المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(هـ) العلاج بالأدوية الروحية الإلهية - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٧

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌الجنائز

- ‌(أ) المرض:

- ‌(ب) التداوي

- ‌(ج) الطب النبوي:

- ‌العلاج بالأدوية الطبيعية

- ‌(د) بعض الأدوية والأغذية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(هـ) العلاج بالأدوية الروحية الإلهية

- ‌(و) الآثار الموضوعة في المرض والطب

- ‌(جـ) الطاعون

- ‌(د) ما يطلب للمريض والمحتضر

- ‌(هـ) الموت

- ‌(11) ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) عرض عمل الحي على الميت

- ‌(13) مكان الموت

- ‌(14) الآثار الموضوعة فكأني الموت

- ‌(و) الروح

- ‌(ز) ما يتعلق بالميت

- ‌(7) قضاء دين الميت

- ‌(8) المبادرة بتجهيز الميت

- ‌(9) البكاء على الميت

- ‌(10) ندب الميت

- ‌(11) النياحة والندب

- ‌(12) هل يعذب الميت بالنياحة عليه

- ‌(13) نعى الميت

- ‌(14) الإحداد على الميت

- ‌(15) تجهيز الميت

- ‌(أ) غسل الميت

- ‌(ب) تكفين الميت

- ‌الصلاة على الميت

- ‌(د) حمل الجنازة

- ‌(هـ) الدفن

- ‌(1) حكم الدفن:

- ‌(2) وقت الدفن:

- ‌(3) مكان الدفن:

- ‌(4) دفن النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌(5) ما يطلب في القبر:

- ‌(أ) يستحب توسيعه وتحسينه اتفاقا وكذا إعماقه عند غير المالكية

- ‌(ب) ويسن رفع القبر عن الأرض نحو شبر اتفاقا

- ‌(جـ) ويسن بناء القبر باللبن والقصب

- ‌(د) ويسن - عند الحنفيين ومالك وأحمد وبعض الشافعية -: تسنيم القبر

- ‌(هـ) ويسن -عبد النعمان ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد - رش الماء على القبر ليسكن ترابه

- ‌(6) من يتولى الدفن:

- ‌(7) كيفية الدفن:

- ‌(8) ما يطلب للدفن:

- ‌(أ) يستحب: عند الحنفيين ومالك وأحمد ستر فم القبر بثوب عند دفن المرأة دون الرجل

- ‌(ب) ويستحب لواضع الميت في القبر الدعاء له وإن كان مأثورا فما أحسنه

- ‌(جـ) ويلزم توجيه الميت إلى القبلة عند الجمهور

- ‌(د) ويستحب اتفاقا أن يوضع على شقه الأيمن وأن يوضع خده على لبنه أو حجر أو تراب أو نحوه

- ‌(هـ) ويستحب وضع شيء خلفه من لبن أو غيره يمنعه من الوقوع على قفاه

- ‌(و) ويستحب حل عقد الكفن بعد الدفن

- ‌(9) ما يطلب بعد الدفن:

- ‌(أ) يستحب سد القبر سدا محكما بطوب نيء ووضع البوص ونحوه فوق اللبن ليمنع نزول التراب على الميت

- ‌(ب) وبعد إهالة التراب على القبر يستحب - اتفاقا - لمن شهد الدفن أن يحثو على القبر ثلاث حثيات بيديه جميعا من قبل رأس الميت

- ‌(جـ) ويستحب - عند الحنفيين ومالك والشافعي - أن يقول في الحثية

- ‌(د) ويسن للمشيعين الانتظار بعد الدفن قدر بحر جمل وتفريق لحمه ليأتنس بهم الميت

- ‌(هـ) ويستحب الاستغفار للميت والدعاء له عند القبر بعد دفنه بالثبات

- ‌(و) يستحب - عند أكثر الشافعية والحنبلية وبعض الحنفيين والمالكيين - تلقين الميت المكلف بعد الدفن

الفصل: ‌(هـ) العلاج بالأدوية الروحية الإلهية

إذا البدن غذاء جيدا وهو ينفع المحرورين لا المبرودين ومن الغالب عليهم البلغم وماؤه يقطع العطش ويذهب الصداع الحار إذا شرب أو غسل به الرأس وهو ملين للبطن وإذا لطخ بعجين وشوى في الفرن واستخرج ماؤه وشرب ببعض الأشربة اللطيفة سكن حرارة الحمى الملتهبة وقطع العطش وغذا غذاء حسنا، وإذا طبخ وشرب ماؤه أن من عسل أتطرون أحدر بلغما ومرة معا وإذا دق وصنع منه ضماد على اليافوح نفع من الأورام الحارة في الدماغ وإذا عصرت قشرته وخلط ماؤها بدهن الورد وقطر منها في الذن نفعت من الأورام الحارة، وهى نافعة من أورام العين الحارة ومن النقرس الحار. والقرع متى صادف في المعدة خلطا رديئا استحال إلى طبيعته وفسد وولد في البدن خلطا رديئا ودفع مضرته بالخل. وعلى الجملة فهو من ألطف الأغذية وأسرعها انفعالا (1).

(هـ) العلاج بالأدوية الروحية الإلهية

قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أتتداوى بالعبادة والاستشفاء بالقرآن والأدعية، وهاك بعض ما ورد في ذلك، وهو عشرة فصول:

(1)

الصلاة: ثبت أنها تبرئ من ألم الفؤاد والمعدة والأمعاء والآلام (روى) مجاهد عن آبى هريرة قال: هجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " اشتكت درد؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: قم فصل فإن في الصلاة شفاء " اخرجه ابن ماجه وفيه ليث بن آبى سليم ضعفه الجمهور (2). {192}

(1) انظر ص 195 ج 3 زاد المعاد.

(2)

انظر ص 180 ج 2 - ابن ماجه (الصلاة شفاء) و (هجر) من التهجير وهو التبكير. و (اشكمت درد) كلمة فارسية معناها أتشتكى بطنك؟ أو ابك وجع البطن؟ فاشتكمت معناه البطن ودرد أى وجع

ص: 123

وكانت الصلاة شفاء لثلاث علل: (أ) أن الصلاة أمر ألهى متعبد بها فهي تدفع الأمراض بالبركة (ب) أن النفس تلهو فيها عن الألم ويقل إحساسها به فتستظهر القوة عليه فتدفعه فإن قوة الأعضاء والمعدة والحواس هو الشافية بمراض بإذن الله تعالى والماهر من الأطباء يعمل كل حيلة في تقويتها إن كانت ضعيفة وفى انتباهها إن كانت غافلة وفى إلفاتها إن كانت معرضة وفى استزادتها إن كانت مقصرة. تارة بتحريك السرور والفرح وتارة بالحياء والخوف والخجل وتارة بتذكيرها وشغلها بعظائم الأمور وعواقب المصير وأمر المعاد والصلاة تجمع ذلك أو أكثره إذ يحضر العبد فيها خوف ورجاء وأمل وتذكر الآخرة وأحوالها. وكثير من الأمراض المزمنة تشفى بالأوهام.

(جـ) أن في الصلاة أمرا طبيا وهو رياضة النفس والجسد لأنها تشتمل على قيام وركوع وسجود الورك وغير ذلك من الأوضاع آلتي تتحرك معها أكثر المفاصل وينغمر فيها أكثر الأعضاء سيما المعدة والأمعاء وسائر آلات التنفس والغذاء عند السجود. وما أنفع السجود الطويل لصاحب النزلة والزكام ولانضباب النزلة إلى الحلق وما أشد إعانته على فتح سدد المنخرين في علة الزكام وإنضاج مادته وما أقوى معاونة السجود على هضم الطعام من المعدة والأمعاء وتحريك الفضول المتخلفة فيها وإخراجها. إذ عنده تنعصر أوعية الغذاء بازدحامها وتساقط بعضها على بعض. وكثيرا ما تسر الصلاة النفس وتذهب العم والحزن وتذيب الآمال الخائبة وتكشف عن الآوهام الكاذبة ويصفو فيها الذهن وتطفأ نار الغضب (1) وتفيد الحب للخلق والتواضع للحق سبحانه وتعالى وترفق القلب وتحبب في العفو وكثيرا ما يحضر فيها الرأي والتدبير المصيب والجواب

(1) انظر ص 180 ج 2 سندى ابن ماجه.

ص: 124

السديد وتذكر العبد ما نسى فيتفكر في مصادر أموره ومواردها ومصالح دنياه وأخراه ومحاسبة النفس لا سيما إن طال القيام ليلا عند ما تهجع العيون وتهدأ الأصوات ولذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم (أ) بما في حديث سالم بن آبى أتجعد أن رجلا قال: ليتني صليت فاسترحت فكأنهم عانوا ذلك عليه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا بلاب أقم الصلاة أرحنا بها " اخرجه أبو داود (1). {193}

(ب) وبقوله صلى الله عليه وسلم: " وجعلت قرة عيني في الصلاة "(2) والصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى مطردة للأدواء مقوية للقلب مبيضة للوجه مذهبة للكسل منشطة للجوارح شارحة للصدر مغذية للروح منورة للقلب حافظة للنعمة دافعة للنقمة جالبة للبركة مبعدة من الشيطان مقربة من الرحمن مزيلة للهموم (قال) حذيفة بن اليمان: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. اخرجه أحمد وأبو داود (3). {194}

(ومن هذا) قال بعضهم: يندب صلاة المصيبة وهى ركعتان عقبها. وكان ابن عباس يفعل ذلك ويقول: نفعل ما امرنا الله به بقوله: " وَاستَعِينُوا بِالْصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ " ومثل الصلاة في ذلك الذكر والدعاء. (قال) عبد الله بن جعفر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: " لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين " اخرجه أحمد بسند حسن. (4){195}

(1) انطر ص 108 ج 1 كشف الخفاء رقم 312.

(2)

تقدم رقم 184 ص 115 (الطيب).

(3)

انظر ص 247 ج 7 - المنهل العذب المورود (قياك النبى صلى الله عليه وسلم من الليل).

(4)

انظر ص 248 ج 7 - المنهل العذب المورود

ص: 125

وعلى الجملة فللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا وجلب خيري الدنيا والآخرة لا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهرا وباطنا. وفقنا الله تعالى للمحافظة عليها وتأديتها على الوجه الأكمل مع تمام الخشوع وكامل الإخلاص.

(2)

الصوم: هو جنة من أدواء الروح والقلب والبدن. منافعه كثيرة وله تأثير عجيب في حفظ الصحة وإذابة الفضلات وحبس النفس عن تناول مؤدياتها لا سيما إذا كان باعتدال وقصد (وفيه) من إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها وهو أنفع دواء لأصحاب الأمزجة الباردة والرطبة وله تأثير عظيم في حفظ صحتهم. وإذا راعى الصائم فيه ما ينبغي مراعاته طبعا وشرعا عظم انتفاع قلبه وبدنه به وحبس عنه المواد الغريبة الفاسدة وأزال المواد الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه ويحفظ الصائم مما ينبغي أن يتحفظ منه.

ولما كان وقاية وجنة بين العبد وبين ما يؤذى قلبه وبدنه عاجلا وآجلا، قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "(1)

دلت الآية على أن أحد مفصودي الصيام الجنة والوقاية وهى حمية عظيمة النفع. والمقصود الآخر اجتماع القلب والهم على الله تعالى وتوفير قوى النفس على محابه وطاعته (2).

(3)

القرآن: قال الله تعالى: " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ "(3)

(المعنى) وننزل من القرآن ما كله شفاء فهو كما يشفى من أمراض الجسد يشفى من الضلالة والجهالة والشبه ويهتدي به من الحيرة.

(1) البقرة: 183

(2)

انظر ص 172 ج 3 زاد المعاد

(3)

الإسراء: 82.

ص: 126

(روى) الحارث الأعور عن على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ط خير الدواء القرآن " اخرجه ابن ماجه والترمذى (1). {196}

(وقال) الذهبي في الطب المكارة: يقال إن رجلا شكا وجع عينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: " انظر في المصحف ".

فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأمراض القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة وما كل واحد يوفق للاستشفاء به. وإذا أحسن العليل أتتداوى به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم لم يقاومه الداء ابدأ وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها. فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفى القرآن سبيل الدلالة على روائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه، قال الله تعالى " أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "(2) فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ومن لم يكفه فلا كفاه الله (3).

