الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)
من سورة سبأ 46 - 49) .
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) .
قال الجاحظ: وأدنى منازل الإظهار إظهار الحجة على من ضارّه وخالف عليه (من رسائل الجاحظ) .
قلت: وهذه دعوة قرآنية للتخلص من الهوى وسائر المؤثرات الصارفات عن
الإخلاص في طلب الحق، ولتحرير العقل في طلبه، ولتحرير الإرادة؛ لتمضي في السبيل القويمة.
وهذا وعد موعود بإظهار الإسلام، وهو الحق، وقد صدق الوعد، وسطر على صفحات التاريخ، وبرز في وقائع الدهر شاهد صدق، وآيةً ناطقة، لا تدع شبهة زيغ، لمن أخلص قلبَه لطلب الحق والحقيقة.
* * *
قصة هذا الكتاب
1 -
لهذا الكتاب قصة، وللقصة جاذبيتها نحو موضوعها، وكلما كانت القصة من حقائق الواقع كانت أقوى جاذبية لشدة صلتها بواقع الإنسان.
فإذا كان واقع القصة مما يتصل بإيمان الإنسان، وآحاد معتقده بلغت من الجاذبية مبلغها الذي لا مزيد عليه.
وكذلك كانت قصة هذا الكتاب
في زيارتي لأمريكا منذ 21 ديسمبر سنة 1997، بدعوة من مجلس إدارة مسجد أبي بكر الصديق، في بروكلين من مدينة نيويورك- قَدّم
إليَّ الأخ الصديق القديم (حامد نبوي) صورة من أسئلة تحدى بها مرسلوها
المسلمين.
وكاتبو هذه الأسئلة، المتحدون بها، جماعة من البشرين في كندا، يرسلونها في تحدِّ سافر، ويطلبون الردّ عليها، طلب تحدّ وتعجيز، يظنون أنه لا جواب عنها، وأنه لا ردّ ييطل زيفها! وأنه لا معقب عليها.
وما مثلهم - لو كانوا يعلمون - إلا كمثل من يضرب رأسه في فولاذ يحسب أنه قادر على أن يكسِّره.
كناطح صخرة يوما، ليوهنها. . . فلم يَضرها وأوهى قرنه الوعِل!!
2 -
ويؤيد هذا التحدي قوة عاملان:
أن مرسلي هذه الأسئلة قد بنوها على بعض العلم ببعض مسائل الإسلام، وبعض العلم مضلّة، والعلم إذا خالطه الهوى كان أضرّ من الجهل.
وأن بعض من يقعدون بمرصد لهذه الأباطيل من مهاجري المسلمين، ليسوا من
أهل العلم، وإنما هم ممن صنعت منه الغربة، والحاجة عالما من غير علم، وأبا حنيفة من غير فقه، والبلادُ إذا اكفهرت، وصوّح نبتها رُعِي الهشيم!!
ومن وجوه عجز هؤلاء أنهم، وهم يعيشون وسْط هؤلاء المشبهين، يجهلون
واقعهم، كما يجهلون عقائدهم!
كما أن من وجوه عجزهم أنهم يحسبون، بزعمهم، أن كل مخالف في الدين
عدوّ، يقاطع، بل ويجب حربه وقتاله، ويستحل ماله. . . ويقدمون - بهذا الفهم - صورة كريهة للإسلام، وعلاقته غير الإنسانية.
ومن هذه الوجوه تلك الحال لنساء هؤلاء، أدعياء العلم بالإسلام، والحال التي يطلبونها من المرأة الغربية التي تأتيهم لتعرف الإسلام حال متى علم بها الإسلام بكى مما أصابه من بعض أبنائه، عن حسن نيّة، ولكن بنقص علم، وتقصير في التحصيل، واتهام للعارفين عن يقين، الذين حصّلوا علوم الإسلام على يدي شيوخه، الذين كانوا أعلام دهرهم، وغرة زمانهم.
وليست هذه الوجوه من النظر العقلي المجرد، وإنما هي من مفردات الواقع، الذي لمسه كل مخالط معايش.
وبهذه الوجوه تأتي ردود هؤلاء ضعيفة، أو متهافتة، تغري أصحاب الهوى بمزيد من التهجم، بل تجعلهم يحسبون أنهم على شيء، وما هم على شيء، ولكن أغراهم ضعف المجيبين!
