المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: المقارنة بين الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي أتباعه في المنهج - أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة

[محمد بن عبد الرحمن الخميس]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

-

- ‌الباب الأول: في ترجمة الإمام أبي حنيفة وبيان منهجه في تقرير أصول الدين

-

- ‌الفصل الأول: ترجمة الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الأول: حياته الشخصية

- ‌المبحث الثاني: حياته العلمية

- ‌المبحث الثالث: دراسة موجزة لمؤلفاته في أصول الدين

-

- ‌الفصل الثاني: منهجه في تقرير أصول الدين

- ‌المبحث الأول: مصادر العقيدة عند الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الثاني: موقفه من علم الكلام

- ‌المبحث الثالث: موقفه من الفرق الكلامية

-

- ‌الباب الثاني: بيان اعتقاده في التوحيد

-

- ‌الفصل الأول: توحيد الربوبية

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: معنى توحيد الربوبية وخصائصه

- ‌المبحث الثاني: مناظرة الإمام أبي حنيفة للملاحدة في إنكارهم الخالق ونقده لطريقة المتكلمين في تقرير الربوبية

- ‌المبحث الثالث: منهج الإمام أبي حنيفة في تقرير الربوبية

-

- ‌الفصل الثاني: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: تقرير توحيد الألوهية عند السلف

- ‌المطلب الأول: معنى توحيد الألوهية وخصائصه

- ‌المطلب الثاني: في "المراد بالعبادة

- ‌المطلب الثالث: ما يناقض توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني: عقيدة الإمام أبي حنيفة في التوسل إلى الله

-

- ‌الفصل الثالث: توحيد الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تقرير توحيد الأسماء والصفات إجمالا عند الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الثاني: ذكر جملة من الصفات الذاتية وكلام أبي حنيفة عنها

- ‌المبحث الثالث: ذكر جملة من الصفات الفعلية وكلام الإمام أبي حنيفة عنها

-

- ‌الباب الثالث: اعتقاده في الإيمان

- ‌الفصل الأول: مسمى الإيمان عند الإمام أبي حنيفة وهل يدخل فيه العمل

- ‌الفصل الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإيمان

- ‌الفصل الرابع: علاقة الإسلام بالإيمان

- ‌الفصل الخامس: حكم مرتكب الكبيرة

- ‌الباب الرابع: اعتقاده في بقية أصول الدين

- ‌ تمهيد

-

- ‌الفصل الأول: النبوات

- ‌المبحث الأول: الفرق بين النبي والرسول

- ‌المبحث الثاني: آيات الأنبياء

- ‌المبحث الثالث: عصمة الأنبياء

- ‌المبحث الرابع: من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

-

- ‌الفصل الثاني: اليوم الآخر

- ‌المبحث الأول: أشراط الساعة

- ‌المبحث الثاني: فتنة القبر

- ‌المبحث الثالث: البعث

- ‌المبحث الرابع: أحوال اليوم الآخر

- ‌الفصل الثالث: القدر

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأول: كراهية الخوض في القدر عند الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الثاني: مراتب القدر

- ‌المبحث الثالث: أفعال العباد

- ‌المبحث الرابع: الطوائف المنحرفة في القدر ورد الإمام أبي حنيفة عليها

- ‌الفصل الرابع: الصحابة

- ‌المبحث الأول: الإمام أبو حنيفة يحب جميع الصحابة ويتولاهم

- ‌المبحث الثاني: قول الإمام أبي حنيفة في المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما

- ‌المبحث الثالث: قول الإمام أبي حنيفة فيمن يتنقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبهم

- ‌الفصل الخامس: الإمامة

- ‌المبحث الأول: الإمامة في قريش

- ‌المبحث الثاني: إمامة الخلفاء الراشدين

- ‌المبحث الثالث: الخروج على الإمام الجائر

-

- ‌الباب الخامس: المقارنة بين عقيدة الإمام أبي حنيفة وأتباعه

-

- ‌الفصل الأول: المقارنة بين عقيدة الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي وأتباعه الماتريدية

- ‌المبحث الأول: المقارنة بين الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي أتباعه في المنهج

