الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شجره، الذي لم يستنبته الآدميون.
كما يحرم عليهما قطع الرطب من النبات، حتى الشوك (إلا نوع منه يسمى الإذخر والسنا.
كما يحرم التقاط لقطه، إلا لمن يعرفها.
بل الدولة نفسها مقيدة الحرية في الحرم، فلا يحل للحاكم أن يقيم القصاص (قتل القاتل) في الحرم، لأن الله - تَعَالَى - يقول:(وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) .
كذلك تكره إقامة الحدود فيه.
والصلاة فيه مضاعفة، فقد جاء في الحديث عن الرسول:
"صلاة فى مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ".
كذلك الذنب فيه يضاعف، بل إن مجرد الهم بالمعصية يحاسب عليه صاحبه.
والأصل أن اللَّه تجاوز للأمة عما همت به ولم تفعله.
* * *
9 - نخلص مما تقدم إلى جملة حقائق منها:
أن البيت الحرام وحرمه قديم قدم الإنسان، بل أقدم منه، فقد حجه آدم.
والبيت المحرم على سمت البيت المعمور، في السماء، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه، ثم ينزلون فيطوفون بالبيت الحرام.
والإسلام ورث هذا البيت وحرمه، وكانت الجاهلية على تعطمه، وكان ذلك مما بقي فيهم من دين إبراهيم.
وعرفت كسوة الكعبة من قبل الإسلام، وتذهب بعض المصادر التاريخيه إلى أن إسماعيل بن إبراهيم قد كسا الكعبة.
وتوارث العرب كسوتها، وكانت أول امرأة كستها في الجاهلية هي (نبيلة بنت حباب) أم العباس بن عبد المطلب، كستها بالحرير والديباج.
وجعل حرم للكعبة أمر لا عجب فيه، فقد عرف (الحرم) في تاريخ الدول
وقد سمى اللَّه الكعبة، البيت الحرام، ونسبها إلى نفسه، فقال:
(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ) .
وقال: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) .
البيت بيت الله، والحمى حماه، فأي عجب أن يحمى منه من جعل الإله جسما
يتمشى ويتنزه ويصارعه إسرائيل، أو جعله إنسانا يأكل ويشرب.
ثم يقضي حاجة الطعام والشراب.
ثم يضرب ويبصق في وجهه. . . ألا فليؤمن المعترض بالله على
وجه الإيمان الصحيح ومرحبا به في بيت اللَّه وحرمه!
لقد رأيت بعيني حرس الفاتيكان يمنعون المتبرجات المبالغات في التبرج.
من دخوله، ورأيت الجنود، عند بابه الرئيسي يمنعون امرأة ورفيقها، كانت عارية الذراعين، ولم تشفع لها مسيحيتها، ولا محاورة رفيقها، والجندي الحارس يشير له إلى ذراعيها.
وعندي أنه تصرف حسن، لما يجب من احترام (حرم الأديان) ، ومعتقداتها، هذا أدب إسلامي، إذ أمرنا أن نترك غيرنا وما يدينون به.
وقد ذكر أبو الوليد الأزرقي في (أخبار مكة) أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح لما دخل الكعبة أمر بمحو كل الصور إلا ما
تحت يده، فلما رفعها كان ما تحتها صورة عيسى ابن مريم وأمه!!
فإذا منع الإسلام غير المسلم من حرم الإسلام، فما فعل بدعا، وما شرع منكرا.
10 -
إن منع غير المسلم من حرم الإسلام ليس مجرد منع فرد أو أفراد، إنما هو منع لاختلاط منهجين مختلفين في نظرتهما للكون والحياة والإنسان.
نظرة تبدأ من الاعتقاد إلى أيسر السلوك الإنساني، نظرة أيد الواقع التاريخي لمعركة الإسلام مع الشرك أنهما ضدان لا يجتمعان، ثم أيد هذا الواقع الوقائع التالية عندما ثبتت دعائم الإسلام وخافه جيرانه من النفوس والروم.
وقائع تؤكد أن هذا التعارض ليس فلتة عارضة من فلتات الطبع، وإنما كان تعارضا حقيقيا اقتضته طبيعة اختلاف الرؤيتين.
إنه واقع ينطق بحق الإسلام في محو الشرك من جزيرة العرب، واعتبارها
كلها مركز أمة الإسلام، فلا عجب أن يطهرها من الشرك.
والدول الآن، جميعها تعترف بحق كل دولة أن تمنح الدخول في أراضيها كلها، أو أن تمنع، أو أن تقيّد، أو تطلق، بحسب رؤيتها الدولة المانحة أو المانعة. هذا مبدأ أقرته السياسة الدولية الحديثة، وليس من حق دولة أخرى الاعتراض أو التدخل في قرارها.
وقد تستبيح الدولة الحديثة، لمجرد الخوف أو الاشتباه، أن تنفي الأجانب النازلين فيها، أو تحجر على حرياتهم وحركاتهم، وتخضعهم للرقابة والتفتيش والأجانب، على كل حال لهم معاملة خاصة دون أصحاب الحقوق الوطنية، فليس للأجانب نصيب منها.
وحق الإقامة الدائمة مشروط في كل الدول بشروط، منها ما يقيد
حرية الشخص في أخص خصائصه كحق الزواج.
هذا بينما القاعدة العامة في معاملة غير المسلمين في الدولة الإسلامية هي: لهم ما لنا وعليهم ما علينا!!
وتلك غاية المراد من مراعاة حقوق الإنسان وواجباته.
إن المسلم مأمور - بحكم إسلامه - أن يؤمن بجميع الأنبياء من قَبل محمد (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) .
في خطاب عام لعمدة نيويورك قال ما معناه، يخاطب المسلمين: إنه من غير شك يحسب لكم جماعة المسلمين أن إسلام أحدكم لا يتم إلا بالإيمان بجميع الأنبياء.
هذا وإنما اليهودي لا يؤمن بالمسيح ولا بمحمد وما زال اليهود ينتظرون المسيح الحق بزعمهم.
والمسيحي لا يؤمن بمحمد فأي غرابة أن يمنع هذا وذاك من حرم الإسلام
الديني، حتى يؤمنا بمحمد؟ فإن فعلا فمرحبا بهما في كل شبر من حرمه ومسجده.
ولا منَّة، إذًا، بالسماح للمسلم في دخول الكنيسة، أو الكنيس؛ لأن المسلم مؤمن بموسى وعيسى، ولا يتم إسلامه إلا بالإيمان بهما، وبما أنزل عليهما من التوراة والإنجيل، وقد صلى أبو موسى الأشعري، وعمر بن عبد العزيز في الكنيسة.