الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالقميص دون أيديهم. وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. أخرجه أبو داود والبيهقى وابن حبان والجاكم (1). {443}
ولعل الصحابة رضى الله عنهم تذكروا بهذا الصوت ما كانوا يعرفون من وجوب حفظ كرامة الرسول صلى الله عليه وسلم فغسلوه فأرسلت قميصه لا أنهم اعتمدوا فأرسلت ذلك على مجرد سماع الصوت، إذ مثل هذا لا ينبني عليه حكم شرعي. (وحديث) عبد الله بن الحارث بن نوفل: أن عليا رضى الله عنه غسل المنهي صلى الله عليه وسلم وعلى المنهي قميص ويبد على خرقة يتبع بها تحت القميص. أخرجه البيهقى (2){444}
(والمعنى) أن عليا رضى الله عنه لف خرقة على بده وأدخلها تحت القميص يتعهد بها السوءة كما يصنع بغير المنهي صلى الله عليه وسلم من الموتى. وأما بقية الجسد الشريف فغسل من فوق القميص كما تقدم في حديث سعيد بن المسيب عن على (3).
(ب) تكفين الميت
هو فرض كفاية بالإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم في شان المحرم الحي وقصته ناقته- وكفنوه في ثوبيه (4)
ويقدم على الدين والوصية. فان كان الميت موسرا كفن من ماله وإلا فكفنه على من تلزمه نفقته إلا الزوج فلا يلزم بكفن امرأته عند محمد بن الحسن واحمد وهو مشهور مذهب مالك وصححه المارودى
(1) انظر ص 299 ج 8 - المنهل العذب " ستر الميت عند غسله " وص 387 ج 3 يبقهى " غسل الميت فى قميص "
(2)
انظر ص 388 ج 3 بيهقى " ما ينهى عنه من النظر إلى عورة الميت ".
(3)
انظر رقم 441 ص 328 " غسل النبي صلى الله عليه وسلم "
(4)
انظر الحديث رقم 407 ص 293 " غسل الميت "
وغيره من الشافعية. فيجب كفنها من مالها لأنها بالموت صارت أجنبية فلا يلزم الرجل كفنها (وقال) أبو حنيفة وأبو سف: يلزمه كفنها ولو تركت مالا، وعليه الفتوى وهو الأصح عن الشافعية. وروى عن مالك لانه تابع للمؤنة كالكسوة فمن لزمه كسوتها في الحياة يلزمه كفنها بعد الوفاة كالأمة مع السيد (فان لم يكن) للميت مال ولا زوج ولا منفق فكفنه في بيت المال. فان لم يعط ظلما أهلها عجزا فعلى الناس. ولا يشترط كون التكفين من مكلف حتى لو كفنه صبى أو مجنون اجزا لوجود المقصود (وحكمة) وجوب التكفين أمه ستر الإنسان واجب في الحياة فكذا بعد الموت. ثم الكلام في الكفن ينحصر في عشرة فصول.
(1)
ما يطلب فيه: يطلب فيه أربعة أمور: (1) يستحب كونه ابيض (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم. أخرجه احمد وابن حيان والحاكم والبيهقى والأربعة إلا النسائي وصححه الترمذى وابن القطان (1){445}
(وعن) سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البسوا ثياب البياض فإنها أطيب واطهر وكفنوا فيها موتاكم. أخرجه احمد والنسائي والبيهقى والترمذى والحاكم وصححاه (2){446}
(1) انظر ص 170 ج 7 - الفتح الرباني " استحباب إحسان الكفن " وص 245 ج 3 بيهقى (خير ثيابكم البيض - من كتاب الجمعة) وص 90 ج 4 عون المعبود (البياض - كتاب اللباس) وص 132 ج 2 تحفة الاحوذى (ما يستحب من الأكفان) وص 231 ج 1 - ابن ماجه.
(2)
انظر ص 171 ج 7 - الفتح الرباني (استحباب إحسان الكفن) وص 268 ج 1 مجتبى (اى الكفن خير؟ ) وص 402 ج 3 بيهقى (استحباب البياض في الكفن) وص 132 ج 2 تحفة الاحوذى (ما يستحب من الأكفان)
فيستحب تكفين الميت في الأبيض لكونه أطيب، أي احسن من غيره لما في البياض من الصفاء والبريق ولانه اطهر فانه إذا أصابه شئ من النجاسة أو الدنس يظهر فيه.
(والآمر) في هذه الأحاديث محمول على الندب (لقول) جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا توفى أحدكم فوجد شيئا فليكفن في ثوب حبرة. أخرجه أبو داود والبيهقى بسند جيد (1){447}
والحبرة كعنبه نوع من برود اليمن مخطط ذو ألوان من قطن أو كتان. ولذا اتفق العلماء على استحباب التكفين في الثياب البيض. وتقدم تمامه في بحث لبس الأبيض. (2)
(ب) ويستحب تطيب الكفن وترا بان يدار المجمر وفيه المود مرة أو ثلاثا أو خمسا على الكفن بعد أن يرش عليه ماء الورد لتعلق الرائحة به (لحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا. أخرجه احمد والبراز ولاحاكم وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البيهقى بلفظ: إذا أجرتكم الميت فاوتروا. وروى: أجمروا كفن الميت ثلاثا (3){448}
وهذا في حق غير المحرم. أما المحرم فلا يبخر كفنه (لحديث) ابن عباس
(1) انظر ص 310 ج 8 - المنهل العذب (الكفن) وص 403 ج 3 بيهقى (من استحب في الكفن الحبرة) وص 170 ج 7 - الفتح الرباني (استحباب إحسان الكفن)
(2)
انظر ص 207 ج 7 - الدين الخالص. طبعة أولى وص 154 طبعة ثانيه.