(4)

الفاتحة: هي الشفاء التامم والدواء النافع والرقية الناجعة ومفتاح الغنى والفلاح وحافظة القوة ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرق مقدارها وأعطاها حقها وأحسن تنزيلها على دائه وعرف وجه الاستشفاء والتداوى بها والسر الذي لأجله كانت كذلك (روى) عبد الملك بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فاتحة الكتاب شفاء من كل داء " اخرجه الدرامي والبيهقى في الشعب مرسلا بسند رجاله ثقات (4). {197}

(1) انظر ص 189 ج 2 - ابن ماجه (الاستشفاء بالقرآن)

(2)

العنكبون: 51

(3)

انظر ص 178 ج 3 زاد المعاد

(4)

انظر ص 445 ج 2 درامى

ص: 127

(وقال) أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شئ لا ينفعه شئ، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شئ، فأتوهم فقالوا: يأبها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شئ لا ينفعه. فهل عند أحد منكم من شئ؟ فقال بعضهم: نعم والله إنى لأرقى ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: الحمد لله رب العالمين، فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشى وما به قلبة، فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فتذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهما. أخرجه الستة وهذا لفظ البخاري وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (1). {

198}

(1) انظر ص 305 ج 4 فتح البارى (ما يعطى فى الرقية بفاتحة الكتاب) وص 187 ج 14 نووى (أخذ الأجرة على الرقية) وص 20 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى) وص 167 ج 1 تحفة الأحوذى (أخذ الأجرة على التعويذ) وص 5 ج 2 - ابن ماجه (فقال بعضهم) هو ابو سعيد الخدرى ففى رواية الترمذى وابن ماجه فقالوا هل فيكم من يرقى من العقرب؟ قلت نعم أنا. (والجعل)(بضم فسكون ما يعطى على العمل. و 0 القطيع) الطائفة من النعم. وفى رواية للبخارى: إنا نعطيكم ثلاثين شاة. وكان القوم ثلاثين. و (يتفل) بفتح الياء وضم الفاء وكسرها من النفل وهو نفخ معه قليل بزاق. ومحله بعد القراءة لتحصل بركتها فى الجوارح التى يمر عليها الريح ففى رواية أبى داود: فقرأ عليه بأم الكتاب وتفل حتى برئ .. وفى رواية أنه قرأ الفاتحة ثلاثا وفى أخرى سبعا والزيادة أرجح. و (نشط) بضم فكسر من الثلاثى وفى رواية أبى داود أنشط بصيغة المجهول من الإنشاط اذا عقد وأنشط اذا حل. و (القلبة) بفتحات العلة سميت بذلك لأن من تصيبه يقلب من جنب الى جنب ليعلم موضع الداء.

ص: 128

(والأمر) بالقسمة من باب المروءة والتبرع وإلا فأجر الرقية للراقي (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم: اضربوا إلى معكم سهما - تطييبا لقلوبهم ومبالغة في بيان أنه حلال (وفى) الحديث جواز أخذ الأجرة على الرقية وهو متفق عليه. وكذا يجوز أخذها على تعليم القرآن عند الجمهور وهو المفتى به عند الحنفيين لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله"(1) فإنه وإن كان واردا في الرقية فهو يدل على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

(وعن) خارجة بن الصلت التميمى عن عمه علاقة بن صحار أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاسلم، ثم اقبل راجعا من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير فهل عندكم شئ تداوونه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ، فأعطوني مائة شاة. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: هل قلت غير هذا؟ قلت: لا، قال: خذها فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه. (2){199}

(1) ذكره البخارى معلقا عن ابن عباس انظر ص 304 ج 4 فتح البارى (ما يعطى فى الرقية) وهو طرف من حديث وصله البخارى بص 155 ج 10 فتح البارى (الشروط فى الرقية بفاتحة الكتاب).

(2)

انظر ص 19 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى). (فلعمرى) أى لحياتى واللام فى وقله لمن أكل جواب القسم أى من الناس من يأكل برقية باطل كذكر الكواكب والاستعانة بها وبالجن فعليه 9 وزره وأنت أكلت برقية حق أى بذكر الله تعالى وكلامه فلا ورر عليك.

ص: 129

وفى رواية لأبى داود وقال: فقرأت بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها جمع بزاقة ثم تفل فكأنما أنشط من عقال.

(هذا) وإذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة آلتي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكتب مثلها لتضمنها جميع معاني الكتاب.

(وقد) اشتملت على أصول أسماء الله وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الإعانة به والهداية منه ذكر أفضل الدعاء وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والاستقامة عليه وذكر أصناف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به وغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته وضال لعدم معرفته له مع ما تضمنته من إصلاح القلوب والرد على جميع أهل البدع والباطل. وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من كل داء (1)

(وقد) قيل إن موضع الرقية منها: " إياك نعبد وإياك نستعين" ولا ريب أن الكلمتين من أقوى أجزاء هذا الدواء فإن فيهما من عموم التفويض والتوكل والالتجاء والاستعانة والافتقار والطلب والجمع بين أعلى الغايات وهى عبادة الرب وحده وأشرف الوسائل وهى الاستعانة به على عبادته ما ليس في غيرهما.

(قال) ابن القيم: ولقد مر بى وقت بمكة سقمت فيه وفقدت الطبيب والدواء فكنت أتعالج بالفاتحة آخذ شربة من ماء زمزم وأقرؤها عليها مرارا ثم أشربه

(1) انظر ص 155 ج 10 فتح البارى (الرقى بفاتحة الكتاب). وانظر تمام بيان بعض ما تضمنته الفاتحة من الأسرار والعجائب بص 72 وما بعدها من الجزء الثالث من لدين الخالص طبعة أولى. وص 368 ج 2 طبعة ثانية.

ص: 130

فوجدت بذلك البرء التام ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع بها غاية الانتفاع (1).

(5)

البقرة: قد ورد الترغيب في التحصن بسورة البقرة وبآيات منها (روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي " أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وفيه حكيم بن جبير غال في التسيع (2){200}

(وعن) ابن الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: إن لكل شئ سناما وسنام القرآن سورة البقرة وإن الشيطان إذا سمع سورة البقرة تقرأ خرج من البيت الذي تقرا فيه سورة البقرة. أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وقد روى مرفوعا (3). {201}

(وعن) الشعبي عن ابن مسعود قال: من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعدها وثلاثا من آخر سورة البقرة لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شئ يكرهه ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق. اخرجه الدرامي (4){202}

(وعن) آبى سنان عن المغيرة بن سبيع قال: من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه لم ينس القرآن: أربع آيات من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث من آخرها أخرجه الدرامي (5){203}

(1) انظر ص 122 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسام فى رقية اللديغ بالفاتحة)

(2)

انظر ص 560 ج 1 مستدرك (فضل سورة البقرة).

(3)

اانظر ص 560 منه

(4)

انظر ص 448 ج 2 دارمى (فضل أول سورة البقرة وىية الكرسى)

(5)

انظر ص 449 منه.

ص: 131

(6)

المعوذات: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحصن عند نومه بقراءة الإخلاص والمعوذتين: (روى) معمر الزهري، عن عروة. عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بنفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عنه بهن وأمسح بيده نفسه لبركتها فسالت الزهري كيف ينفث؟ قال كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه. أخرجه البخاري (1). {204}

(وقالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا ثم مسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده (الحديث) اخرجه البخاري (2). {205}

(وعن) آبى سعيد الخدرى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما. اخرجه النسائي وابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب (3){206}

(وهذا) لا يدل على المنع من التعوذ بغير عاتين السوريتين، بل يدل على

(1) انظر ص 154 ج 10 فتح البارى (الرقى بالقرآن) والمعوذات بكسر الواو جمع معوذة أى محصنة. والمراد بها سورة الإخلاص والفلق والناس. وقيل المراد ما يشمل ما ذكر وكل ما ورد من التعويذ فى القرآن كقوله " وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك أن يحضرون " 79 و 98 المؤمنون

(2)

انظر ص 163 ج 10 فتح البارى. و (النفث فى الرقية) أى كان يقرؤها وينفث حال القراءة.

(3)

انظر ص 165 ج 3 تحفة الأحوذى (الرقية بالمعوذتين).

ص: 132

الأولوية ولا سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما، وإنما أجتزأ بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا (1).

(7)

علاج الضرس: (روى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من اشتكى ضرسه فليضع إصبعه عليه وليقرأ " وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ " الآية ". أخرجه الدار قطنى (2). {207}

(8)

علاج الجنون والصرع: (قال) آبى بن كعب: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا نبي الله إن لي أخا وبه وجع. فقال: وما وجعه؟ قال: به لمم، قال: فائتني به، فوضعه بين يديه فعوذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة (3)

(1) انظر ص 152 ج 10 فتح البارى. وانظر التفصيل فى بحث الدعاء والاستغفار بعد الصلاة ص 17 ج 3 - الدين الخالص طبعة أولى

(2)

تمام الآية " فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم بفقهون " الأنعام: 98

(3)

(اللمم) بفتحتين نوع من الجنون (واربع الايات) من أول سورة البقرة هى: الم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يومنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون. (5) البيان - (ألم) اختلف المفسون فى الحروف التى فى اوائل السور والصحيح أنها من المتشابه الذى انفرد الله بعلمه فنؤمن به ولا نتكلم فيه وما قيل فيها غير ذلك فهو رجم بلا دليل والذى ينبغى لمن أحب السلامة واقتدى بالسلف ألا نتكلم بشئ من ذلك معترفا بأن فى إنزال هذه الحروف حكمة لا تبلغها عقولنا ولا تهتدى اليها افهامنا. وقوله " ذلك الكتاب " أى هذا القرآن فلإشارة الى الكتاب المذكور بعد. والعرب قد تشير إلى القريب الحاضر بما يشار به الى العبد الغائب اعظاما لقدره واسم الإشارة مبتدأ والكتاب صفته والخبر: لا ريب فيه. والريب الشك وقلق النفس واضطرابها ومعنى (لا ريب فيه) أن هذا الكتاب =

ص: 133

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ليس مظنة للريب لوضوح دلالته وضوحا يقوم مقام البرهان المقتضى كونه لا ينبغى الارتياب فيه بوجه من الوجوه. والمشهور الوقف على فيه .. وروى عن نافع وعاصم الوقف على - لا ريب - وعليه فالخبر محذوف والتقدير لا ريب فيه. فيه هدى. والهدى الدلالة الموصلة إلى المطلوب وهو قسمان (أ) هدى دلالة وهو ما يقدر عليه الرسل واتباعهم قال تعالى " ولكل قوم هاد" الرعد: 7 وقال تعالى (وإنك لتهدى الى صراط مستقيم) أى تدعو وتطل. الشورى: 52 .. (ب) هدى توفيق وتأييد. وقد انفرد به الله تعالى وهو المنفى فى قوله تعالى (انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء) القصص: 56 وهو بهذا يجئ بمعنى خلق الإيمان فى القلب ومنه قوله تعالى (أولئك على هدى من ربهم) وقوله (ولكن الله يهدى من يشاء). والمتقى لغة اسم فاعل من وقى وقاه فاتقى. والوقاية الصيانة. وشرعا من يقى نفسه ويحفظها من ارتكاب ما يوجب العقوبة من فعل أو ترك. وخص المتقين بهداية القرآن وإن كان هدى للخلق أجمعين تشريفا لهم وتكريما لأنهم آمنوا بما فيه وانتفعوا به (وقد) ورد فى هذا حديث عطية السعدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا باس به حذرا مما به باس. أخرجه أحمد والبخارى فى التاريخ وابن ماجه والترمذى وحسنه والحاكم وصححه (ورد) بأن فى سنده عبد الله بن يزيزد لا يعرف حاله: (انظر ص 443 ج 6 مناوى الجامع الصغير رقم 9942)(فالمصير) الى ما أفاده هذا الحديث واجب ويكون هذا معنى شرعيا للمتقى أخص من المعنى السابق. وقوله " الذين يؤمنون بالغيب " وصف كاشف للمتقين. والإيمان لغة التصديق وشرعا التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وبكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم مما لا تهتدى اليه العقول من عذاب القبر ونعيمه وأشراط الساعة والحشر والنشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار. و (الغيب) اسم لما أومن به مما ذكر (وقد ورد) فى فضل المؤمنين بالغيب حديث ابى جحفة الأنصارى قال: قلت يا رسول الله من قوم أعظم منا أجرا آمنا بك واتبمناك؟ قال ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحى من السماء. بل قوم ياتون من بعدكم يأتيهم كتاب الله بين لوحين فيؤمنون بى ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا =

ص: 134

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أخرجه أحمد والدارمى والطبرانى والحاكم (انظر ص 308 ج 2 دارمى وص 24 ج 1 فتح القدير الشوكانى) وقوله " ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " معطوف على يؤمنون. والإقامة لغة الدوام والثبات وإقامة الصلاة أداؤها فى أوقاتها بأركانها وسننها وآدابها كما أمرنا الله تعالى بقوله " حافظوا على الصوات والصلاة الوسطى وقوموا الله قانتين " البقرة: 238. وكما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحيح أن المراد بالصلاة هنا ما يشمل الفرض والنفل عام والمتقى يأتى بهما (والرزق) عند أهل السنة ما صلح الانتفاع به حلالا كان أو حراما. (والإنفاق) صرف المال فى المصالح وأتى بمن التبعيضية إشارة إلى طلب الاعتدال فى الإنفاق وترك الإسراف قال تعالى (والذين اذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) الفرقان: 67 والمختار أن الآية عامة فى الزكاة والنفقة على الأقارب وغيرهم وفى صدقة الفرض والنفل لأنها سيقت للمدح والترغيب فى الإنفاق مما رزقوا وقوله " والذين يؤمنون بما انزل اليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون " صفة أخرى للمتقين فهى معطوفة على الجملة السابقة ويجوز أن تكون مرفوعة على الاستئناف وأن تكون معطوفة على المتقين فيكون التقدير هدى للمتقين والذين يؤمنون بما أنزل من قبلك وهو التوراه والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السماوية بأن يؤمنوا بأنها من عند الله ويصدقوا بما لم ينسخ منها (قال) ابو ذر: قلت يا رسول الله كم كتابا أنزل الله قال مائه كتاب واربعة كتب. أنزل الله على شيث خمسين صحيفة وعلى أخنوخ (إدريس) ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراه والإنجيل والزبور والفرقان أخرجه ابو حاتم البستى (انظر ص 157 ج 1 تفسير القرطبى)(وبالآخرة) اى بالدار الآخرة هم يوقنون وفى تقديم الجار مع اسناد يوقنون الى الضمير غشعار بالحصر وأن ما عدا هذا الأمر - الذى هو اساس الإيمان وراسه - ليس بمؤد الى الإيقان بالدار الآخرة والقطع بوقوعها وهو العلم الجازم مع انتفاء الشك والشبهة والمعنى أنهم موقنون بالبعث والنشور وسائر امور الآخرة بلا شك وعبر بالماضى فى قوله (أنزل اليك) مع أنه لم ينزل حينئذ الا البعض تغليبا لما نزل على ما لم ينزل وتنبيها على تحقق الوقوع كأنه بمنزلة النازل (والحق) أن هذه الآية وما قبلها فى شأن المؤمنين عامة وليس مجرد =

