الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة
تأليف: محمد بن عبد الرحمن الخميس
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} "سورة آل عمران: الآية102".
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} "سورة الأحزاب: الآيتان70-71".
أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
وبعد:
فإن أعظم نعم الله عز وجل على هذه الأمة أن أنزل إليها خير كتبه،
وأرسل إليها أفضل خلقه وجعلها خير أمة أخرجت للناس، وحفظ لها كتابها الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما أصل هذا الدين ومنبعه الصافي فلا تنال منهما أبدا أيدي العابثين.
ثم جعل الصحابة والتابعين وأتباعهم بالحق على بصيرة، قائمين بالحق والهدى، مبتعدين عن الهوى والردى، همهم الأول فهم نصوص الكتاب والسنة والتمسك بهما، والاعتصام بهديهما.
ثم جعل من العلماء في كل عصر من دعا إلى الكتاب والسنة، ليبددوا بهما أرجاس الشركيات والوثنيات، ويبددوا بهما ظلمات البدع والخرافات ومنهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، فكلهم متفقون على وجوب التمسك بالكتاب والسنة والرجوع إليهما وترك كل قول يخالفهما؛ فهذا الإمام أبو حنيفة يقول:
"إذا صح الحديث فهو مذهبي"1.
ويقول: "لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت"2.
وهذا قول الإمام مالك: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه
…
" 3.
1 حاشية ابن عابدين 1/67؛ ورسم المفتي من مجموعة رسائل ابن عابدين 1/4؛ وإيقاظ الهمم ص62.
2 الانتقاء لابن عبد البر ص145؛ وانظر رسم المفتي ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 32،29؛ والميزان الكبرى للشعراني 1/58.
3 إيقاظ الهمم ص 72.
وهذا الشافعي يقول: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت"، وفي رواية: "فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد
…
"1.
وهذا الإمام أحمد يقول: "من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة
…
" 2. ويقول: "لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا
…
"3.
تلك أقوال الأئمة رضي الله عنهم في الأمر بالتمسك بالسنة والنهي عن مخالفتها، ومع ذلك فقد تعصب بعض الناس للأئمة وخاصة للإمام أبي حنيفة حتى قاربوا به منازل النبيين والمرسلين، فزعموا أن التوراة بشَّرت 4 به وأن محمدا صلى الله عليه وسلم ذكره باسمه وبيّن أنه سراج أمته 5، ونعتوه
1 كتاب مسألة الاحتجاج بالشافعي ص72؛ ومناقب الشافعي 1/472، والرواية الأخرى لأبي نعيم في الحلية "9/107".
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/430.
3 إعلام الموقعين 2/201؛ وانظر مسائل أبي داود ص277؛ وإيقاظ الهمم ص113.
4 روى المكي في مناقب أبي حنيفة ص 20 عن عبد الكريم بن مسفر أنه قال: "سمعت جماعة من أهل العلم يقولون: مكتوب في التوراة صفة كعب الأحبار والنعمان بن ثابت ومقاتل بن سليمان"، وأورده الكَرْدي ص 41.
5 من ذلك زعم بعضم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون في أمتي رجل اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة هو سراج أمتي هو سراج أمتي هو سراج أمتي ". أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 13/355،336؛ وأورده ابن حجر في اللسان 5/179، والسيوطي في اللآلئ 1/457، واستدل بعض الحنفية به على فضل أبي حنيفة، انظر مناقب المكي ص 15، والدر المختار على الرد المحتار 1/52.
قال الخطيب: "هو حديث موضوع تفرد بروايته البورقي وقد شرحنا فيما تقدم ـ قلت: يشير إلى ما ذكره في ترجمة محمد بن سعيد البورقي 5/309، 310 ـ ثم قال: حدثت عن الحاكم أنه قال: هذا البورقي قد وضع المناكير على الثقات =
بالصفات والمناقب ما عدوا به رتبته وتجاوزا معه درجته 1، وتعصب
= ما لا يحصى وأفحشها روايته عن بعض مشايخه، عن الفضل بن موسى السناني، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ثم ذكر الحديث وقال على أثره هكذا حدث به في بلاد خراسان، ثم حدث به بالعراق وزاد فيه أنه قال:"سيكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس فتنته على أمتي أضر من فتنة إبليس"، قال الخطيب بعده:"ما كان أجرأ هذا الرجل على الكذب كأنه لم يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كذب عليَّ متعمِّدا فليتبوّأ مقعده من النار" نعوذ بالله من غلبة الهوى ونسأله التوفيق لما يحبه ويرضى".
1 من ذلك قول الحصكفي: "إن أبا حنيفة النعمان من أعظم معجزات المصطفى بعد القرآن وحسبك من مناقبه اشتهار مذهبه، ما قال قولا إلا أخذ به إمام من الأئمة الأعلام، قد جعل الله الحكم لأصحابه وأتباعه من زمنه إلى هذه الأيام إلى أن يحكم بمذهبه عيسى بن مريم عليه السلام" الدر المختار 1/56،55.
وهذا القول في نظري تَقَوُّلٌ وغلو ظاهر وتنقص لنبي الله عيسى عليه السلام إذ كيف يظن بنبي أن يتبع عالما مجتهدا؟! وقد رد ذلك القول ابن عابدين في حاشيته ونقل قول السيوطي في رد ذلك وفيه: "
…
ما يقال إنه يحكم ـ أي عيسى عليه السلام بمذهب من المذاهب الأربعة باطل لا أصل له. وكيف يظن بنبي أنه يقلد مجتهدا مع أن المجتهد من آحاد هذه الأمة لا يجوز له التقليد، إنما يحكم بالاجتهاد
…
" رد المحتار 1/57.
كما زعم الحصكفي أن سهل بن عبد الله التستري قال: "لو كان في أمتي موسى وعيسى مثل أبي حنيفة لما تهودوا ولما تنصروا" الدر المختار 1/53، والأحرى أن هذا كذب على سهل، وهو قول باطل في نفسه فقد عبد بنوا إسرائيل عجلا وهارون نبي الله بينهم، وكذلك كفر من كفر منهم وعيسى عليه السلام بين أظهرهم كما قال تعالى:{أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} "سورة آل عمران: الآية52".
ومن ذلك قول الحصكفي: "وعنه عليه السلام: إن سائر الأنبياء يفتخرون بي، وأنا أفتخر بأبي حنيفة، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني" الدر المختار 1/52.
وهذا لا شك كذب محض لا يجوز ذكره فضلا عن اعتقاده.