الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا، ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الشخاص بأن يقال مثلا من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فإوصاهم بذلك عذب بصنعه. ومن كان ظالما فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به. ومن كان يعرف من إن النياحة فأهمل نهيهن عنها، فإن كان راضيا بذلك التحق بالأول. وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهى. ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصيى ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم. وحكى الكرمانى تفسيرا آخر وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة فيحمل قوله تعالى:"" وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " على يوم القيامة. وأحاديث تعذيب الميت بنوح أهله عليه على البرزخ (ويؤيده) أن مثل ذلك يقع فانعيني الدنيا والإشارة إليه بقوله تعالى: " وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّة " (1)، فإنها دالة على جواز تعذيب الإنسان بما ليس له فيه تسبب فكذلك يمكن أن يكون الحال فانعيني البرزخ بخلاف يوم القيامة (2).
(13) نعى الميت
النعي - بفتح فسكون وتخفيف الياء، أو بفتح فكسر فشد الياء - هو فانعيني اللغة الإخبار بموت الشخص، وشرعا له ثلاث حالات (الأولى) إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح بموته من غير نوح ولا منكر آخر لتجهيزه والصلاة عليه وتشييعه ودفنه والدعاء له وغير ذلك وهو مشروع (لحديث) أبي هريرة
(1) انظر ص 89 ج 7 - الفتح الربانى (الشرح).
(2)
الأنفال: 25.
أن النبي صلى الله عليه وسلم فى اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف أصحابه وكبر عليه أربعا. أخرجه السبعة (1). {397}
(1) انظر ص 218 ج 7 - الفتح الربانى (الصلاة على الغائب) وص 75 ج 3 فتح البارى (الرجل ينعى - إلى أهل الميت - بنفسه) وص 21 ج 7 نووى (التكبير على الجنازة) وص 49 ج 9 - المنهل العذب المورود (الصلاة على المسلم فى بلاد الشرك) وص 280 ج 1 مجتبى (الصفوف على الجنائز) وص 240 ج 1 - ابن ماجه (فى الصلاة على النجاشى) وص 140 ج 2 تحفة الأحوذى (التكبير على الجنازة) وأخرجه عن عمران بن حصين وتشديد المثناة التحتيه وحكى فيها التخفيف - اسمه اصحمة بن ابحر وهو بالعربية عطية (وقد) اسلم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه. وسبب إسلامه أن النبى صلى الله عليه وسلملما رأى ما يصيب اصحابه من الأذى. وأنه لا يقدر أن يمنع عنهم ذلك البلاء قال لهم: لو خرجتم إلى الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم أحد عنده حتى يجعل لكم الله فرجا ومخرجا مما أنتم فيه فخرج بعض المسلمين ألى ارض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا الى الله تعالى بدينهم. فكانت أول هجرة فى الإسلام. فلما رأت قريش أن المهاجرين قد اطمانوا بالحبشة وأ/، ،أ ،أن النجاشى قد أحسن صحبتهم، ائتمروا بينهم فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن ابى ربيعة ومعهما هدية اليه والى أعيان أصحابه .. فسارا حتى وصلا الحبشة فحملا الى النجاشى هديته والى اصحابه هداياهم وقالا لهم: إن ناسا من شفهائنا فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا فى دين الملك، جاءوا بدبن مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد ارسلنا اشراف قومهم الى الملك ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يرسلهم معنا من غير أن يكلمهم وخافا أن يسمع النجاشى كلام المسلمين فيمتنع من تسليمهم. فوعدهم أصحاب النجاشى بالمساعدة علىما يريدان ثم حضرا عند النجاشى وأعلماه بما جاءا له فاشار اصحابه بتسليم المسلمين اليهما فغضب من ذلك وقال: لا والله لا اسلم قوما جاوزونى ونزلوا بلادى واختارونى على من سواى حتى أدعوهم واسالهم عما يقول هذان فإن كانا صادقين أسلمتهم اليهما وإن كانوا على غير ما يذكر هذان منعتهم وأحسنت جوارهم. ثم ارسل النجاشى الى اصحاب البى صلى الله عليه وسلم فحضروا وقالوا: يستأذن أولياء الله فقال ائذنوا اليهم فمرحبا بأولياء الله فلما =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= دخلوا عليه قالوا السلام عليكم فقال الرهط من المشركين: ايها الملك ألا ترى أنا صدقناك إنهم لم يحبوك بتحيتك التى تحيا بها فقال لهم الملك: ما منعكم أن تحيونى بتحيتى؟ قالوا إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة - وقد اتفقوا على أن يقولوا الصدق، وكان المتكلم عنهم جعفر بن ابى طالب - فقال لهم النجاشى ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا فى دينى ولا دين أحد من الملل؟ فقال جعفر: ايها الملك كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار وياكل القوى منا الضعيف حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته بصدق فدعانا لتوحيد الله وأن لا نشرك به شيئا ونخلع ما كنا نعبد من الأصنام وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش: وقول الزور وأكل مال اليتيم وأمرنا بالصلاة والصيام - وعدد عليه أمور الإسلام - فآمنا به وصدقناه وحرمنا ما حرم علينا وحللنا ما أحل لنا فتعدى علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان. فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. فقال النجاشى: هل معك مما جاء به عن الله شئ؟ قال نعم فقرأ عليه (سورة مريم) فبكى النجاشى واسافقته، وقال النجاشى: إن هذا والذى جاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة انظلقا والله ما أسلمهم إليكما أبدا. فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدا بما يبيد خضراءهم فقال له عبد الله بن ابى ربيهة - وكان أتقى الرجلين - لا تفعل فإن لهم أرحاما. فلما كان الغد قال غمرو للنجاشى: إن هؤلاء يقولون فى عيسى بن مريم قولا عظيما فارسل النجاشى فسالهم عن قولهم فى المسيح فقال جعفر: نقول فيه الذى جاءنا به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته القاها الى مريم العذراء البتول فأخذ النجاشى عودا من الأرض وقال: ما زاد على ما قاله عيسى مثل هذا العود. فنخرت بطارقته (أى تكلمت مع غضب ونفور) فقال وإن نخرتم. وقال للمسلمين اذهبوا فأنتم آمنون ما أحب أن لى جبلا من ذهب وإننى آذنت رجلا منكم ورد هدية قريش. وقال /اأخذ الله الرشوة منى حتى آخذها منكم ولا أطاع الناس فى حتى أطيعهم فيه. وأقام المسلمون بخير دار. وكتب =
(وحديث) أنس أن الجرماني صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفر وابن ماجه للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زبد فاصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحه فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية خالد بن الوليد من غير إمره ففتح له. أخرجه أحمد والبخاري (1). {398}
فإخبار الجرماني صلى الله عليه وسلم بقتل الثلاثة: يدل على أن الإعلام بموت أحد مباح لا نعى منهي عنه (وحديث) أبي هريرة رضى الله عنه أن إنسانا كان يقم المسجد أسود مات أو ماتت ففقدها الجرماني صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل الإنسان البخاري كان يقم المسجد؟ فقيل له: مات، قال: فهلا آذنتموني به؟ (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان في داود وابن ماجه والبيهقى (2){399}
(وحديث) يحيى بن عبد الحميد بن رافع عن جدته أن رافع بن خديج مات
= الى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى اشهد أنك رسول الله صادق مصدق وقد بايعتك وبايعت ابن عمك جعفر بن ابى طالب واسلمت لله رب العالمين. وكان رضى الله عنه ردءا للمسلمين نافعا حاكما بالقسط مات بارض الحبشة فى رجب سنة تسع وقيل قبل الفتح
(2)
انظر ص 361 ج 7 - فتح البارى (غزوة مؤتة من ارض الشام)، (وزيد) هو ابن ثابت (وجعفر) بن ابى طالب. (من غير إمرأة أى أخذ الرابة خالد من غير أن يجعله النبى صلى الله عليه وسلم أميرا وكان فى ذلك بغزوة مؤته بضم فسكون (انظر بيانها بهامش ص 91 ج 4 - الدين الخالص).
