امنا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن اخى هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به أحد إلا رجح، فان كان في المال قل فالمال ظل زائل وامر حائل. ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وقد بذل لها من الصداق ما عاجله من مالى كذا وكذا - روى انه =

ص: 311

(وقال) علي: لما أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بموت أبي طالب بكى ثم قال لي: اذهب فاغسله ثم كفنه ووراه، ففعلت ثم أتيته، فقال لي: اذهب فاغتسل، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته حتى

= جليل " والضئضئ والعنصر: الأصل ولما بعث صلى الله عليه وسلم قام بنصرته أبو طالب وذب عنه من عاداه وادفع عنه بنفسه ولسانه وأهل بيته ولما اجتمعت قريش في السنة السابعة من البعثة وتساهدوا على مقاطعة بنى هاشم وبنى المطلب في البيع والشراء والنكاح وغيرها لنصرتهم النبي صلى الله عليه وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة - انجاز بنو هاشم وبنو المطلب الى ابى طالب ودخلوا معه في شعبة ولما رأى أبو طالب ما اجمعوا عليه قال.

الا بلغا عنى على ذات بيننا

لؤيا وخصا من لؤى بنى كعب

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا

نبيا كموسى خطا في اللوح والكتب

وأن عليه في العباد محبة

ولا خير فيمن خصه الله بالحب (اى الخداع)

إلى أن قال: فلسنا ورب البيت نسلم احمدا

لعزاء من عض الزمان ولا كرب

" عزاء " بفتح العين وضمها وتشديد الزاى الممدودة " الداهية العظيمة " وما احسن قوله في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بامرك ما عليك غضاضة

وابشر وقر بذاك منك عيوبا

ودعوتني وعرفت انك ناصحي

ولقد صدقت وكنت ثم أمينا

وعرضت دينا قد عرفت بأنه

من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة

لو جدتنى سمحا بذاك مبينا

وفي السنة العاشرة من البعثة مات أبو طالب. فاشتد حزن النبي صلى الله عليه وسلم عليه ونالت قريش منه صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبى طالب (هذا) وقد دل الحديث على انهمات كافرا ولذا لم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر عليا بالصلاة عليه (ويدل) لهذا أيضا حديث سعيد بن المسيب عن أبيه ان أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد اله بن أبى أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا اله ألا الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لاستغفرن لك ما لم انه عنك. فنزلت {ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم انهم أصحاب الجحيم} ونزلت {إنك لا تهدى من أحببت} اخرجه الشيخان (انظر ص 358 ج 8 - فتح البارى وص 214 ج 1 نووي)(الدليل على صحة إسلام من حضره الموت)(ويؤيده) أيضا ما ورى عبد الله بن الحارث قال: حدثنا العباس بن عبد المطلب قال للنبى صلى الله عليه وسلم ما اغنيت عن عمك؟ فوالله كان يحوطك ويغضب لك. قال: هو في ضحضاح من نار. ولولا اما لكان في الدرك الأسفل من النار. اخرجه الشيخان. انظر ص 134 ج 7 فتح الباري (قصة أبى طالب) وص 84 ج 3 نووي (شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبى طالب)(والضحضاع) بفتح المعجمتين بينهما

ص: 313

نزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الايه: {ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين} الايه. أخرجه ابن سعد في الطبقات (1){426}

(وبهذا) قال الحنفيون والشافعي (وقالت) المالكية والحنبلية: ليس للمسلم أن يغسل قريبه الكافر ولا يكفنه ولا يدفنه إلا أن يخاف عليه الضياع فيواربه وجوبا مكفنا في شئ (2)، لقوله تعالى:{أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} (3).

وغسلهم وتكفينهم ودفنهم تول لهم وهو تعظيم لهم وتطهير فاشبه الصلاة عليهم وهى ممنوعة. (والظاهر) المذهب الأول. وروى عن احمد في يهودي أو نصراني مات وله ولد مسلم قال: فليركب دابته ويسير أمام الجنازة، وإذا أريد دفنه رجع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبى طالب (4).

(7)

كيفية غسل الميت: يطلب له أمور عشرة (1) أن يوضع الميت على مرتفع من خشب مبخر وترا بان تدار المبخرة حوله مرة أو ثلاثا أو خمسا فقط عند الحنفيين. (وقالت) الشافعية: يستجب أن يكون عند الميت مجمرة فيها بخور توقد من حين يشرع في الغسل إلى أخره.

