الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(هـ) الموت
الموت لابد منه لكل مخلوق ولا يترك أحد لأحد. قال الله تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ "(1).
وقال تعالى: " أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ "(2)
(1) آل عمران: 185 (وإنما توفون أجوركم) بالثواب للمؤمن الصالح والعقاب للطالح والكافر (يوم القيامة) والذى يقع فى الدنيا أو فى البرزخ فإنما هو بعض الأجور وعن جعفر بن محمد بن على بن الحسين عن أبيه عن على بن ابى طالب رضى الله عنه قال: لما توفى النبى وجاء التعزية جاءهم آت يسمعون حساولا يرون شخصا فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) إن فى الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا واياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قال على رضى الله عنه أتدرون من هذا؟ هذا الحضر عليه السلام أخرجه ابن ابى حاتم. انظر ص 311 ج 2 تفسير ابن كثير (فمن زحزح) أى ابعد ونحى (عن النار) ونجا منها (وأدخل الجنة فقد فاز) أى ظفر بما يريد وبحا مما يخاف وهذا هو الفوز الحقيقى الذى لا فوز يقاس به فإن كل فوز - وإن كان بجميع المطالب - دون الجنة ليس بشئ بالنسبة اليها (وعن) ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن موضع سوط فى الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئتم: فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز. اخرجه ابن أبى شيبه وابن حبان والترمذى والحاكم وصححاه عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأت الى الناس ما يجب أن يؤتى اليه. أخرجه أحمد (انظر ص 312 ج 2 تفسير ابن كثير 9
(2)
النساء: 76.
وقال تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"(1)
فهو الله الحي الذي لا يموت. والجن والإنس والملائكة وحملة العرش وكل المخلوقات يموتون (قال) ابن عمر: كان بمكة مقعدان لهما ابن شاب فكان إذا أصبح نقلهما فأنى بهما المسجد فكان يكتسب عليهما يومه فإذا كان المساء احتملهما فأقبل بهما فافتقدهما النبي صلى الله عليه وسلم، فسال عنهما فقال: مات ابنهما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو ترك أحد ترك ابن المقعدين. أخرجه الطبرانى فآنا الأوسط وفيه عبد الله بن جعفر بن نجيح وهو متروك (2). {273}
وفيما ذكر تسلية لكل الناس لأنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت فإذا انقضت المدة وفرغت النطفة آلتي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية أقام الله القيامة فجازى الخلائق بأعمالهم قليلها وكثيرها فلا يظلم أحد مثقال ذرة.
ثم الكلام هنا ينحصر فآنا ثلاثة عشر فرعا:
(1)
ما ورد فآنا الموت: جاء فآنا الموت أحاديث أخر (منها) حديث محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اثنتان يكرههما ابن آدم. يكره الموت والموت خير المؤمنين من الفتنة. وبكره قلة المال وقلة المال اقل للحساب. أخرجه أحمد بسند رجاله الصحيح (3). {274}
(1) الرحمن: 27، 26
(2)
انظر ص 320 ج 2 مجمع الزوائد (لا يترك الموت أحدا لأحد)
(3)
انظر ص 321 ج 2 منه (من أحب لقاء الله)
(وحديث) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يلق ابن آدم شيئا قط خلقه الله اشد عليه من الموت لأهون مما بعده. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات. (1){275}
(وقالت) عائشة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده فآنا القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: اللهم أعنى على سكرات الموت. أخرجه أحمد والأربعة إلا أبا داود وفى سنده موسى بن سرجس ستور. (2){276}
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تحفة المؤمن الموت
(1) انظر 64 ج 7 - الفتح الربانى.
(2)
انظر ص 65 ج 7 - الفتح الربانى (شدة الموت) وص 254 ج 1 - ابن ماجه (مرض النبى صلى الله عليه وسلم وص 128 ج 2 تحفة الأحوذى (التشديد عند الموت)(وسكرات الموت) جمع سكرة وهى شدته. والمعنى أعنى على دفعا. وفىرواية للترمذى ك اللهم أعنى على غمرت الموت وسكرات الموت. والظاهر أن المراد بالغمرات الشدة وبالسكرات ما يترتب عليها من الدهشة والحسرة والموجبة للغفلة. ومسح الوجه بالماء لدفع حرارة الموت وكربه.
