الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - الحرية حق ووظيفة:
ما هذه الحرية التي كثيرا ما تعيرون المسلمين بها كأنها شيء من مبتكراتكم، وكأن الدنيا كلها محرومة منها، وأنتم، وأنتم فقط، الذين تستمتعون بها.
الحرية حق قرره الإسلام إذ كانت شعوب العالم كلها ترزح تحت عبودية سياسية تدعمها السلطات الدينية.
كما يدعمها الفكر الفلسفي منذ أرسطو.
ثم فاء إلى هذا الحق شعوبُ الغرب.
بعد أن سيّرها حكمها الديني الاستقراطي في نفق ممدود الظلام، بعد حروب غطت دماؤها أرض أوربا.
فكانت (الحروب الدينية) سلسلة حروب أهلية في فرنسا 562 1 - 1598) ستا وثلاثين سنة، وكانت نضالا بين البروتستانت والكاثوليك، وتميزت هذه الحروب بارتكاب الفظائع من الجانبين.
وانتهت الحروب الثلاثة الأول (561 1 - 63، 567 1 - 68، 68 - 70) في صالح البروتستانت.
وبدأت مذبحة عبد سان بار ثلميو الحرب الرابعة (572 1 - 1577)
وانتهت الحرب الخامسة (574 1 - 1576) بصدور مرسوم يوليو الذي منح حرية العبادة في فرنسا كلها ما عدا باريس. وكوّن الكاثوليك (1576) العصبة المقدسة وحملوا هنرى 2 على إلغاء مرسوم التسامح (1577) ونشبت حرب سادسة (1577) انتهت بتثبيت مرسوم يوليو ولكن هنري لم يعن بتنفيذه.
وقامت الحرب السابعة 1585.
وكانت حرب الفلاحين 524 1 - 26 والتي وقف ضدهم مارتن لوثر، وهي الحرب التي أطالت عمر رقيق الأرض حوالي ثلاثة قرون.
وفي تاريخكمْ حرب السنين السبع (756 1 - 63) .
وفي تاريخكم حرب السنين العشر (868 1 - 878 1) .
وفي تاريخكم حرب الثلاثين عاما (618 1 - 48) وهي حرب أوربية عامة، كانت
ألمانيا مسرحها الرئيسي.
وفي تاريخكم الحرب السبعينية وهي الحرب الفرنسية الألمانية والتي كان الشعب الفرنسي يهتف لها في الشوارع: إلى برلين لتحيى الحرية وحرب المائة عام التي كانت بين إنجلترا وفرنسا، وارجعوا إلى (مادة حرب وحروب) في الموسوعات تجدوا ما يسركم، ولولا خشية الكلال، أو الملال لذكرت من تاريخ الحرية المذبوحة عندكم ما يندى له الجبين، ولكن
(الحر) تكفيه الإشارة.
12 -
في هذا المعترك تخبط مفكرو الغرب وفلاسفته في تعريف الحرية.
وتناقضت تعريفات (لوك) و (كانت) و (سبينوزا) و (رسع و (هيجل) وغيرهم.
ونزعوا إلى تعريفات ميتافيزيقية لا علاقة لها بواقع الحياة.
وقد أدى ذلك إلى إعادة بحث المشكلة في صورة أكثر واقعية، هي صورة الإنسان في المجتمع.
فالإنسان ليس كائنا منعزلا حتى تتحقق حريته بتصرف إرادي من
جانبه وحده، وإنما هو يعيش في مجتمع، ويخضع لدولة، ومن ثم لا محل
للحديث عن حرية مجردة، باعتبارها أمرا يخص الفرد وحده.
وهم - مع ذلك - لم يسلموا من التناقض، فمنهم من نظر إلى الحرية من زاوية الفرد.
وتحييد سلطة الدولة. وآخرون إلى جانب المجتمع فجعلوا الفرد في خدمة المجتمع، ولو قضى ذلك على حريات الأشخاص.
وبهذ التناقض اضطرب واقع الإنسان الغربي بين حرية مثالية مع الفقر والجوع، وبين (حرية العدالة والمجتمعما مع قهر الرغبات الفردية والغرائز الطبيعية!.
إن (الحقوق) في الشريعة الإسلامية تعتبر (وظائف) يستخدمها الفرد) طوعا لخدمة (المجتمع) ، وليست هي مجرد (رخص) يمارسها أو لا يمارسها.
فقد آثر الإسلام أن يقيم (المجتمع) على (مسئوليات) على أن يقيمه على (حقوق) .
وفي (المسئولية) إذكاء لإيجابية الفرد، ويقظة ضميره، وبعث الحركة وئيدة نحو الصالح العام.
13 -
هذه كلمة حول مفهوم (الحرية) تبين أن تمحُّك السائلين بالحرية للطعن في الإسلام، إنما هو مغالطات لفطة بعيدة عن الواقع، تتجاهل مآسي تاريخها، وتبحث عن معايب لغيرها، مع البعد في هذا وذاك عن المنهج العلمي والواقع التاريخي.
14 -
فعندما تتخذ (دولة) ، والإسلام دولة، من القوانين ما يحمي حقيقتها. فذاك مبدأ مسلم اليوم في كل فكر، وكل سياسة.
لكن اسمعوا:
اسمعوا مبلغ الحرية في فقه إمام الفقهاء، أبي حنيفة، إذ يقول: يدخل المشرك
المسجد الحرام لحاجة، أو لغير حاجة، وبصرف النظر عن عدم موافقة فقهاء
المسلمين على رأيه، إنما أحببت أن أطلعكم على مدى حرية الرأي عند علماء
المسلمين.
