الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
أما غير المجتمع الفاضل الذي ينظر إلى رذائل الأفراد على أنها من الأمور العادية، ومن المسائل المألوفة، ومن الوقائع الشائعة - هذا المجتمع لا يحس بجريمة المجرم! فما هي إلا ذرّة من طين الرذائل في بحور من رجس ونجس
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) .
6 -
وجرائم: القتل، والزنا، والسكر، والردة - ليست هذه الجرائم من الجرائم الفردية التي يترك أمرها لآحاد الناس، ولا هي من مسائل الحرية الشخصية التي تمنح صاحبها الحق في ارتكابها، كما أنها ليست مسألة (فرد) يفعل ما يحلو له، بينه وبين نفسه.
إنما هي مسألة (المجتمع) كله في كيانه، وفي أخلاقه، وفي أسباب الأمن والطمأنينة فيه.
وإن الذين يرونها من (مسائل حرية الفرد) إنما ينبعثون من طبيعة المجتمعات المنحلة التي ساد فيها الفساد، وصار الإثم الفردي فيها حقا، ولا ترى القيم الأخلاقية ذات شأن، ولا تقيم لها وزنا.
وننتهي من ذلك إلى نتيجتين يقل فيهما الخلاف:
أولاهما: أن قواعد العقوبات، في الإسلام، قامت على قوانين البشر منذ آلاف السنين، بمعنى أن البشرية أقرت أصولها ومبادئها، فنكرانها على الإسلام نكران لتاريخها كله، الذي اتفق عليه البشر.
فلينظر الناكر إلى منزلته من هذا التاريخ كله!
ثانيتهما: أن قواعد العقوبات الحديث! لا تصلح للمجتمعات منذ ألف سنة، بينما القواعد القرآنية قد صلحت للتطبيق قبل ألف سنة، وتزيد، وما زالت صالحة لزماننا، ولزمان الناس في كل حين!
* * *
الطبيعة القانونية لليهودية والمسيحية:
1 -
الذين يخصون الشريعة الإسلامية، في مجملها أو في بعض تفاصيلها، بالنقد، إنما
يغالطون أنفسهم، ويغالطون المسلمين، كما يغالطون كل دارس مستقل، باحث عن حقائق الأشياء، طلعة إلى مواقع المعرفة حيثما كانت.
ذلك أن الشريعة المنسوبة إلى موسى، عليه السلام، والتي يقدس مصدرها كل من يؤمن (بالكتاب المقدس) - هذه الشريعة تتناول من أمور المعيشة ما هو اليوم، من شئون الأطباءه وتناولت من تشريع الثواب والعقاب أحكاما لا يقرها اليوم أحد من المؤمنين بها.
من ذلك أن الكاهن كان يتولى تمحيص أعراض العلل والأدواء، وعزل المصابين بها، وإعلان نجاستهم.
في سفر اللاويين ص الثاني عشر:
إذا حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة أيام. . . ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوما في دم تطهيرهاه. . وإن ولدت أنثى تكون نجسة
أسبوعين، ثم تقيم ستة وستين يوما في دم تطهيرها.
وفي الإصحاح الثالث عشر: إذا كان إنسان في جلد جسده ناتئ أو قوباء، أو لمعة تصير في جلد جسده ضربة برص، يؤتى به إلى الكاهن. . فمتى رآه الكاهن يحكم بنجاسته.
وفي سفر الخروج ص الحادي والعشرون. إذ بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر، فمن عند مذبحي تأخذه للموت.
ومن ضرب أباه أو أمه يقتل قتلا. ..
ومن شتم أباه أو أمه يقتل قتلا. ..
وإذا نطح ثور رجلا أو امرأة فمات يرجم الثور ولا يؤكل
لحمه.
وفي الإصحاح الثاني والعشرين إذا سرق إنسان تورا أو شاة فذبحه أوباعه يعوض عن الثور بخمسة ثيران، وعن الشاة بأربعة من الغنم.
وفيه: من ذبح لآلهة غير الرب وحده يُهلك.