(وقيل) يستجب البخور عند الميت منحين يموت لانه ربما ظهر منه شئ تمنعه رائحة البخور (5)

(2)

وتستر عورته لزوما في غير الصغير بشد الإزار على العورة لحرمة النظر إليها كعورة الحي. (روى) حبيب بن ثابت عن عاصم بن ضمرة عن

(1) انظر ص 65 ج 9 - المنهل العذب المورود (الشرح)

(2)

انظر ص 153 ج 5 - مجموع النووي.

(3)

الممتحنة: 13.

(4)

انظر ص 315 ج 2 شرح المقنع.

(5)

انظر ص 160 ج 5 مجموع النووي.

ص: 314

على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت. أخرجه احمد وابن ماجة والبيهقى وأبو داود. وحبيب لم يسمع من عاصم (1){427}

(دل) الحديث على أن الفخذ من العورة التي لا يجوز كشفها ولا النظر إليها من الحي والميت وهو مذهب الأئمة الأربعة والجمهور.

(3)

وتنزع ثيابه للتمكن من التنظيف عند الحنفيين ومالك. وهو المشهور عند احمد. (وقالت) الشافعية: يسن أن يغسل في قميص رقيق يسيل منه الماء إلى بدن الميت ويدخل الغاسل يده في كم القميص فيزها على بدنه والماء يصب (لقول) احمد: غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه وقد أرادوا خلعه فنودوا: إلا تخلعوه واستروا نبيكم. وإن لم يكن قميص طرح عليه ثوب يستر جميع البدن. فان لم يكن طرح عليه ما يستر ما بين سرته وركبته. واتفقوا على وجوب تغطية ما بين السرة والركبة (وأجاب) الأولون (1) بان غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه كان خصوصية. وتجريد الميت من قميصه أمكن لتغسيله وابلغ في تطهيره. والحي يتجرد إذا اغتسل فكذا الميت (ب) وبأنه إذا غسل في ثوبه تنجس الثوب بما يخرج منه وقد لا يطهر بصب الماء عليه فيتنجس الميت به، فآما النبي صلى الله عليه وسلم ففضلاته طاهرة (2)، وألا ترى انهم قالوا: امجرده كما تجرد موتانا؟ كما يأتي في حديث عائشة (3) فالظاهر امرأة تجريد الميت فيما عدا

(1) انظر ص 82 ج 3 - الفتح الرباانى (حد العورة) وص 230 ج 1 - ابن ماجه (غسل الميت) وص 388 ج 3 بيهقى (ما ينهى عنه من النظر الى عورة الميت) وص 299 ج 8 - المنهل العذب (ستر الميت عند غسله).

(2)

انظر ص 348 ج 1 - الدين الخالص طبعه ثانيه رقم 501.

(3)

يأتي الحديث تاما في بحث غسل الميت صلى الله عليه وسلم وفي 443 ص 328.

ص: 315

العورة كان مشهورا عندهم، ولم يكن يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم، بل الظاهر انه كان بأمره لانهم كانوا ينتهون إلي رأيه ويتبعون أمره ولان ما يخثى من تنجيس قميصه بما يخرج منه كان مأمونا في حقه صلى الله عليه وسلم لانه طيب حيا وميتا بخلاف غيره (1)

هذا، ولا يلزم ستر الصبي حال الغسل فقد قال احمد: أي شئ يستر منه وليست عورته بعورة؟ ويغسله النساء (2)

(4)

ويستحب أن يغسل الميت في مكان مستور (ويكره) أن يحضره إلا من يعين في غسله لانه يكره النظر إلى الميت إلا الحاجة (قال) ابن المنذر: كان النخعى يحب أن يغسل وبينه وبين السماء سترة. وأوصى الضحاك إخاء سالما قال: إذا غسلتني فاجعل حولي سترا واجعل بيني وبين السماء سترا. وإنما استحب ذلك خشية أن تستقبل السماء بمورته (3)

(5)

ويستحب أن يغسل الميت على سرير متوجها إلى القبلة منحدرا نحو رجلية لينحدر الماء بما يخرج منه. ويبدا الغاسل فيحنى الميت حنيا رفيقا لا يبلغ به قريبا من الجلوس لان في إجلاسه تأذيا له. ثم يمر يده على بطنه يعصره عصرا رفيقا ليخرج ما معه من تجاسة ويصب عليه الماء حين يمر يده صبا كثيرا ليخفى ما يخرج منه ويذهب به الماء ز ويستحب أن يكون بقرب الميت مجمر فيه بخور حتى لا يظهر منه ريح ويلف الغاسل على يده خرقة خشنة يمسحه بها لئلا يمس عورته ويزيل ما على بدنه من نجاسة لان الحي يبدا بذلك في اغتساله من الجنابة،

(1) انظر ص 315 ج 2 مغنى ابن قدامه.