- ‌المبحث الثاني: المقارنة في مسائل أصول الدين

- ‌الفصل الثاني: مدى التزام الحنفية بعقيدة الإمام أبي حنيفة في التوحيد

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الأول: المقارنة بين الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي أتباعه في المنهج

‌المبحث الأول: المقارنة بين الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي أتباعه في المنهج

أولا ـ مصادر التلقي عند كل منهما:

لقد تقدم أن منهج الإمام أبي حنيفة في تلقّي العقيدة ينحصر في الأسس التالية:

ـ الشرع "الكتاب والسنة".

ـ الفطرة.

فالكتاب والسنة هما الأساس الأول عند الإمام أبي حنيفة حيث أن نصوص الشرع هي العمدة والأصل، ومن هنا يجب تقديمهما على أي كائن مهما من كان.

فالكتاب والسنة هما دليلا الإمام أبي حنيفة غير متجاوز عنهما؛ لأن تجاوزهما قولٌ على الله بغير علم، وتقديم بين يدي الله ورسوله. ومن هنا فلا يوجد في كلام أبي حنيفة أي آية من كتاب الله قد عارضتها العقول. أو أن شيئا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عارضه المعقول. بل لا نجد في كلامه أن الأدلة العقلية قاطعة لا تقبل التأويل ومقدمة على الأدلة السمعية، لأن

ص: 575

ظواهر نصوص الشرع ظنية غير قطعية، كما أنه لم يقل إن أخبار الآحاد الصحيحة لا تثبت بها العقيدة.

بل يظهر من صنيع الإمام أبي حنيفة الاستدلال بخبر الآحاد كما سبق الكلام عليه، بل إنه قد استدل في جوانب من العقيدة بأخبار الآحاد ومنه حديث الجارية.

وهذا ما عليه الإمام أبو حنيفة وصاحباه أبو يوسف ومحمد. فقد قرر الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه حيث قال: "وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال ومعناه على ما أراد الله ولا ندخل في ذلك متأولين ولا متوهمين بأهوائنا"1.

وقال محمد بن الحسن: " اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على أن الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل

"2.

وقال في مثل حديث النزول وغيره: ""هذه الأحاديث قد روتها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها" 3.

1 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص 26، 27.

2 أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/432-433.

من طريق سليمان بن داود بن طلحة عن عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي.

وأورده شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 4/4-5.

والذهبي في العلو ص113.

قال شيخ الإسلام: "ثبت عن محمد بن الحسن".

3 أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/433.

وابن قدامة في إثبات العلو ص170، ط مكتبة العلوم والحكم، والذهبي في العلو ص113.

جميعهم من طريق أبي عمرو بن وهب عن شداد بن حكيم. =

ص: 576

وكذا قال: "نؤمن بالله، وبما جاء من عند الله على ما أراد الله وعلى ما أراد به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نشتغل بكيفية مراد الله تعالى وبما جاء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم"1.

وقال أبو يوسف: " القرآن كلام الله من قال كيف؟ ولم؟ وتعاطى مراءً ومجادلة استوجب الحبس والضرب بالسوط المبرح"2.

وبالمقارنة بين منهج الإمام أبي حنيفة في مصادر التلقي ومنهج الماتريدية لأبي منصور وأتباعه؛ نجد أن هناك تباعدا واضحا، فإنهم يرون أن مصدر التلقي الأول في معظم أبواب التوحيد هو العقل دون النقل 3؛ لأن الأدلة العقلية عندهم قطعية 4، أما السمعية فهي ظواهر ظنية 5.

= قال الألباني في مختصر العلو ص59:

"أخرجه اللالكائي في السنة

وعمرو بن وهب إن كان الطائفي فمجهول الحال وإن كان القرشي فقال ابن أبي حاتم 3/1/266" عن أبيه: "هو مضطرب الحديث"

1 بحر الكلام ص26.

2 فضائل الإمام أبي حنيفة وأصحابه لابن أبي العوام ""ق-164/ب.