والذي يرجع إلى أسفار التوراة يجد فيها من تفاصيل الأحكام ما يشمل الأمور
اليومية العادية، التي يقوم بها الإنسان على سنن العادة والعرف، مما لا يحتاج إلى
تشريع، كأن يتولى الكاهن تزكية الطعام المباح، ويستولي على نصيب المعبد منه.
كما يرجع إلى الكاهن في التمييز بين الأطعمة المطهرة والنجسة من لحوم الحيوان.
كما تبين شريعة التوراة ملابس الهيكل، وأنواع الأنسجة التي تخاط منها ثياب الكهان والخدم.
فأنى لمن يؤمن بهذا التشريع أن ينكر على الإسلام تشريعه في عظائم الجرائم، أو في صغائرها!!
2 -
الشريعة المنسوبة إلى موسى وحدها هي التي شرعت نظاما للحكم.
أما (المسيحية) فلم تعرض للحكم والتشريع، على جهة القصد والبناء، لأنها قامت في بلاد تدين (بالحكم السياسي) للرومان (والحكم الديني) لهيكل إسرائيل!
وموسى عليه السلام، تلقى الشريعة مكتوبة على لوحين من حجر، والعهد القديم الآن مكتوب في مئات الصفحات: فالأسفار الخمسة التي تسمى التوراة: التكوين، والخروج، واللاويين - الأخبار والعدد، والتثنية - هذه فقط صفحاتها (في نسختي) ست وعشرون وثلثمائة صفحة، ومجموعها مع سائر الأسفار الأخرى (في نسختي) ثمان وخمسون وثلثمائة وألف صفحة!!
فمن أين، يا ترى، جاءت هذه الزيادة؟
وكيف اعتبرت وحيا مقدسا؟
وكيف قيل عن خمستها الأوائل (على الأقل) إنها توراة موسى، الموحاة إليه، والتي تناولها مكتوبة؟!!
3 -
وماذا كان موقف عيسى المسيح من شريعة موسى؟
1 -
أما أنا فلست أدري أقرَّها، أم نقضها؟
وأما أنتم، أيضا، فلا تدرون!!
بل إنجيلكم نفسه لا يدري!!!
ففي إنجيل متى: 5 / 17: لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس، أو الأنبياء. وفي إنجيل يوحنا ص: 1 / 35
قوله: لا يمكن أن ينقض المكتوب.
وتقدم نقلنا عن (اللاويين) 21 إذا تدنست ابنة كاهن بالزنى فقد دنست أباها، بالنار تحرق ".
وفي اللاويين 20. أن الرجل إذا اتخذ امرأة وأمها يحرق معهما.
وفي سفر التثنية 22/22: إذا زنت امرأة ذات زوج، يقتلان.
2 -
فما موقف المسيح؟
كان يلزم - بحسب أنه لا ينقض حرفا من الناموس - أن يقيم حد الزنا على المرأة التي قدمت إليه، وشهد عليها الشهود لا أن يقول لها - كما في يوحنا 8 / 2 - 11.
أن الكتبة والفريسيين قالوا له: يا معلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل، وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم.
فماذا تقول أنت؟ ..
قال لهم: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا. ..
قال للمرأة: يا امرأة، ولا أنا أدينك، اذهبي ولا تخطئ أيضا.
أوليس هذا نقضا للناموس؟
فهل عندكم من جواب؟
وفي (أعمال الرسل 15) : أن بطرس وبرنابا بحسب ما رأى الرسل والمشايخ، مع كل الكنيسة اكتفوا من (الناموس) بأحكام أربعة، هي بحسب تعبير أعمال الرسل:
- أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام.
- وعن الزنا.
- والمحنوق.
- والدم (الفقرة 25) .
وفي الفقرة 26: لأنه قد رأى الروج القدس، ونحن، ألا نضع عنكم ثقلا أكثر غير هذه الأشياء الواجبة: أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام، وعن الدم، والخنوق، والزنا، التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعمّا تفعلون، وكونوا معافين".