أخرجه الطبرانى فآنا الكبير والحاكم والبيهقى بسند رجاله ثقات (1). {277}
وعن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الأرض يدبر فجعل يسعى حتى إذا أعيا وابتهر دخل جحره فقالت له الأرض: يا ثعلب ديني فخرج وله حصاص فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه فمات. أخرجه الطبرانى فآنا الكبير والأوسط وفيه معاذ بن محمد الهزلي قال العقيلى لا يتابع على رفع حديثه (2). {278}
(2)
تذكر الموت: يطلب من العاقل الإكثار من تذكر الموت لأنه يزهد لأنه يزهد فآنا الدنيا وأن يستعد له بالتحلي بالأعمال الصالحة آلتي تقربه من ربه والتخلى عن الأعمال السيئة آلتي تبعده عن رحمة ربه حتى إذا فجأة الموت كان فآنا عمل صالح فيجب لقاء الله والله يحب لقاءه ويبعث على ما مات عليه (وقد) ورد فآنا هذا أحاديث (منها) حديث محمد بن عمر بن أبى سلمة عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا من ذكر هاذ اللذات الموت. أخرجه أحمد والأربعة إلا أبا داود بإسانيد صحيحة وابن حبان وزاد: فإنه ما ذكره أحد فآنا ضيق إلا وسعه ولا ذكره فآنا سعة إلا ضيقها عليه. وصححه ابن حبان والحاكم وأعله الدارقطني بالإرسال فإن ابن أبى سلمة لم يسمع من أبى هريرة (3). {279}
(دل) الحديث على أنه ينبغي للإنسان ألا يغفل عن ذكر أعظم المواعظ
(1) انظر ص 220 ح 2 مجمع الزوائد (تحفة المؤمن المون)
(2)
انظر ص 320 منه (فيمن يفر من الموت) و (ابتهر) أى غلب. من بهره الشئ إذا غلبه (والحصاص) بضم الحاء شدة العدو (وهو الجرى) وقيل هو الضراط.
(3)
انظر ص 32 ج 7 - الفتح الربانى (ذكر الموت والاستعداد له 9 وص 258 ج 3 تحفة الأحوذى (ذكر الموت) و (هادم) بالذال المعجمة أى قاطع ومفرق. والمراد بالإرسال إسقاط راو
وهو الموت. وفى رواية للديلمى عن أبى هريرة: أكثروا ذكر الموت فما من عبد أكثر ذكره إلا أحيا الله قلبه وهون عليه الموت. وفى حديث أنس عند ابن أل فآنا مكارم الأخلاق: أكثروا ذكر الموت فإن ذكره تمحيص للذنوب وتزهيد فآنا الدنيا (1).
(وحديث) البراء بن عازب قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة فقال: علام اجتمع هؤلاء؟ قيل: على قبر يحفرونه، ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى القبر، فجثا عليه فبكى حتى بل الثرى من دموعه ثم أقبل علينا قال: آي إخواني لمثل اليوم فأعدوا. أخرجه أحمد بسند حسن (2). {280}
(وحديث) أبى سعيد الخدرى قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مصلاه فرأى ناسا يكتشرون فقال: أما إنكم لو أكثرتم ذكر عاذم اللذات لشغلكم عما أرى. فأكثروا ذكر عاذم اللذات الموت. فإنه لم يأت على القبر يوم أتخبؤها تكلم فيقول: أنا بيت الغربة. أنا بيت الوحدة. وأنا بيت التراب. وأنا بيت الدود (الحديث) أخرجه البيهقى والترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفيه عبيد الله بن الوليد الوصافى واه (3). {281}
(1) انظر ص 125 ج 2 سبل السلام (الجنائز)
(2)
انظر ص 33 ج 7 - الفتح الربانى (ذكر الموت والاستعداد له) و (بصر 9 بضم الصاد وتكسر يقال بصرت بالشئ بصرا 0 بفتحتين) علمت (وبدر) أى مشى. وجثا من بابى علا ورمى أى جلس. وكأن القبر لم يدفن فيه أحد ولذا جلس عليه. أما بعد الدفن فلا يجوز الجلوس على القبر (والثرى) كالحصى التراب الندى.
(3)
انظر ص 305 ج 3 تحفة الأحوذى. و (يكتشرون) اى يضحكون من الكشر وهو ظهور الأسنان للضحك. وتمام الحديث: فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبا وأهلا. إما إن كنت لأحب من يمشى على ظهرى إلى فإذا وليتك اليوم (من تولية مبنى للمجهول أو من الولاية مبنى للمعلوم أى صرت قادرا حاكما عليك) وصرت إلى فسترى صنيعى بك فيتسع له قدر بصره ويفتح له باب إلى الجنة. وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر: لا مرحبا ولا أهلا. أما إن كنت لأبغض من يمشى على ظهرى إلى. فإذا وليتك اليوم وصرت الى فسترى صنيعى بك فيلتئم عليه حتى يلتقى عليه وتختلف اضلاعه. وقال (أى اشار)(رسول الله صلى الله عليه وسلم باصابعه فإدخل بعضها فى جوف بعض. قال: ويقيض له سبعون تنينا 0 بكسر التاء وشد النون أى حية عظيمة) لو أن واحدا منها نفخ فى الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا فينشه ويخدشه حتى يفضى به الى الحساب قال النبى صلى الله عليه إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.