ص: 135

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ذكر الإيمان بما أنزل الى النبى صلى الله عليه وسلم وما أنزل الى من قبله يقتضى جعل ذلك وصفا لمؤمن أهل الكتاب خاصة فليس فى السياق ما يقتضى ذلك وقد ثبت الثناء على من جمع بين الأمرين من المؤمنين فى أكثر من آية قال تعالى: يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى أنزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل (النساء: 136)(وقال) آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله (البقرة: 285). (وقال) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم إن الله كان غفورا رحيما (النساء: 142)(وعن) ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى: (والذين يؤمنون بما انزل اليك وما أنزل من قبلك) اى يصدقونك بما جئت به فى الله وما جاء به من قبلك من المرسلين لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم وبالآخرة هم يوقنون ايمانا بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان. أى لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان من قبلك ويكفرون بما جاء من ربك. أخرجه ابن جرير وابن اسحاق وابن ابى حاتم (انظر ص 25 ج 1 فتح القدير للشوكانى).

وقوله " اولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون " مستأنف استئنافا بيانيا كأنه قيل كيف حال هؤلاء الجامعين بين التقوى والإيمان بالغيب والإتيان بالفرائض والإيمام بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى من قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟ فقيل أولئك على هدى ويصح أن يكون خبرا عن الذين يؤمنون بالغيب. والاستعلام فى قوله (اولئك على هدى) مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به. شبهت حالهم بحال من اعتلى الشئ وركبه (والفرح) فى الأصل الشق والقطع يقال للذى شقت شفته افلح ومنه سمى الأكار فلاحا لأنه يشق الأرض بالحرث فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه (قال) القرطبى: وقد يستعمل فى الفوز والبقاء وهو اصله ايضا فى اللغة. فمعنى اولئك هم المفلحون الفائزون بالجنة والباقون. وفى تكرير اسم الإشارة دلاله على أن كلا من الهدى والفرح مستق بتمييزهم به عن غيرهم بحيث لو انفرد أحدهما لكفى مميزا (وأتى) بضمير الفصل للدلالة على اختصاهم بالفلاح دون غيرهم (وعن) عبد الله بن عمرو قال: قيل يا رسول الله =

ص: 136

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= انا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد أن نياس أو كما قال. فقال: ألا أخبركم عن أهل الجنة واهل النار؟ قالوا بلى يا رسول الله قال الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين إلى قوله وأولئك هم المفلحون هؤلاء أهل الجنة. قالوا إنا نرجو أن تكون هؤلاء ثم قال: إن الذين كفروا سواء عليهم انذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب أليم. هؤلاء اهل النار. قالوا لسنا هم يا رسول الله قال أجل. أخرجه ابن ابى حاتم انظر ص 26 ج 1 فتح القدير وقد تضمنت الآيات. (أ) بيان أن القرآن لعظم قدره وعلو مرتبته ووضوح دلالته لا يرتاب فيه - بوجه من الوجوه- العقلاء المنصفون ولا اعتبار لريب الجاحدين الجاهلين، وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وهو الهدى والنور الذى أوضح للناس الطريق فسعد به المتقون واهتدى بهدية الصادقون وتأدب بآدابه المهتدون.

(ب) أن المتقين هم الذين جمعوا بين أنواع الطاعة القلبية والبدنية والمالية منهم الذين وحدوا ربهم فخرجوا من ظلمة الشرك الى نور التوحيد الخالص وانتقلوا من ديوان العاصين المتمردين الى ديوان الطائعين الخاضعين وترقوا فى معارج الطاعة حتى صفت اسرارهم عما سوى بارئهم رب العالمين فكانوا من المحسنين فلم يرهم مولاهم حيث نهاهم ولم يفقدهم حيث أمرهم وصدقوا بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سيما الأمور الغيبية التى لا تهتدى اليها العقول من اشراط الساعة وأحوالها من البعث والنشور والصراط والميزان والجنة والنار فبادروا بالعمل الصالح الذى يقيهم نار الجحيم ويدخلهم دار النعيم فهم يحافظون على الصلاة ويؤدونها فى أوقاتها خاشعين خاضعين مطمئنين موقنين أنها عماد الدين ولا سهم فى الإسلام لمن لا صلاة له وأها صلة بين العبد وربه وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وليس بين المسلم والكافر الا الصلاة وهى مائدة المقربين وقرة عين المؤمنين الصادقين وراحة المتقين. ولما كان صدق الإيمان والأخلاص فى العمل لا يظهران إلا بالمجاهدة بالنفس والنفيس جاهدوا أنفسهم حتى انفقوا مما آتاهم الله فى وجوه الخير يقدمون لأنفسهم ما ينفعهم فى رمسهم ويؤنسهم فى وحشتهم ويطمئنهم يوم ينظر المرء ما قدمت يداه عاملين بقوله تعالى (آمنوا بالله =

ص: 137

وهاتين الآيتين: " وَإلهُكُمْ إلهُ وَاحِدُ "(1)

= ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه. فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) الحديد: 7. لا غرو فإن التقوى جماع الخير كله وهى خير ما يستفيده الإنسان (فقد روى) ابو أمامه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة ان أمرها أطاعته وإن ينظر اليها سرته وإن قسم عليها أبرته وان غاب عنها نصته فى نفسها وماله. اخرجه ابن ماجه ص 293 ج 1 (أفضل النساء):

(وقيل) لبى الدرداء إن أصحابك يقولون الشعر وأنت ما حفظ عنك شئ فقال.

يريد الرء أن يؤتى مناه

ويابى الله إلا ما ارادا

يقول المرء فائدتى ومالى

وتقوى الله أفضل ما استفادا

(جـ) إن افضل الإيمان واكمله التصديق بكل الكتب افلهية والعمل بما لم ينسخ منها لا نفرق بين أحد من رسله. والإيمان بالبعث والنشور وسائر احوال الآخرة.

(د) الحث على التقوى والإيمان بالغيب والرسل وما أنزل اليهم واليوم الآخر والإتيان بالفرائض والإنفاق فى سبيل الخير فإن من تحلى بما ذكر فهم أهل الهداية والسعادة والفلاح الفائزون بما طلبوا الناجون ممامنه هربوا المقيمون مع من أحبوا.

(هـ) تضمن قوله تعالى: (أولئك على هدى من ربهم) الرد على القدرية فى قولهم العبد يخلق إيمانه وهداه. ولو كان كما قالوا لقال أولئك على هدى من نفسهم تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

(1)

الايتان هما قوله تعالى: (والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم (163)(إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما بنفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض لايات لقوم يعقلون) 164) (البيان) قال كفار قريش: يا محمد صف لنا ربك وانسبه. فأنزل الله سورة الإخلاص وهذه الآية (وإلهكم اله واحد) أى منفرد بالإلهية لا شريك له ولا نظير له هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد (لا اله) أى لا معبود بحق (إلا هو الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة على طريق المبالغة. والرحمن من الصفات =

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الغالبة لم يستعمل فى غير الله عز وجل. ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية فقال (إن فى خلق السموات) مرتفعه بلا عمد لطيفة متسعة منظمة نظاما بديعا مزينة بالكواكب (والرض) متسعة كثيفة ذات وهاد ونجاد وجبال واشجار وبحار وأنهار وقفار وعمران ومنافع. وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة كل سماء من جنس غير جنس الأخرى. ووجد الأرض لأنها كلها من جنس واحد وهو التراب (واختلاف الليل والنهار) بإضاءة أحدهما وإظلام الآخر وااقبال أحدهما وإدبار الآخر بلا فاصل بينهما قال تعالى: (لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون)(يسن: 40) قال تعالى: (وهو الذى جعل الليل والنهار خلفه) الفرقان: 62 (قال) عطاء: اراد خلافهما فى النور والظلمة والزيادة والنقصان فيأخذ هذا من هذا قال تعالى: (يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل) أى يزيد من أحدهما فى الآخر. وقدم الليل على النهار لأنه اصل .. قال الله تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار)(والفلك التى تجرى فى البحر) الفلك - بضم فسكون - السفن واحده وجمعه سواء. فإذا اريد به الجمع يؤنث والواحد يذكر قال تعالى: اذ ابق الى الفلك المشحون. وقال: حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم بريح طيبة: والاية فيها تسخيرها وجريانها على وجه الماء (بما ينفع الناس) من الركوب والحمل عليها من جانب الى جانب لمعايش الناس والانتفاع بما لهم من التجارة والمكاسب ونقل ما عند بعضهم الى بعض (وما أنزل الله من السماء) اى من السحاب (من ماء) أى المطر الذى به حياة العالم وإخراج النبات والرزاق (فأحيا به الرض بعد موتها) أى بعد يبسها وجدبها (وبث فيها) أى فرق فى الارض (من كل دابة) أى على اختلاف أشكالها والوانها ومنافعها وصغيرها وكبيرها. وهو يعلم ذلك كله فيرزقه لا يخفى عليه شئ من ذلك. (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)(وما من دابة فى الرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين)(وتصريف الرياح) فمنها ما يأتى بالرحمة ومنها ما يأتى بالعذاب ومنها الحار ومنها البارد ومنها الجنوبية والشمالية والشرقية والغربية ومنها ما يسير السفن الصغار والكبار كل على قدره (والسحاب المسخر) أى المذلل السائر (بين السماء والرض) الى ما يشاء الله من الاراضى والأماكن =

ص: 139

وآية الكرسي وثلاث آيات من آخر سورة البقرة (1).

= كما يريد الله (لايات لقوم يعقلون) أى فى هذه الأشياء دلائل بينه وحجج قاطعة على وحدانية الله تعالى لمن ينظر ببصره ويتفكر بعقله. قال تعالى (إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لآولى الألباب. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) ووجه دلالة هذه الآية على الوحدانية أن ما ذكر فيها من الايات الكونية قائم بنظام يقتضى قطعا أن تكون هذه الأشياء صادرة عن خالق واحد عليم حكيم ولو كان لها مصادر متعددة لاختل هذا النظام وفسد هذا العالم سمواته وارضه كما قال تعالى (لو كان فيهما ىلهة إلا الله لفسدتا)(روت) اسماء بنت يزيد بن السمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اسم الله الأعظم فى هاتين الايتين (وإلهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم) و (الم. الله لا اله الا هو الحى القيوم) أخرجه أحمد والدارمى وابو داود وابن ماجه والترمذى وصححه انظر ص 141 ج 1 فتح القدير للشوكانى (وعن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ليس شئ اشد على مردة الجن من هؤلاء الايات التى فى سورة البقرة (وإلهكم اله واحد) الآيتين أخرجه الديلمى (انظر ص 141 منه) وعن ابن ابى نجيح عن عطاء قال: نزلت على النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة (والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم) فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس اله واحد؟ فأنزل الله تعالى: (إن فى خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس الى قوله: لايات لقوم يعقلون) فبهذا يعلمون انه اله واحد وانه اله كل شئ وخالق كل شئ. اخرجه ابن ابى حاتم (انظر ص 374 ج 1 تفسير ابن كثير)

(1)

آية الكرسى قول الله تعالى (الله لا اله الا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما فى السموات وما فى الرض. من ذا الذى يشفع عنده الا بإذنه؟ يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السموات والرض ولا يؤةده حفظهما وهو العلى العظيم) وقد تقدم بيان فضلها وتفسيرها ومشتملاتها بص 14 ج 4 - الدين الخالص (والثلاث الايات) من آخر سورة البقرة هى قول الله تعالى (لله ما فى السموات وما فى الأرض وان تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر =

ص: 140

وآية من آل عمران: " شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ "(1)

= لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير (284) آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير (285)(لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين - 286) وتقدم بيانها بيانا وافيا بص 306 ج 5 - الدين الخالص

(1)

آية آل عمران قوله تعالى: " شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم " 18 (سبب النزول) قال الكلبى: قدم حبران من أحبار الشام فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبى صلى الله عليه وسلم الذى يخرج فى آخر الزمان. فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة فقالا له: انت محمد؟ قال نعم. قالا وأنت احمد؟ قال: أنا محمد وأحمد. قالا انا نسالك عن شئ فإن أنت أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك. فقال نعم. قالا: أخبرنا عن أعظم شهادة فى كتاب الله. فأنزل الله تعالى على نبيه: " شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة " الآية فأسلم الرجلان. اخرجه البغوى انظر ص 113 ج 2 وص 165 ج 3 نيسابورى " المفردات "(شهد الله) أى أخبر وبين بالادلة (أنه لا اله) أى لا معبود بحق (الا هو)(والملائكة) جمع ملك بفتحتين وهم عالم غيبى لا يعلم حقيقته الا الله تعالى لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتصفون بذكورة ولا بأنوثة خلقوا من نور. وتمامه بص 56 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية (وأولو العلم) النبياء والمؤمنون الذين عرفوا وحدانية الله تعالى بالدلائل (قائما بالقسط) أى منفردا بتدبير شئون خلقه وهو حال من الضمير بعد الا والعامل فيه ما تضمنته كلمة التوحيد. ويحتمل أن يكون حالا من أولى العلم أى حال كون كل واحد منهم قائما بالعدل فى اداء هذه الشهادةة. و (العزيز) القاهر الغالب. و (الحكيم) من يضع الأمور فى مواضعها.