ثم نحن وأنتم - إن كنتم تقرءون - نجد في رسائل بولس (الأولى إلى أهل
كورنثوس) ص 7/17: غير أنه كما قسم اللَّه لكل واحد، كما دعا الرب كل واحد ليسلك، وهكذا أنا آمر في جميع الكنائس.
دُعي أحد وهو مجنون فلا يصر أغلف.
دعي أحد في الغرلة فلا يُختن، ليس الختان شيئا، وليست الغرلة شيئا، بل حفظ وصايا اللَّه.
وفي رسالته لأهل رومية ص 3: إذاً ما هو فضل اليهودي أو ما هو نفع الختان؟
ومعلوم ما في (يشوع) ص 5، من أمر الرب يشوع أن يصنع سكاكين من صوّان ويختن بني إسرائيل، وأنه صنع ذلك وختنهم.
3 -
بل أكثر من ذلك، أننا وأنتم - إن كنتم تقرءون - نجد في رسائل بولس الوصية بإلغاء ناموس موسى، وأنه أوصى بأن الإيمان بدون عمل يؤدي إلى الجنة، كما في رسالته إلى أهل رومية ص 3:
"وأما الآن فقد ظهر بر اللَّه بدون الناموس..
بر اللَّه بالإيمان بيسوع المسيح. . متبررين مجانا بنعمة الفداء، الذي يسوع المسيح، الذي قدّمه اللَّه كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة. . . ".
وفي رسالة بولس إلى أهل كولوس، ص 2: "إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدا لنا، وقد رفعه من الوسط مسمّرا إياه بالصليب. . فلا يحكم عليكم أحد في أكل ولا شرب، أو من جهة عبد أو هلال أو سبت. . إذا كنتم قدمتم مع المسيح، فلماذا كأنكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض: لا تمسّ - لا تذق - لا تجس.
هذه بعض تناقضات الأناجيل في مسألة: موقف المسيح من شريعة موسى، وهذه أمثلة، مجرد أمثلة، لنقضها، مع تأكيد الأناجيل على أنه لا ينقض حرفا منها!
ومن فوق المسيحية المحدثة فرقة (الأنتينومية) = نقض القانون.
مذهب فريق مسيحي، يؤمن أصحابه بأن تعاليم المسيح نسخت القانون التوراتي، وأن الإنسان أسمى من القوانين الأخلاقية
فلسنا ندري أجاء المسيح لتثبيت الناموس، أم جاء لنقضه؟
وهل جاء (الرسل) من بعد، على حد قول الأناجيل لتمحو ما لم يمح المسيح من الناموس، ولا ييقوا منه سوى تلك الأربعة:
الأصنام والدم والمخنوق والزنا.
إن الإبقاء على هذه الأربعة ليس بشيء إذا ما قيس بما اشتملت عليه شريعة موسى من تفصيلات سبقت الإشارة إليها.
وبهذا المحو يبقى الإنسان، ويبقى المجتمع بلا قانون.
وبهذا المحو ننتهي إلى (دين مثالي مجرد) ، مجرد عن مخالطة واقع الحياة.
ومثل هذا الدين لا يصلح قانونا، وهو في حالته تلك كالمثل العليا التي يحسن تسطيرها عقل الفلاسفة، وخيال الأدباء، مكانه الذهن، أو الوجدان، ولا صلة له بحياة الناس.
ومن البدهيات أن سلامة الدولة، واستقرارها، وأمن المجتمع، وكرامة الإنسان - كل ذلك لا يتحقق إلا بقانون يضبط حركة الناس، ويحقق: المصلحة والفضيلة، وهما القوتان المحركتان لنشاط الإنسان.
إن القانون، من حيث هو قانون، لا تتحقق ماهيته إلا إذا زاوج بين المصلحة
والفضيلة.
وبدون هذه الاثنينية لا تجد قانونا.
وإن النظر الدقيق لشريعة الإسلام، بل قل: النظرة العجلى، تبين حرصها على المصلحة والفضيلة معا.
إن (القانون) موضوعي. مغموس في السياسة والمجتمع، وهو - مع هذه الموضوعية