الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شعب الأرض بالحجارة. . كل إنسان سب أباه أو أمه فإنه يقتل. ..
وإذا اتخذ رجل امرأة وأمها بالنار يحرقونه وإياهما لكي لا يكون رذيلة بينكم.
وإذا جعل رجل مضجعه مع بهيمة فإنه يقتل والبهيمة تميتونها.
وإذا اقتربت امرأة إلى بهيمة لنزائها تُميتُ المرأة والبهيمة. ..
وإذا كان في رجل أو امرأة جانٌ أو تابعه فإنه يقتل بالحجارة يرجمونه "
وإن صح أن بالإنسان جنا فما ذنبه حتى يرجم إلى الموت؟
ألا إن في هذه الأمثلة ما يكفي لإسكات المغرضين، لو كانوا منصفين، لكنهم يتناسون ما عندهم، ويحسبون المسلمين يجهلون ما عندهم، فيتغاضون عن عيوبهم، ويعيبون ما لا عيب فيه!!
* * *
العقوبات في الإسلام:
1 -
إذا تبين لنا - على ما سبق - طبيعة العقوبة في ذاتها، وتأكدت هذه الطبيعة بما عوضتُ من بعض نصوص شريعة التوراة التي بأيديهم، وما فيها من إصر - أقول: إذا تبين هذا وذاك فلم تكن هناك حاجة، ولا حجة لمن يختص الإسلام بالنقد في شريعة الحدود؛ لأنه لم يفرض على جريمة من الجرائم عقابا أقسى مما فرضته الأديان الكتابية قبله، بل ومما فرضته الشرائع الوضعية.
2 -
وههنا أمور يجب التنبيه عليها:
أولها: أن الحدود في الإسلام لم تشرع لإيجاد مجتمع صالح، إنما للحفاظ على
مجتمع بلغ صلاحه حدّ (المثالية) .
وإننا لنعلم - في عصرنا مجتمعات جعلت شريعة الجرائم، وعلى قائمته، عقوبة الإعدام، أكبر وسائلها لتحقيق الأمل في إيجاد مجتمع تخيله حلمهم، وصفحات التاريخ ملأى بما فعلت الثورة الفرنسية، وبما فعلت الثورة الشيوعية، وما فعل، في
مصر، محمد علي في مذبحة القلعة.
ثانيها: أن الروح العام في التشريع الإسلامي، في إثبات جرائم الحدود - هي روح التسامح، لا روح المتعطش إلى الدماء، على نحو ما علمنا من بعض التشريعات الكتابية السابقة، وما كان من الحركات الاجتماعية التاريخية.
ومن ثم كان من قواعد الإسلام: درء الحدود بالشبهات، وقبول التوبة عنها، وتفسير الشبهة لمصلحة المتهم، وأن إطلاق المذنب خير من إدانة البريء بينما كانت قاعدة الكنيسة في مواجهة حركات الإصلاح والبدأ الذي اعتنقته محاكم التفتيش كان يقول: لأن يدان مائة بري زورًا وبهتانا ويعانون العذاب ألوانًا خيرُ من أن يهرب من العقاب مذنب واحد.
ثالثها: من منافذ الخطأ فى فهم النظام الاجتماعي الإسلامي اتخاذ بعض المصطلحات الحديثة معيارًا لهذا النظام، مع تجاهل اضطراب هذه المصطلحات، وعدم الاتفاق على تحديد مدلول المصطلح، واختلاف هذا المدلول من زمان إلى زمان، ومن أمة إلى أمة.
وذلك كمصطلح: الحرية.
فلسنا نعلم أمة ولا جماعة أطلقت هذا المصطلح من كل قيد، فما من أمة أو جماعة إلا قيدته بقيد أو أكثر بحسب ما ترى فلسفة نظامها الاجتماعي.
فلا ضير على الإسلام - بمقياس العصر - إن هو قيد
مصطلح الحرية بما يتفق ونظمه الاجتماعية، وأنه لم يكن بدعا في ذلك، سواء قيس بما قبله، أم بما بعده، أم بها جميعا.
رابعها: أن أساس التحريم، في المعاملات في الإسلام، إنما هو حصول: الضرر، أو الغبن، أو حطة في العقل والأخلاق، فكل ما كان فيه: ظلم، أو إكراه، أو أكل أموال الناس بالباطل، أو بغير حق فهو حرام.
وأن أساس التجريم في العقوبات، هو ما يعود بالإفساد على العقل، أو القلب، أو العِرض، أو المال، أو على النفس.
خامسًا: ولعل أهم منافذ الخطأ، هو الخطأ في مفهوم الإسلام نفسه.
3 -
فالذين فهموا (الدين) على أنه علاقة فردية خاصة بضمير المتدين نفسه، وأنه علاقة خاصة بين الفرد وإلهه - الذين يفهمون (الدين) على هذا النحو يتعجبون، بل ينكرون على الإسلام أن يكون - مع الاعتقاد والإيمان - شريعة تنظم الحياة، وعلى هؤلاء أن يفهموا الإسلام على جهته الخاصة.
وأنه:
دين ودولة.
وعقيدة وشريعة.
وسياسة ونظام.
وآداب ومعاملات.
وعلاقات بالضمير، والناس، والكون والحياة.
وأنه دنيا ودين.
ومادة وروح.
وحياة حاضرة وحياة مستقبلة آتية لا ريب فيها.
وإذا لم يفهم الإسلام على حقيقته وقع في الخطأ، وتكون الشبهة على الإسلام من قبل المخطئ في فهم الإسلام، لا من قبل الإسلام نفسه، فيعيب والعيب فيه، وينتقص والنقص منه.
ومن المهم مراعاة ما تقدم التنبيه عليه أولا من أن الحدود في الإسلام، على عمومها، إنما جاءت لحفظ مجتمع فاضل، لا لإيجاد مجتمع فاضل، فإذا أجرم مجرم في هذا المجتمع فإن جنايته قد اكتسبت وجوفا أخرى فوق طبيعة الجرم في نفسه.
فلا يحصر الفاضل إلى مجرد الجريمة بل ينظر إليها مضافا إليها آثارها في هذا المجتمع الفاضل الذي بلغ في فضيلته حد المثالية التي تمثلها الفلاسفة في سمو آمالهم المثالية النظرية، وعجزوا عن إيجاده في واقع الحياة، فجاء الإسلام فجعل الحلم حقيقة، وفلسفات النظر، حقائق الواقع.