المعنى: شهد الله تعالى - وهو اصدق الشاهدين وأعدلهم - أنه لا معبود بحق الا الله المنفرد بالالهية لجميع الخلق (والهكم اله واحد) وانه المنفرد بالايجاد والإعدام =

ص: 141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والاعطاء والمنع وما الى ذلك وأن الكل عبيده وخلقه محتاجون اليه وهو الغنى عما سواه (يايها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغنى الحميد) وأظهر ذلك وبينه بخلق الدلائل الدالة على انفراده بالوحدانية والقدرة التامة والعلم المحيط. وشهدت الملائكة والانبياء والمرسلون والمؤمنون الصادقون بذلك (وشهادة) الله تعالى والملائكة وأولى العلم يحتمل أن تكون بمعنى واحد وأن تكون مختلفة (أما الأول) فبيانه أن الشهادة هى الإخبار عن علم او الإظهار والبيان (وقد) أخبر الله تعالى فى مواضع كثيرة من القرآن أنه اله واحد لا اله الا هو (الله لا اله الا هو الحى القيوم - قل هو الله احد - لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم) والتمسك بالدلائل السمعية فى هذه المسالة جائز لأن العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لا يتوقف على العلم بها واظهر الله تعالى أنه لا اله واحد يخلق ما يدل على ذلك (ان فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لايات لأولى الألباب) 190 آل عمران (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم اذا أنتم بشر تنتشرون) الايات من 20 - 27 الروم. وكذلك الملائكة وأولوا العلم، اخبروا أن الله اله واحد وأطهروا ذلك وبينوه: الملائكة للرسل والرسل للعلماء والعلماء لعامة الخلق (وأما الثانى) فبيانه أن شهادة الله على توحيده أنه خلق الدلائل الدالة عليه وشهادة الملائمة وأولى العلم عبارة عن اقرارهم بذلك. ونظيره قوله تعالى (ان الله وملائكته يصلون على النبى) فإن الصلاة من الله غير صلاة الملائكة وعلى الحقيقة فليس الشاهد الا الله تعالى لأنه خلق الأشياء الدالة على توحيده. ثم وفق العلماء لمعرفتها والتوصل بها الى اعتقاد وحدانيته ثم وفقهم فارشدوا غيرهم الى ذلك. ولذا قال (قل أى شئ أكبر شهادة؟ قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى الى هذا القرآن) فهو يشهد أنه لا اله الا هو حال كونه قائما بالعدل يقال فلان قائم بالتدبير أى يجريه على سنن الاستقامة أو مقيما للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال ويثيب ويعاقب. وفيما يامر به عياده من انصاف بعضهم بعضا والعمل على التسوية فيما بينهم. وكرر مضمون الشهادة بقوله (لا اله الا هو) تأكيدا وتوطئه لقوله (العزيز) العديم المثال القاهر لخلقه الذى لا يرام جنابه عظمه وكبرياء لأنه المنفرد بالالهية الكامل القدرة (الحكيم) فى اأفعاله واقواله وشرعه وتقديره لأنه العالم الذى لا يعزب عن علمه شئ. والقائم بتدبير امور خلقه بالعدل والإنصاف هذا ويطلب ممن قرأ أو سمع هذه الاية أن يقول: وأنا على ذلك من الشاهدين (لقول) الزبير بن العوام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرا هذه الآية (شهد الله أنه لا االه الا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم) فقال: وأنا على ذلك من الشاهدين. أخرجه أحمد وابن حاتم وابن السنى وكذا الطبرانى بلفظ: وأنا اشهد أن لا اله الا انت العزيز الحكيم. انظر ص 296 ج 1 فتح القدير للشوكانى.

ص: 142

وآية من الأعراف: " إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ "(1)

(1)(آية العراف قوله تعالى: " ان ربكم الله الذى خلق السموات والرض فى ستة ايام ثم استوىعلى العرش يغشى الليل والنهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) 54 (المفردات (فى ستة ايام) أى فى مقدارها. لأن اليوم من طلوع الشمس الى غروبها ولم يكن حينئذ يوم ولا شمس ولا سماء. وقيل ستة أيام كأيام الآخرة كل يوم كألف سنة وقيل كايام الدنيا (والاستواء) لغة العلو والاستقرار والمراد هنا الأول (والعرش) فى الأصل سرير الملك والمراد به عرش الرحمن المحيط بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما (يغشى- بضم فسكون فكسر، أو بضم ففتح فشد - قراءتان. ولم يذكر تغشية الليل بالنهار اكتفاء (وحثيثا) أى سريعا (والخلق) أى المخلوق (والأمر) التصرف (وتبارك) تعالى وتعاظم (والرب) المالك والسيد وهو اسم من اسمائه تعالى (والعالمين) جمع العالم والسموات والرض وما بينهما وأوجده من العالم فى قدر ستة ايام من يوم الاحد الى الجمعة. قال سعيد بن جبير: الله عز وجل قادر على خلق السموات والأرض فى لمحة ولحظة ولكن خلقهن فى ستة ايام تعليما لخلقه التثبت والتأبى فى الأمور ذكره البغوى ص 488 ج 3. وفى الحديث التأبنى من الرحمن والعجلة من الشيطان. أخرجه البيهقى بسنده الى سعد بن سنان عن انس. وسعد ضعيف لم يسمع من انس على الوجه الذى يليق به بلا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل فإنه تعالى لا يشبه خلقه (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) بل الامر كما قاله الأئمة منهم نعيم بن حماد الجزاعى شيخ البخارى قال: من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه .. فمن أثبت لله تعالى ماوردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذى يليق بجلال الله ونفى عن اللع تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى. وقوله تعالى (يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا) أى يذهب أحدهما ظلام هذا بضياء هذا وضياء ها بظلمة هذا وكل منهما بطلب الآخر طلبا سريعا لا يتأخر عنه بل اذا ذهب احدهما جاء الآخر قال تعالى (لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون) فقوله: ولا الليل سابق النهار. أى لا يفوته بوقت يتأخر عنه بل هو فى أثره بلا واسطة بينهما. ولهذا قال: يطلبه حثيثا (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) أى أن الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته ولهذا قال (ألا له الخلق والأمر) أى له الملك والتصرف (تبارك الله رب العالمين) كما قال تعالى (تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا).

وقد ورد عن أم سلمة فى قوله: استوى على العرش قالت: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان والجحود كفر. اخرجه ابن مردوية. انظر ص 202 ج 2 فتح القدير للشوكانى (وعن مالك) أن رجلا ساله: كيف استوى على العرش؟ فقال الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول. والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. أخرجه اللالكائى انظر ص 202 ج 2 منه.

ص: 143

وآخر سورة المؤمنين: " فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ "(1)

(1) آخر سورة المؤمنون قوله تعالى (فتعالى الله الملك الحق لا اله غلا هو رب العرش الكريم. 116 ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون 117 وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين 118) المفردات (فتعالى) أى تنزه عن الولد والشريك وأن يخلق شيئا عبثا (والعرش العظيم) أى السرير الحسن المنظر (والبرهان) الحجة الواضحة والبينة القاطعة (والحساب) الجزاء (والغفر) المحو أو الستر (والرحمة) التوفيق والسداد.

والمعنى: أنه يجب على كل عاقل أن يعتقد أن الله تعالى منزه عن الولد والشريك والنقص لأنه الملك الحق فى كل أقواله وأفعاله لا معبود بحق إلا هو مالك العرش الكامل الخلق البهى الشكل فهو إله ورب لما دون العرش بالأولى. ثم رد الله ما عليه أهل الشرك موبخا لهم ومقرعا فقال " ومن يدع مع الله الها آخر" يعبده مع الله أو يعبده وحده بلا برهان ولا حجة فإنما جزاؤه عند ربه الذى خلقه فسواه ثم أخبر الله تعالى أنه لا فلاح للكافرين ولا نجاة لهم. ثم ارشد الله تعالى الى دعاء جامع فقال " وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين "(وقد) روى الحسن بن عبد الله أن ابن مسعود قرأ فى اذن مصاب " افحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم غلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق " حتى ختم السورة فبرأ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال. أخرجه ابن ابى حاتم والحكيم الترمذى وأبو يعلى وابن المنذر وابن مردوية وأبو نعيم فى الحلية. انظر ص 486 ج 3 فتح القدير الشوكانى.

ص: 144

وآية من سورة الجن " وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا " وعشر (1)

آيات من أول الصافات (2)

(1) آية الجن " وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبه ولا ولدا " المفردات: (وأنه) بفتح الهمزة عطف على محل المجرور فى قوله فآمنا به. كأنه قيل فصدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا وقرئ بكسر الهمزة عطف على انا سمعنا. اى فقالوا: انا سمعنا قرآنا وأنه تعالى جد ربنا والضمير فى أنه للشأن (والجد) العظمة والجلال. (والصاحبة) الزوجة.

والمعنى: أن الجن لما سمعوا القرآن قالوا: صدقناه وصدقنا أن الله تعالى تنزه جلاله وعظمته عن أن يتخذ صاحبه أو ولدا. وكأن الجن نبهوا بهذا على خطإ الكفار الذين بنسبون إلى الله تعالى الصاحبة والولد (وعن) ابن عباس فى قوله تعالى " وإنه تعالى جد ربنا " قال: آلاؤه وعظمته. وروى عنه أمره وقدرته. اخرجه ابن ابى حاتم انظر ص 298 ج 5 فتح القدير للشوكانى.

(2)

العشر الايات من أول الصافات قوله تعالى: " والصافات صفا (1) فالزاجرات زاجرا (2) فالتاليات ذكرا (3) إن الهكم لواحد (4) رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق (5) انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب (6) وحفظا من كل شيطان مارد (7) لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب (8) دحورا ولهم عذاب واصب (9) الا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب (10) " المفردات: (الصف) ترتيب الجمع على خط كالصف فى الصلاة (والزجر) فى الأصل الدفع بقوة والمراد به هنا قوة التصويت. (والمشارق) مشارق الشمس (قيل) =

ص: 145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إن الله تعالى خلق للشمس مشارق ومغارب بعدد ايام السنة تطلع كل يوم من واحد منها وتغرب فى واحد. كذا قال ابن عبد البر (وقيل) المراد بالمشارق كل موضع اشرقت عليه الشمس. وبالمغارب كل موضع غربت عليه الشمس. فكأن المعنى: رب جميع ما اشرقت عليه الشمس وغربت. وأما قوله فى سورة الرحمن " رب المشرقين والمغربين" فالمراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس فى ايام الصيف وأقصر يوم فى الشتاء وكذا فى المغربين: وأما ذكر المشرق والمغرب بالإفراد فالمراد به الجهة التى تشرق منها الشمس والجهة التى تغرب فيها (والمراد) المتمرد العاصى. (لا سمعون) بشد السين والميم والأصل يتسمعون فإدغمت التاء فى السين. وقرأ الجمهور يسمعون بسكون السين وتخفيف الميم وفى معناها قوله تعالى " إنهم عن السمع لمعزولون "(والدحور) الطرد ودحورا مفعول لاجله (وقيل) إنه حال أى مدحورين. وقيل إنه جمع داحر كقاعد وقيل مفعولا مطلق لمقدر أى يدحرون دحورا (وواصب) اى دائم يصل الى القلب (والخطف) الاختلاس واخذ الشئ بسرعة (وشهاب ثاقب) أى نجم مضئ محرق.