3 قسمت الماتريدية أصول الدين بحسب مصدر التلقي إلى عقليات وسمعيات، فما سموه عقليات فمصدر التلقي عندهم هو العقل والعقل أصل والنقل تابع معارض له، وهذا جار في معظم أبواب التوحيد والصفات.

وما سموه سمعيات فمصدر التلقي عندهم هو النقل والعقل تابع له كعذاب القبر والصراط والميزان وأحوال الآخرة. انظر على سبيل المثال أحد كتبهم وهو المسايرة مع شرحها المسامرة. فمن أول الكتاب إلى ص249 عقليات ثم بعد ذلك سمعيات.

وانظر العقائد النسفية مع شرحها للتفتازاني من أول الكتاب إلى ص98 عقليات ثم بعد ذلك سمعيات.

4 انظر إشارات المرام ص189-199؛ وشرح العقائد النسفية ص5، 42؛ ونشر الطوالع ص228؛ وشرح المواقف 8/24.

5 انظر حاشية عبد الحكيم على الخيالي ص184 مع المصادر المذكورة في الفقرة السابقة.

ص: 577

وعند التعارض تقدم الأدلة العقلية لأنها قطعية، وتؤوّل الأدلة السمعية لأنها ظنية 1.

قال الزبيدي: "وهو أن الشرع إنما ثبت بالعقل

فلو أتى الشرع بما يكذب العقل وهو شاهده لبطل الشرع والعقل معا. إذا تقرر هذا فنقول كل لفظ يرد في الشرع

وهو مخالف للعقل

إما أن يتواتر أو ينقل آحادا. والآحاد إن كان نصا لا يحتمل التأويل؛ قطعنا بافتراء ناقله أو سهوه أو غلطه، وإن كان ظاهرا فظاهره غير مراد

وإن كان متواترا فلا يتصور نص متواتر لا يحتمل التأويل بل لا بد أن يكون ظاهرا

" 2. والقاعدة عندهم أن كل نص إذا أخبر به الصادق وهو أمر ممكن ولم يكن مخالفا فلا يؤوّل كالبعث والنشر ونعيم الجنة وعذاب النار. أما إذا كان النص دالا على أمر محال مخالف للعقل؛ فلا بد من تأويله، كعلو الله تعالى، واستوائه على عرشه، ونزوله إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر 3. ويقولون: إن النصوص إذا كانت خلاف العقل، فإن كانت متواترة فهي، وإن كانت قطعية الثبوت لكنها ظنية الدلالة؛ فالعقل مقدم عليها، فلذلك الأدلة النقلية تؤوَّل أو تفوَّض".

1 إشارات المرام ص199؛ وشرح العقائد النسفية ص42؛ ونشر الطوالع ص228، 229؛ والمسايرة ص33، 35.

2 شرح الإحياء للزبيدي الحنفي الماتريدي 2/105-106. وانظر أصل هذا القانون الكلي في تبصرة الأدلة ص54؛ والنور اللامع ص80-81خ.

وراجع أيضا شرح المقاصد للتفتازاني 2/50؛ والطبعة التركية. وانظر شرح المواقف للجرجاني 2/56-57.

3 انظر النبراس في شرح العقائد النسفية ص316-317.

ص: 578

أما الأدلة العقلية فلا تأويل لها بل تأويلها محال 1.

فالحاصل أن منهج الماتريدية في نصوص الوحي منهج فاسد باطل؛ لأنه صريح في أن العقل أصل. والشرع فرع، لأن نصوص الشرع إذا كانت مخالفة لعقولهم فهم إما أن يردوها أو يؤولوها أو يفوِّضوها، لذلك أوّلوا نصوص كثير من الصفات. وأبقوا نصوص المعاد على ظواهرها، فلو كانت نصوص المعاد عندهم مخالفة لعقولهم لأوّلوها. وهذا كما ترى انحراف عن الطريق المستقيم.

فالواجب على كل مسلم أن يجعل ما قال الله ورسوله هو الأصل والعمدة فيسلم بنصوصهما، وينقاد لهما ولا يعترض عليهما، ولا يعارضهما برأيه ومعقوله وقياسه.

قال الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه: "ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام"2.