(2)

انظر ص 316 منه.

(3)

1 نظر ص 317 ج 2 مغنى ابن قدامه.

ص: 316

وإن كان الميت امرأة حاملا لم يعصر بطها لئلا يؤذى الولد (روت) أم سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا توفيت المرأة فأرادوا غسلها فليبدءوا ببطنها فليسمح بطنها مسحا رفيقا إن لم تكن جبلي. فان كانت جبلي فلا يحركها "(الحديث) أخرجه الطبرانى في الكبير (1){429}

(6)

ثم توضا الميت ندبا كوضوء الصلاة بلا مضمضة ولا استنشاق عند الحنفيين واحمد والثوري لتعذر إخراج الماء من فمه وانفه بل يغسل كفيه. ثم يأخذ خرقة خشنة مبلولة فيسمح بها أسنانه وانفه حتى ينظفهما برفق. ثم يغسل وجهه ويتمم وضوء بادئا بالميامن (لحديث) أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهن في غسل ابنته. أبدان بميامها ومواضع الوضوء منها. أخرجه السبعة والبيهقى (2)

(وقالت) المالكية والشافعية: يستحب في وضوء الميت المضمضة والاستئناف كالحي (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سليم:

فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلا بقاء بسدر وماء فوضئيها وضوء الصلاة ثم اغسليها بعد ذلك ثلاث مرات بماء وسدر (الحديث) أخرجه الطبرانى في الكبير (3)

(1) انظر ص 21 ج 3 مجمع الزوائد (تجهيز الميت).

(2)

انظر ص 166 ج 7 - الفتح الرباني (صفة غسل الميت) وص 85 ج 3 فتح الباري (يبدا بميامن الميت) وص 5 ج 7 نووي مسلم (غسل الميت) وص 306 ج 8 المنهل العذب (كيف غسل الميت) وص 266 ج 1 مجتبى (ميامن الميت ............... ) وص 131 ج 2 تحفة الاحوذى. وص 230 ج 1 - ابن ماجه (غسل الميت) وص 388 ج 3 ببيهقى (توضة الميت) (وابنه النبي صلى الله عليه وسلم هي زينب زوج أبى العاص بن الربيع كما في مسلم توفيت سنة ثمان من الهجرة وقيل أنها أم كلثوم.

ويجمع بين الروايتين بان أم عطية غسلتهما.

(3)

سآتي الحديث تاما رقم 439 ص 325. و (سفلتها) بكسر فكون أي أسفلها.

ص: 317

(وأجاب) الأولون عن الحديث بان المراد فيه غسل أعضاء الوضوء التي في تاب الله فلم تدخل المضمضة والاستنشاق، لان إدخال الماء الفم والأنف يتعذر إخراجه منهما ولا يؤمن منه وصوله إلى جوفه ولا يؤمن خروجه في أكفانه. هذا. وحكمة مشروعية توضئه الميت تجديد اثر سمة المؤمنين في ظهور اثر الغرة والتحجيل يوم القيامة.

على يساره ليبدا باليمين فيغسل حتى ينقى ويصل الماء إلى يساره وهذه غسلة. ثم يضجع على يمينه ويغسل حتى ينقى ويصل الماء إلى اليمين وهذه غسله ثانيه. ثم يجلس الميت مسندا فيمسح بطنه برفق ليسيل ما بقى في المخرج فلا يتلوث الكفن. فان خرج منه شئ أزيل تنظيفا لمحله ولا يعاد الوضوء. ثم يضجع على الجانب الأيسر ويغسل بماء فيه كافور إن تيسر وهذه غسلة ثالثة (وهذا) مذهب الحنفيين واحمد (وحاصلة) انه يسن ضرب الدر ونحوه بالماء ثم يغسل برغوته راس الميت ولحيته ويغسل بدنه بالتفل ثم يصب على جميع بدنه الماء القراح وهكذا يفعل في كل مرة ثلاثا أو خمسا أو سيما إلا انه يجعل مع السدر في الغسلة الأخيرة كافور (وقالت) المالكية: الغسلة الأولى تكون بالماء القراح للتطهير والثانية يضاف عليها السدر أو الصابون للتنظيف وقيل العكس. والثالثة يضاف عليها الكافور للتطييب.