(وحديث) عبد الله بن عمر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقام رجل من الأنصار فقال: يا نبي الله من أكيس الناس وأحزم الناس؟ قال: أكثرهم ذكرا للموت وأكثرهم استعدادا للموت، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة. أخرجه الطبرانى فآنا الصغير والحاكم وأبو نعيم فآنا الحلية بسند حسن. {282}
(وقال) أبو ذر: دخلت النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فقال: " يا أبا ذر إن للمسجد تحية. قلت: وما تحيته؟ قال: ركعتان تركعهما قلت: يا رسول الله، هل أنزل عليك شئ مما كان فآنا صحف إبراهيم وموسى؟ قال: يا أبا ذر (قد افلح من تزكى) حتى بلغ (إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) قلت: يا رسول الله وما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك؟ عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها. عجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب. عجبت لمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل " أخرجه أبو الحسن
رزين بن معاوية وابن حبان. (1){283}
(وحديث) انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. قلنا: يا سول الله، كلنا نكرة الموت. قال: ليس ذاك كراهية الموت ولكن المؤمن إذا حضر، جاءه البشير من الله عز وجل فأحب الله لقاءه. وإن الفاجر أو الكافر إذا حضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر وما يلقاه من الشر فكره لقاء الله وكره الله لقاءه ". أخرجه أحمد والبراز بسند رجاله رجال الصحيح (2). {284}
(وحديث) جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من مات على شئ بعثه الله عليه ". أخرجه أحمد والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم (3). {285}
(وحديث) حذيفة بن اليمان. قال: أسندت النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدري. فقال: " من قال لا اله أتخبؤها الله ابتغاء وجه الله وختم له بها دخل الجنة. ومن صام يوما ابتغاء وجه الله وختم له به دخل الجنة. ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله وختم له بها دخل الجنة ". أخرجه أحمد بسند جيد (4). {286}
(1) انظر ص 180 ج 1 تيسير الوصول (سورة سبح)
(2)
انظر ص 26 ج 7 - الفتح الربانى (ذكر الموت والاستعداد له 9 وتقدم بأتم منه رقم 252 ص 194.
(3)
انظر ص 42 ج 7 منه (حسن الظن بالله وحسن الخاتمة).
(4)
انظر ص 42 ج 7 منه (حسن الظن بالله وحسن الخاتمة) و (ختم له بها) أى بكلمة التوحيد بأن كانت آخر كلامه. ففى رواية لمسلم وأحمد من كان آخر كلامه لا اله إلا الله دخل الجنة. اى دخلها مع السابقين بفضل الله وعفوه أو بعد عقابه على ما اقترف.
(3)
تمنى الموت: يكره للشخص تمنى الموت والدعاء به لضر دنيوي نزل به كمرض أو فاة أو محنة أو نحوها من مشاق الدنيا (لحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يتمن أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه. إنه مات أحدكم انقطع عمله. وإنه لا يزيد المؤمن من عمره إلا خيرا " أخرجه أحمد والشيخان والنسائي والبيهقى (1). {287}
(وحديث) أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على العباس وهو يشتكى فتمنى الموت. فقال: يا عباس يا عم رسول الله. لا تتمن الموت إن كنت محسنا تزداد إحسانا إلى إحسانك خير لك. وإن كنت مسيئا فإن تؤخر تستعتب خير لك فلا تمن الموت. أخرجه أحمد والطبرانى والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (2). {288}
(وحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يَتَمَنَّيَن أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنيا للموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي. وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ". أخرجه السبعة والبيهقى (3). {289}
(1) انظر ص 44 ج 7 - الفتح الربانى (كراهة تمنى الموت .... ) و (من قبل أن يأتيه) هو فيدفى حالتى والتمنى والدعاء ومفهومه أنه إذا حل به الموت لا يمنع من تمنيه رضاء بلقاء الله. و (انقطع عمله) فيه إشارة الى ان حكمه النهى عن تمنى الموت والدعاء به هو انقسطاع العمل بالموت والعمل يراد به الثوب ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد فهو افضل الأعمال.
(2)
انظر ص 46 ج 7 - الفتح الربانى (مراهة تمنى الموت) و (تستعتب) من الاستعتاب وهو طلب زيادة العتاب أى تطلب رضاء الله تعالى بالتوبة والاستغفار.
(3)
انظر ص 99 ج 10 فتح البارى (تمنى المريض الموت) وص 7 ج 7 نووى (كراهة تمنى الموت) وص 242 ج 8 - المنهل العذب. وص 25 ج 2 تحفة الأحوذى (النهى عن تمنى الموت). (فإن كان لابد) أى إن كان من نزل به الضر لابد من طلبه الموت فليطلبه مفوضا إلى علم الله كأن يقول: اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا لى من الموت بان تكون الطاعة غالبة على المعصية والأوقات خالية من الفتن (وتوفنى) إذا كان الامر على خلاف ما ذكر.