وقال أبو المظفر السمعاني: "اعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل؛ فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور للمعقول، وأما أهل السنة، قالوا: الأصل في الدين الاتباع، والمعقول تبع. ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء صلوات الله عليهم، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء

1 انظر شرح العقائد النسفية ص5، 42؛ وشرح المواقف 8/24، 110، 111؛ وإشارات المرام ص189-199؛ وشرح الإحياء 2/105-106؛ ونشر الطوالع ص238.

2 شرح العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص 27.

ص: 579

ما شاء. ولو كان الدين بني على المعقول وجب ألا يجوز للمؤمنين أن يقبلوا أشياء حتى يعقلوا".1

وقال الشاطبي: "إن الشريعة بنيت على أن حكم الله على العباد لا يكون إلا بما شرع في دينه على ألسنة أنبيائه ورسله، ولذلك قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} "سورة الإسراء: الآية15".

وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} "سورة النساء: الآية59".

وقال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ} "سورة الأنعام: الآية57".

وأشباه ذلك من الآيات والأحاديث، فخرجت عن هذا الأصل فرقة زعمت أن العقل له مجال في التشريع، وأنه محسِّن ومقبح فابتدعوا في دين الله ما ليس منه" 2.

وقال ابن أبي العز: "وكل من قال برأيه وذوقه وسياسته مع وجود النص، أو عارض النص بالمعقول فقد ضاهى إبليس حيث لم يسلم لأمر ربه بل قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} "سورة الأعراف: الآية12".

وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} "سورة النساء: الآية80".

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} "سورة آل عمران: الآية31".

1 صون المنطق ص182 عن السمعاني.

2 الاعتصام 1/45.

ص: 580

وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} "سورة النساء: الآية65".

أقسم سبحانه بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا نبيه ويرضوا بحكمه ويسلموا تسليما" 1.

لكن ليس معنى ذلك أن السلف يرفضون العقل 2 ويهملونه، بل يعملونه في عالم الشهادة لا في عالم الغيب إلا على سبيل الإجمال دون التفصيل، ولا يثبتون بالعقل حكما شرعيا، فعندهم للعقل مع الشرع حالتان لا ثالث لهما:

الأولى: أن يدل على ما دل عليه الشرع فيكون شاهدا أو مؤيدا ومصدقا فيحتجون حينئذ بدلالة العقل على من خالف الشرع. وفي القرآن من هذا النوع أي من الأدلة العقلية شيء كثير كأدلة التوحيد والنبوة والمعاد، فتلك الأدلة هي عقلية شرعية.

قال ابن تيمية: " إن كثيرا مما دل عليه السمع يعلم بالعقل أيضا، والقرآن يبين ما يستدل به العقل ويرشد إليه وينبه عليه كما ذكر الله ذلك في غير موضع.

فإنه سبحانه وتعالى بين من الآيات الدالة عليه وعلى وحدانيته وقدرته وعلمه وغير ذلك ما أرشد العباد إليه، ودلهم عليه، كما بين أيضا ما دل على نبوة أنبيائه، وما دل على المعاد وإمكانه، فهذه المطالب هي شرعية من جهتين:

1 شرح العقيدة الطحاوية ص190، 191.

2 العقل عند السلف آلة التمييز والإدراك والعلم والعمل.

ص: 581

من جهة أن الشارع أخبر بها.

ومن جهة أنه بين الأدلة العقلية التي يستدل بها عليها، والأمثال المضروبة في القرآن هي أقيسة عقلية، وقد بسطت في غير هذا الموضع، وهي أيضا عقلية من جهة أنها تعلم بالعقل أيضا" 1.

الحالة الثانية: أن لا يدل على ما دل عليه الشرع لا نفيا ولا إثباتا، فحكم العقل إذا جواز ما جاء به الشرع. أما أن يدل العقل على خلاف ما جاء به الشرع فيكون معارضا له فهذا ما لا يكون مع صحة النقل، ولهذا قال أهل السنة: إن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح، وقالوا:"إن الرسل جاؤوا بمحارات العقول لا بمحالات العقول".