قلت: ولعل الإمام أبا حنيفة يرى المنع فى قوله - تَعَالَى - (فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) إنما هو منعهم من الحج؛ لأن الآية لما نزلت بعث الرسول عليا. وأمره أن ينادي في المشركين: ألا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
ما قولكم الآن؟
إمام هو أحد الأئمة الأربعة يرى منع غير المسلم إنما هو من المسجد فقط. وهذا إمام، هو رأس الأئمة الأربعة، يرى أن المنع إنما هو من الحج، وما عداه فللمشرك أن يدخل المسجد لحاجة أو لغيرها!
أترونه خفي عليه تبشيركم؟
15-
إن الحركات التبشيرية، منذ القرن التاسع عشر، في العالم، ولا سيما في أفريقيا، لم تستطع أن تخرج الوثنيين إلى المسيحية وكانت أعجز عن إخراج المسلم من دينه.
لقد كان المبشر يقضي عشرات السنين في تبشيره فما يظفر إلا بفرد واحد، أولا يظفر بأحد.
ومن يستجيب له إنما يستجيب لما يقدم إليه من مال، وطعام وعلاج.
وما هذه بدعوة إنما هي خطاب للبطن!!
هذا هو واقع التبشير مع ما معه من أموال تمده، وجمعيات ترعاه، وحكومات تدعمه، وفي حالة نفسية سيطر فيها (الفوبيا)(1) على المبشرين.
وفي مقابل هذا كان الإسلام، وهو لم يظفر بمبشرين على نحو ما تيسر للمسيحية، وما ظفر به لم يكن من ورائهم جماعات ولا جمعيات، ولا حكومات.
ومع هذه الفوارق كان هناك التضييق الاستعماري على الإسلام، والطعن فيه على نحو لم يلتزم قواعد العلم والأخلاق، ثم كانت الثمرة زحف الإسلام مع فقده سلطانه السياسي والحربي، ذلك لأن الإسلام، بذاته، يخاطب العقل، ويمس الفطرة، فتجد فيه طلبتها، وجواب ندائها، وشوقها إلى مصدر الحياة، وحقيقة الكون والوجود، فتعلو به على مطالب الجسد والمال.
ولو راجعتم تاريخ الاستشراق، وتاريخ التبشير، منذ تراجع العالم الإسلامي عن مكانه، ونشاط الحركات الاستعمارية والتبشيرية - لو راجعتم هذا التاريخ لسخرتم من أنفسكم، ولضحكتم في أكمامكم - على نحو ما يقول المثل الأمريكي، حين زعمتم خوف المسلمين من التبشير في مكة والمدينة.
16 -
وأختم جواب سؤالكم هذا بهذه الواقعة التاريخية لمن يبحث عن الحق والحقائق:
هذه الواقعة ذكرها (أليكي جورافسكي) في كتابه: (الإسلام والمسيحية) يقول ما خلاصته:
كان الحديث عن الإسلام، والتبشير بالمسيحية يعتمد على تشويه الإسلام، ووصف نبيه بالنبي المزيف، وتشويه سيرته، وتلوينها بكثير من الحكايات الخرافية (كما قال
(1) الفوبيا: مصطح في علم النفس يعنى: الخوف المرضي، ولقد سيطرت هذه الحالة المرضية على فئات اجتماعية وغيرها من الأوربيين بالمعنى الحرفي للمصطلح.
غليوم الطرابلسي. ت بعد سنة 271 1م) - بعد هذا الموقف جاء الموقف المغاير الذي سلكه مؤسس رهبنة الفرنسيسكان (فرنسيس الأسيزي) ت سنة 1226 وهو الوقف السلمي.
وقد قام فرنسيس برحلة تبشيرية إلى مصر في سنة 219 1م حيث
وصل إلى دمياط في زمن الحملة الصليبية السادسة، بقيادة (جان دي بريين) في عهد الملك الكامل الأيوبي.
وبعد حصار دمياط الذي لم ينجح، وفي الفترة التي
عقدت فيها الهدنة، سار الأسيزي، مع زميل له يدعى (إلوميناتو) قاصدين معسكر المسلمين وطلبا مقابلة الملك الكامل، في تشرين الثاني سنة 1219، فقادهما الجند إليه.
وأخذ فرنسيس يشرح معنى الثالوث، للملك، الذي أصغى إليه برحابة صدر.
وقد قدر الملك الكامل هذين الراهبين المسالمين المتواضعين اللذين لا يحملان
السلاح.
وإذ شعر الأسيزي برحابة صدر الملك المسلم وتسامحه الكبير بادر من
طرفه بدعوة الملك إلى اعتناق المسيحية.
مع استعداده للبقاء إلى جانبه في يعلمه حقائقها.
وقد سجل (دانتي) هذه الواقعة التاريخية في (الكوميديا الإلهية)
الفردوس، الأنشودة الحادية عشرة، الأبيات من مائة - مائة وخمسة!!
أقول: وقع هذا التسامح في الوقت الذي جاء فيه الصليبيون تحت شعار: تخليص القدس وموطن المسيح من الكفار المسلمين!
فماذا ترون في هذه الواقعة التي يسجلها مؤرخ غير مسلم؟
وماذا ترون في هذا التاريخ؟
أترك الجواب لكم.
بعد:
فهذه مدارس الاستشراق والتبشير تملأ العالم الإسلامي منذ نشاط الاستعمار في القرن التاسع عشره فكم نصَّرتْ؟.
أنا أعلم أن عند الجهات والمؤسسات الدينية المسيحية إحصاءات بذلك، ناطقة بالفشل، فارجعوا إليها، إن شئتم، لعلكم تستحون!!