(وقالت) الشافعية: يستحب أن تكون الغسله الأولى بالماء والسدر أو الصابون ثم يغسل بالماء القراح البارد وهو افضل من المسخن عند الشافعي واحمد لان البارد يقويه والمسخن يرخيه إلا أن يحتاج إلى المسخن لخوف الغاسل من البرد

ص: 318

أو الوسخ على الميت فيغسل بالمسخن ولا يبالغ فيه لئلا يسرع إليه الفساد (وقال) الحنفيون: المسخن افضل وليس عن مالك تفضيل (1) هذا ويسقط الفرض بالغسلة المتغيرة بالسدر ونحوه عند الحنفيين ولا يسقط في الأصح عند الشافعية (والمشهور) أن غسل الميت تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الاغسال الواجبة والمندوبة وان الواجب مرة واحدة نعم جميع البدن عند الأئمة الأربعة والجمهور (وقال) أهل الظاهر والمزني: يجب ثلاث غسلات

(8)

ويستحب تسريح شعر المرأة لاميته وتضفيره ثلاثة قرون وطرحه خلفها (لما روى) محمد بن سيرين عن حفصة أخته عن أم عطية قالت: مشطناها ثلاثة قرون أخرجه السبعة والبيهقى ، وفى رواية لأبى داود والبيهقى وضفرنا رأسها ثلاثة قرون ثم ألقيناها خلفها مقدم رأسها وقرنيها (2){430}

وفائدة المشط تبليغ الماء إلي البشرة وتنظيف الشعر (وبهذا) قالت الشافعية والحنبلية وهو المعتمد عند الملكية (وقال) الحنفيون والاوزاعى: يكره تسريح الشعر وقص الظفر والشعر وعقصه (3) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سليم: ولا تسرحي رأسها بمشط أخرجه الطبرانى في الكبير (4)(وعن)

(1) انظر ص 163 و 168 ج 5 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 165 ج 7 - الفتح الرباني (صفة غسل الميت)، وص 86 ج 3 فتح الباري (يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون)، وص 3 ج 7 نووي مسلم (غسل الميت) وص 305 ج 8 - المنهل العذب (كيف غسل الميت) وص 267 ج 1 مجتبى (الكافور في غسل الميت)، وص 131 ج 2 تحفة الاحوذى، وص 230 ج 1 - ابن ماجه، وص 389 ج 3 بيهقى، و (مشطناها

الخ) اى سرحنا شعرها وضفرناه ثلاث ضفائر، و (ثلاثة قرون) أي جعلنا قرنها ضفيرتين وناصيتها ضفيرة وطرحنا الثلاثة خلفها.

(3)

المقص: جمع الشعر فوق الرأس

(4)

انظر ص 21 ج 3 مجمع الزوائد.

ص: 319

عائشة أنها رأت امرأة يكدون رأسها بمشط فقالت علام تنصون ميتكم؟ أخرجه محمد بن الحسن وعبد الرزاق (1){431}

(والمعنى) امرأة الميت لا يحتاج إلي تسريح لانه من باب الزينة وقد استغنى عنها (وائجابوا) عن اثر أم عطية بأنها لم تستند فيه إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون مرفوعا بل هو رأي رانه فاستحسنته. والأصل ألا يفعل بالميت شئ من القرب إلا بأذن من الشرع ولم يرد ذلك مرفوعا (والظاهر) اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك واستئذانه فيه ودعوى انه لم يرد ذلك مرفوعا مردود (فقد) روى هشام عن حفصة عن أم عطية أنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر. أخرجه سعيد بن منصور. وأخرجه ابن حيان في صحيحة عن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا واجعلن لها ثلاثة قرون (2){432}

(وهو) يؤيد ما قاله الأولون من أن تسريح الشعر وضفره مستحب. أما قلم ظفر الميت واخذ شعر شاربه وابطه وعانته، فهو مكروه عند الحنفيين ومالك والثوري والجمهور. وهو المختار عند الشافعي (وقيل) لا يكره ولا يستحب إزالتها قبل الغسل (وأما) شعر الرأس فقال الشافعي: لا يحلق إن كان لا يعتاد حلق رآسة وإن اعتاد حلقه فالذهب انه لا يحلق وقيل على الخلاف في الظفر والشارب والإبط والعانة (وأما) ختان من مات قبل أن يختن. فالصحيح انه لا يختن

(1) انظر ص 260 ج 2 نصب الراية (وتنصون) كتبكون من نصوت الرجل إذا مددت ناصيته تعنى أن الميت لا يحتاج إلى تسريح.