والمعنى: أن الله تعالى أقسم بالملائكة يصفون فى السماء كصفوف المؤمنين فى الصلاة بالملائكة تزجر السحاب وتسوقه. وبالملائكة يتلون كتاب الله تعالى. اقسم بما ذكر " أنه اله واحد وذلك أن كفار مكة قالوا: أجعل الآلهة الها واحدا؟ فاقسم الله بهوؤلاء " أنه لا اله إلا هو رب السموات والأرض وما بينهما " من المخلوقات ورب المشارق أى مطالع الشمس وأنه الملك المتصرف فى الخلق بتسخيره بما فيه من كواكب ثوابت وسيارة تبدو من المشرق وتغرب من المغرب. واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليها. ثم أخبر أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها بزينة هى الكواكب فإن ضوءها يثقب جرم السماء الشفاف فتضئ لأهل الأرض كما قال تعالى " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح " وقال: " ولقد جعلنا فى السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم " (فقوله) هنا وحفظا أى وحفظناها حفظا من كل شيطان ما رداى متمرد عات إذا اراد أن يسترق السمع أتاه شهاب ثاقب فأحرقه، ولذا قال: لا يسمعون الى الملأ الأعلى. أى لئلا يصلوا إلى الملآ الأعلى وهى السموات ومن فيها (ويقذفون من كل جانب) أى يرمون من كل جهة يقصدون السماء منها ويطردون طردا فلا يصلون =

ص: 146

وثلاث آيات من آخر الحشر (1).

= اليها " ولهم " فى الدار الآخرة عذاب دائم موجع " إلا من خطف الخطفة " أى إلا من اختطف من الشياطين الخطفة وهى الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى من تحته ويلقيها الآخر إلى من تحته. فربما ادركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما القاها بقدر الله قبل أن ياتيه الشهاب فيذهب بها الآخر إلى الكاهن (أ) وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان للشياطين لا ترمى فإذا سمعوا الوحى نزلوا الى الرض فزادوا فى الكلمة تسعا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه فشكوا ذلك الى إبليس لعنة اله فقال ما هو إلا من أمر حدث. فبث جنوده فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى بين جبلى نخلة وقال وكيع: يعنى بطن نخلة. فرجعوا إلى ابليس فأخبروه فقال: هذا الذى حدث. أخرجه ابن جرير وابن كثير. انظر ص 124 ج 7 - ابن كثير.

(ب) وعن سفيان بن عيينة بسنده الى ابى هريرة أن نبى الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا (بفتحتين من الخضوع أو بضم فسكون مصدر بمعنى خاضعين) لقوله كأنه سلسلة على صفوان (حجر أملس) فإذا فزع عن قلوبهم (أى كشف عنها الفزع) قالوا ماذا قال ربكم ظ قالوا للذى قال الحق وهو العلى الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسرتق السمع وهكذا بعضه فوق بعض. وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين اصابعه (أى فرق بينها) فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما القاها قبل أن يردكه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا - كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التى سمعت من السماء. أخرجه البخارى والترمذى. انظر ص 380 ج 8 فتح البارى (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم).

(1)

آيات آخر الحشر هى قوله تعالى: " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون (21) هو الله الذى لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحين (22) هو الله الذى لا اله =

ص: 147

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون (23) هو الله الخالق البارى المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم (24).

المفردات الخاشع) الذليل المتواضع (والمتصدع) المتشقق (والقدوس) الطاهر من كل عيب (والسلام) السالم من كل نقص. والمسلم على عبادة فى الجنة كما قال: سلام قولا من رب رحيم. والمسلم لعبادة من الآفات. وهو مصدر وصف به للمبالغة (والمؤمن) الذى وهب عباده الأمن من عذابه والمصدق لرسله بإظهار المعجزات والصادق فى إنجاز وعده (والمهيمن) الشهيد على عباده الرقيب عليهم، وقيل اصله مؤيمن فقبلت الهمزة هاء فيكون بمعنى المؤمن والأول أولى (والعزيز) القاهر الغالب القوى الذى لا نطير له (والجبار) ذو العظمة الذى أجبر خلقه وقهرهم على ما اراد من أمره ونهيه والغنى المصلح من جبر إذا أغنى الفقير وأصلح الكسير (والمتكبر) المتعالى عن كل نقص وذو الملك والكبرياء والقاصم العتاه من الخلق (الخالق) الموجد للاشياء على مقتضى إرادته (والبارئ) المنشئ المخترع للأشياء لا على مثال سبق وله من الاختصاص بالحيوان ما ليس لغيره من المخلوقات. يقال برأ الله النسمة وخلق السموات والأرض (والمصور) الموجد للصور على هيئات مختلفة. ومعنى التصوير التخطيط والتشكيل فهو مترتب على الخلق والبرء (والحسنى) مؤنث الأحسن أى التى هى أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى واشرف مدلول.

المعنى: أن الله تعالى أنزل على نبيه كتابا عظيم الشأن جليل القدر لمتانة الفاظه وقوة مباينى وبلاغته واشتماله على المواعظ التى تلين لها القلوب لو أنزل على جبل من الجبال لرأيته - وهو فى غاية القسوة وشدة الصلابة وضخامة الجرم - خاشعا متصدعا من خشية الله تعالى حذرا من عقابه وخوفا من أن لا يؤدى ما يجب عليه من تعظيم كلام الله واحترامه. وإذا كان الجبل فى غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه لخشع له وتصدع خوفا من الله عز وجل، فكيف يليق بالعقالاء ألا تلين قلوبهم عند سماع ىياته وتخشع وتتصدع أفئدتهم من خشية الله تعالى وقد فهموا أمره وتدبروا كتابه ولذا قال (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) فيما يجب عليهم التفكر فيه =

ص: 148

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ليتعظوا بالمواعظ وينزجروا بالزواجر، ثم أخبر الله تعالى أنه لا اله الا هو فلا رب غيره ولا معبود سواه وأنه عالم الغيب والشهادة يعلم جميع الكائنات شاهدها وغائبها فلا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء وهو السميع العليم. لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وقوله (هو الرحمن الرحيم) أى أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات. فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما. قال تعالى:(ورحمنى وسعت كل شئ) وكرر قوله (هو الله الذى لا اله الا هو) للتأكيد والتقرير (الملك) أى المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة (القدوس) الذى تقدسه الملائكة والخلق. أى يعتقدون أنه منزه عن كل نقص متصف بكل كمال (له الاسماء الحسنى) أى له اسماء أخرى هى أحسن الأسماء لدلالتها على اشرف مسمى وأكمل موجود (يسبح له ما فى السموات والارض) أى ينطق بتنزيهه عن كل نقص واتصافه بكل كمال بلسان الحال أو المقال كل ما فيها قال تعالى: (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا)(وهو العزيز الحكيم) أى الغالب لغيره الذى لا يغالب مغالب. المدبر للأمور بحكمته حسب ارادته.

(وعن ابن عباس) فى قوله (او أنزلنا هذا القران على جبل) قال: يقول لو أنى أنزلت هذا القرآن على جبل حملته اياه تصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله. فامر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية السديدة والتخشع. قال: (كذلك يضرب الله الامثال لناس لعلهم يتفكرون). اخرجه ابن جرير وابن مردوية انظر ص 203 ج 5 فتح القدير لشوكانى.

(وعن أنس) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امر رجلا إذا اوى إلى فراشه أن يقرأ آخر سورة الحشر وقال: إن مت مت شهيدا. أخرجه ابن السنى فى عمل يوم وليلة وابن مردوية. انظر ص 203 ج 5 منه.

(وعن) معقل بن يسار أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من قال حين يصبح ثلا مرات: اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرحيم: ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وكل الله به سبعين الف ملك يصلون عليه حتى يمسى. وإن مات =

ص: 149

وقل هو الله أحد والمعوذتين، فقال الرجل كأنه لم يشتك قط. اخرجه ابن أحمد في زوائد المسند والبيهقى والحاكم وفيه أبو جناب وهو ضعيف كثير التدليس، وقد وثقة ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح (1). {208}

(9)

الرقى: بضم الراء والقصر جمع رقية كمدية، وهى ما يقرأ من الدعاء لطلب الشفاء وهى جائزة بالقرآن والسماء الإلهية والأدعية النبوية اتفاقا بشروط ثلاثة:(أ) أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته (ب) وبلسان عربي أو بما يعرف معناه من غيره (جـ) أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بنفسها بل بفعل الله تعالى (2)، ودليلة قول عوف بن مالك: كنا نرقى في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا على رقاكم لا باس بالرقى ما لم يكن فيه شرك. أخرجه مسلم وأبو داود (3). {209}

وحديث أتهيل بن آبى صالح عن أبيه قال: سمعت رجلا من أسلم قال:

= فى ذلك اليوم مات شهيدا. ومن قالها حين يمسى كان بتلك المنزلة. أخرجه أحمد والدرامى والترمذى وحسنة والطبرانى والبيهقى - انظر ص انظر ص 203 ج 5 فتح القدير للشوكانى.

(لاحكام) وقد تضمنت هذه الايات (أ) بيان علو شأن القرآن وجودة ألفاظه وقوة مبانية وبلاغته واشتماله على العظات التى تحيا بها القلوب (ب) تفريع من لم يخشع للقرآن ولا يتعظ بمواعظه (ج) الحث على التوحيد والتنفير من الشرك (د) بيان أن علم الله تعالى محيط بكل الخلق وأن إحسانه شامل للجميع.

(1)

انظر ص 27 ج 1 فتح القدير الشوكانى، وص 115 ج 5 مجمع الزوائد (رقية المجنون)(وبيان) سورة الإخلاص تقدم بص 15 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية (وبيان) ما يتعلق بالمعوذتين تقدم بص 17 ج 3 منه.

(2)

انظر ص 152 ج 10 فتح البارى (الرقى بالقرآن).

(3)

انظر ص 187 ج 14 نووى (استحباب الرقية)، وص 13 ج 4 عون المعبود (الرقى).

ص: 150

كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، لدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت ن قال: ماذا؟ قال: عقرب، قال: أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خل لم يضرك إن شاء الله. أخرجه أبو داود والنسائي (1). {210}

(وقول) جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى. فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا: يا رسول الله، إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى ن فعرضوها عليه، فقال:" ما آري باسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه " اخرجه مسلم (2){211}

وقد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها، ولكن دل حديث عوف بن مالك أن ما كان من الرقى يؤدى إلى الشرك يمنع. ومالا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدى إلى الشرك فيمتنع احتياطا (3).

(وقال) بعضهم: لا تجوز الرقية إلا من العين واللدغة (لحديث) بريده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا رقية إلا من عين أو حمة " أخرجه أحمد وابن ماجه وكذا الترمذى وأبو داود عن عمران بن حصين مرفوعا (4){212}

(وعن) سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة " اخرجه أبو داود (5). {213}

(1) انظر ص 19 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى).

(2)

انظر ص 186 ج 14 نووى (استحباب الرقية من العين).

(3)

انظر ص 152 ج 1 فتح البارى (الرقى القرآن) وحديث عوف بن مالك تقدم رقم 209 ص 150.

(4)

انظر ص 186 ج 2 - ابن ماجه (ما رخص فيه من الرقى) وص 164 ج 3 تحفة الأحوذى (الرخصة فى ذلك) وص 12 ج 4 عون المعبود (تعليق التمائم).

(5)

انظر ص 15 ج 4 عون المعبود

ص: 151

والنفس العين، والحمة بضم ففتح السم.

(وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم لا يرقأ " اخرجه أبو داود والحاكم والطبرانى (1). {214}

(وأجاب) الجمهور أن تخصيص ما ذكر لا يمنع الرقية من غيره من الأمراض.

فمعنى الحديث: لا رقية أولى وأنفع من رقية العين وما معها. وإلا فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى بعض أصحابه من غير ما ذكر.

(قال) ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم من الحمى ومن الأوجاع كلها أن يقول " باسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار ومن شر حر النار " اخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه والترمذى وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن آبى حبيبة، وإبراهيم يضعف في الحديث ويروى عرق يعار (2). {215}

(وحديث) ثابت بن قيس بن شماس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه وهو مريض فقال: " اكشف الباس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس "

(1) انظر ص 16 ج 4 منه (لا يرقأ) أى لا يسكن.

(2)

انظر ص 187 ج 2 - ابن ماجه (ما يعوذ به من الحمى) وص 173 ج 3 تحفة الأحوذى (تبريد الحمى بالماء) و (نعار) بشد العين أى فوار يخرج منه الدم بقوة (ويعار) بالياء وشد العين أى صوات واستعاذ منه لأنه اذا غلب لم يمهل.

ص: 152

ثم اخذ ترابا من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه بماء ثم صبه عليه. أخرجه أبو داود والنسائي (1){216}

والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الماء في فيه ثم رمى بالماء على التراب ثم صب التراب المخلوط بالماء على ثابت بن قيس. وإنما جعل الماء أولا في فيه ليخالط ريق النبي صلى الله عليه وسلم (ويؤيده) حديث سفيان بن عيينه عن عبد ربه بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال بإصبعه هكذا. ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها فقال: " تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا " اخرجه الستة إلا الترمذى (2). {217}

المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يأخذ من ريق نفسه على سبابته ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شئ فيمسح به الموضع الجريح أو العليل قائلا حال المسح باسم الله

" وفيه دلالة على جواز الرقى من كل الآلام وأن ذلك

(1) انظر ص 12 ج 4 عون المعبود (فى الرقى). و (بطحان) بفتح فسكون اسم واد فى المدينة و (النفث 9 الرمى يقال نفثه من باب ضرب إذا رمى به ونفث اذا برق ولا ريق معه.

