الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17- وماذا عن صلة الرحم
؟
وما أدراك ما صلة الرحم، إنها نداء الفطرة، وفريضة الخلق السوي، وصوت الوعظة الحسنة، وهمسة الضمير السليم، فما موقف المسيحية منها؟
يقول متى: 12 / 42 - 49)
"وفيما هو يكلم الجموع إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجا
طالبين أن يكلموه. فقال له واحد: هو ذا أمك وإخوتك واقفين خارجا طالبين أن يكلموك.
فأجاب. من هي أمي ومن هم إخوتي؟
ثم مد يده نحو تلاميذه وقال: ها أنتم أمي وإخوتي؛ لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماء هو أخي وأختي وأمي ".
ومن أجل هذا النص ينسب إلى المسيح رفضه صلة الرحم!!
فهل يمكن لهذا أن يُشرّع قانونا؟
* * *
18 - المسيحية والكنيسة:
كان من وصايا بعض الرهبان بناء الكنائس خارج المدن على قمم تلال الجبال.
ونحن إلى اليوم، نرى كثيرا من الكنائس على هذا الاعتزال، وقد رأيت بنفسي كثيرا منها على هذه العزلة، ولما سألت. كيف يعيش أهلوها؟
قالوا: يتكفل بهم أهل القرى القريبة.
وبناء الكنائس يطابق هذه الروح: روح الاعتزال، والصمت، والإشارة إلى السماء، حيث يشير تصميمها المعماري إلى الارتفاع، إشارة إلى عالم آخر، ليس هو هذا الذي نعيش فيه.
ولما خالطوا المسلمين، في الحروب الصليبية، ورأوا مآذن المساجد - وهي ليست إلا فنا معماريا - وافقت هواهم، فصنعوا أبراج الكنائس.
والمسيح لم يوص بهذه الكنائس، ولم يكن المسيح المحور الذي تدور عليه الكنائس؟
لأن بطرس القديس هو رأس الكنيسة في مهدها. له كنيسة باسمه بنيت سنة 326 ارتفاع قبتها 138 م. وعرضها 42 م.
ونظام الكنيسة، أيضا، كبنائها، شيء لا صلة له بالمسيح، من حيث هو: فكرة، وتنظيم، وكوادر إدارية، ولاهوتا.
وفي القرن الرابع اتخذت الطقوس الدينية أسلوب البهرجة، واستعيرت لها بعض الطقوس الوثنية الرومانية.
وفي هذا القرن الرابع ظهر تقديس مريم، حتى كان من طوائف المسيحية من اعتبرها إلها وهم فرقة (البربرانية) .
وفي القرن الخامس أنشئ نظام (الإكليروس) وظهر لقب مطران.
هذا التعقيد الإداري والوظيفي الذي عزفت عنه الكنائس التي عرفت بالكنائس المصلحة، وهو (مصطح) يشمل، إجمالا، جميع الكنائس البروتستانية، التي نشأت من حركة الإصلاح الديني، بيدَ أن استعماله، من الناحية التاريخية، يقتصر، عادة على الكنائس المصلحة، وهي الكنائس البروتستانية التي يرتكز أصلها الكنسي على عقائد كلفن، وذلك للتمييز بينها وبين الكنائس اللوثرية والإنجيلية.
وتتبع الكنائس المصلحة، عادة، النظام المشيخي، فهي تنزع إلى شكل بسيط من العبادة، وتعزف على الطقوس المنمقة.
وهؤلاء يطلق عليهم المشيخيون. (. . .) وهم شيعة بروتستانية قديمة.
يرى أصحابها أن تكون سلطة الكنيسة بيد الشيوخ من رعيتها دينيين أم علمانيين، وأنهم جميعا سواء لا يفضل أحدهم سواه.
ومن ثم يرفضون المراتب الهرمية للكنيسة الأسقفية، ويقولون: إن هذا هو المنقول عن الرسل.
وفي سنة 325، في اجتماع نيقية، اتفق على اتخاذ الصليب رمزا للمسيحية، وأدخل نظام العماد، والقرابين المقدسة، وكان الأساقفة هم الذين يقررون العقائد والتعاليم، بهذا كله تم إنشاء الكنيسة.
إن الذي جاء به المسيح هو: الإيمان الشخصي من القلب.
أما علم اللاهوت، وكل هذه التعقيدات الإدارية والوظيفية، وكل هذه الظاهر في هيكل الكنائس، وزي القساوسة. . . كل ذلك من ابتداع الكنيسة.