النهى فجأة هذه الأحاديث عن تمنى الموت والدعاء به إنما هو لنزول بلاء أو محنة دنيوية لما فجأة رواية ابن حبان: " لَا يَتَمَنَّنَيَن أحَدُكَمَ الْمَوْتَ " لضر نزل به فجأة الدنيا. أما إن تمناه لضر أخروي كأن خشي فتنة فجأة الدين فهو جائز. فقد قال معاذ بن جبل: قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا رأى فيها الله تعالى وفيها أن الله تعالى قال له: سل. فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم أنى أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة فجأة قومي فتوفني غير مفتون. واسالك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حيك. أخرجه أحمد والطبرانى والحاكم والترمذى وقال حسن صحيح (1). {290}
(1) الرؤيا هى ما فى قول معاذ: احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس فخرج سريعا فثوب بالصلاة (أى أمر بإقامتها) فصلى وتجوز فى صلاته فلما سلم دعا (أى نادى) بصوته فقال ليا: على مصافكم كما أنتم. ثم انتقل الينا. فقال: أما إنى سأحدثكم ما حبسنى عنكم الغذاة إنى قمت من الليل فتوضأت فصليت ما قدر لى فنعست (بفتح العين) فى صلاتى فاستثقلت فإذا أنا بربى فى أحسن صورة. فقال يا محمد. قلت لبيك رب. قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ (الملائكة) قلت لا أدرى رب. قالها ثلاثا. قال فرايته وضع كفه بين كتفى قد وجدت برد أنامله بين ثديى فتجلى لى كل شئ وعرفت فقال يا محمد قلت رب لبيك. قال فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: فى الكفارات قال: ما هن؟ قلت مشى القدام الى الجماعات. والجلوس فى المساجد بعد الصلاة. وإسباغ الوضوء فى المكروهات قال ثم فيم؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة بالليل والناس نيام، قال: سل (الحديث) انظر ص 174 ج 4 تحفة الأحوذى
(4)
علامات الموت: للموت علامات (منها) استرخاء القدمين واعوجاج الأنف وانخساف الصدغين وامتداد جلد الوجه وعرق الجبين (روى) عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ارقبوا الميت عند وفاته فإذا ذرفت عيناه ورشح جبينه وانتشر منخراه فهي رحمة من الله قد نزلت. وإذا غط غطيط البكر المخنوق وكمد لونه وأزبد شدقاه فهو عذاب من الله قد نزل به. أخرجه الحكيم الترمذى. (1){291}
(وعن) عبد الله بن بريدة الأسمى عن أبيه أنه كان بخراسان فعاد أخاه وهو مريض فوجده بالموت وإذا هو يعرق جبينه فقال: الله أكبر. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موت المؤمن بعرق الجبين. أخرجه احمد والنسائي وابن ماجة والترميذى وحسنه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (2). {292}
(وعن) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن يموت بعرق الجبين. أخرجه الطبرانى فجأة الأوسط وفجأة الكبير نحوه فجأة حديث طويل رجاله ثقات ورجال الصحيح (3). {293}
(وهذا) يدل على أن عرق الجبين يكون لما يعالج من شدة الموت (وقيل)
(1)(الغط) ترديد الصوت حيث لا يجد مساغا (وأزبد الشدق) خرج منه ما يشبه الزبد. والشد بفتح الشين وجمعه شدوق وبكسرها وجمعه أشداق.
(2)
انظر ص 59 ج 7 - الفتعح الربانى (ما جاء فى المحتضر) وص 259 ج 1 مجتبى (علامة موت المؤمن) وص 329 ج 1 - ابن ماجه (المؤمن يؤجر فى النزع) وص 128 ج 3 تحفة الأحوذى
(3)
انظر ص 325 ج 2 مجمع الزوائد (موت المؤمن وغيره) وزيادة الكبير: يبقى عليه البقية من الذنوب فيجازى بها عند الموت أو يشدد عليه ليتمحص عنه ذنوبه.
انه يكون من الحياء لان المؤمن إذا جاءته البشرى مع ما كان قد اقترف من الذنوب حصل له بذلك خجل واستحياء من الله تعالى فيعرق بذلك جبينه. فالعرق إنما يكون لمن حلت به الرحمة فانه ليس من ولى ولا صديق ولا بر أتخبؤها وهو يستحي من ربه مع البشرى والإكرام (وقيل) أن عرق الجبين علامة لموت المؤمن وأن لم يعقل معناه (1).
(5)
الموت فجأة أحد الحرمين: من مات فجأة الحرام المكي أو المدني أو بيت المقدس نال فضلا عظيما ورضا وقبولا (روى) سلمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات فجأة أحد الحرمين استوجب شفاعتي وكان يوم القيامة من الآمنين. أخرجه الطبرانى فجأة الكبير وفى سنده عبد الغفور بن سعيد وهو متروك (2). {294}
(وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات فجأة أحد الحرمين بعث آمنا يوم القيامة. أخرجه الطبرانى فجأة الصغير والأوسط بسند حسن وفيه موسى بن عبد الرحمن المسروقى ذكره ابن حبان فجأة الثقات. وفيه عبد الله بن المؤمل وثقة ابن حبان وغيره وضعفه أحمد وغيره (3). {295}
(وعن) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات فجأة بيت المقدس فكأنما مات فجأة السماء. أخرجه البزار وفيه سويف بن عطية البصري وهو ضعيف (4). {296}
(1) انظر ص 259 ج 1 زهر الربى للسيوطى.
