الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السؤال الثاني
لماذا حرم على غير المسلم دخول مكة والمدينة
.
وفي المقابل: المسلم حر الحركة سواء في أوربا وأمريكا، أو أي مكان فيه كرة مسيحية.
فأين العدل والمساواة؟
أليس هذا ينم على أنكم لستم متسامحين؟
أو أنه ليس عندكم ثقة في دينكم.
ولماذا لم تسمحوا بالحركات التبشيرية في داخل مكة والمدينة؟
هل تخافون أن يترك المسلمون دينكم ويدخلوا في المسيحية؟
أين الثقة في دينكم؟
* * *
جواب السؤال الثاني
1 -
ليتكم تستحضرون ما بت آنفا، وأوصيتكم بصحبته طوال البحث - من طبيعة العقوبة في ذاتها، وطبيعة العقوبة في الإسلام، والطبيعة القانونية لليهودية والمسيحية والإسلام.
فإن صحبة هذا البحث معين للسائل المنصف على التعرف على الحق.
ويغنيه عن كثير من الأسئلة، ثم ليتكم تذكرون خاصة الإسلام من أنه دين وسياسة وقانون.
2 -
ماذا تنكرون من الإسلام؟ تحريم مكان على غير أهله؟
ألا تذكرون ما في سفر يشوع؟
هذا بعض ما في إصحاحه السادس:
"وكانت أريحا مغلّقة مقفلة بسبب بني إسرائيل. . . اهتفوا، لأن الرب قد أعطاكم المدينة، فتكون المدينة وكل ما فيها مُحَرَّما للرب. . . وتجعلوا محلة إسرائيل محرَّمة، وتكدِّروها، وكل الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد تكون قدسا للرب. ..
وأخذوا المدينة وحزموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى
البقر والغنم والحمير بحد السيف. ..
وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها. ..
وحلف يشوع في ذلك الوقت قائلا: ملعون قدام الرب الرجل الذي يقوم ويبني هذه المدينة أريحا.
وفي ص 8: قال الرب ليشوع: قم اصعد إلى عاي. قد دفعت بيدك ملك عاي وشعبه ومدينته وأرضه، فتفعل بعاي وملكها
كما فعلت بأريحا وملكها. . . ويكون عند أخذكم المدينة أنكم تضرمون المدينة بالنار كقول الرب تفعلون. ..
ودخلوا المدينة وأحرقوها بالنار. . . فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء اثنى عشر ألفا جميع أهل عاي. . . وأحرق يشوع عاي وجعلها تلا أبديا حراما إلى هذا اليوم. ..
وفي ص 9:. . وقالوا: أخبر عبيدك إخبارا بما أمر الرب إلهك موسى عبده أن يعطيكم كل الأرض ويبيد جميع سكان الأرض من أمامكم.
وفي ص 12:. . . وهؤلاء هم ملوك الأرض الذين ضربهم يشوع وبنو إسرائيل في عبر الأردن. . وأعطاها يشوعُ لأسباط إسرائيل حسب فرقهم.
وفي ص 13: وقد بقيت أرض كثيرة للامتلاك. . أنا أطردهم من أمام بني إسرائيل، إنما أقسمها بالقرعة لإسرائيل مُلكا.
هذا بعض ما عندكم.
تحريق وتحريم وطرد وقتل بالنار والسيف.
فهل يليق منكم أن تسألوا الإسلام عن مساحة محدودة حرّم دخلوها على غير
المسلمين، مجرد منع من الدخول، لا تحريق ولا قتلا بالسيف ولا حرقا بالنار حتى لما لا تكليف عليه من الحيوان!
2 -
فماذا تنكرون؟
دخول مكة والمدينة؟
ما شأن مدينة الرسول ها هنا؟ إن إقحامها في السؤال جهل من السائل بشريعة الإسلام.
فهذا التحريم خاص بمكة وحَرَمها.
أما مدينة الرسول فلا يشملها هذا التحريم.
ولا مسجد الرسول نفسه.
وقد قال الإمام الشافعي: لا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام.
انتبهوا من فضلكم، لا بأس أن يبيت في كل مسجد.
فغير المسلم لا يسمح له بدخول المدينة فقط، بل يسمح له بدخول
مسجد الرسول، والمبيت فيه.
خبرونا بربكم تسامح هذا أم تعصب؟
ومعروف أن بيوت زوجات الرسول ملاصقة لمسجده بالمدينة وكانت اليهود
يزورون الرسول في منزله.
وكانت اليهوديات يزرن زوجات الرسول.
ودخل مرة أبو بكر على عائشة وعندها يهودية جاءت لترقي عائشة فقال لها أبو بكر: ارقيها بكتاب اللَّه.
فها هنا أمران مهمان جدًا.
- أولهما السماح لأهل الكتاب رجالا ونساء بدخول بيوت النبي عليه السلام.
وثانيهما السماح لليهودية، لما اشتكت عائشة، أن ترقيها اليهودية ولم ينكر أبو بكر، بل قال لها: ارقيها بكتاب اللَّه. وسأل الربيع بن سليمان الشافعي (1) : أرقي أهل الكتاب المسلمين؟ فقال: نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب اللَّه أو ذكر اللَّه.