(2)

انظر ص 86، 88 ج 3 فتح الباري (يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون).

ص: 320

ولو بالغا لانه جزء فلا يقطع كاليد المستحقة في قطع سرقة أو قصاص فأنها لا نقطع إجماعا بعد الموت. ويخالف الختان الشعر والظفر فانهما يزالان في الحياة للزينة والميت يشارك الحي ذلك. والختان يفعل للتكليف به وقد زال بالموت (هذا) والشعور المأخوذة من الميت وأظفاره وما سقط من تسريح رآسة ولحيته يستحب أن تصر كلها معه في كفنه ويدفن. واختار البغوى ألا تدفن معه بل توارى في غير القبر لانه لم يرد فيه خير ولا اثر (1)

(9)

ثم ينشف الميت بثوب نظيف لئلا تبتل أكفانه ويجعل الطيب غير الزعفران والورس على رآسة ولحيته وأعضاء السجود لما في حديث أم سليم من قوله صلى الله عليه وسلم: فإذا فرغت منها فالقى عليها ثوبا نظيفا إلى أن قال: ثم طيبيها وكفنيها وأطوي شعرها ثلاثة اقرن. قصه وقرنين (2)

(والفرق) بينه غسل الجناية ولا وضوء حيث اختار الشافعي استحباب ترك التنشيف فيهما أن هنا ضرورة أو حاجة إلى التنشيف وهو إلا يفسد الكفن (هذا) وإذا خرج من الميت بعد غسله وقبل تكفينه نجاسة وجب غسلها اتفاقا. وفي إعادة طهارته ثلاثة اوجه عند الشافعية أصحها لا يجب شئ لانه خرج عن التكليف بنقص الطهارة وقياسا على ما لو أصابته نجاسة من غيره فاه يكفى غسلها اتفاقا (وبهذا) قال الحنفيون ومالك والثورة. (وقيل) يجب أن يوضا كما لو خرج من حي. وقيل يجب إعادة الغسل لان الخارج من أحد السبيلين بنقص الطهر وطهر الميت غسل جميعه وليكون خاتمه أمره طهارة كاملة (3)

ومذهب احمد في هذا انه إن خرجت نجاسة من قبله أو دبره وهو على مغتسلة

(1) انظر ص 180 إلى 183 ج 5 مجموع النووي.

(2)

سيأتي تاما رقم 439 ص 325.

(3)

انظر ص 176 ج 5 مجموع النووي.

ص: 321

بعد الثلاث غسله إلى خمس فان خرج بعد الخامسة غسله إلى سبع ويوضئه في الغسله التي تلي خروج النجاسة لان القصد من غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغسلها ثلاثا أو خمسا أو سبعا امرأة رأيتن ذلك بماء وسدر. وإن خرج من الميت نجاسة من غير السبيلين لا يعادلة الغسل لانه لا ينقص الطهارة عند الحنفيين. وإن خرج من الميت نجاسة بعد الغسل سبعا لم يعد إلى الغسل لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا ولان زيادة الغسل وتكريرة عند كل خارج يرخى الميت ويفضي إلى الحرج فيكتفي بغسل النجاسة وحشو مخرجها بالقطن ونحوه ولا يوضا ويحتمل أن يوضا كالجنب إذا احدث بعد غسله وهذا احسن (1) وإن خرج من الميت شئ يسير بعد وضعه في الكفن لا يعاد غسله اتفاقا لان إعادة الغسل فيها مشقه شديدة ولا يعاد وضوءه ولا غسل موضع النجاسة دفعا للمشقة ويحمل بحاله. وإن كان الخارج كثيرا فاحشا فالصحيح انه لا يعاد إلى الغسل بحال دفعا للمشقه (2)

(10)

ويستحب تطيب بدن الميت وترا (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطية: اغسلتها ثلاثا أو خمسا واجعلن في الآخرة كافورا. أخرجه السبعة والبيهقى (3)

(وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أجمرتم الميت فاوتروا أخرجه الحاكم وابن حيان وصححاه والبيهقى (4){423}

(1) انظر ص 326 إلى 328 ج 2 مغنى ابن قدامه

(2)

انظر ص 331 منه.

(3)

يأتي الحديث تاما إن شاء الله تعالى رقم 427 ص 324.

(4)

انظر ص 264 ج 2 نصب الرايه. وص 355 ج 1 مستدرك. وص 405 ج 3 بيهقى " الحنوط للميت ".