أي أن الرسل لا يخبرون بما يحيله العقل، ولكن يخبرون بما يجيزه العقل ويحار فيه، وهذا تحديد موقف أهل السنة من العقل مع الشرع.

ثانيا: حكم تأويل النقل:

إذا كان الأساس الأول عند الإمام أبي حنيفة هو تقديم النص الشرعي على ما سواه، فمن الطبيعي عنده رفض التأويل الكلامي ـ الذي هو في الواقع تحريف ـ وهو صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر يراه العقل، وقد تقدمت نصوص أبي حنيفة في ذلك ولا بأس أن أذكر واحدا منها وهو قوله:"ولا يقال: إن يده قدرته أو نعمته؛ لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال"2.

1 مجموع الفتاوى "3/ص أبعد ص88".

2 الفقه الأكبر ص302.

ص: 582

فاعتبر تأويل صفة اليد بالقدرة أو النعمة يؤدي إلى تعطيل النصوص الدالة على هذه الصفة عن دلالتها على المعنى المسوق لأجله، فإذا حملت على خلاف ذلك بتأويلها كان ذلك نفيا للمعنى الذي جاءت من أجله وإثباتا لمعنى آخر لم تدل عليه النصوص لا نصا ولا ظاهرا. ولذلك صرح الإمام أبو حنيفة:"فيه إبطال الصفة" ومن هنا فلا داعي لتأويل هذه الصفة وغيرها بصرفها عن ظاهرها.

وهكذا كان الإمام أبو حنيفة ملتزما بمنهجه أثناء التطبيق؛ فأبى أن يؤول اليد بالقدرة أو النعمة 1، والرضا بالثواب 2، والغضب بالعقاب 3.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد صرّح الإمام أبو حنيفة أن تأويل الصفات كما هو تعطيل، كذلك خارج عن مذهب أهل السنة، بل هو مذهب الجهمية، دل على ذلك قوله:"وهو مذهب أهل القدر والاعتزال"4.

وكذا لا يوجد في كلام أبي حنيفة تفويض مطلق، بل الذي في نصوص الإمام أبي حنيفة تفويض مقيّد بنفي علم الكيفية فقط لا المعنى.

1 الفقه الأكبر ص302.

2 الفقه الأبسط ص56.

3 الفقه الأبسط ص56. وهكذا في جميع نسخ الفقه الأبسط حتى بتحقيق الكوثري، ولكن طبع الفقه الأبسط حديثا في باكستان فحرّف محقّقها نص الإمام أبي حنيفة فصار مؤدّاه تأويل الرضا بالثواب والغضب بالعقاب، نعوذ بالله من شر المحرفين.

4 الفقه الأكبر ص302.

ص: 583

ومن جملة تلك النصوص الدالة على هذا قوله عن صفة النزول: "ينزل بلا كيف"1.

وقوله عن صفة الوجه واليد: "وله يد ووجه ونفس كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن، من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف"2.

وقوله عن صفة الغضب والرضا: "لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف"3.

فيتبين لنا مما سبق أن عقيدة الإمام أبي حنيفة في الصفات تتركز حول الإيمان بما ثبت من النصوص؛ حيث يؤمن بمعناها كما جاءت دون زيادة حرف أو نقصانه، مع إرجاع العلم بكيفيتها وحقيقتها إلى الله تعالى، لأن الكيف والحقيقة من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله، وليس للعقل مجال في بحثها، والخوض فيها، لأن العقول قاصرة عن إدراك كيفية تلك الصفات، فإذا كان الإمام أبو حنيفة رفض التأويل والتفويض المطلق، فما موقف الماتريدية من ذلك؟ وهل وافقوا الإمام أبا حنيفة؟ أم خالفوه؟.

والجواب عن هذا أن الماتريدية خالفوا الإمام أبا حنيفة فقالوا بالتفويض تارة تفويضا مطلقا، بل صرح أبو منصور الماتريدي أن آيات

1 كره الإمام الصابوني عن الأستاذ أبي منصور بن حمشاد في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص42، والبيهقي في الأسماء والصفات ص456، وسكت عليه الكوثري، ونقله الإمام ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية ص245، بتخريج الألباني، والقاري في شرح الفقه الأكبر ص60.