إن الإسلام أباح هنا دخول أهل الكتاب معقل الإسلام ومنزل الوحي.
بل اسمعوا:
لما حضر نصارى نجران إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنزلهم مسجده، ولما حضرتهم صلاتهم، وهم بعض الصحابة بمنعهم، فمنع الرسول الصحابة، وأذن صلى الله عليه وسلم للنصارى بالصلاة في مسجده.
(1) موطأ مالك 2 رقم 934، المجموع 19: 71، 72.
في حوار ودّي بيني وبين راهب إيطالي، في جامعة الطب، في مدينة (برشا)
الإيطالية، ذكرت له - قبل بدء الحوار، هذه الواقعة، فأخذه العجب، وقال لي في أي مسجد؟
فلما علم أنه مسجد الرسول، وفي حضوره ازداد عجبا وإعجابا.
أهذا تسامح أم تعصب؟
ثم أين الخوف الذي تزعمون؟
إنه لم يسمح لهم بمجرد دخول المدينة، ولا بمجرد دخول مسجده في المدينة، وإنما بالصلاة فيه! فأين ما تزعمون من خوف على المسلم أن يتنصر؟
أم هذا من خيالات الافتراء، والاجتهاد في اختراع المعايب؟
ومع هذا التسامح تسامح مكمل، إذ لا حرج على المسلم أن يصلي في الكنيسة والكنيس.
وقد صَلَّى أبو موسى الأشعري، أحد كبار الصحابة في الكنيسة، وكذا
الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، المعدود خامس الخلفاء الراشدين!
أو ترون هذا من التسامح، أم ترونه من التعصب المزعوم؟
ألا ترونه من الحرية الدينية، والاعتراف بالآخر، واحترام ما عليه من اعتقاد، وإن كان المسلم لا يقره، بل يراه كفرا!
فما شأن مكة المكرمة؟
في ثدوة بيني وبين خمسة من رهبان إيطاليا في مدينة (أنكونا) ، قال لي أحدهم، على جهة التحدي: بنينا لكم مسجدا في روما فهل تبنون لنا كنيسة في مكة أو في المدينة؟
وهو يقصد بمسجد روما المركز الإسلامي الذي تم إنشاؤه في ضاحية روما، بعد مفاوضات طويلة، واختير له مكان منخفض وبعيد جدا عن مبنى الفاتيكان، وشرط ألا ترتفع مئذنته، لذلك تراها لا تتناسب هندسيا وضخامة المبنى، واتساع أرضه، ومرافقه (وطبعا كل هذه الشروط من التسامح المسيحي المزعوم) !
قلت لمحاوري: ها هنا ثلاثة أمور:
1 -
الإسلام دين، ودولة، وسياسة.
ودستوره القرآن فهل الإنجيل كذلك؟
أجابني فقال: لا.
2 -
قلت: مكة حرم الإسلام، وهي والمدينة منزل الوحي، ومستقر نبيه، ومستودع تاريخه.
فهل بنيتم مسجد روما في حرم الفاتيكان.
أجاب: لا، قلت: إذًا قياس بناء مسجد روما على عدم بناء كنيسة في مكة قياس باطل.
3 -
قلت: المسلمون يبنون المساجد بأمر القرآن، ورفعوها بأمر القرآن. ومسجد الرسول بالمدينة عين مكانه (ناقة مأمورة) عندما دخل الرسول المدينة، وأخذ أهلوها بزمام ناقته، كل يريد أن ينزل عنده، فقال لهم، خلو زمامها فإنها مأمورة.
فبركت، ثم قامت، فسارت، ثم التفتت فعادت إلى مكانها، فنزل الرسول وقال: ها هنا المنزل إن شاء الله.
واشترى المكان، وبنى فيه المسجد.
فهل تجدون في الإنجيل أمرا ببناء الكنائس؟ أم صاحبها (شاءول) أو (أوغسطين) على ما بينا آنفا؟
قال: ما تقول حق.
قلت: شكر الله لك إقرارك بالحق، ولكن - وقد علمت أنك تدرس دراسات عليا في التاريخ - عليك أن تحقق معلوماتك.
قال: لك حق.
ثم تصافحنا، وانصرف كل إلى شأنه.
من أجل ذلك ييطل الاحتجاج ببناء مساجد في بلاد نصرانية، فتلك كنائسهم كثيرة في بلاد المسلمين.
* * *
4 -
وفي جميع أنحاء إيطاليا يثير الإيطاليون هذا الاعتراض الذي أثاره معي هذا
الراهب، مما جعلني - في تطوافي في مدن إيطاليا - أذكر هذا الحوار؟ لتكون إجاباته سندًا للمسلمين.
وقد قوبلت منهم هذه الإجابات بالرضا والاستبشار وفي مدى
علمي، انقطعت إثارة هذا الاعتراض.
إذا منع الإسلام غير المسلم من حرم مكة، فأمر ليس بغريب.