(2)
انظر ص 319 ج 2 مجمع الزوائد (من مات فى أحد الحرمين)
(3)
انظر ص 319 ج 2 مجمع الزوائد (من مات فى أحد الحرمين)
(4)
انظر ص 319 ج 2 منه (من مات فى بيت المقدس).
(قال) النووي: يستحب طلب الموت فجأة بلد شريف (لحديث) حفصة رضى الله عنها أن عمر رضى الله عنه قال: اللهم ارزقني شهادة فجأة سبيلك واجعل موتى فجأة بلد رسولك صلى الله عليه وسلم. فقلت: أنى يكون هذا؟ فقال يأتيني به الله إذا شاء. أخرجه البخاري (1). {297}
(6)
موت الضربة: من أسباب الشهادة الأخروية موت الشخص غريبا فجأة غير موطنه فقد تجرع مرارة فراق الأحبة والخلان والأهل والأوطان، ولا يجد له متعهدا فجأة مرضه غالبا ن لا يحضره إذا احتضر أحد ممن يلوذ به. فإذا صبر على ذلك محتسبا كان له الجزاء الأوفى (قال) عبد الله بن عمرو: توفى رجل بالمدينة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه سلم فقال: يا ليته مات فجأة غير مولده، فقال رجل: لم يا رسول الله؟ فقال: إن الرجل إذا توفى فجأة غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره فجأة الجنة. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند فيه ابن لهيعة متكلم فيه. أخرجه النسائي بسند جيد وصححه السيوطى (2). {298}
(قوله ليته مات فجأة غير مولده) يعنى ليته كان غريبا مهاجرا إلى المدينة ومات بها. وليس المراد ليته مات بغير المدينة لئلا يخالف ما تقدم فجأة فضل الموت بالمدينة (3).
(7)
موت الفجأة: الفجأة - بفتح فسكون - آي الموت بغتة بلا سبق
(1) انظر ص 118 ج 5 - مجموع النووى.
(2)
انظر ص 53 ج 7 - الفتح الربانى (فضل من مات غريبا) وص 252 ج 1 ابن ماجه (والأثر) بفتحتين الأجل (ومنقطعه) انتهاؤه. والمعنى أنه يفتح له فى الجنة بقدر المسافة التى بين وطنه وبين موضع موته زيادة عما كان يستحقه لو مات بوطنه.
(3)
انظر الأحاديث رقم 294 رقم 295 ص 214 ورقم 297.
مرض. وهو مذموم لأن من مات فجأة لا يمكنه الاستعداد للتوبة والعمل الصالح والوصية وغيرها ويحرم من ثواب المرض الذي يكفر الذنوب. ولذا استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم. (قال) أبو إمامة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من موت الفجاة وكان يعجبه أن يمرض قبل أن يموت أخرجه الطبرانى فجأة الكبير وفيه عثمان بن عبد الرحمن القرشي وهو متروك (1). {299}
ومع هذا فهو راحة للمؤمن الصالح من عناء الدنيا لأنه مستعد للموت بالأعمال الصالحة متذكر ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: أكثروا من ذكر نبي اللذات الموت (2)، فهو يتذكر الموت دائما ويعمل له. فإذا أتاه فجأة لا يضره بل يستريح به من نصب الدنيا. (أما الفاجر) فموته فجأة من علامة غضب الله عليه لأنه لم يتركه حتى يتدارك ما فاته من التفريط ويستعد للموت بالتوبة ولم يمرض لتكفر ذنوبه (قالت) عائشة: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة، فقال: راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر أخرجه أحمد والبيهقى والطبرانى فجأة الوسط. وفيه عبيد الله بن الوليد الوصافى وهو متروك (3). {300}
(ويقويه) حديث عبيد بن خالد السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: موت الفجأة أخذة الأسف للكافر ورحمة للمؤمن. أخرجه البيهقى هي داود بسند رجاله ثقات (4). {301}
(1) انظر ص 318 ج 2 مجمع الزوائد (موت الفجأة والمرض قبل الموت 9
(2)
انظر رقم 279 ص 207
(3)
انظر ص 70 ج 7 - الفتح الربانى (ما جاء فى موت الفجأة) وص 318 ج 2 مجمع الزوائد (واسف) بفتحتين أى غضب ويروى بفتح فكسر اسم فاعل. أى غضبان.
(4)
انظر ص 378 ج 3 - البيهقى. وص 242 ج 8 - المنهل العذب المورود (موت الفجأة).