2 الفقه الأكبر مع شرحه للقاري ص58، 59؛ وشرح أبي المنتهى ص13، 14، وإشارات المرام ص187، 192.

3 الفقه الأبسط ص56، ونقله البياضي في إشارات المرام ص187.

ص: 584

الصفات كالحروف المقطّعة مثل آلم، آلمص وفي هذا يقول: "في الحقيقة إنها تحتمل وجوها:

أحدها: أن نصفه بالذي جاء به التنزيل على ما جاء، ونعلم أنه لا يشبه على ما ذكر من الفعل فيه بغيره،

وإذا بطل هذا بطل التشابه وانتفى، ولزم أمر السمع والتنزيل على ما أراد الله" 1.

ويرى أنه يمتحن المرء بالوقوف حول نصوص الصفات، كما يمتحن بالوقوف حول الحروف المقطعة 2.

ويقول: وأما الأصل عندنا في ذلك أن الله تعالى قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} "سورة الشورى: الآية11".

فيجب القول بالرحمن على العرش استوى على ما جاء به التنزيل وثبت ذلك في العقل

ونؤمن بما أراد الله به وكذلك في كل أمر ثبت التنزيل فيه نحو الرؤية وغير ذلك. يجب نفي الشبهة عنه والإيمان بما أراده من غير تحقيق على شيء دون شيءٍ" 3.

وتارة يقول بالتأويل. وفي هذا يقول أبو منصور الماتريدي:"والثاني أن يمكن فيه معان تخرج الكلام مخرج الاختصار والاكتفاء بمواضع إفهام في تلك المواضع على إتمام البيان وذلك نحو قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ} "سورة الفجر: الآية22". أي بالملك.

وذلك كقوله: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} "سورة المائدة: الآية24".

1 تأويلات أهل السنة 1/84 ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة.

2 كتاب التوحيد للماتريدي ص74، 75.

3 كتاب التوحيد للماتريدي ص74.

ص: 585

أي بربك "فقاتلا" إذ معلوم أنه يقاتل بربه ففهم منه ذلك

" 1.

ويقول: "قد يفهم من الشاهد من على ومن العرش ومن الاستواء معان مختلفة، لم يجز صرف ذلك إلى أوحش وجه وثمة لأحسن ذلك مساغا"2.

ويعني بأوحش الوجوه ما تدلّ عليه النصوص من إثبات صفة الاستواء فالإثبات عنده من أوحش الوجوه لأن ذلك يستلزم التشبيه، والله منزه عن ذلك.

لذا يرى صرف تلك النصوص بنوع من التأويل والمجاز إلى أحسن الوجوه ـ وهو في الحقيقة تحريف ومن أقبح الوجوه ـ وقد طبّق الماتريدي منهجه هذا، فقد أوّل نصوصا من الصفات إلى معانٍ توافق قاعدته، فأول صفة الاستواء إلى الاستيلاء والتمام 3، والعلو إلى علو المرتبة وعلوه عن الأمكنة وتعاليه عن الحاجة وتعاليه عن أن يخفى عليه شيء 4.

ويرد استدلال الإمام أبي حنيفة وغيره من السلف بنصوص الاستواء وبرفع الأيدي إلى السماء وقت الدعاء ويحرفه إلى أن المراد في رفع الأيدي إلى السماء أن السماء قبلة للدعاء تعبدا كتوجه المصلي إلى الكعبة وقت الصلاة 5.

ومن هنا علم يقينا أن أبا منصور الماتريدي لم يلتق مع الإمام أبي حنيفة في رفضه للتأويل مما يؤكد

عدم توافقهما. فالإمام أبو حنيفة ظلَّ

1 تأويلات أهل السنة 1/84.

2 كتاب التوحيد للماتريدي ص74.

3 كتاب التوحيد ص70، 71، 73، 74.

4 كتاب التوحيد ص70، 71.

5 كتاب التوحيد ص73، 75، 76.