(3)
انظر ص 188 ج 7 - الفتح الربائى (تطيب بدن الميت وكفنه) وص 26 ج 3 مجمع الزوائد (الاجمار). و (أجمرتم الميت) أي يخرتم كفنه أو بدنه بالطيب وص 405 ج 3 بيهقى (الحنوط للميت).
أن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقتة وهو محرم فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فانه يبعث يوم القيامة مليبا. أخرجه السبعة (1){449}
وصفة التطييب أن يجعل الكفن على عود وغيره، ثم يبخر كما يبخر ثياب الحي حتى تعبق بها رائحة الطيب. ويستحب أن يكون الطيب عودا وكون العود غير مطيب بالمسك فان كان مطيبا به جاز (2)
(جـ) ويستحب تحسين كفن الميت بتنظيفه وكونه متوسطا سائرا الميت غير محرم استعماله (لحديث) جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه. أخرجه السبعة إلا البخاري (3). {450}
(وحديث) أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احسنوا الكفن ولا تؤذوا موتاكم ولا بتزكية ولا بتأخير وصية ولا بقطيعة وعجلوا بقضاء دينه واعدلوا عن جيران السوء وإذا حفرتم فاعمقوا ووسعوا. أخرجه الديلى في مسند الفردوس (4){451}
(1) انظر رقم 407 ص 293 (غسل الميت)
(2)
انظر ص 167 ج 4 مجموع النووي. و (عبق به الطيب عبقا) من باب تعب، ظهرت ريحه بثوبه أو بدنه.
(3)
انظر ص 169 ج 7 - الفتح الربائى (استحباب إحسان الكفن) وص 10 ج 7 نووي مسلم (تحسين الكفن) وض 307 ج 8 - المنهل العذب (الكفن) وص 267 ج 1 مجتبى (الأمر بتحسين الكفن) وص 133 ج 2 تحفة الاحوذى. وص 232 ج 1 - ابن ماجه (ما يستحب من الكفن) وص 403 ج 3 بيهقى. (ويحسن) بضم الياء وفتح الحاء أو إسكائها من التحسين أو الإحسان أي يجعل كفنه حسنا. (والكفن) بفتح الفاء اسم لما يكفن به.
(4)
انظر ص 308 ج 8 المنهل العذب (الكفن)
(وعن) أبى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه فانهم يتزاورون في قبورهم. أخرجه البيهقى في شعب الأيمان (1){452}
(د) وينبغي تجنب المغالاة في الكفن (روى) عن حذيفة رضى الله عنه انه قال عند موته: ابتاعوا لي كفنا فأتى بحلة ثمنها ثلاثمائة وخمسين درهما، فقال: لا حاجة لي بها اشتروا لي ثوبين أبيضين ولا عليكم ألا تغالوا فانهما لم يتركا على إلا قليلا حتى أبدل بهما خيرا منهما أو شرا منهما. أخرجه ابن أبى شيبة والحاكم والبيهقى (2){453}
والثوب العسيل والجديد سواء عند الحنفيين (لقول) عائشة: دخلت على أبى بكر رضى الله عنه، فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أي يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين. قال: فأي يوم هذا؟ قالت يوم الاثنين. قال أرجو فيما بيني وبين الليل، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما، قلت: إن هذا خلق. قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو المهملة، فلم يتوف حتى أمسي من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح. أخرجه البخاري (3){454}
(1) انظر ص 171 ج 7 - الفتح الربائى (الشرح)
(2)
انظر ص 403 ج 3 بيهقى (من كره ترك القصد فيه). والحلة ثوبان.
(3)
انظر ص 163 ج 3 فتح الباري (موت يوم الاثنين) و (سحولية) بفتح السين وضمها نسبة سحول قرية باليمن. والسحولية ثياب بيض نقية. و (ارجو فيما بيني وبين الليل) أي ارجو الوفاة في هذا الوقت ليوافق يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. و (به ردع) بفتح فسكون أي لطخ لم يعمه كله (وخلق) بفتحتين أي غير جديد. (المهلة) بتثليث الميم وسكون الهاء القيح يسيل من الجسد.
(وقالت) المالكية والشافعية: الغسيل في الكفن افضل (لقول) عبادة بن نسى: لما حضرت أبا بكر الوفاة لعائشة: اغسلي ثوبي هذين وكفيني بهما فإنما أبوك أحد رجلين أما مكسو احسن الكسوة، أو مسلوب أسوا السلب. أخرجه عبد الله بن احمد في زوائد كتاب الزهد (1){455}
(وقالت) الحنبلية: يستحب أن يكون الكفن جديدا إلا أن يوصى الميت بغيره فتمتثل وصبته، كما ورد عن الصديق. وبه قال الجمهور (لحديث) عائشة أن أبا بكر رضى الله عنه قال لها: يا بنية أي يوم توفى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين. قال في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يا أبت كفناه في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة ادرج فيها إدراجا. أخرجه احمد والبيهقى (2){456}
(2)
ما يكون من الكفن: يكفن الميت فيما يحل له لبسه حيا، فلا يكفن الرجل في الحرير إلا إذا لم يوجد غيره لكن لا يزاد على ثوب (وأما) المرأة فيكره تكفينها في الحرير عند وجود غيره عند الجمهور لان فيه سرفا وإضاعة المال بخلاف اللبس في الحياة فانه تجمل للزوج (وقيل) يجوز تكفينها فيه والاشبه الحرمة لما فيه من السرف والمغالاة المنهي عنها. قال احمد: لا يعجبني أن تكفن المرأة في شئ من الحرير (3). (وأما) المعصفر والمزعفر فيكره تكفينها فيه عند الشافعي واحمد. ولا يكره عند الحنفيين ومالك. ويعتبر في الكفن
(1) انظر ص 262 ج 2 نصب الراوية.