(فائدة) قد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من موتات أخر غير موتة الفجأة (روى) عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذ من سبع موتات: موت الفجأة، ومن لدغ الحية، ومن السبع، ومن الغرق، ومن الحرق، ومن أن يخر على شئ، أو يخر عليه شئ، ومن القتل عند فرار الزحف أخرجه أحمد والبراز والطبرانى فجأة الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام (1). {302}
(8)
الموت يوم الجمعة: من مات يوم الجمعة وفى عذاب القبر وكتب له أجر شهيد (روى) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات يوم الجمعة وفى عذاب القبر. أخرجه أبو يعلى. وفيه يزيد الرقاشى وفيه كلام (2). {303}
وعن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وفى فتنة القبر وكتب شهيدا. أخرجه عبد الرازق (3). {304}
(9)
موت النبي صلى الله عليه وسلم: توفى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثالث عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة هجرية (4) " 8 يونيو
(1) انظر ص 318 ج 2 مجمه الزوائد (ما يستعاذ منه من موتات).
(2)
انظر ص 319 ج 2 مجمع الزوائد (من مات يوم الجمعة).
(3)
انظر ص 280 ج 2 كشف الخفاء رقم 2625.
(4)
قال السهيلى: اتفقوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى يوم الاثنين وأنه توفى فى ربيع الأول. غير أن أكثرهم قال فى الثانى عشر منه. ولا يصح أن يكون توفى صلى الله عليه وسلم إلا فى الثانى من الشهر أو الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر لاجماع المسلمين أن وقفة عرفة فى حجة الوداع كانت يوم الجمعة. وهو التاسع من ذى الحجة فأول ذى الحجة. يوم الخميس. فكان المحرم إما الجمعة وإما السبب. فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما الاحد. فإن كان السبت فقد كان ربيع الاحد أو الاثنين. وكيفما دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثانى عشر من ربيع يوم الاثنين بوجه. وذكر الطبرى عن ابن الكلبى وأبى مختف أنه صلى الله عليه وسلم توفى فى الثانى من ربيع الأول. وهذا القول وإن كان خلاف قول الجمهور فإنه لا يبعد إن كانت الثلاثة الأشهر قبله كلها تسعة وعشرين فتدبره فإنه صحيح (وقال) الخوارزمى: إنه صلى الله عليه وسلم توفى أول يوم من ربيع الأول وهذا اقرب فى القياس مما قاله ابن الكلبى. انظر ص 372 ج 2 - الروض الآنف.
سنة 632 ميلادية " وعمره ثلاث وستون سنة. ولما قبض النبي صلى الله عليه وسلم دهش أصحابه دهشة عظيمة وطاشت عقولهم واختلط أمرهم. وممن اختلط عمر رضى الله عنه فجعل يصيح ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت وتهدد من قاله. واقعد على رضى الله عنه فلم يستطع حراكا. وأخرس عثمان رضى الله عنه. واضنى عبد الله بن أنيس حتى مات كمذا. واضطرب الأمر وجل الخطب وفدحهم هول المصيبة وحق لهم ذلك. وكأن أثبتهم العباس وأبو بكر.
فقد بلغ الخبر أبا بكر وهو بالسنح فجاء وعيناه تهملان وزفراته تتردد في صدره وغصصه ترتفع (1) وهو في ذلك رضى الله عنه ثابت القلب حسن القول. ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف وجهه وقبل جبينه وجعل يبكى ويقول: يأبى أنت وأمي طبت حبا وميتا وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء. ولو أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس. ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفذنا عليك ماء العيون. فأما مالا نستطيع نفيه فكمد
(1)(اضنى) أى اصابه الضنا وهى مرض يتولد من وجع القلب. و (الكمد) بفتحتين الحزن المكتوم. و (السنح)(بضم فسكون أو فضم. موضع قرب المدينة كان به مسكن الصديق. و 0 هملت عينه تهمل) من باب نصر فاضت بالدموع. و (الزفرات)(جمع زفرة 0 بسكون الفاء) وهى النفس بفتحتين يقال: زفر يرفر من باب ضرب زفرا وزفيرا إذا خرج نفسه ممدودا " والغصص " جمع غصه وهىهنا ما يعرض للباكى فى حلقة من الحزن والغيظ.
وإدناف (1) يتحالفان ولا يبرحان. اذكرنا يا محمد عند ربك. ولنكن لك على بال. اللهم ابلغ نبيك عنا. ثم خرج وخطب الناس قال فيها: اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له. واشهد أن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، واشهد أن الكتاب كما نزل. وأن الدين كما شرع. وأن الحديث كما حدث. وأن القول كما قال. وأن الله هو الحق المبين. ثم قال: آيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت. وإن الله قد تقدم لكم في أمره فلا تدعوه جزعا. وإن الله تعالى قد اختار لنبيه عليه الصلاة والسلام ما عنده على ما عندكم وقبضه إلى ثوابه وخلف فيكم كتابه وسنة نبيه فمن أخذ بهما عرف ومن فرق بينهما أنكر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ "(2)، ولا يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم ولا يلفتنكم عن دينكم.