ص: 586

وفيًا للنصوص دون تأويل ظاهرها، أو تحريف لها عن معانيها. وهو يرفض التأويل ويمنعه كما تقدّم ذكره، بينما أبو منصور الماتريدي يدعو إلى التأويل أو التفويض لوحشة الإثبات عنده والله المستعان.

ثالثا ـ علم الكلام بين القبول والرفض:

موقف أبي حنيفة من علم الكلام:

يقوم علم الكلام على دعامتين أساسيتين هما اتخاذ العقل أساسا ـ ومن هنا يوجبون تقديمه على النقل ـ والجدل.

ومن الطبيعي أن يرفض الإمام أبو حنيفة علم الكلام بعد ما تضلع فيه؛ حيث أدرك خطورته على الدين وضرره على العقيدة خاصة؛ ومن هنا كان أبو حنيفة وأبو يوسف ينهيان عن الجدل وطلب الدين بالكلام.

ولا بأس أن أذكر نصا واحدا.

قال أبو حنيفة لأحد أصحابه لما سأله عن العَرَض قال: ""مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة فإنها بدعة" 1.

لذا قال محمد بن الحسن: "كان أبو حنيفة يحثنا على الفقه وينهانا عن الكلام"2.

ويقول في هذا ابن خزيمة: "

أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأبو يوسف

ينهون عن الخوض فيه ـ يعني الكلام ـ ويدلون أصحابهم على الكتاب والسنة" 3.

1 ذم الكلام "ق194/ب".

2 ذم الكلام "ق196/ب".

3 ذم الكلام "ق233/ب" عن ابن خزيمة.

ص: 587

وقال البزدوي: "ونحن نتبع أبا حنيفة فإنه إمامنا

وإنه كان يجوِّز تعليمه وتعلّمه والتصنيف فيه ولكن في آخر عمره امتنع عن المناظرة فيه ونهى أصحابه عن المناظرة فيه" 1.

وقد يتثبّت بعض من يشتغل بعلم الكلام من الحنفية في الفرار عن أقوال أبي حنيفة في ذم الكلام، بأن مراد أبي حنيفة وكل من ذمّ علم الكلام من السلف هو علم الكلام المذموم الذي كان عليه الجهمية والمعتزلة، أما علم الكلام الذي ينتحلونه فلا يدخل تحت ذلك الذم لأنه علم كلام محمود 2.

والجواب عن هذا الإشكال أن علم الكلام كله مذموم ليس فيه حسن وسيّء. ومثل هذه الشبهة مثل من قسم البدعة إلى حسنة وسيئة.

والبرهان على ذلك أن علم الكلام الذي ذمه السلف وذم المشتغلين به ذما شديدا هو علم الكلام الذي من نتيجته وثمرته نفي صفات الله.

كالعلو، والاستواء، والنزول، والقول بخلق القرآن، والقول بالكلام النفسي، والقول بتقديم العقل على النقل. وهذا كله موجود عند كثير من الماتريدية والأشاعرة.

قال الإمام أحمد: "لا أحب الكلام في هذا إلا ما كان في كتاب الله أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود"3.

1 أصول الدين للبزدوي ص4.

2 انظر شرح العقائد النسفية للتفتازاني ص7؛ وشرح الإحياء للزبيدي 2/52، 53.

3 درء تعارض العقل والنقل 7/155.

ص: 588

وقال ابن القيم: "قال شيخنا والكلام الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه وذم أصحابه والنهي عنه وتجهيل أربابه وتبديعهم وتضليلهم هو هذه الطرق الباطلة التي بنوا عليها نفي الصفات والعلو والاستواء على العرش وجعلوا بها القرآن مخلوقا ونفوا بها رؤية الله في الدار الآخرة وتكلمه بالقرآن، وتكليمه لعباده، ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، فإنهم سلكوا فيه طرقا غير مستقيمة واستدلوا بقضايا متضمنة بالكذب، فلزمهم بها مسائل خالفوا بها نصوص الكتاب والسنة وصريح المعقول"1.

فلا شك أن ما هم عليه داخل في علم الكلام المذموم الذي ذمه أبو حنيفة والسلف.