(2)
انظر ص 173 ج 7 - الفتح الربائى (صفة الكفن للرجل) وص 399 ج 3 بيهقى (عدد الكفن) و (يمانية) بتخفيف الياء على المشهور لان الألف بدل ياء النسب فلا يجتمعان بل يقال يمنية بشد الياء أو يمانية بتخفيفها. والتشديد لغة.
(3)
انظر ص 313 ج 2 مغنى ابن قدامه.
المباح حال الميت. فان كان غنيا فمن جياد ثيابه، وإن كان متوسطا فمن أوسطها وإن كان فقيرا فبحسب حاله (1).
(3)
كفن النبي صلى الله عليه وسلم: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض يمنية من قطن (قالت) عائشة: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية، من كسف ليس فيها قميص ولا عمامة. أخرجه الستة والبيهقى (2){457}
وهذا هو الصحيح الثابت في كفن النبي صلى الله عليه وسلم، وما خالفه ضعيف لا يحتج به.
(1)
كحديث يزيد بن أبى زياد عن مقسم عن ابن عباس قال: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب نجرانية: الحلة ثوبان، وقميصه الحي مات فيه أخرجه احمد وابن ماجة والبيهقى وأبو داود وقال: قال عثمان - يعنى ابن أبى شبية - في ثلاثة أثواب: حلة حمراء وقميصه الحي مات فيه. (3){458}
(قال) النووي: حديث ضعيف: يصح الاحتجاج به لان يزيد بن أبى زياد
(1) انظر ص 197 ج 5 مجموع النووي.
(2)
انظر ص 87 فتح الباري (الثياب البيض للكفن) وص 7 ج 7 نووي (تكفين الميت) وص 311 ج 8 - المنهل العذب (الكفن) وص 268 ج 1 مجتبى (كفن النبي صلى الله عليه وسلم وص 231 ج 1 - ابن ماجة. وص 133 ج 2 تحفة الاحوذى. وص 399 ج 3 بيهقى (عدد الكفن) والكرسف - بضم فسكون - القطن.
(3)
انظر ص 173 ج 7 - الفتح الربائى (صفة الكفن للرجل) وص 231 ج 1 ابن ماجة (كفن النبى صلى الله عليه وسلم ى وص 400 ج 3 بيهقى (ذكر الخير الذى يخالف ما روينا في كفن النبي صلى الله عليه وسلم وص 312 ج 8 - المنهل العذب (الكفن)(ونجرانية) نسبة إلي نجران بلدة باليمن
مجمع على ضعفه لا سيما وقد خالف بروايته الثقات (1)(وأيضا) فان تكفين النبي صلى الله عليه وسلم في القميص الذي مات فيه وغسل فيه بعيد عادة وذكر الحلة في كفنه صلى الله عليه وسلم غلط (فقد) قالت عائشة: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب
بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة، واما الحلة فإنما شبة على الناس فيها، إنها اشتريت له ليكفن فيها فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية (الحديث) أخرجه مسلم والبيهقى (2){457}
(قال) الترمذى: حديث عائشة اصح الأحاديث التي رويت في كفن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل عليه عند اكثر آهل العلم (3)
(ب)(وحديث) عبد الله بن عقيل عن محمد بن على بن الحنيفة عن أبيه على ضري الله عنه قال: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في سبعة أثواب. أخرجه احمد والبراز وابن أبي شبية، قال الهيثمى: وإسناده حسن (4)
{460}
(ورد) بان عبد الله بن محمد بن عقيل سيئ الحفظ لا يصلح الاحتجاج بحديثة إذا خالف الثقات كما هنا (5)
(1) انظر ص 8 ج 7 نووى مسلم: يعنى انه خالف حديث عائشة المتفق على صحته ورواته كلهم ثقات.
(2)
انظر ص 7 ج 7 نووى ، وص 400 ج 7 بيهقى (بيان عائشة سبب لرشتباه على غيرهم). (وشبة). بضم فكسر مشددا اى اشتبه عليهم الامر.
(3)
انظر ص 133 ج 2 تحفة الاحوذى.
(4)
انظر ص 176 ج 7 - الفتح الربانى (صفة الكفن) وص 23 ج 3 مجمع الزوائد (الكفن)
(5)
قال الحافظ في التاخيص: ابن عقيل سيئ الحفظ يصلح حديثة للمتابعات. فاما إذا انفرد فيحسن واما إذا خالف فلا يقبل وقد خالف هو رواية نفسه فروى عن جابر ان النبى كفن فى ثوب ثمرة ولكن روى الحاكم من حديث أبوي عن نافع عن ابن عمر ما يعضد رواية ابن عقيل عن ابن الحنفية عن على انظر ص 155 طبعة الهند (ويرده) ايضا قول الحاكم: تواترت الأخبار عن ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن مغفل وعائشة فى تكفين النبى صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة اثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ويبعد أن يخفى على جميعهم الزيادة عليها.