(2)

انظر ص 162 ج 10 فتح البارى (رقية النبى صلى الله عليه وسلم وص 183 ج 14 نووى (رقية المريض)، وص 19 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى)، وص 187 ج 2 ابن ماجه (ماعوذ به النبى صلى الله عليه وسلم (وتربة ارضنا) أى هذه تربة أرضنا ممزوجة بريقة بضنا. والمراد جملة الأرض. والنفث ووضع السبابه على، لعله الخاصية فى ذلك أو لطلب مباشرة الأسباب المعتادة. وقد دلت التجارب الطبية أن للريق مدخلا فى النضج وتعديل المزاج. وتراب الوطن له تأثير فى حفظ المزاج ودفع الضرر. وتمامه بص 162 ج 10 فتح البارى. و (يشفى سقيمنا) بضم أوله مبنيا للمجهول. وبفتحه والفاعل مقدر وسقيم مفعول

ص: 153

كان أمرا فاشيا معلوما بينهم ووضع النبي صلى الله عليه وسلم سبابته بالأرض، ثم وضعها على موضع الألم يدل على استحباب ذلك عند الرقية.

(وحديث) عثمان بن آبى العاص أنه اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ اسلم فقال له: ضع يدك على الذي يالم من جسدك وقل: باسم الله ثلاث مرات، وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. قال ففعلت ذلك مرارا فاذهب الله ما كان بى فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم. اخرجه مسلم والربعة وقال الترمذى: حسن صحيح (1). {218}

والمقصود أنه يستحب وضع يده على موضع اللم ويأتي بالدعاء المذكور.

(وقال) محمد بن سالم: قال لي ثابت البنانى: يا محمد إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكى ثم قل: باسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعى هذا ثم ارفع يدك، ثم أعد ذلك وترا، فإن أنس بن مالك حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك. أخرجه الترمذى وحسنه والحاكم وصححه (2). {219}

وعن عبد العزيز بن صهيب أن أنسا قال لثابت البنائى: ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، فقال: اللهم رب الناس

(1) انظر ص 189 ج 14 نووى (استحباب وضع اليد على موضع الألم) وص 17 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى)، وص 175 ج 3 تحفة الأحوذى، وص 187 ج 2 - ابن ماجه (ما عوذ به النبى صلى الله عليه وسلم (مرارا) تكرير الدعاء لكونه أنجع وابلغ كتكرير الدعاء الطبيعى. وفى السبع خاصية لا توجد فى غيرها.

(2)

انظر ص 175 ج 3 تحفة الأحوذى. (الشرح)

ص: 154

مذهب البأس اشف أنت الشافعي لا شافي إلا أنت اشفه شفاء لا يغادر سقما " أخرجه أحمد والبخاري والثلاثة (1). {220}

وعن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من عبد مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات: اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عوفي " أخرجه الثلاثة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (ورد) بأن فيه ابا خالد الدالانى فيه مقال، وقال الترمذى: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث المنهال (2){221}

وعن خالد بن الوليد أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعه بالليل فقال: " إلا أعلمك كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام وزعم أن عفريتا من الجن يكيدنى فقال: أعوذ بكلمات الله التامات آلتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طارق الليل والنهار إلا طارقا طيرق بخير يا رحمن " اخرجه الطبري في معجمه والبيهقى وابن عساكر (3). {222}

وهاك بعض ما ورد من الرقية لأمراض معينة:

(1)

الرقية من العين: العين إنسية وجنية (قال) أبو سعيد الخدرى:

(1) انظر ص 161 ج 10 فتح البارى (رقية النبى صلى الله عليه وسلم، وص 17 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى)(والسقم) بفتحتين وبضم فسكون.

(2)

اتظر ص 239 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء للمريض) وص ج 3 تحفة الأحوذى.

(3)

انظر ص 57 الطب النبوى. (الأدوية النبوية).

ص: 155

كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان وعبن الإنس، فلما نزل المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك. أخرجه النسائي وابن ماجه (1){223}

وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيتها رأى بوجهها سفعة فقال: " بها نظرة فاسترقوا لها "(يعنى بوجهها صفرة). أخرجه مسلم (2){224}

يعنى أن بها عينا أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح (3).

وتقدم أن التأثير في هذا ونحوه بإرادة الله تعالى وليس مقصورا على الاتصال الجسماني بل ولا على الرؤية. فقد يكون العائن أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وكثير من العائنين يؤثر في المعين من غير رؤية. قال تعالى:

(1) انظر ص 318 ج 2 مجتبى (الاستعاذة من عين الجان) وص 186 ج 2 - ابن ماجه (من استرقى من العين).

(2)

انظر ص 185 ج 14 نووى (الرقية من العين) والسفعة بفتح وفاء ساكنة فسرت فى الحديث بالصفرة وقيل هى لون يخالف لون الوجه. وقيل أخذه من الشيطان.

(3)

انظر ص 117 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى العلاج بالادوية الروحانية الإلهية) وفيه: وقد انكر قوم قل نصيبهم من العلم النافع والعقل المانع أمر العين وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها وهم من أجهل الناس بالسمع والعقل وابعدهم معرفة بالارواح والنفوس وتأثيرها. والعقلاء على اختلاف مللم لا يدفعون أمر العين ولا ينكرونه وإن اختلفوا فى سببه ووجه تأثير العين (فقالت) طائفه إن العائن إذا تكيفت نفسه بكيفية رديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيتضرر ونظيره انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل الإنسان فيهلك فقد اشتهر عن نوع من الأفاعى أنها إذا وقع بصرها على إنسان هلك فكذا العائن (وقالت) فرقة: لا يستبعد أنينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر ن ولا ريب أن الله تعالى خلق فى الأجسام والرواح قوى وطبائع مختلفة وجعل فى كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة فى الأجسام كما هو مشاهد محسوس فأنت ترى الوجه يحمر خجلا إذا نظراليه من يستحى منه، ويصفر خوفا عند نظر من يخافه وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه بواسطة تأثير الأرواح. والأرواح مختلفة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها وليست هى الفاعلة بل التأثير للروح. والأرواح مختلفة فى طبائعها وقواها وخواصها فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا لا ينكره إلا من هو خارج عن دائرة الإنسانية ولذا امر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شر الحاسد (والحسد) اصله الإصابة بالعين فإن النفس الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة وتقابل المحسود فتؤثر فيه تلك الخاصية.

ص: 156

" وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ"(1)، وقال تعالى:" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " إلى قوله: " وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ " فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا. فالاستعاذة من الحاسد استعاذة من العائن. وهى سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه أخرى. فإن صادفته - لا وقاية عليه - آثرت فيه وإن صادفته واقيا نفسه لم تؤثر فيه (2).

وتقدم أن علاج العين (أ) بعد الإصابة يكون بغسل العائن أطرافه وداخله إزاره ثم يصب ماء الغسل على راس المعين من خلفه بغته (ب) وقيل إصابة النظرة تدفع بدعاء العائن للمعين بالبركة وبقوله: ما شاء الله لا قوة إلا بالله (جـ) ويدفع شر العين أيضا بما في حديث آبى سعيد الخدرى قال: " أتى جبريل النبي صلى الله

(1) سورة ن: 51 (والمعنى) وأن بعض قريش أرادوا أن يصيبوا النبى صلى الله عليه وسلم فنظر اليه من جربت إصابتهم فعصمه الله وحماه من عينهم فلم تؤثر فيه. وهذه الاية تنفع كتابة وقراءة للمعين فلا تضره العين. انظر ص 188 ج 4 الصاوى على الجلالين (ويزلفونك) بضم الياء وفتحها أى يحسدونك لولا وقاية الله لك وحمايتك منهم.

(2)

انظر ص 118 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى العلاج بالأدوية الروحانية الإلهية).

ص: 157

عليه وسلم: يا محمد اشتكيت؟ قال: نعم، فقال جبريل عليه السلام: باسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد. الله يشفيك، باسم الله أرقيك " أخرجه مسلم وابن ماجه والترمذى (1). {225}

وما في حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول: أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة. ويقول: هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحق وإسماعيل. اخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حسن صحيح (2). {226}

قال ابن القيم: ومن الرقى آلتي ترد العين ما ذكر عن آبى عبد الله التياحى أنه كان في سفر ومعه ناقة فارهة وكان في الرفقة رجل عائن قلما نظر إلى شئ إلا أتلفه. فقيل لبى عبد الله: احفظ ناقتك من العائن. فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل. فأخبر العائن بقوله، فتحين غيبه آبى عبد الله فجاء إلى رحله فنظر إلى الناقة فاضطربت وسقطت. فجاء أبو عبد الله فأخبر أن العائن قد عانها وهى كما ترى. فقال: دلوني عليه فدل فوقف عليه وقال: باسم الله حبس حابس وحجر يابس وشهاب قابس رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه. " فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ {3} ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ

(1) انظر ص 170 ج 14 نووى (الطب) وص 187 ج 2 - ابن ماجه (ما عوذ به النبى صلى الله عليه وسلم.

(2)

انظر ص 187 ج 2 - ابن ماجه. وص 166 ج 3 تحفة الأحوذى (الرقية من العين) وكلمات الله هى القرآن واسماؤه تعالى وصفاته (والتامة) التى تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الآفات (والهامة) كل ذات سم يقتل وأما ذو سم لا يقتل فهو السامى كالعقرب والزنبور (واللمم) طرف من الجنون يلم بالإنسان أى يعتريه فاللامة ذات اللمم.

ص: 158

إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ " (1) فخرجت حدقتا العائن وقامت الناقة لا باس بها (2).

(2)

الرقية من لدغة العقرب: (قال) عبد الله بن مسعود: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غيره " ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ: قل هو الله أحد والمعوذتين حتى سكنت. اخرجه ابن آبى شيبه. (3){227}

وفى هذا الحديث العلاج بدواء مركب من الإلهي واطبعي (أ) أما العلاج الإلهي فإن في سورة الإخلاص من كمال التوحيد العلمي وإثبات الأحدية لله المستلزمة ففي كل شركة عنه وإثبات الصمدية المستلزمة لإثبات كل كمال له مع كون الخلائق تصمد إليه في حوائجها آي تقصده الخليقة وتتوجه إليه علويها وسفليها ونفى الوالد والولد والكفو عنه المتضمن لنفى الأصل والفرع والنظير والمماثل مما اختصت به وصارت تعدل ثلث القرآن. ففي اسمه الصمد إثبات كل الكمال وفى نفى الكفو التنزيه عن التشبيه والمثال وفى الأخذ نفى كل شريك لذي الجلال. وهذه الأصول الثلاثة هي مجامع التوحيد (وفى المعوذتين) الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا (فإن الاستعاذة) من شر ما خلق تعم كل شر يستعاذ منه سواء أكان في الأجسام أو الرواح. والاستعاذة من شر الغاسق - وهو الليل إذا اظلم أو القمر إذا غاب - تتضمن الاستعاذة من شر ما ينتشر فيه من الأرواح الخبيثة

(1) سورة الملك: عجز آية 3 وآية 4. و (الفطور) الصدوع والشقوق. وحسير أى منقطع لا يرى خالا.

(2)

انظر ص 120 ج 3 زاد المعاد.

(3)

انظر ص 122 ج 3 زاد المعاد (علاج لدغة العقرب).

ص: 159

آلتي كان نور النهار يحول بينها وبين الانتشار فلما أظلم الليل عليها وغاب القمر انتشرت وعاثت (والاستعاذة) من شر الحاسد تتضمن الاستعاذة من النفوس الخبيثة المؤذية بحسدها ونظرها. والسورة الثانية تتضمن الاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن. فقد جمعت السورتان الاستعاذة من كل شر ولهما شان عظيم في الاحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها (1)، وبهذا يظهر الشر فيما دل عليه حديث عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة. اخرجه أحمد والثلاثة وابن حبان وصححه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (2){228}

وفيه سر عظيم في دفع الشرور من الصلاة. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما تعوذ المتعوذون بمثلهما). (ب) أما العلاج الطبعى فإن في الملح نفعا لكثير من السموم ولا سيما لدغة العقرب يضمد به مع بذر الكتان للسع العقرب. وفى الملح قوة جاذبة محلله تجذب السموم وتحللها. ولما كان في لسع العقرب قوة نارية تحتاج إلى تبريد وجذب وإخراج - وهذا أتم ما يكون من العلاج وأيسره. وفيه تنبيه على أن علاج هذا الداء بالتبريد والجذب والأخراج (3).

(1) انظر ص 123 ج 3 زاد المعاد.

(2)

انظر ص 7 ج 4 - الفتح الربانى (اذكار وتعوذات

عقب الصلوات) وص 186 ج 8 - المنهل العذب (فى الاستغفار)، وص 196 ج 1 مجتبى (قراءة المعوذات بعد التسليم من الصلاة). والمعوذات بكسر الواو. والمراد، سورتا الفلق والناس.

(3)

انظر ص 123 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى علاج لدغة العقرب).