بعد العصر فآتى ابن عمر فإخبر بموته، فقيل له: ما ترى ايخرج بجنازته الساعة؟ فقال: إن مثل رافع لا يخرج به حتى يؤذن به من حولنا من القرى، فاصبحوا وأخرجوا بجنازته. أخرجه البيهقى (1). {400}
فهذه الأحاديث تدل على أن مجرد الإعلام بالموت ليس نعيا محرما بل هو مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والحزن على أهله لكن فيه مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة إلي شهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وأصابه وما يترتب على ذلك من الأحكام (قال) الترمذى: لا باس بأن يعلم الرجل قرابته وإخوانه بموت الشخص (2). (والصحيح) البخاري تدل عليه الأحاديث الصحيحة أن الإعلام بالموت لمن لم يعلم ليس بمكروه بل أن قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والطواف بين الناس يذكره بهذه الأشياء وهذا نعى الجاهلية المنهي عنه فقد صحت الأخبار بالإعلام فلا يجوز إلغاؤه (3).
(الحالة الثانية) الإعلام بدعوى الجمع الكثير للمفاخرة وهو مكروه، ومنه ما يقع من كثير من أهل الزمان إذا مات عظيم أعلنوا عن موته برئ الصحف وغيرها أو أرسلوا إلى الجهات الأخرى يخبرون أهلها بموته مفاخرة ومباهاة وعليه يحمل قول حذيفة: إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدا فإني أخاف أن يكون نعيا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القضاء كفر. أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى والترمذى وهذا لفظه وقال حديث حسن (4){401}
(1) انظر ص 223 ج 7 - الفتح الربانى (الصلاة على القبر بعد الدفن) وص 133 ج 3 فتح البارى. وص 25 ج 7 نووى. وص 45 ج 9 - المنهل العذب. وص 240 ج 1 ابن ماجه. وص 32 ج 4 بيهقى (ويقم) بضم القاف أى يكنس ويجمع الكناسة (أو ماتت)(شك من الراوى). وفى ارواية للبخارى أن رجلا اسود أو أمرأة سوداء وفى روابة له: أن امرأة أو رجلا كانت تقم المسجد ولا أراه (أى لا أظنه) إلا امرأة. وفى رواية البيهقى تسميتها أم محجن.
(2)
انظر ص 74 ج 4 بيهقى (من كره النعى والإيذان).
(3)
انظر ص 129 ج 2 تحفة الأحوذى (ما جاء فى كراهة النعى).
(4)
انظر ص 216 ج 5 مجموع النووى.
كان أهل الجاهلية يشهرون الموت بهيئة كريهة فالنهى محمول عليه فخاف حذيفة أن يكون النهى مطلقا يشمل نعى الجاهلية والإعلام بالموت فأمر بترك هذا تورعا.
(ويروى) برئ ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأبي سعيد وعلقمة وغيرهم.
(قال) علقمة: لا تؤنوا بي أحدا، وقال عمرو بن شرحبيل: إذا أما مت فلا أنعى إلى أحد.
(وقال) البيهقى: وبغنى عن مالك بن أنس أنه قال: لا أحب الصياح لموت الرجل على أبواب المساجد، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس (1).
(الحالة الثالثة) الإعلام بموته بنوح وغيره مما يشبه نعى الجاهلية كانوا يرسلون رجلا على أبواب الدور وفى الأسواق يعلن بموت فلان، وكانوا إذا توفى رجل ركب أحدهم فرسا ويقول: نعاء (2) فلانا ويخرج إلى القبائل بنعاه إليهم ويقول: هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان (ومن) هذا ما يقع برئ كثير من البلدان من طواف النساء برئ البلد يصحن ويولولن ويلطمن الخدود ويدعون بدعوى الجاهلية برئ حالة منكرة قبيحة. وفى بعض الجهات إذا مات عظيم وقفوا على المنارات ونحوها يخبرون بموته ويرفعون أصواتهم بالبكاء والنياحة أو يضربون بالطبول والموسيقى وهو محرم منهي عنه. ومنه التبرير البخاري يفعله بعض المؤذين على المنارات عند موت عالم أو عظيم من العظماء (3).
(1) انظر ص 144 ج 7 - الفتح الربانى (ما جاء فى نعى الميت) وص 232 ج 1 ابن ماجه (ما جاء فى النهى عن النعى) وص 129 ج 2 تحفة الأحوذى (ما جاء فى كراهية النعى).
(2)
انظر ص 74 ج 4 بيهقى (من كره النعى والإيذان والقدر الذى لا يكره منه)
(3)
(نعاء) كدراك ونزال. فهو مبنى على الكسر: أى أنعاه وأظهر خبر وفاته.