(جـ)(ومنه) ما يرده حديث أقوى منه كحديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في بردين أبيضين وبرد أحمر. أخرجه أحمد بسند جيد، والبيهقى بلفظ: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وبرد حبرة (1). {461}
(فإنه) يرده ما رواه عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة، فذكر لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة، فقالت: قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه. أخرجه البيهقى والأربعة (2). {462}
(4)
كفن الرجل: اقله ثوب يستر جميع البدن (لقول) خباب بن الأرت: إن مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فقال النبي صلى الله عليه
(1) انظر ص 174 ج 7 - الفتح الربانى (صفة الكفن) وص 400 ج 3 بيهقى. (والبرد) بضم فسكون نوع من الثياب (وقيل) هو كساء أسود مربع صغير وهو خلاف البردة فإنها الشملة المخططة (وبردة حبرة) بالإضافة أو التنوين وحبرة كعنبة ثوب مخطط. وهذه الرواية تفسر البرد بإنه من الحبر ورواية أحمد بينت أنه أحمر.
(2)
انظر ص 400 ج 3 بيهقى. وص 312 ج 8 - المنهل العذب (الكفن) وص 268 ج 1 مجتبى (كفن النبى صلى الله عليه وسلم وص 133 ج 2 تحفة الأحوذى وص 231 ج 1 - ابن ماجه.
وسلم: غطوا بعا رأسه واجعلوا على رجلية من الإذخر. أخرجه البيهقى والسبعة إلا ابن ماجه (1). {463}
(ولهذا) قال الحنفيون ومالك وأحمد: أقل الكفن ما يستر جميع بدن الميت ذكرا كان أو أنثى، وما دون ذلك لا يسقط به فرض الكفاية عن المسلمين. وبه جزم المحققون من الشافعية (وقال) العراقيون منهم: اقل الكفن ما يستر العورة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن يوم أحد بعض القتلى بنمرة فدل ذلك على أنه يجزئ فيه ما وارى العورة (2).
(ورد) بأن ما ذكر حالة ضرورة لا تتعداها (وقد) نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يجزئ في الكفن ثوب واحد يصف ما تحته من البدن (3).
(ومنه) ترى أن الدليل يشهد للجمهور من أن اقل الكفن ثوب يستر جميع البدن. هذا وكفن الرجل ثلاثة أنواع:
(1)
كفن الضرورة - وهو ما يوجد لما تقدم عن خباب (4)(وحديث) الزبير بن العوام رضى الله عنه قال: إنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم،
(1) انظر ص 183 ج 7 - الفتح الربانى. وص 91 ج 3 فتح البارى (التكفين فى ثوب واحد) وص 315 ج 8 - المنهل العذب (كراهية المغالاة فى الكفن) وص 6 ج 7 نووى مسلم (تكفين الميت) وص 269 ج 1 مجتبى (القميص فى الكفن) وص 401 ج 3 بيهقى (ونمرة) بفتح فكسر شملة بها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب (واإذخر) بكسر فسكون فكسر نبت بالحجاز طيب الرائحة
(2)
انظر ص 192 ج 5 مجموع النووى.
(3)
انظر ص 91 ج 3 فتح البارى (الكفن من جميع المال).
(4)
انظر رقم 463.
فقال: المرأة المرأة فتوسمت أنها أمي صفية، فخرجت أسعى إليها فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى فلدمت في صدري، وكانت امرأة جلدة فقالت: إليك لا ارض لك، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك، فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما. قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة، فإذا إلي جنب رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة، فوجدنا غضاضة وحياء أن تكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثب وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فاقرعنا بينهما، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له. أخرجه أحمد وأبو يعلى والبراز. وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف وقد وثق (1). {464}
(وقال) جابر بن عبد الله: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا توفى أحدكم فوجد شيئا فليكفن في ثوب حبرة. أخرجه أبو داود والبيهقى (2). {465}
(وعن) خباب بن الإرث أن حمزة رضى الله عنه لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدمية قلصت
(1) انظر ص 181 ج 7 - الفتح الربانى (المواساة فى الكفن) و (المرأة المرأة) منصوب على التحذير أى احذروا إشرافها على القتلى خوفا من أن يصيبها من الشدة والتأثر بهذا النظر الفظيع ما لا تحتمله. وكرر لفظ المرأة للتأكيد. و (لدمت) من باب قتل أى ضربت ودفعت. و (جلدة) بفتح فسكون أى قوية صبور. و (اليك) اسم فعل بمعنى تنح عنى. و (لا ارض لك) أى لا مقر لك ولا وطن كلمة سب مثل لا أم لك (وعزم) أى أمر بمنعك أمرا مؤكدا.
(2)
انظر ص 310 ج 8 - المنهل العذب (الكفن) وص 402 ج 3 بيهقى (من استحب فى الكفن الحبرة)
عن رأسه، فمدت على رأسه وجعل على قدمية الإذخر. أخرجه ابن أحمد في زوائد المسند بسند جيد (1){466}
(دل) هذا الحديث ونحوه على أنه إذا لم يوجد للميت إلا ثوب لا يستر كل البدن ستر رأسه وجعل على رجليه ما يستره من حشيش ونحوه، فإن لم يوجد إلا ما يستر العورة سترت لأنها أهم. وإن كثرت القتلى وقلت الأكفان كفن الرجلان والثلاثة في الثوب الواحد كما صنع بقتلى أحد (قال) أنس: كثرت قتلى أحد وقلت الثياب فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسال: أيهم أكثر قرآنا فيقدمه إلى القبلة. أخرجه أبو داود والترمذى وحسنه (2). {467}
(ب) كفن الكفاية - يكفى في كفن الذكر البالغ والمراهق ثوبان إزار من الرأس إلى القدم على المشهور، ولفافة يلف بها من قرنه إلى قدمه، فيجوز الاقتصار عليهما بلا كراهة. ويكره. ويكره النقض عنهما بلا ضرورة (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حق المحرم الذي وقصته ناقعة: كفنوه في ثوبيه (3)(ولقول) صلى بن زفر: إن حذيفة بن اليمان كفن في ثوبين، بعثتي وأبا مسعود فابتعنا له كفنا حلة عصب بثلاثمائة درهم، قال: أرياني ما ابتعتما لي، فأريناه فقال: ما هذا لي بكفن، إنما يكفيني ربطتان بيضاوان لبس منها قميص، إني لا أنرك إلا قليلا حتى أنال خيرا منهما أو شرا منهما، فابتعنا له ربطتين بيضاوين. أخرجه الطبرانى في الكبير بسند رجاله ثقات (4). {468}
(1) انظر ص 184 ج 7 - الفتح الربانى (الكفن من راس المال) و (ملحاء) أى فيها خطوط سود وبيض (وقلصت) ذهبت
(2)
انظر ص 294 ج 8 - المنهل العذب (الشهيد يغسل) وص 138 ج 2 تحفة الأحوذى (ما جاء فى قتلى أحد)
(3)
انظر رقم 449 ص 332
(4)
انظر ص 25 ج 3 مجمع الزوائد (الكفن (والعصب) بفتح فسكون برود يمنية يجمع غزلها ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتى موشيا (ملونا) لبقاء ما عصب منه أبيض لم يصبغ (انظر ص 100 ج 3 نهاية ابن الاثير) (والرباطة 9 بفتح فسكون كل ملاءة ليست قطعتين وقد تطلق على كل ثوب رقيق.