ص: 160

(وقد) قال أبو هريرة رضى الله عنه: لدغت عقرب رجلا فلم ينم ليلته. فقيل كي صلى الله عليه وسلم: إن فلانا لدغته عقرب قلم ينم ليلته. فقال: أما إنه لو قال حين أمسى: " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق - ما ضره لدغ عقرب حتى يصبح " اخرجه مسلم والأربعة إلا الترمذى بسند صحيح رجاله ثقات. (1){229}

هذا، ومن الرقى النافعة من لدغ العقرب أن يسال الراقي اللدغ عن مكان اللدغة من العضو فيضع على أعلاه حديدة ويقرأ:" سلام على نوح في العالمين وعلى محمد في المرسلين من حاملات السم أجمعين لا دابة بين السموات والأرض إلا ربى آخذ بناصيتها أجمعين، كذلك يجزى عباده المحسنين، إن ربى على صراط مستقيم نوح نوح قال لكم نوح: من ذكرني لا تأكلوه إن ربى بكل شئ عليم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " ويكر القراءة وهو مجرد موضع الألم بالحديدة حتى ينزل السم إلى اسفل الوجع فإذا اجتمع في أسفله جعل يمص ذلك الموضع حتى يذهب جميع اللم ولا اعتبار بفتور العضو بعد ذلك (2).

(وذكر) ابن عبد البر في التمهيد عن سعيد بن المسيب قال: بلغني أن من قال حين يمسى: سلام على نوح في العالمين، لم تلدغه عقرب. (وقال) عمرو بن دينار: أخذ على العقرب ألا تضر أحدا قال في ليل أو نهار: سلام على نوح في العالمين (وذلك) أن الحية والعقرب أتيا نوحا فقالا: احملنا، فقال نوح: لا أحملكما فأنتما سبب الضرر والبلاء. فقالا: احملنا ونحن نضمن لك ألا نضر

(1) انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى) وص 186 ج 2 - ابن ماجه (رقية الحية والعقرب) وصف الكلمات بالتامات لأنها تنفع المقولة له وتحفظه من الآفات وتكفيه.

(2)

انظر ص 26 ج 2 غذاء اللباب (ما يرقى به الملدوغ).

ص: 161

أحدا ذكرك فمن قرأ حين يخاف مضرتهما " سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ {79} إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {80} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ " ما ضرتاه (1).

هذا، واعلم أن الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد نزوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يقع وقوعا مضرا وإن كان مؤذيا. والأدوية الطبعية إنما تنفع بعد حصول الداء.

فالتعوذات والأذكار إنا أن تمنع وقوع هذه الأسباب، وأما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه (2).

(3)

رقية النملة: النملة - بفتح فسكون - قروح تخرج في الجنبين ترقى فتبرأ بإذن الله. سميت بذلك لأن صاحبها يحس في مكانها كأن نملة تدب عليه وتعضه. وفى القاموس: والنملة شق في حافر الدابة وقروح في الجنب كالنمل وبثرة تخرج في الجسد بالتهاب واحتراق ويرم مكانها يسيرا ويدب إلى موضع آخر كالنملة (وسببها) صفراء حادة تخرج من أفواه العروق الدقاق ولا تحتبس داخل الجلد لشدة لطافتها وحدتها (قالت) الشفاء بنت عبد الله: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال لي:" ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي في السنن الكبرى بسند رجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن مهدى المصيصى وهو ثقة، وأخرجه الحاكم وصححه (3). [230]

(1) انظر ص 27 ج 2 غذاء الألباب (ما يقال للحفظ من العقرب). والايات بالصافات: 79 و 80 و 81

(2)

انظر ص 123 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى علاج لدغة العقرب).

(3)

انظر ص 13 ج 4 عون المعبود (الرقى) والياء فى علميتها من إشباع الكسرة (والشفاء) بكسر الشين المعجمة والمد. =

ص: 162

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وفى الحديث دليل على جواز تعليم النساء الكتابة (ويؤيده) حديث عائشة بنت طلحة قالت: قلت لعائشة وأنا فى حجرها وكان الناس يأنونها من كل مصر فكان الشيوخ ينتابوننى (أى يقصدوننى مرة بعد مرة) لمكانى منها وكان الشباب يتآخوننى (أى يتخذونها أختا) فيهدون إلى ويكتبون إلى من الأمصار فأقول لعائشة: يا خالة هذا كتاب فلان وهديته فتقول لى عائشة: أى بنية فأجيبيه واثيبيه فإن لم يكن عندك ثاب أعطيتك فكانت تعطينى. أخرجه البخارى فى الأدب المفرد فى باب الكتابة إلى النساء (وممن) اشتهر بالفضل والعلم وجودة الخط من نساء السلف، شهدة بنت ابى نصر الكاتبة، كانت من العلماء كتبت الخط الجيد وسمع منها خلق كثير. توفيت فى المحرم سنة 574 هـ (انظر وفيات الأعيان لابن خلكان). (ومنهن) عائشة بنت أحمد القرطبية قال ابن حيان فى المقتبس: لم يكن فى زمانها من نساء الأندلس من يعدلها لعما وفهما وأدبا وشعرا وفصاحة وكانت حسنة الخط تكتب المصاحف توفيت سنة 400 هـ (انظر المقرى فى نفخ الطيب (وقال) بعضهم: لا يجوز تعليم النساء الكتابة مستدلا بروايات ضعيفة واهية (منها) حديث عروة عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة (الحديث) أخرجه ابن حبان فى الضعفاء. وفى سنده محمد بن إبراهيم الشامى منكر الحديث وضاع قال الدار قطنى كذاب. وقال ابن عدى: عامة أحاديثه غير محفوظة. وأخرج الحديث البيهقى فى شعب الإيمان والحاكم من طريق ىخر وقال صحيح الإسناد (ورد) بأن فيه عبد الوهاب ابن الضحاك كذبه أبو حاتم (وقال) النسائى وغيره متروك وقال الدار قطنى منكر الحديث. وأخرجه البيهقى من طريق آخر وقال: هذا بهذا الإسناد منكر (ومنها) حديث مجاهد عن ابن عباس مرفوعا لا تعلموا نساءكم الكتابة (الحديث) أخرجه ابن حبان فى الضعفاء وفيه جعفر بن نصر قال الذهبى متهم بالكذب. وقال ابن الجوزى فى العلل المتناهية هذا لا يصح. جعفر بن نصر حدث عن الثقات بالبواطيل. فهذه الروايات كلها ضعيفة جدا بل باطلة لا يصح الاحتجاج بها بحال (انظر ص 14 ج 4 هون المعبود)(فى الرقى).

هذا هو موقف الإسلام حيال تعليم المرأة، فهو بهها هذا الحق كما يعطيه الرجل، لأنه يعتبرها قسيمته لها من الحق ماله، وعليها ما عليه =

ص: 163

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والإسلام الذى اختص المرأة بنصيب من الحرمة والكرامة لم يظفر بمثله نظراؤها من الرجال - فكانت تجير الخائف وتفك العانى، وكفل لها حريتها وقد سحرمة رايها فلها أن تفصل عقدة الزواح إذا خدعت فيه أ، أكرهت عليه وليس لا مرئ أن يقودها فسرا إلى من لا تريد - هو الإسلام الذى اهتم بصلاح لها وتثقيف عقلها.

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق

والإسلام بتعليم المرأة يهيئ للمجتمع بيئة صالحة ويعد للحياة رجالا ينشئون نشأة طيبة. إن المرأة فى بيتها راعية على الولد والمتاع توجه وترشد، وتسدد وتقوم، وتدبر وتقتصد فتعليمها حق ييسر عليها وظيفتها والإسلام غنى بالنساء ذوات العقل الراجح كبار الصحابة فى كثير من أمهات المسائل.

والإسلام غنى بالشاعرة الملهمة، والخطيبة المفوهة، والحافظة الواعية، وبين أولادهن تربية إسلامية، فنصروا دينهم بما حرصوا عليه من حياة وافتدوه بما وهبهم الله من أرواح، فقرأنا عن السلف الصالح البطولة النادرة، والسياسة الحكيمة.

وإذا كان الإسلام قد قرر هذا الحق للمرأة فقد أحاطها بسياج من الحفظ يصونها، لأنها عورة مستورة إذا بلغت حد الشهوة حال بينها وبين اختلاط الرجال فلا يحل لأجنبى أن ينظر إليها أو يرى منها ما حرم الله. تغالى الماس فى هذا العصر ولم يفقهوا أمور الدين فلم يفرقوا بين تعليم البنت وحرمة الاختلاط. فشاع الفساد وعمت الفتنة.

أمن الدين أن نراهن غاديات رائحات كاسيات عاريات خليعات راقصات فى سبيل طلب العلم؟ لا وايم الحق فما سمعنا عمن تعلمن وتفقهن فى الصدر الأول من الإسلام أنهن فرطن فى دينهن ولا فى عرضهن، ايها القوم افيقوا ولا تقولوا بعقولكم وتشايعوا أهواءكم فإن الدين نظم مقررة وقوانين مشرعة. لقد بلغ السيل الزبى وأهملت المرأة بيتها ورعاية ولدها واشتغلت بما يزيد النار اشتعالا. فراحت تطالب باعمال الرجال واستجيبت رغبتها فاصبحنا نراهن فى دور الحكومة يسيطرن على الرجال ويدبرن بعض أمور الدولة وإذا كان الأمر إلى النساء فلا خير فى الحياة على ظهر الرض الرض ويالها من نكبة أن يطالبن بحق الانتخاب ليتامرن ويتحكمن. فإذا كان تعليم المرأة يخرجها عما خلقت له فتغشى =

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= المجالس العامة وتجلس الرجل - فلا خير فيه. أما إذا تعلمت لتفقه نفسها وترعى أولادها وتحفظ عورتها خرجت الحكمة من بيتها وهى فى عقر دارها وألهبت العزائم واستنهضت الهمم وهى من وراء حجاب.

وإنى أفسح المجال لفضيلة الستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت بحدث عن تعليم المرأة ومالها وما عليها من حقوق. قال:

تعليم المرأة الطب: نص العلماء على أنه ينبغى أن تتعلم الطب لمعالجة نوعها لأن رؤية الجنس للجنس أخف وهذا يشمل الجراحة وغيرها.

طبيعة المرأة: واذا كنت من الذين يحبذون تعليم المرأة فإنى ارى أن يقصر هذا التعليم على ما يناسب طبيعتها وبيئتها وما تدعو غليه حالة جنسها غليه وما يلائم رسالتها فى الحياة ومن العبث أن تتعلم المرأة هندسة البناء وهندسة الصرف والرى أو غير ذلك مما لا يتفق وتكوينها. إن مجتمعنا فى حاجة على زوجات وأمهات مثقفات ثقافة عالية فى كل ماله علاقة بشئون الأسرة والأولاد مع حظ وافر من التعليم حتى يستطعن تحقيق رساله سامية ينشدها المجتمع منهن.

التعليم واختلاط الجنسين: وليس معنى تعليم المرأة أن يختلط الفتيان والفتيات فى الدراسة وأنا لا اعتقد - ككثير من الناس - أن تعليم المرأة يتوقف على بدهة هذا الاختلاط وإذا كان بعض المعاهد يرى فصل الطلبة عن الطالبات فى المراحل الأولى من التعليم بل بعضها يرى فصل صغار الطلاب عن كبارهم فإجدر بنا أن نرى استمرار هذا الفصل بين الطلبة والطالبات فى مراحل التعليم العالى التى تستدعى عناية خاصة والتى لابد فيها من مراعاة الغرائز، وأنا فى حيرة مما هو قائم الأن تمنع الاختلاط فى بدء مراحل التعليم حيث لا اعتراض على ذلك ونتيجة فى المراحل العالية التى يجب أن نحيط الفتاة فيها بسياج قوى.

المرأة فى ميدان العمل: إن للمرأة أن تتناول الأعمال التى تتقنها فتستطيع أن تتكسب رزقها من التدريس لبنات جنسها وحياكة ملابسهن واشغال افبرة والكتابة وغير ذلك من المهن التى جرت العادة باختصاص المرأة بها وهذا كله حسن جميل على ألا تختلط بالرجال وألا تنزل إلى ميادينهم وليس فى هذا تضييق عليها أو احد من حريتها =

ص: 165

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فى العمل كما يتوهم البعض بل هذا صون لها ورعاية لأنوثتها كما تلفت الى ذلك هذه الإشارة الجميلة التى تضمنتها قوله تعالى - بصدد المر لنساء النبى صلى الله عليه وسلم بالتحفظ - " فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض ".