لقد حُوِّلت تعاليم المسيح من الجوهر الأخلاقي إلى تعقيدات الإدارة والوظيفة، وإلى الجدل الفلسفي، الذي عرف عندهم، في القرون الوسطى:(بالجدل الأسكولائي) .
وهو اسم يطلق على الفلسفة المدرسية في العصور الوسطى.
وعني أصحابه بالفكر اللاهوتي والفلسفي المعتمد على سلطة الآباء اللاتينيين
وأرسطو والشارحين لفلسفته.
وعكف هؤلاء (الاسكولائيون - المدرسيون) على
تقديم البراهين النظرية لإثبات العقيدة الدينية، ونظرة الدين إلى العالم.
إن أبا المسيحية هو المسيح.
أما أبو الكنيسة فهو (بولس) واسمه الأصلي: شاءول.
روماني الجنسية، نشأ نشأة يهودية، متحمسا لدينه ووطنه، وكان يضطهد
المسيحيين الأول، وكلف من قبل رئيس الكنيس اليهودي بالذهاب إلى دمشق لمقاومة المسيحية سنة 35، ثم تحول فجأة إلى المسيحية، وصار من أنشط دعاتها، واعظا ومؤسسا للكنائس.
ثم آل أمره إلى القبض عليه في روما والحكم عليه
بالإعدام صلبا، وقطع رأسه بالسيف!!
إلي هذا يرجع إنشاء الكنائس، أو إلى (أوغسطين)(354 - 430) أسقف مدينة هيبون، في شمال أفريقيا، من أشهر آباء الكنيسة اللاتينية، فيلسوف آراؤه قريبة جدا من الأفلاطونية الجديدة، وهو يعتبر مؤسس حياة النسك والرهبنة في أوربا.
أقول: وكلاهما: بولس وأوغسطين لم يقف بالمسيحية عند الحد الذي جاء به
المسيح: جاء المسيح بالأخلاق المسيحية، أما هذان فقد أسسا اللاهوت، والطقوس.
المسيحية كدين أخلاقي جاء بها المسيح، أما المسيحية كأسرار، فقد جاءت بها (الرسائل) .
لقد انتهى تاريخ المسيح بظهور بولس الروماني اليهودي الأصل.
وعلى خلاف الإنجيل اعترف بولس بالملكية، والعمل، والاقتصاد، والألقاب، والرتب، والزواج، واللامساواة، بل اعترف بالرق والعبودية. وأصبح المسيح والإنجيل في ناحية والكنيسة واللاهوت في ناحية أخرى، وبذلك تم الانفصال بين الفكرة والواقع.
بعد هذا التطواف يأتي - باختصار - هذا السؤال: هل الفكرة المثالية المجردة تصلح قانونا؟
هل الواقع المعقد المركب، المجرد عن روح الأخلاق يصلح أن يكون قانونا؟
رجال القانون يعرفونه بأنه مجموعة القواعد التي تنظم الروابط الاجتماعية، والتي يجبر الأفراد على احترامها بواسطة السلطة العامة".
فإذا كنا، في المسيحية واليهودية بين نزعة روحية صرفة، ونزعة مادية صرفة، فمدلول: الروابط الاجتماعية ليس ذا موضوع ثم نخلص إلى حقيقة علمية
خلاصتها: أن الإسلام وحده هو الدين الصالح لأن يكون قانونا.
"**
19 -
ومن هذا العرض، أيضا ندرك سر عداء الغرب المسيحي (للسامية) اليهودية؟ ذلك
لاختلاف النزعتين: المادية والروحية.
ومنه أيضا، ننتهي إلى حقيقة أخرى، خلاصتها: عدم قدرة المسيحي الخالص على فهم الإسلام، كدين ذي وحدة ثنائية، تجعل من متقابلات الحياة نظافا تتكامل فيه هذه المتقابلات، وتتحول إلى سلوك عملي، يحكمه قانون، هو شريعة الإسلام، ثم تتسمع قواعد تشْريعه، وعقوباته فيما يسمى (عقوبة التعزيع - تتسمع إلى النموّ التشريعي الذي يستوعب كل ما يستجد من قضايا ومن مخالفات.
وهذا ما لا نظير له في اليهودية أو النصرانية.
المسيحية لا تستطيع أن تتصور (بشرًا) كاملا، ويظل، في كماله، على بشريته.
والإسلام يقرر بشرية محمد، وأنه مع ذلك هو المثل الإنساني الكامل.