الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحسبك في بيان تقدم المسلمين، وتبعية الغرب لهم تلك الرسالة التي بعث بها
جورج الثاني ملك إنجلترا وفرنسا والنرويج إلى الخليفة هشام الثالث (418 - 422)
والتي يقول فيها: من جورج الثاني ملك إنجلترا وفرنسا والنرويج إلى الخليفة هشام الثالث.
بعد التعظيم والتوقير سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي
معاهد العلم في بلادكم العامرة، فأردنا لبلادنا اقتباس هذه الفضائل لنشر العلم في بلادنا التي يحيطها الجهل من أركانها الأربعة، وقد وضعنا ابنة شقيقتنا الأميرة (دوبانت) على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز. . من خادمكم المطيع جورج.
إنها رسالة ناطقة بذاتها عن حال المسلمين، وحال أهل الغرب، وكافية بنفسها للرد على مزاعمكم.
* * *
لا بد من معيار:
4 -
لا يستقيم سؤالكم عن تأخر المسلمين، ولا جوابه حتى نعرف (مقياس) التقدم والتأخر والمعيار الذي نرجع إليه لنعرف هل هذه الحال، أو هذا الواقع من التقدم أو من التأخر.
وقد عرف الفكر البشري منذ القدم عدة مقاييس اختلفت باختلاف نزعات
المفكرين واختلاف ثقافاتهم واختلاف بيئاتهم، واختلاف أحوال تلك البيئات
والظروف السياسية والاجتماعية.
فقد كان أفلاطون مثالي النزعة يرى (التقدم) في محاكاة الواقع (للمثل العليا)
ورأى أن الواقع يجب أن يكون على مثالها! ، رأى لتحقيقها شيوع
الأموال والنساء والأولاد وأنكر أن يكون الرقيق إنسانا، ورأى الرق أمرا طبيعيا.
وكان تليمذه أرسطو يرى الفضيلة وسطا بين طرفين مذمومين.
مع أن قانونه هذا لا يطرد، فالصدق، مثلا ليس له طرفان مذمومان فالإنسان إما صادق وإما كاذب.
وكان أرسطو يرى أن الكون يسير في التقدم نحو الإله بقانون (العشق الإلهي)
فكان (الإله) عنده شيئا لا إرادة له ولا عمل.
كما أنه فسر الرق تفسيرا يكاد يكون تقريظا له، حتى إنه قرر أن بعض الناس خلق بالطبع ليكون رقيقا.
6 -
وكان (الأبيقوريون) يرون التقدم والسعادة في فعل الإنسان كل ما يشتهي ويحقق له اللذة الحسية، والمنفعة المادية.
7 -
وكان (الرواقيون) يرون المقياس هو: القيام بالواجب.
وأهملوا ما في الإنسان من قوى غير قوة الفكر.
8 -
ثم جاء (السوفسطائيون) فأنكروا وجود (حقائق للأشياء) وزعموا أنه لا حقيقة لشيء وأن ما يسمى حقائق إنما هي أمور نسبية، ما أراه حقا فهو حق، وإن رأيته أنت باطلا فهو باطل.
9 -
وجاء العصر الحديث.
جاء العصر الحديث فشهد طوائف من المفكرين اختلفت نزعاتهم، ولكنهم اتفقوا جميعا على إبعاد الدين، وردّ ما أبعد من سلطان العقل.
واختلف البناء الأخلاقي عند هؤلاء المفكرين على أربعة اتجاهات:
فمنهم من بنى منهجه الأخلاقي على دعائم مما بعد الطبيعة، ومنهم من أقامه على دعائم من علم النفس، ومنهم من حاول أن يجعل من علم الحياة أساسا له، ثم كان منهم من أقام منهجه على أساس من علم الاجتماع.
(فنيتشه) هاجم الأخلاق المسيحية، ودعا إلى أخلاق الإنسان الأعلى.
ورفض أخلاق السوقة، ودعا إلى أخلاق السادة، أخلاق القوة.
أما (ديكارت) المعروف بمذهب الشك فقد استبعد الشك عن الأخلاق والدين، ونزع في الأخلاق منزع المذهب الرواقي، إلّا أنه رأي استبدال مبدأ: ((اتبع العقل الحق بمبدأ الرواقيين: اتبع الطبيعة" ويتحقق مبدؤه باستقلال النفس واستعلائها على الشهوات.
أما سارتر فقد نزع إلى الأبيقورية.
أما (مالبرانش) وهو أحد تلاميذ ديكارت فقد بنى الأخلاق
على معرفة الخير الأعلى، الذي تتوقف معرفته على العقل والتفكير، والذي وضع الكائنات في نظام كامل، ورتبها ترتيبا تصاعديا.
فالفضيلة الوحيدة، هى حب الله مصدر هذا النظام، وهي مبدأ كل واجب.
أما (سبينوزا) الفليسوف اليهودي، الذي حكم عليه آباء الكنيسة
اليهودية بالكفر والحرمان - فإنه يرى توجيه العلوم كلها نحو غاية واحدة هي: الوصول للكمال الأقصى، فكل مالا يدنينا من العلوم من هذه الغاية يعتبره غير مفيد، ويجب إلقاؤه جانبا.
ويجدر بنا ألا ننسى من فلسفة هذا الفيلسوف أنه ينكر أمرين:
أحدهما: الحرية الأخلاقية.
والآخر إنكار أن هناك أعمالاً هي في نفسها خير أو شر، بل الخير والشر
- في رأيه - نسبيان، والفضيلة في رأيه: ملكة التصرف وفق هداية العقل، وكلما كان الشخص خاضعا للشهوات والآهواء لا يكون فاضلا.
ولعلنا لا نخطئ إذا رأينا في هذا نزعة رواقية واضحة.
أما (بنثام) فإنه فيلسوف المنفعة، إذ كان يرى أن حب المنفعة، الذي أساسه الأثرة، من الأمور الفطرية،، ومن الخير أن يكون دعامة الأخلاق، ولذا كانت اللذات كلها حسنة، وأن مهمة علم الأخلاق إنما هي.
الموازنة بين هذه اللذات.
هذا، وقد نقد (سبنسر) هذا المذهب نقدا شديدا وحقا، في محاورة
أجراها بين أخلاقي وبين بنتامي.
أما (منتسكيو) وهو أشهر كتاب الفكر السياسي في القرن الثامن
عشر، هذا العملاق يقرر: جواز استرقاق الشعوب، وأقر الاسترقاق السياسي للشعوب كما أقر الاسترقاق المدني في المنزل بين أفراد الأسرة الواحدة، كما رأى جواز الحرب والإغارة على الآخرين لمجرد أنهم آخرون.