وعاجلوا الشيطان بالخزى تعجزوه ولا تستنظروه فيلحق بكم، فلما فرغ من خطبته قال: يا عمر، أأنت الذي بلغني عنك أنك تقول على باب نبي الله صلى الله عليه وسلم: والذي للنبي بيده ما مات نبي الله؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم كذا وكذا وقال الله تعالى: " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ "(3) فقال عمر: والله لكأنى لم اسمع بها في كتاب الله قبل الآن لما نزل بنا أشهد أن الكتاب كما نزل. وأن الحديث كما حدث. وأن الله تعالى حي لا يموت إنا لله وإنا إليه راجعون صلوات الله على رسوله وعند الله تحتسب رسوله وقال:
لعمري لقد ايقنت أنك ميت
…
ولكنما أبدى الذي قلته الجزع
وقلت بغيب الوحي عنا لفقده
…
كما غاب موسى ثم يرجع كما رجع
(1) أدنفه المرض أثقله.
(2)
النساء: 135
(3)
الزمر: 30
وكان هواي أن تطول حياته وليس لحى في بقا ميت طمع (1)
(وقد) ورد في هذا أحاديث (منها) حديث ابن أبى مليكة عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عند أمرأته ابنة خارجة بالعوالى فجعلوا يقولون لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بعض ما كان يأخذه عند الوحي فجاء أبو بكر فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه وقال: أنت أكرم على الله أن يميتك مرتين. قد والله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر في ناحية المسجد يقول: والله ما مات رسول الله ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير أرجلهم، فقام أبو بكر فصعد المنبر فقال: من كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ"(2) قال عمر: فكأني لم أقرأها إلا يومئذ. أخرجه ابن ماجه (3). {305}
وأخرجه البخاري عن عائشة وابن عباس بلفظ أتم من هذا تقدم في خطبة الصديق يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم (4). (قال) ابن عمر رضى الله عنهما: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر في ناحية بالمدينة فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فوضع فاه على جبين النبي صلى الله عليه وسلم فجعل
(1) انظر تمامه بص 377 ج 2 الروض الآنف.
(2)
ىل عمران: 144 (وأن يميتك مرتين) قاله لما زعم عمر وغيره أنه يرجع الى الدنيا فإنه لو رجع لمات ثانيا وهو أعلى قدرا من أن يموت مرتين.
(3)
انظر ص 255 ج 1 - ابن ماجه (وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم.
(4)
انظر ص 260 ج 4 - الدين الخالص.
يقبله ويقول: يأبى وأمى طبت حيا وميتا. فلما خرج مر بعمر وهو يقول والله ما مات رسول الله ولا يموت حتى يقتل المنافقين. وقد كانوا استبشروا بموت النبي صلى الله عليه وسلم ورفعوا رءوسهم فمر به أبو بكر فقال: آيها الرجل أربع على نفسك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ألم تسمع الله تعالى يقول: " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ "(1)" وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ"(2) وأتى المنبر فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: آيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإن إلهكم قد مات. وإن كان إلهكم الذي في السماء فإن إلهكم الذي تعبدون حي لا يموت، ثم تلا " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ " الآية، ثم نزل. وقد استبشر المؤمنون بذلك واشتد فرحهم وأخذ المنافقين الكآبة. قال ابن عمر: والذي للنبي بيده لكأنما كانت على وجوهنا أغطية فكشفت. أخرجه البزار بسند رجاله رجال الصحيح عدا على بن المنذر وهو ثقة. (3){306}
(10)
رثاء النبي صلى الله عليه وسلم: قد قيل فيه الكثير (روى) عروة عن صفية بنت عبد المطلب قالت ترثى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لهف للنبي وبت كالمسلوب
…
أرقب الليل فعلة المحروب (4)
من هموم وحسرة أرقتني
…
ليت أنى سقيتها بشعوب (5)
(1) الزمر: 30
(2)
الانبياء: 34
(3)
انظر ص 37 ج 9 مجمع الزوائد (فى وداعه صلى الله عليه وسلم.
(4)
(المحروب) من أخذ ماله يقال حرب حربا من باب تعب: إذا أخذ جميع ماله فهو حريب. وحرب بالبناء للمفعول كذلك فهو محروب.
(5)
(شعوب) كرسول اسم للمنية.
حين قالوا أن الرسول قد أمسي
…
وافقته منية المكتوب
حين جئنا أل بيت محمد
…
فاشاب القذال منى مشيب (1)
حين رينا بيوته موحشات
…
ليس فيهن بعد عيش غريب
فعراني لذاك حزن طويل
…
خالط القلب فهو كالمرعوب
وقالت أيضا:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا
…
وكنت بنا برا ولم تك جافيا
وكنت رحيما هاديا ومعلما
…
ليبك عليك اليوم من كان باكيا
لأنفذنا ما أبكي الحروب لموته
…
ولكن لهرج كان بعدك آتيا (2)
كأن على قلبي لفقد محمد
…
ومن حبه من بعد ذاك المكاويا (3)
أفاطم صلى الله رب محمد
…
على جدت أمسى بيثرب ثاويا (4)
أري حسنا أيتمته وتركته
…
يبكى ويدعو جده اليوم نائيا
فدى لرسول الله أمي وخالتي
…
وعمى وآبائي ونفسي وماليا
صبري وبلغت الرسالة صادقا
…
ومت صليب الدين ابلج صافيا (5)
فلو أن رب العرش أبقاك بيننا
…
سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
(1)(القذال) بفتح القاف جماع مؤخر الراس.