(جـ) كفن السنة - السنة في كفن الذكر البالغ والمراهق عند الحنفيين ثلاثة أثواب: قميص وإزار ولفافة، فالقميص من العنق للقدم بلا كمين ولا فتحة صدر ولا دخريص وهو المعروف بالجنب فلا يوسع أسفله بخلاف قميص الحي.
والإزار من القرن (الرأس) إلى القدم على المشهور (1). اللفافة يلف بها من القرن إلي القدم (لحديث) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب أحدها قميص. أخرجه الطبرانى في الأوسط بسند جيد (2). {469}
(ولقول) عبد الله بن مغفل: إذا أنا مت فاجعلوه في غسلي كافورا وكفنوني في بردين وقميص فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. أخرجه الطبرانى في الكبير وفيه صدقة بن موسى وفيه كلام (3). {470}
(وتكره) الزيادة على الثلاث لأنه سرف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة كما تقدم (4)(وقيل): لا باس بالزيادة على ثلاثة إلى خمسة (لحديث) ابن عمر أنه كفن ابنه واقدا
(1) قال الكمال ابن الهمام: وأنا لا أعلم وجه مخالفة ازار الحى من السنة وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك المحرم: كفنوه فى ثوبيه. وهما ثوبا إحرامه إزاره ورداؤه ومعلوم أن ازاره من الحقو وكذلك أعطى اللاتى غسلن ابنته حقوه. انظر ص 454 ج 1 فتح القدير (تكفينه).
(2)
انظر ص 24 ج 1 مجمع الزوائد (الكفن).
(3)
نظر ص 24 ج 1 مجمع الزوائد (الكفن).
(4)
انظر رقم 462 ص 337.
في خمسة أثواب: قميص وعمامة وثلاث لفائف، وأدار العمامة إلى تحت حنكة. أخرجه سعيد بن منصور في سنته (1). {471}
(وقالت) الشافعية والحنبلية: السنة في كفن الرجل ثلاث لفائف بيض تعم جميع البدن سوى راس المحرم والأفضل أن لا يكون فيها قميص ولا عمامة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة.
(ولا يكره) زيادة قميص عليها ولا تكفينه في قميص بكمين وإزار ولفافة (لحديث) نافع عن ابن عمر أن عبد الله بن أبي لما توفى جاء ابنه إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه (الحديث) أخرجه الشيخان (2). {472}
(ولا يكره) أيضا عند الشافعية زيادة العمامة (لقول) نافع: إن ابنا لعبد الله بن عمر مات فكتنه ابن عمر في خمسة أثواب: عمامة وقميص وثلاث لفائف. أخرجه البيهقى (3). {473}
(وتكره) الزيادة على ذلك لأنه سرف (وكذا) تكره العمامة عند الحنبلية، فالأفضل عندهم أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ولا يزيد عليها ولا ينقص منها (وأما) إلباس النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن أبي قميصه، فإنما فعل ذلك تكرمة لابنه عبد الله ليتبرك به أبوه ويندفع عنه العذاب ببركة قميص النبي صلى الله عليه وسلم (وقيل) إنما فعل ذلك جزاء
(1) انظر ص 311 ج 8 - المنهل العذب المورود (الشرح).
(2)
انظر ص 89 ج 3 فتح البارى (الكفن فى القميص).
(3)
انظر ص 402 ج 3 بيهقى (جواز التكفين فى القميص).
لعبد الله بن أبي عن كسوتة العباس قميصه يوم بدر (1). (وقالت) الشافعية فإن كان في الكفن قميص وعمامة استحب جعلها تحت الثياب لأن إظهارها لزينة وليس الحال حال زينة، وإن قال بعض الورثة يكفن في ثوب، وقال بعضهم في ثلاثة، ففيه وجهان: أحدهما يكفن في ثوب يعم ويستر. والثاني يكفن في ثلاثة وهو الأصح لأنه كفن المعروف المسنون (2). وهل للغرماء المنع من كفن السنة ظ الصحيح نعم. وعليه فيكفن عند الحنفيين كفن الكفاية وهو ثوبان للرجل وثلاثة للمرأة. وعند غيرهم يكفن بثوب يستر جميع البدن.
(وقالت) المالكية: ندب أن يكفن الرجل في خمسة: إزار وقميص ولفاقتين وعمامة لها عذبة نحو الذراع ترسل على وجهه لما تقدم أن ابن عمر كفن ابنه في خمسة أثواب منها عمامة (3).