وقد تقدم إليَّ الأخ الكريم (حامد نبوي) - لحسن ظنه لي - أن أكتب الردّ على تلك المفتريات، إظهارا للحق، ودَزءا عن الإسلام وحماية لحماه وحقيقته.
وإني لأرجو أن أكون عند حسن الظن، فأكون أهلا لهذه المهمة الجليلة، فالإسلام وحقائقه أثقل من أن يستقل بها ضعيف مثلي، يدرك من قلة علمه ما لا يدرك الآخرون، ويعرف من اتساع الإسلام، وعمق مسائله ما يجعله يوقن أنه دون حسن الظن، وموضع الجواب، ومذراة هجوم وطعن.
ولكن إذا وجب الجهاد بالقلم والكلمة، وأصبح القول فرض عين، وواجب عقيدة، ولازم إيمان، والله - تَعَالَى - هو ذو الجلال والإكرام، وهو مصدر الفضل، ومانح النصر لمن خلصت نيته، وحسن قصده، وبذل جهده، والحق أبلج، والباطل لجلج، فحسبي أن آخذ الطريق إلى الحق والصواب، ثم يتكفل اللَّه بالهداية وعلى اللَّه قصد السبيل وعليه الهدى.
والإسلام - دي ذاته - نور لا يغشاه ظلام، وحق مبين، لا يأتيه باطل. ولكنّ البصائر قد يغشاها الرَّين، والأبصار قد يتغشاها غشاوات، فلا ترى النور وهو
ناصع، وتعمى عن الشمس، وهي رائعة في شباب النهار.
5 -
ومهما قال الأعشى عن الصبح إنه ليل، فلن يعمى العالمون عن ضيائه، ومهما تحوّل أهل الهوى إلى كنّاسين يثيرون الأرض رَغاما، فإنهم لن يعفّروا صفحة السماء، ولسوف يظل الإسلام، ونبي الإسلام أطهر من الربابة في سمائه، ومهما شبّه المشتبهون، وضلل المضللون، فلسوف يظل من ذوي النصفة، ومن أولي الألباب من يعرف الحق ويؤمن به، ومن يحترم نفسه، ويُجلّها عن بطر الحق، وغمط الفضل، وتقبيح الجميل، ولسوف يظل الماء العذب الفرات على صفته، وإن وصفه المريض مر الفم بأنه مُر غير سائغ. ولسوف يظل الحق حقا، وإن جحده المبطلون
(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) .
6 -
تلك قصة هذا الكتاب، التي دعت إلى تسطيره، ونشره، وهي تنبيه إلى المسلمين عامة، والمقيمين منهم بين أمثال هؤلاء المبلسين، وليعرفوا كيف يفهمونهم، وكيف يتعاملون معهم.
وهي تحذير لهؤلاء الذين يوقظون الفتن، وهم يدّعون السلام، ويدْعون إلى الإخاء العالمي بألسنتهم، وتأبى قلوبهم.
وإعلان لأمثالهم بأن الإرادة الإسلامية ما زالت ناهضة ناشطة، تدفع عن نفسها جهل الجاهلين، وغرور الغافلين، والضالين عن سواء السبيل.
وبعد، فإنها تبصرة لكل راغب بنفسه عن كل دنية، متأب بكرامته عن سهوات الانحطاط!!
هذا، وسوف أجعل هذا البيان أقسامًا رئيسة:
الأول: عرض أسئلة المبشرين في ترجمتها العربية، كما وصلتني، مع بعض تقويم للغة
الترجمة. وكنت أودّ أن أثبتها بلغتها الإنجليزية زيادة في التوثيق ووفاءً للمنهج
العلمي.
الثاني: بيان موقف القرآن من الجدال، وبيان منهجه، وثمرته، وآدابه، وبيان أن هؤلاء المبشرين لم يلتزموا المنهج الصحيح في الجدال وأنهم مقلدون في تهجمهم على الإسلام.
الثالث: لبيان أنه كان عند هؤلاء المشبهين في دينهم، وكتابهم ما هو أولى بالبحث عن حقائقه وأباطيله، وأنهم لو فعلوا لاستحوا من قولهم عنه ما قالوا عن الإسلام.
الرابع: الإجابات المفصلة عن هذه الأباطيل، وفيها يتجلى الحق، وبها ينتهي الكتاب إلى مراشد للهدى، ومعالم اليقين، لمن شاء أن يستقيم.
عبد المجيد حامد صبح
نيويورك - يناير 1998 م