ص: 322

(وقال) أبو وائل: كان عند على رضى الله عنه مسك فاوصى أن يحنط به. وقال: هو فضل حنوط رسول صلى الله عليه وسلم. أخرجه الحاكم وابن أبى شبيه في مصنفه والبيهقى بسند حسن (1){434}

(وقال) ابن مسعود: يوضع الكافور على مواضع سجود الميت. أخرجه ابن أبى شبية والبيهقى (2){435}

(وعن) سلمان انه استودع آمراته مسكا فقال: إذا مت فطببوني به فانه يحضرني خلق من خلق الله لا ينالون من الطعام والشراب يجدون الريح أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (3){436}

(هذا) ويستحب أن يجعل الطيب في مفاصل الميت ومغابنه وهي المواضع التي تنثني من الإنسان كعلى الركبتين وتحت الإبطين وأصول الفخذين لأنها مواضع الوسخ وتطيب مواضع السجود لشرفها. وكان ابن عمر يتبع مغابن الميت ومرافقة بالمسك. ولا يجعل في عيني كافورا لانه يفسد العضو ويتلفه ولا يصنع مثله بالحي (4).

فائدة: إذا تعذر غسل الميت لفقد الماء أو احترافه بحيث لو غسل لتهرى أو خوف على الغاسل لم يغسل بل ييمم وجوبا عند الأربعة وأسحق لانه تطهير لا يتعلق بإزالة نجاسة فوجب الانتقال فيه عند العجز عن الماء إلى التيمم كغسل

(1) انظر ص 361 ج 1 مستدرك. وص 405 ج 3 بيهقى " الكافور والمسك للحنوط كرسول طيب يخلط للميت وكل ما يطلب به من مسك وصدك وعنبر وكافور وغيرها فهو حنوط.

(2)

انظر ص 260 ج 2 نصب الرايه. وص 405 ج 3 بيهقى." الكافور والمسك للحنوط "

(3)

انظر غص 26 ج 2 نصب الرايه. والمراد بخلق الله الملائكة.

(4)

انظر ص 331 ج 2 مغنى ابن قدامة.

ص: 323

الجناية ولو كان فروح وخيف من غسله إسراع اليلى إليه بعد الدفن وجب غسله لان الجميع صائر إلي اليلى (1)

(هذا) وقد ورد في كيفية غسل الميت أحاديث (اجمعها) حديث محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن تغسل ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا إن اكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الاخره كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فأما فرغنا أذناه فالقى إلينا حقوه وقال أشعرنها إياه. أخرجه السنهه والبيهقى (2){437}

(وحديث) قتادة قال: اخذ ابن سيرين غسله عن أم عطية قالت غسلنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فامرنا امرأة تغسلها بالسدر ثلاثا أن أنجت وإلا فخمنا فان أنجت وإلا فاكثر من ذلك. قالت قراينا أن اكبر من ذلك سبع. أخرجه احمد (3){438}

(والمراد) اغسلنها وليكن ثلاثا فان احتجن إلى زيادة عليها للاتقاء

(1) انظر ص 178 ج 5 مجموع النووى.

(2)

انظر ص 164 ج 7 - الفتح الربانى " صفة غسل الميت " وص 83 ج 3 فتح البارى " غسل الميت ووضوءه بالماء والسدر " وص 2 ج 7 نووي (غسل الميت) وص 266 ج 1 مجتبى " غسل الميت بالماء والسدر " وص 130 ج 2 تحفة الاحوذى وص 229 ج 1 - ابن ماجه. وص 389 ج 3 بيهقى " او اكثر من ذلك " بكسر الكاف خطاب للمؤنث وفي رواية أيوب عند البخاري وأبى داود والنسائي عن حفصة عن أم عطية اغسلنها ثلاثا او خمسا او سبعا او اكثر من ذلك وهى ترد على من زعم أن الزيادة على السبع مكروهة و " إن رايتن ذلك " اى الحاجة الى الزيادة لكن بشرط الإيثار " والحقو " بفتح الحاء وكسرها في الأصل محل عقد الإزار والمراد به هنا الإزار مجازا للمجاورة " واشعرنها " أي اجعلن الحقوا مباشرا جسدها تحت الأكفان.

(3)

انظر ص 165 ج 7 - الفتح الرباني " صفة غسل الميت "

ص: 324

فليكن خمسا. فان احتجن إلى زيادة الانقاء فليكن سبعا. وهكذا أبدا (وحاصلة) أن الإيثار مأمور به والثلاث مأمور بها ندبا فان حصل الانقاء بثلاث لم تشرع الرابعة وإلا زيد حتى يحصل الانقاء ويندب كونها وترا (1).