حقوق المرأة السياسية: ان ما نخشاه من الاختلاط فى التعليم وغيره هو بعينه ما نخشاه فى الاختلاط الذى تدعو إليه حركات الانتخاب. ولو أمكن أن يؤخذ راى المرأة فيمن ترشحه بعيدة من حركات الانتخابات المعروفة والتنقلات والاجتماعات الخاصة التى تدعو اليها مثل هذه الأحوال. نعم لو أمكن تلافى ذلك لما كان لدينا مانع من أن تعطى المرأة رايها فى المرشح الذى نختاره وأعتقد أن المرأة إذا كانت مرشحه للنيابة تتسع دائرة رايها فى المرشح الذى نختاره واعتقد أن المرأة اذا كانت مرشحه للنيابة تتسع دائرة الاختلاط وتكثر دواعية. وقد رايتا أن التنافس كثيرا ما يجر بالمرشحين الرجلين إلى التنابذ وإلقاء التهم بحق أو بغر حق، ولا أدرى ماذا يكون موقف المرشحة إزاء المرشح أو أزاء مرشحه أخرى وماذا يكون موقف الحامل والمرضع وأم الأطفال فى هذا الصدد ناخبة او مرشحة أتعنى بنفسها وأولادها؟ أن تعنى بإعطاء صوتها وبالمنافسة الانتخابية؟ ولا يقال إن التنافس الانتخابى يمكن ان يخلو من هذا لأنا نقول إن هذا قد يخف حدوثه مع الزمن ولكن ليس من الممكن خلو الانتخابات من هذا اللون فى أى بلد من البلدان (ولا يقال) إن بعض البلاد أعطت المرأة هذا الحق لدون نظر لما قد يترتب عليه لأتى اقول: إن البلاد التى يراد مجاراتها لم تمنح هذا الحق للمرأة الا تلبية لنزعات سياسية خاصة وليس تقرير حق للمرأة لا تأخذه الا عن هذا الطريق ولا تزال البلاد البعيدة عن العواصف السياسية والمؤثرات الخاصة بعيدة عن التفكير فى هذا ولكن يظهر أن حمى التقليد التى يصاب بها الضعيف من القوى كان لها رجة شديدة فى عقولنا وتفكيرنا وليس فى هذا الجانب فحسب بل فى جوانب شتى. وإذا كان الزمن - كما يقولون - يسير بالناس إلى ما يرونه طوعا أو كرها فنحن لا نعطيه قيادنا ولا نسلم له الأمر اختيارا منا وإقرار له فقرق بين ما يقع قهرا ولا اختيار للانسان فيه، وما يقع باختيار الإنسان ودعوته البه. وكم مما لا تحب موجود وحاصل وليس وجوده دليلا على استحسانه او على أنه حق ينبغى أن يسعى اليه إذا لم يوجد. لقد صح أن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما احدث النساء بعده لمنعهن المسجد كما منعه نساء بنى =

ص: 166

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إسرائيل. أخرجه أحمد والشيخان وهذا فى عصر السيدة عائشة يوم أن كان الدين حاكم النفوس ولا ادرى ماذا يكون الحال فيما نعلم اليوم ونرى.

الرقص التوقيعى: أما الرقص التوقيعى فظاهر من اسمه أنه ليس نوعا صرفا من الرياضة البدنية وإلا لو كان ذلك لما احتاج إلى أن يكون على نغمات الموسيقى. ثم لا أدرى ما العلاقة بين مزاولة نوع من الرياضة وضرورة أن يتم على نغمات خاصة. إن مزالو أنواع الرياضة البدنية للمراة لا باس به مع الاحتفاظ بالمبدأ العام الذى يقرره الدين وهو صون الكرامة وعدم مزاولتة أما الرجال أو الأجانب فى الحفرت وغيرها ولكن الرقص نفسه سواء كان على أنغام موسيقية أو بدون أنغام ففيما أعتقد أنه ليس ضربا من ضروب الرياضة التى يحتاج اليها فى تقوية الجسم وعضلاته. ولكنه لهو كثير ما تكون له عواقب غير حميدة. وللرياضة أنواع كثيرة يتحقق بها تقوية الجسم والعضلات، وما دام لدينا من أنواع الرياضة ما يغنينا عن الرقص التوقيعى فأجرينا ونحن أمة إسلامية أن تحتفظ بكل مالنا من مميزات تعتبر قواما للشخصية الإسلامية وأن الاندفاع وراء هذه التيارات بعصف بشخصيتنا الإسلامية كما نرى ذلك فى إباحة الخمور والاتجار بها علنا وغير ذلك مما جعلنا ننسلخ من شخصيتنا الإسلامية وانسلخنا بذلك أيضا عن أنفسنا ولا ريب أن قوام الطوائف والجماعات أساسه الاحتفاظ بالشخصيات الخاصة (جريدة المصرى يوم 5 - 11 - 1368 هـ 29 - 8 - 1949)(العدد 4241).

ولا يفوتنى هنا أن اسجل - لحضره صاحب المعالى أحمد مرسى بدر بك وزير المعارف - مكرمة من مكرماته الكثيرة وقرارا من قراراته الحكيمة فقد قرر. (أ) جعل التلعيم الدينى فى المدارس مادة أساسية لا كمالية كما كان من قبل (ب) إلغاء الرقص بمدارس البنات وأخذهن بما هو أجدى لهن من ذلك وأدعى إلى تربيتهن على الحشمة والكرامة وإبعادهن عن الخلاعة والتبذل والمجون (ج) تقييد بعثة البنات إلى الخارج حتى يتسنى لهن مسكن خاص يأوين إليه ومشرف أمين تطمئن النفوس إلى استقامته وأمانته وحسن سيرته. (د) أن يكون زى الطالبات والمدرسات والناظرات والمراقبات سادلا كاملا، وألا يستعلمن اصباغ الوجوه والأصابع ليظهرن بمظهر الحشمة والكمال.

وإنا لنشكر لمعالى الوزير استجابته لنداء الضمير ودعاء الحق وانتصاره للفضيلة واعتزازه بتقاليد الدين التى تحفظ للمرأة كرامتها وتصون قدسيتها. =

ص: 167

وروى الخلال أن الشفاء بنت عبد الله كانت ترقى في الجاهلية من النملة، فلما هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إنى كنت أرقى في الجاهلية من النملة وإنى أريد أن أعرضها عليك فعرضتها فقالت: باسم الله صلت حتى يعود من أفواهها ولا تضر أحد. اللهم اكشف البأس رب الناس قال: ترقى على عود سبع مرات وتقصد مكانا نظيفا وتدلكه على حجر يخل خمر حاذق وتطليه على النملة. (1)

(4)

رقية الحبة: قالت عائشة رضى الله عنها: رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية من الحية والعقرب " أخرجه ابن ماجه. (2){231} والرقية منهما داخله في الرقية من الحمى.

(5)

رقية الفزع والرق: الأرق بفتحتين عدم النوم. قال بريدة: شكا خالد بن الوليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما أنام الليل من الرق، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:" إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم رب السموات السبع وما أظلت ورب الرضين وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط على أحد منهم وأو أن يبغي عز جارك وجل ثناؤك لا اله غيرك لا اله إلا أنت " أخرجه

= ونحمد الله لهذة الأمة المصرية إجماعها على تقدير هذا العمل الجليل وإكبارها لشأن معالى الوزير ولم يشذ عن ذلك إلا بضعه من الكتاب والصحفيين اشتهروا بين الأمة المصرية الكريمة بمعاداة الإسلام والفضيلة ومناصرة الإباحية والرذيلة. ونشكر الله تعالى إذ لا يبلغ عددهم اصابع اليد الواحدة. وهذا ليس نصرا للوزير وحده بل نصر للحق وتأييد للدين " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ".

(1)

انظر ص 124 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى رقية النملة)

(2)

انظر ص 186 ج 2 - ابن ماجه (رقية الحية والعقرب.

ص: 168

الطبرانى وابن أبى شيبه والترمذى وقال: حديث ليس بإسناده بالقوى ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل من غير هذا الوجه (1). {232}

(وقال) ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى " وَاضْمُمْ إلَيكَ جَنَاَحَكَ مِنَ الَّرهْبِ " المعنى: اضمم يدك إلى صدرك ليذهب عنك الخوف. قال مجاهد: كل من فرزع فضم جناحية إليه ذهب عنه الروع.

(6)

التمائم: هي جمع تميمة، وهى خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها يتقون بها العين في زعمهم فابطلها الإسلام (روى) عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له " أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبرانى والحاكم بسند رجاله ثقات (2). {233}

(وقال) عيسى بن عبد الرحمن بن آبى ليلى: دخلت على عبد الله بن عكيم آبى معبد الجهنى أعوده وبه حمرة فقلت: ألا تعلق شيئا؟ قال: الموت اقرب من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من تعلق شيئا وكل إليه " أخرجه أحمد والحاكم والنسائي والطبرانى والبيهقى والترمذى وقال إنما نعرفه من حديث ابن آبى ليلى. قال الهيثمى: هو سيئ الحفظ بقية رجاله ثقات (3). {234}

والأحاديث في هذا كثيرة (4). وهى محمولة على التمائم والتعاويذ آلتي فيها

(1) انظر ص 266 ج 4 تحفة الأحوذى (الدعوات).

(2)

انظر ص 103 ج 5 مجمع الزوائد (فيمن يعلق تميمة).

(3)

انظر ص 171 ج 3 تحفة الأحوذى (كراهية التعليق) وص 103 ج 5 مجمع الزوائد. (من يعلق تميمة أو نحوها)

(4)

(تقدم بعضها فى صفحة 118 ج 5 - الدين الخالص 0 ما يقول من يفزع فى نومه)

ص: 169

شرك وما لا يعرف وعلى خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها لاتقاء العين وهى ممنوعة اتفاقا.

أما التمائم المشتملة على شئ من كتاب الله تعالى أو اسم من أسمائه أو دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) ابن مسعود وابن عباس وحذيفة وعقبة ابن عامر: لا يجوز تعليقها. وبه قال الحنفيون وأحمد في رواية وبعض الشافعية لعموم الأحاديث السابقة (وقال) ابن عمرو وعائشة: لا بأس بتعليقها. وبه قال مالك وأحمد في رواية وأكثر الشافعية لحديث عوف بن مالك المتقدم في بحث الرقى (1)(وحديث) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لن تضره. وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه ومن لم يعقل كتبها في صك ثم علقها في عنقه " أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد، والترمذى وقال: حسن غريب (2). {235}

(والأفضل) لمن كملت ثقته بالله تعالى وتم تفويضه إليه ترك تعليق التمائم والتعاويذ (لحديث) ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل الجنة من آمتي سبعون ألفا بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " أخرجه البخاري (3). {236}

(1) انظر رقم 209 ص 150

(2)

انظر ص 18 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى وص 266 ج 4 تحفة الأحوذى وهمزان الشياطين وساوسهم والقائهم الفتنة فى القلب.

(3)

انظر ص 242 ج 11 فتح البارى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)

ص: 170

فهؤلاء كمل تفويضهم إلى الله تعالى فلم يتسببوا في دفع ما أوقعه بهم ولا شك في فضيلة هذه الحالة ورجحان صاحبها. وأما تطبب النبي صلى الله عليه وسلم فلبيان الجواز (1). وهاك بعض ما ثبت في كتابه تمائم لبعض الأمراض:

(1)

تميمة الحمى: (قال) المروزى: بلغ أحمد أنى حممت فكتب لي من الحمى رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم باسم الله وبالله ومحمد رسول الله يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم. أرادوا به كيد فجعلناهم الأخسرين.

اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل شف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق آمين (2)

(2)

تميمة عشر الولادة: قال عبد الله بن أحمد: رأيت آبى يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض أو شئ نظيف يكتب حديث ابن عباس رضى الله عنهما " لا اله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين كأنهم يوم يرون ما يوعدون. لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها "(وعن) عكرمة أن ابن عباس قال: مر عيسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها فقالت: يا كلمة الله ادع الله لي أن يخلصني مما أنا فيه فقال: يا خالق النفس من النفس ويا مخلص النفس من النفس ويا مخرج النفس من النفس خلصها. قال: فرمت بولدها فإذا هي قائمة تشمه. فإذا عسر على المرأة ولدها فاكتبه لها. ذكره الخلال. وكل

(1) انظر ص 91 ج 3 نووى مسلم (دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب)

(2)

(انظر ص 57 - الطب النبوى) الأدوية النبوية) وص 25 ج 2 غذاء الألباب (ما يكتب لحمى)

ص: 171

ما تقدم من الرقى فإن كتابته نافعة (1).

(3)

تميمة الرعاف: كان ابن تيمية يكتب على جبهة الراعف " وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ "(2).

ولا يجوز كتابتها بدم الراعف لأنه نجس (3).

(4)

تميمة الوحشة: (روى) أن امرأة شكت إلى الأمام أحمد أنها مستوحشة في بيت وحدها، فكتب لها رقعة بخطه " بسم الله وفاتحه الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي "(4).

(5)

تميمة عرق النسا: يكتب بسم الله الرحمن الرحيم اللهم رب كل شئ ومليك كل شئ وخالق كل شئ أنت خلقتني وأنت خلقت النسا فلا تسلطه على بأذى ولا تسلطني عليه بقطع. وأشفني شفاء لا يغادر سقما لا شافي إلا أنت (5).

(6)

تميمة وجع الضرس: يكتب على الخد الذي بلى الوجع بسم الله الرحمن الرحيم " قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (6) " - وان شاء كتب - " وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "(7)

(1) انظر ص 180 ج 3 زاد المعاد (كتاب لعسر الولادة)

(2)

هود: 44

(3)

انظر ص 180 ج 3 زاد المعاد (كتاب للرعاف)

(4)

انظر ص 25 ج 2 غذاء الالباب (ما يكتب للوحشة)

(5)

انظر ص 181 ج 3 زاد المعاد (كتاب لعرق النساء)

(6)

الملك: 23

(7)

الأنعام: 13 انظر ص 181 ج 3 زاد المعاد (كتاب لوجع الضرس)

ص: 172