(وأجابوا) عن حديث عائشة في كفن النبي صلى الله عليه وسلم بأن المراد بقولها فيه: " ليس فيها قميص ولا عمامة " أنهما زائدتان على الثلاث لا أنهما منها (ورد) بأنه خلاف الظاهر بل معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة، وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ولم يكن مع الثلاثة شئ آخر. وهذا الذي يقتضيه ظاهر
(1)(انظر ص 328 و 329 مغنى ابن قدامة ويشير الى ما ورى سفيان بن عييينه عن عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما قال: لما كان يوم بدر أتى باسارى وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فنظر النبى صلى الله عليه وسلم له قميصا فوجدوا قميص عبد الله بن ابى يقدر عليه. بضم الدال أى يسعه لأن العباس وابن ابى كانا مستويين فى القامة) فكساه النبى صلى الله عليه وسلم إباه فلذلك نزع النبى صلى الله عليه وسلم قميصه الذى البسه (أى لعبد الله بم ابى عند دفنه) قال ابن عيينه: كانت له (أى لابن ابى) عند النبى صلى الله عليه وسلم يد فأحب أن يكافئه. أخرجه البخارى انظر ص 88 ج 6 فتح البارى (الكسوة للأسارى).
(2)
انظر ص 194 ج 5 مجموع النووى
(3)
انظر رقم 471 و 473
الحديث (1). (وأجاب) القائلون بعدم استحباب القميص عن آثري ابن عمر بأنه عمل صحابي لا يعارض الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
(وجملة القول) أن العلماء اتفقوا على أنه لا يحب في كفن الرجل أكثر من ثوب يستر جميع البدن. واختلفوا في الأفضل. فقال الجمهور: أفضله ثلاث أثواب بيض ليس فيها عمامة (لحديث) عائشة في كفن النبي صلى الله عليه وسلم (2).
(ووجه) الدلالة أن الله عز وجل لم يكن ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل.
(5)
كيف يكفن الرجل؟ كيفيته أن تبخر الأكفان بالطيب مرة أو ثلاثا أو خمسا (لحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أجمرتم الميت فأوتروا. وروى أجمروا كفن الميت ثلاثا. أخرجه البيهقى (3). {474}
ثم تبسط اللفافة ثم الإزار عليها ويوضع الميت في القميص ثم يوضع الحنوط في رأسه ولحيته، ويوضع الكافور على جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وقدميه لما تقدم عن ابن مسعود: الكافور يوضع على مواضع السجود. أخرجه البيهقى وابن أبي شيبه (4). {475}
وليصان عن صورة الفساد وتظيما له خشية أن تظهر منه رائحة كريهة ولا باس باستعمال أنواع الطيب غير الزعفران والورس في حق الرجل ولا باس بتطييب قطن منفوش ووضعه في أنفه وفمه خشية خروج شئ يلوث الأكفان ثم يوضع الميت على الإزار فيلف عليه من جهة يساره ثم من جهة يمينه ليكون الأيمن على الأيسر كما في حال الحياة ثم يلف اللفافة عليه كذلك. ويجمع ما فضل
(1) انظر ص 8 ج 7 نووى مسلم.
(2)
انظر رقم 462.
(3)
تقدم رقم 448.
(4)
تقدم رقم 435.
عند رأسه فيرد على وجهه وما فضل عند رجليه فيرد عليهما، ويربط الكفن إن خيف انتشاره وإذا وضع في القبر حل الرباط.
(6)
كفن المرأة: المرأة كالرجل في اقل الكفن وكفن الضرورة. فالواجب في كفنها ثوب ساتر جميع البدن عند الثلاثة. وعند الشافعي: ثوب ساتر العورة وهى جميع بدن الحرة إلا وجهها وكفيها (1). وأما كفن الكفاية فهو في حق البالغة والمراهقة إزار ولفافة وخمار يغطى به رأسها فيجوز الاقتصار عليها بلا كراهة ويكره تكفينها في ثوبين بلا ضرورة، أما الصغيرة فلا بأس بتكفينها في ثوبين. والسني في كفن المرأة البالغى المراهقة خمسة: قميص وإزار وخمار ولفافة وخرقة - عرضها ما بين الثدي والفخذ - يربط بها ثدياها وبطنها عند الحنفيين، وكذا عند الشافعي وأحمد غير أنهما يجعلان بدل الخرقة لفافة. واصله حديث ليلى بنت قانف الثقفية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، وكان أول ما أعطانا النبي صلى الله عليه وسلم الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند الباب معه كفنها، فناولناه ثوبا ثوبا. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى بسند لا باس به (2). {476}
والحقاء ككساء الإزار، والدرع القميص، والملحفة الملاءة تلتحف بها المرأة، والثوب الآخر لفافة أخرى (وقال) الحنفيون: المراد بالملحفة الخرقة يربط بها ثديا
(1) انظر ص 205 ج 5 مجموع النووى.
(2)
انظر ص 175 ج 7 - الفتح الربانى (كم يكون الكفن) وص 316 ج 8 المنهل العذب (كفن المرأة) وص 6 ج 4 بيهقى. والصحيح أن هذه القصة فى شأن زينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم لأن أم كلثوم توفيت والنبى صلى الله عليه وسلم ببدر. والحقاء بالكسر والمد وفى رواية بالقصر لغة فى الحقو
المرأة وبطنها (وقال) عمر رضى الله عنه: كفن المرأة خمسة أثواب " وَلَا تَعتْدُوا إنَّ اللهَ لَا يُحِب الُمْعتَدِين " أخرجه ابن أبى شيبة.