(وحديث) حفصة بنت سيرين عن أم سليم أم انس بن مالك قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فايبدءوا يبطها فليمسح بطنها مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى، فان كانت حبلى فلا تحركيها فان أردت غسلها فابدئي بسفلتها فالقى على عورتها ثوبا ستيرا ثم خذي كرسفة فلفسليها فأحسني غسلها، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث مرات فاحسني غسلها، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث فأحسني مسحها قبل أن توضئيها بماء فيه سدر وليفرغ الماء امرأة وهى قائمة لا تلي شيئا غيره حتى تنقى بالدر وأنت تغسلين وليل غسلها أولى الناس بها وإلا فامرأة ورعة مسلمة، فان كانت صغيرة أو ضعيفة فلتغسلها امرأة أخرى ورعة مسلمة، فان كانت صغيرة أو ضعيفة فلتغسلها امرأة أخرى ورعة مسلمة، فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلا نقاء بسدر وماء فلتوضئيها وضوء الصلاة، فهذا بيان وضوئها ثم اغسليها ثلاث مرات بماء وسدر فابدئي برأسها قبل كل شئ فأنقى كل غسلة من السدر بالماء ولا تسرحي رأسها بمشط فان حدث في الخامسة اجعليها سبعا وكل ذلك فليكن وترا بماء وسدر حتى لا يريبك رأسك فان كان في آخر غسلة في الثالثة أو غيرها فاجعلي فيه شيئا من كافور وشيئا من صدر ثم اجعلي ذلك في جرة جديدة ثم اقعليها فأفرغي عليها وابدئي برأسها حتى تبلغي رجليها، فإذا فرغت منها فالقى عليها ثوبا نظيفا، ثم أدخلي يدك من وراء الثوب فانزعيه عنها، هذا بيان الغسل، ثم أحشى سفلتها كرسفا ما استطعت، ثم امسحي كرسفها من طيبها، ثم خذي سبنية طويلة مغسولة فاربطيها على عجزها

(1) انظر ص 2 ج 7 نووي مسلم (غسل الميت).

ص: 325

كما يربط النطاق ثم اعقديها بين فخذيها وضمي فخذيها، ثم ألقي طرف السبنية من عند عجزها القضاء كفر قريب من ركبتها، فهذا شان سفلتها، ثم طيبيها وكفنيها واضفرى شعرها ثلاثة قرون قصة وقرنين ولا تشبهيها بالرجال، وليكن كفنها واضفرى شعرها ثلاثة قرون قصة وقرنين ولا تشبهيها

بالرجال، وليكن كفنها خمسة أثواب أحدها الإزار تلفى به فخذيها، ولا تنقصي من شعرها شيئا بنورة ولا غيرها وما يسقط من شعرها شيئا بنورة ولا غيرها وما يسقط من شعرها فاغسليه ثم اغرزيه في شعر رأسها وطيبي شعر رأسها فأحسني تطيبه ولا تغسليها بماء مسخن وأجمريها وما تكفنيها به بسبع نبذات إن شئت واجعلي كل شئ منها وترا وإن كانت مجدورة أو مخضوبة أو أشياء ذلك فخذى خرقة واسعة فاغسليها بالماء، وتنبعي كل شئ منها ولا تحركيها، فأنى أخشى أمه ينفجر منها شئ لا يستطاع ورده. أخرجه البيهقى وقال: رواه أبو عيسى الترمذى، وأخرجه الطبرانى في الكبير بسندين في أحدهما ليث بن أبى سليم وهو مداس لكنه ثقة، وفى الأخر جنيد وقد وثق وفيه بعض كلام وليس في أحد سندى البيهقى (1){439}

(تنبيه) علم أحاديث الباب انه لا يجب الغسل على من غسل ميتا لأنها سبقت للتعليم ولو كان واجبا أمامه وتقدم انه مستحب عند الجمهور. (2)

(1) انظر ص 5 ج 4 بيهقى (غسل المرأة) ولم يعز الحديث الى الترمذى الا البيهقى ولم يوجد في كتاب الترمذى. وص 21 ج 3 مجمع الزوائد (تجهيز الميت وغسله)(والكرسفة) - بضم الكاف والسين - القطعة من القطن (وسبنية) بفتحتين فكسر نوع من الثياب يتخذ من مشاقة الكتان نسية الى سبن - موضع بالمغرب - والمراد بالقصة مقدم الراس وبالقرنين جانباها (ولا تغسلنها بماء مسخن) اى لا تغسل الرأس بماء شديد الحرارة خشية تساقط الشعر (ونبذات) جمع نبذة - بضم فسكون وهى الشيء اليسير. وفى الحديث نبذة قسط (بضم فسكون) اى قطعة منه.