(2)
(الهرج) بفتح فسكون الفتن والاختلاط وفسره النبى صلى الله عليه وسلم فى اشراط الساعة بالقتل
(3)
(المكاويل) جمع مكواة وهى خديدة يحرق بها الجلد.
(4)
(افاطم) بالترخيم مفتوح الميم أو مضمومها (والجدث) بفتحتين القبر و (ثاويا) أى ماكثا.
(5)
(صليب الدين) أى قويمة وفى رواية صليب العود بضم العين يكنى بها الجسم (وابلج) أى مشرق.
عليك من الله السلام تحية
…
وأدخلت جنات من العدن راضيا (1)
(أخرجه الطبرانى بسند حسن)(2)
…
وقال غنيم بن قيس: إنى لأذكر قالة أبي على الحروب صلى الله عليه وسلم يوم مات:
ألا لي الويل على محمد
…
قد كنت فكأني حياتي بمرصد
أنام ليلى آمنا إلى الغد
أخرجه البزار بسند رجاله رجال الصحيح غير بشر بن آدم وهو ثقة (3)
(وقالت) فاطمة بنت الحروب صلى الله عليه وسلم ترثى أباها وقد اجتمع إليها النساء بعد دفنه:
اغبر آفاق السماء وكورت
…
شمس النهار وأظلم العصران (4)
والأرض من بعد الحروب كئيبة
…
أسفا عليه كثيرة الرجفان (5)
فلتبكه شرف البلاد وغربها
…
ولتبكه مضر وكل يماني (6)
وليبكه الطود المعظم جوه
…
والبيت ذو الأستار والأركان
(1) السلام 9 بالجر صفة للفظ الجلالة (وتحية) بالرفع مبتدأ خبره عليك. ويجوز رفع السلام على أنه مبتدأ، ونصب تحية على الحال. ورفعها على أنها بدل من السلام.
(2)
انظر ص 38 ج 9 مجمع الزوائد. وفيه اصلاح من بهجة المحافل ص 120 ج 2
(3)
انظر ص 39 ج 9 مجمع الزوائد (فى وداعه صلى الله عليه وسلم.
(4)
(آفاق) جمع افق وهى الناحية. و (كورت) اظلمت وذهب ضوءها و (العصران) تثنية عصر وهو ما بين الظهر والمغرب. وثنى لضرورة الشعر.
(5)
(مضر) مصروف لضرورة الشعر والمراد بها القبيلة.
(6)
(الطود) الجبل والمراد به جبل ابى قبيس أو حراء أو ثور. و (المعظم جوه) أى المرتفع فى الجو. والجو اسم لما بين السماء والارض
يا خاتم الرسل المبارك وصفه
…
صلى عليك منزل الفرقان (1)
(وقال) أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم الحروب صلى الله عليه وسلم يرثيه:
أرقت فبات ليلى لا يزول
…
وليل أخي المصيبة فيه طول
وأسعدني البكاء وذاك فيما
…
أصيب المسلمون به قليل
لقد عظمت مصيبتنا وجلت
…
عشية قيل قد قبض الرسول
وأضحت أرضنا مما عراها
…
يكاد بنا جوانبها تميل
فقدنا إلهكم والتنزيل فينا
…
يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحق ما سالت عليه
…
نفوس الناس أو كربت تسيل (2)
لعمري كان يجلو الشك عنا
…
بما يوحي إليه وما يقول
وبهدينا فما يخشى ضلال
…
علينا والرسول لنا دليل
افاطم إن جزعت فذاك عذر
…
وإن لم تجزعي ذاك السبيل
فقبر أبيك سيد كل قبر
…
وفيه سيد الناس الرسول (3)
(وقال) حسان بن ثابت شاعر الحروب صلى الله عليه وسلم يرثيه:
ما بال عينك لا تنام كأنها
…
كحلت أما فيها بكحل الأرمد (4)
جزعا على المهدى اصبح ثاويا
…
يا خبر من وطئ الحصى لا تبعد
(1) انظر ص 120 ج 2 بهجة المحافل. (بعض المراثى التى قيلت فيه صلى الله عليه وسلم
(2)
(كربت) بفتح فكسر أى قربت.
(3)
انظر ص 121 ج 2 بهجة المحافل (بعض المراثى التى قيلت فيه صلى الله عليه وسلم.
(4)
(الأماقى) الجفون.