(وقالت) المالكية: المستحب في كفن المرأة سبعة أثواب: إزار وقميص وخمار أربع لفائف وكأنهم يرون أن اسم العدد لا مفهوم له، فأباءوا الزيادة على ما في الحديث، ورأوا أن الأمر في ذلك واسع (ومذهب) الأولين هو الراجح لموافقته للنص، ولأن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون للتشريع.
(7)
كيف تكفن المرأة؟ : كيفية تكفينها عند الحنفيين أن يطيب الكفن كما تقدم ثم تبسط اللفافة ثم الإزار وتوضع المرأة في القميص ويجعل شعرها على صدرها ثم تخمر (1) ثم توضع على الإزار فتلف به ثم باللفافة ثم تربط الخرقة فوق الأكفان عند الصدر فوق الثديين والبطن لئلا ينتشر الكفن باضطرابها حال الحمل.
(وكيفيته) عند الشافعية والحنبلية أن يشد على المرأة الإزار ثم القميص ثم الخمار ثم تلف في لفافتين، ويعقد الكفن إن خيف انتشاره صيانة للميت ثم يحل في القبر.
(8)
كفن المحرم: إذا مات المحرم يغسل بماء وسدر كالحلال ولا يكفن في المخيط ولا يغطى رأسه ولا يطيب لبقاء حكم إحرامه (روى) سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما: أن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم
(1) تخمر: أى يغطى راسها بالخمار
القيامة ملبيا. أخرجه السبعة والبيهقى (1). {477}
(وبهذا) قال الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري (وعن) أحمد لا يغطى وجهه لما روى في الحديث: ولا تخمروا رأسه ولا وجهه (2) ولا يكفن في المخيط لأنه يحرم عليه في حياته فكذلك بعد الموت. والعمل على أنه يغطى جميع بدن المحرم إلا رأسه فإن كل الميت امرأة محرمة أليست القميص وخمرت كما تفعل في حياتها ولا تطيب ولا يغطى وجهها لأنه يحرم على المحرمة في حياتها فكذلك بعد موتها. (فإن ماتت) المتوفى عنها زوجها في العدة فالصح أن تطيب لأن التطيب إنما حرم في الحياة لكونه يدعو إلى نكاحها وقد زال بالموت (3).
(وقال) الحنفيون ومالك والأوزاعى: إذا مات المحرم انقطع إحرامه فيكفن في المحيط وتغطى رأسه ويطب وهو مروى عن عائشة وابن عمر (فقد) مات ابنه واقد بالجحفة محرما فكفنه وخمر وجهه ورأسه (وقال): لولا أنا حرم لطيبناه. أخرجه مالك في الموطأ (4). {478}
(وقد سئل) عطاء عن المحرم يغطى رأسه إذا مات؟ فقال: غطى ابن عمر وكشف غيره. أخرجه عبد الرازق في مصنفه بأسانيد جياد (وحكى) ابن حزم أنه صح عن عائشة تحنيط الميت المحرم وتطييبه وتخمير رأسه لأن افحرام عبادة تبطل بالموت كالصلاة والصوم (وأجابوا) عن حديث ابن عباس بأنه خصوصية لهذا الرجل لأن إخباره صلى الله عليه وسلم بإنه يبعث ملبيا شهادة منه بأن حجه
(1) تقدم رقم 449 ص 331
(2)
هذه رواية مسلم انظر ص 128 ج 8 نووى. قال البيهقى وذكر الوجه غريب.
(3)
انظر ص 332 ج 2 شرح المقنع
(4)
انظر ص 152 ج 2 - الزرقانى على الموظإ (تخمير المحرم وجهه).
قد قبل وذلك غير محقق لغيره وبأن عمله قد انقطع بموته (لحديث) إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. أخرجه مسلم والبخاري في الأدب والثلاثة عن أبي هريرة (1). {479}
(دل) الحديث على أن عمل الإنسان ينقطع بموته إلا في هذه الثلاثة وليس الإحرام منها (ورد) بأن الأصل عدم الخصوصية وأن قوله صلى الله عليه وسلم: يبعث ملبيا ليس قاصرا على ما قالوا، بل هو ظاهر في بقاء حكم الإحرام لأن التلبية شعار المحرم فالحكم عام. (ويؤيده) حديث ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغسلوا المحرم في ثوبيه اللذين أحرم فيهما واغسلوه بماء سدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة محرما. أخرجه النسائي (2). {480}
وهو ظاهر في العموم واعتذر الداودى عن مالك بأنه لم يبلغه الحديث.
(9)
كفن الصغير ك الصغير كالكبير في الكفن ذكرا كان أم أنثى عند الشافعية فيستحب تكفين الصبي في ثلاثة أثواب كالبالغ. (قال)(الحنفيون) وأحمد: يحسن أن يكفن كالكبير، ويجوز تكفينه في ثوب واحد بلا كراهة، ولا باس بتكفين الصغيرة في ثوبين، والمراهقة بمنزلة البالغة في الكفن لأن المراهق حال حياته يخرج فيما يخرج فيه البالغ عادة، فكذا يكفن فيما يكفن فيه.
(قال) المروزى: سالت أبا عبد الله - يعنى أحمد - في كم تكفن الجارية
(1) انظر ص 85 ج 11 نووى (ما يلحق الإنسان بعد وفاته - الوصية) وص 77 ج 3 عون المعبود (ما جاء فى الصدقة) وص 129 ج 2 مجتبى (فضل الصدقة عن الميت).
(2)
انظر ص 269 ج 1 مجتبى (كيف يكفن المحرم).