(2)

انظر ص 309 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية.

ص: 326

(وحكمة) مشروعيته أن رشاش الماء يصل بدن الغسل فإذا علم أنه سيغسل لم يأل جهدا فأرسلت تغسيل الميت ولأن الغاسل يمسه الميت يحصل له ضعف يزول بالغسل. (فائدة) تقدم أن الآدمي لا ينجس بالموت وعليه فغسالته طاهرة.

(8)

غسل النبي صلى الله عليه وسلم:

تولى غسله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل بن عباس وأسامة بن زيد وقئم بن العباس وصالح مولى المنهي صلى الله عليه وسلم، وغسل صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات بماء وسدر (قال) عبد الملك ابن جريج: سمعت محمد بن على أبا جعفر قال: غسل المنهي صلى الله عليه وسلم ثلاثا بالمسدر، وغسل وعليه قميص، وغسل من بئر - يقال لها الغرس بقباء - كانت لسعد بن خيثمة، وكان المنهي صلى الله عليه وسلم يشرب منها، وولى سفلته على والفضل محتضنه والعباس يصب الماء، فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت ويتنى إني لاجد شيئا يترطل على. أخرجه البيهقى مرسلا بسند جيد (1). {440}

وفي رواية أحمد: وكان العباس وفضل وقئم يقلبونه مع على، وكان أسامة ابن زيد وصالح يصبان الماء (2). ولم ير على من المنهي صلى الله عليه وسلم شيئا مما يرى من الميت.

(1) انظر من 301 ج 8 - المنهل العذب (الشرح) و (الغرس) - يضم الغين المعجمة وقد تفتح فسكون - بئر بقباء. " والسلفة " بكسر فسكون أسفل البدن. " والوتين " عرق فى الظهر يتصل بالقلب. " ويترطل " أى يثقل على. وهو كتابة عما يجده من ثقل جسد النبى صلى الله عليه وسلم. وفى رواية فجعل الفضل يقول: أرحنى فإنى أجد شيئا يتنزل على ظهرى.

(2)

انظر ص 301 ج 8 - المنهل العذب " الشرح ".

ص: 327

(روى) سعيد بن المسيب أن على بن أبى طالب لما غسل المنهي صلى الله عليه وسلم ذهب يلتمس منه ما يلتمس

من الميت فلم يجده، فقال: بأبي الطيب طبت حيا وميتا. أخرجه ابن ماجة بسند صحيح رجاله ثقات (1). {441}

وكانت عين من يساعد عليا فأرسلت غسله صلى الله عليه وسلم معصوبة العين. (قال): أوصاني المنهي صلى الله عليه وسلم فقال لا يغسلني إلا أنت، فانه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه. أخرجه البزار والبيهقى (2). {442}

(وخص) على بذلك لعله لشدة تحرزه عن النظر القضاء كفر ما لا يحل فلا يخشى عليه من ذلك (هذا) وقد ورد فأرسلت غسل المنهي صلى الله عليه وسلم أحاديث (منها) حديث عباد بن عبد الله بن الزبير قال: سمعت عائشة تقول: لما أرادوا غسل المنهي صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما ندرى أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل أقوال وذقنه على صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو؟ أن غسلوا المنهي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا القضاء كفر المنهي صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويد لكونه

(1) انظر ص 231 ج 1 - ابن ماجة " غسل النبى صلى الله عليه وسلم " و " غسل وذهب " مبنى للفاعل والضمير يعود على على: يعنى أن عليا شرع يلتمس على السوأة ما يلتمس من الميت من الفضلات فلم يجد شيئا فقال " بأبي " أي أنت مفدى بأبي وأنت " الطيب "

(2)

انظر ص 301 ج 8 - المنهل العذب " الشرح "" وطمست " بفتحات أي ذهب ضوءها وهو تعليل لمحذوف تقديره فإني أحشى على غيرك أن تكون منه لفتة الى ما لا يحل نظره فتطمس عينه. وأما أنت فاعرف تحرزك عن ذلك فلا أخشى عليك.

ص: 328