ففي سفر يشوع ص 6
أن يشوع أحرق أريحا، وحرمها عليهم، وقال: ملعون من يبني أريحا "وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحدّ السيف " وكذلك فعل بمدينة (عاي) .
وفي ص 9: أن أهل جيعو لما علموا بما فعل في أريحا وعاي أتوا يشوع وخدعوه بأنهم من بلاد بعيدة جدًا، حتى صالحوه بعدما اعترفوا بإلهه واعترفوا أنهم عبيد له.
ولما تآمر عليهم الملوك الخمسة من حول بلدهم صعد إليهم يشوع وحاربهم حماية لأهل جيعون الذين خدعوه؛ لأنهم اعترفوا بدينه.
وعلى مر التاريخ عرف (المكان المقدس) التي كانت تؤدي مهمة الملجأ للأفراد
الهاربين من العنف أو من عقوبة القانون: ففي اليونان القديمة كانت طرق الفرار من الأماكن الحرام تفرض عليها الحراسة.
وفي روما كان العبيد يلجأون أحيانا إليها.
ويخبرنا العهد القديم، الكتاب المقدس بنبأ مدن للالتجاء، كان يستطع القاتل أن يهرب إليها. ..
وجعل قسطنطين الأول من الكنائس المسيحية أماكن للالتجاء.
وفي إنجلترا في العصور القديمة كان يسمح للجاني الذي يعترف بجنايته وهو في
حرم بالخروج إلى منفى دائم في بلد مسيحي أجنبي. ..
ومن الامتيازات الدنيوية التي تضاهي امتياز الحرم تلك الحصانة التي يمكن أن
يكتسبها اللاجئ الذي يعبر حدود دولته، ما لم يكن بين الدولتين اتفاقية لتسليم المجرمين.
فأي غرابة، إذن، في حرّم الإسلام؟
ومرحبا بمن يدخل في الإسلام، كما دخل أهل جيعون في دين يشوع فعاشوا في وسط إسرائيل وكان يشوع وجنده حماة لهم!
6 -
تقولون: لماذا تمنعون دخول المسيحيين الحرم.
هل تخافون أن يترك المسلمون دينهم بفعل التبشير بالمسيحية!!
ولعمري إن هذا القول أشبه بالهزل منه بالجد!!
فها هي المدينة المنورة أمامكم، وهي لكم مباحة.
وها هي نصف مسجد نمرة، حيث يجتمع فيه الحجيج.
وها هي (عرفات) حيث يكون فيها كل الحجيج.
وها هي أرض المسلمين تشمل أقطار الأرض.
فأين أثر تبشيركم فيها؟
ثم ما مساحة الحرم بالنسبة لأرض المسلمين؟
إنه بقعة يسيرة أقل من النقطة في صفحة مبسوطة وها هو الحرم أمامكم مصورًا:
(. . .)
من هذا الرسم التقريبي يتبين أن منطقة الحرم هي مكة وشريط ضيق حولها.
وتبعد هذه الحدود عن مكة من جهة المدينة ثلائة أميال، ومن جهة العراق سبعة أميال، ومن جهة الطائف عشرة أميال، ومن جهة جدة عشرة أميال، ومن جهة الجعرّانة تسعة أميال، ومن جهة اليمن سبعة أميال.
فمن المسجد الحرام إلى عَلَمَي عرفات: 18333 مترا.
فمن المسجد الحرام إلى عَلَمَي نخلة: 5 ’ 3353 امترا.
فمن المسجد الحرام إلى عَلَمَي التنعيم: 6148 مترا.
فمن المسجد الحرام إلى عَلَمَي أضاة: 75 ’ 12009. مترا.
أهذا الجزء هو الذي نخاف منكم على أهله، دون أرض المسلمين على اتساعها شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا؟ ويزداد الأمر عجبا، والحرم ضيقا إذا أخذنا برأي الإمام الشافعي بأن المحرم على المشرك هو المسجد فقط مستدلا بظاهر الآية الكريمة:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) .
إن تاريخنا يحفظ أن جبريل، عليه السلام هو الذي أرى إبراهيم مواضع نهايات الحرم من كل جهة على ما عليه هي اليوم، فنصب علاماته، وتوارثتها الأجيال، جيلا بعد جيل.
إلى أن جددّ معالمها الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهو عمل من عمل أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، علّمه إياه جبريل، فهو وحي أوحى إلى شيخ الأنبياء، لذلك قال الرسول يوم عرفة: كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
أي أن موقفهم موقف إبراهيم ورثوه منه، ولم يخطئوا في الوقوف فيه عن سنة إبراهيم.
إذًا الإسلام ورث هذا الحرم عن إبراهيم، أحيا به مشاعره، وأنتم تعترفون بإبراهيم، فهل تلومونه؟!
والمسلم نفسه ليس له الحرية المطلقة في الحرم، بل يحرم عليه أشياء، تحل له خارج الحرم، فيحرم على المحرم وعلى الحلال وغير المحرم ": صيد الحرم وتنفيره، وقطع