إذا لم تبلغ؟ قال: في لفافتين وقميص لا خمار فيه لأن غير البالغة لا يلزمها ستر رأسها في الصلاة (واختلفت) الرواية عن أحمد في الحد الذي تصير به في حكم المرأة في الكفن (فروى) عنه إذا بلغت (لحديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم (1). {481}
مفهومة أن غير البالغة لا تحتاج إلى خمار في صلاتها فكذا في كفنها، وقد كفن ابن سيرين بنته وقد قاربت الحيض بغير خمار. (وروى) عن أحمد أنها إذا كانت بنت تسع سنين يصنع بها ما يصنع بالمرأة لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة وهى بنت تسع سنين وروى عنها أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة (2).
(10)
كفن السقط ونحوه: السقط - بكسر السين - الجنين ينزل قبل تمامه وهو مستبين الخلق، وهو ومن ولد ميتا يلفان في خرقة بلا مراعاة وجه الكفن كالعضو من الميت، فإذا وجد عضو من أعضاء الإنسان أو نصفه مشقوقا طولا أو نصفه مقطوعا عرضا ليس معه الرأس يلف في خرقة وإن كان معه الرأس يكفن وقيل: يلف في خرقه. وإن وجد أكثر يكفن لأن للأكثر حكم الكل (3).
(فوائد): (الأولى) إذا نبش القبر وأخذ الكفن فعند الشافعية يجب تكفينه ثانيا سواء كفن من ماله أو من مال غيره أو من بيت المال. (وقيل)
(1)(انظر ص 89 ج 3 - الفتح الربانى 0 المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها) وص 30 ج 5 - المنهل العذب) (المرأة تصلى بغير خمار)
(2)
انظر ص 342 وما بعدها ج 2 مغنى ابن قدامة.
(3)
انظر ص 307 ج 1 بدائع الصنائع.
إذا كفن من ماله ثم اقتسم الوثة التركة ثم نبش القبر وسرق الكفن استحب للورثة أن يكفنوه ثانيا ولا يلزمهم ذلك، لأنه لو لزمهم ثانيا للزمهم إلى مالا يتناهى (1) ولو كفن ثم أكله سبع وبقى الكفن (قيل) يقسم بين الورثة (وقيل) يكون لبيت المال لأنهم لم يرثوه عند الموت فلا يرثونه بعد (2).
(وقال) الحنفيون: إذا نبش القبر وأخذ الكفن والميت لم يتفسخ كفن ثانيا من جميع المال لأن حاجته إلى الكفن ثانيا كحاجته إليه أولا: فإن قسم المال فالكفن على الوارث دون والغرمان والموضى له، لأنه بالقسمة انقطع حق الميت عنه فصار كأنه مات ولا مال له فيكفنه وارثه إن كان له مال ن وإن لم يكن له مال ولا لمن تلزمه نفقته فكفنه في بيت المال. وإن نبش بعد ما تفسخ وأخذ كفنه كفن في ثوب واحد، لأمه إذا تفسخ خرج عن حكم الآميين وصار كالسقط، ولذا لا يصلى عليه (3).
(الثانية) يجوز للإنسان أن يعد لنفسه كفنا (لحديث) سهل بن سعد الساعدى أن أمرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها - أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشملة قال: نعم - قالت: نسجتها بيدي فجئت لأكسوكها، فإخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، ثم سألته، وعلمت أنه لا يرد قال: إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفنى. قال سهل: فكانت
(1) انظر ص 210 ج 5 مجموع النووى
(2)
انظر ص 296 ج 2 مهذب الشيرازى
(3)
انظر ص 309 ج 1 بدائع الصنائع.
كفنه. أخرجه البخاري (1). {482}
(فقد) دل الحديث على جواز تحصيل مالا بد للميت منه من كفن ونحوه في حال حياته لما فيه من تذكر الموت والاستعداد له (وفى الحديث) افضل المؤمنين إيمانا أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا (2)(وقال) الصيرفي: لا يستحب أن يعد الإنسان لنفسه كفنا لئلا يحاسب عليه إلا إذا كان من جهة يقطع بحلها أو من اثر أهل الخير والصلحاء، فإن ادخاره حينئذ حسن الحديث سهل المذكور. وهل يلحق بذلك حفر القبر في حياته؟ (قال) ابن بطال: وقد حفر جماعة من الصالحين قبورهم قبل الموت بأيديهم ليتمثلوا حلول الموت فيه. (ورد) عليه ابن المنير بأن ذلك لم يقع من أحد من الصحابة، ولو كان مستحبا لكثر فيهم (قال) البدر العيني: لا يلزم من عدم وقوعه من أحد من الصحابة عدم جوازه لأن ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن، ولا سيما إذا فعله قوم من العلماء الأخيار (3).
(1) انظر ص 91 ج 3 فتح البارى (من استعد الكفن فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم و (فيها حاشيتها) يعنى أنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية وقيل حاشية الثوب هدية فكأنها جديدة لم يقطع هدبها ولم تلبس بعد. وقيل حاشيتا الثوب ناحيتاه اللتان فى طرفهما الهدب. و (أتدرون الخ) من قول سهل بن سعد كما فى رواية البخارى فى الأدب ولفظه: فقال سهل للقوم. أتدرون ما البردة؟ قالوا الشملة. وفى تفسير البردة بالشملة تجوز لأن البردة كساء والشملة ما يشمل به فهى أعم لكن لما كان أكثر اشتمالهم بالبردة أطلقوا عليها اسم الشملة (فحسنها) من التحسين أى نسبها الى الحسن.
(2)
انظر ص 61 ج 8 عمدة القارى (من استعد الكفن).
(3)
انظر ص 61 ج 8 عمدة القارى (من استعد الكفن).