لذا يقول شيخ الإسلام في معاصريه من المتكلمين: "وهم في الحقيقة لا للإسلام نصروا، ولا للفلاسفة كسروا"2.

ويقول فيهم: "يسفسطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات"3.

1 الصواعق المرسلة 4/1266-1267.

2 شرح حديث النزول ص163.

ومجموع الفتاوى 5/33، 44.

وجامع الرسائل 2/33.

3 شرح حديث النزول ص196.

ومجموع الفتاوى 3/9.

ودرء تعارض العقل والنقل 1/218.

والتدمرية ص19.

ص: 589

موقف أبي منصور الماتريدي وأتباعه من علم الكلام:

أما موقف أبي منصور الماتريدي وأتباعه من علم الكلام فهو على خلاف منهج أبي حنيفة فقد توغّلوا في علم الكلام واعتقدوا أنه هو العلم الحق بل هو أشرف العلوم وأعلاها، لأنه منجٍ من غياهب الشكوك وظلمات الأوهام 1.

وإليك شواهد تصدق ما قلناه.

1-

إن الإمام الماتريدي ألّف كتابا في التوحيد وهو مطبوع متداول، وكل من نظر فيه عرف أنه كتاب الفلسفة والمنطق والكلام. وهو مكتظ بتعطيل الصفات وتحريف نصوصها فهو ليس كتاب توحيد في الحقيقة بل كتاب تعطيل للنصوص الشرعية. وهو شاهد عدل على ما قلناه.

2-

إن الإمام أبا منصور الماتريدي، لأجل توغّله في علم الكلام ألّف في تفسير القرآن كتابا بعنوان:"تأويلات أهل السنة"، والناظر فيه يعرف بسهولة أنه مكتظ بعلم الكلام وتعطيل كثير من الصفات وتحريف نصوصها فهو حري بأن يسمى "تأويلات أهل البدع"؛ لأن تأويل الصفات ليس بمذهب السلف في شيء لا الإمام أبو حنيفة ولا غيره من الأئمة.

3-

أن هناك جما غفيرا من الماتريدية أفنوا أعمارهم وأنهكوا قواهم في علم الكلام درسا وتدريسا أمثال أبي اليسر البزدوي وأبي المعين النسفي ونور الدين الصابوني ونجم الدين النسفي وحافظ الدين النسفي والتفتازاني والجرجاني وكمال الدين البياضي وعبد العزيز الفهريهاري كل هؤلاء يعظمون علم الكلام ويرونه أساسا للدين.

1 انظر شرح العقائد النفسية ص2، 3.

ص: 590

4-

إنهم أثنوا وبجّلوا علم الكلام في مقدمات كتبهم وإليك نصا واحدا على سبيل المثال:

قال التفتازاني شارح العقيدة النسفية: "فإن مبنى علم الشرائع والأحكام وأساس قواعد ـ الإسلام هو علم التوحيد والصفات الموسوم "بالكلام" المنجي من غياهب الشكوك وظلمات الأوهام"1.

ومن هنا علمنا يقينا أن الماتريدية لم يلتقوا مع الإمام في ـ رفضه علم الكلام بل نجد أنهم توغّلوا في علم الكلام ولم يسلكوا طريقا غيره. وهكذا بمقارنة منهج الماتريدي وأتباعه بمنهج أبي حنيفة وجدنا أن أبا حنيفة سلفي يثبت ما تدلّ عليه نصوص الكتاب والسنة، ولا يبتعد عنهما أو يتجاوزهما برأي أو تأويل، ولم يعطل النصوص أو يهملهما، بل كان إعماله لها حتى ولو استوحشتها أسماع أهل الكلام، بينما يظهر لنا بعد الماتريدي وأتباعه عن منهج الإمام أبي حنيفة، حيث جعلوا العقل أصلا، وقدّموه على الشرع، وصرفوا النصوص الشرعية بتأويلاتهم العقلية المحتملة، واتخذوا علم الكلام مطية ذلك.

ومن هنا كان الخلاف بين المنهجين واضحا وإذا كان الأمر هكذا في المنهج فماذا عن التطبيق؟

هذا ما سأتناوله في الفقرة التالية إن شاء الله.

1 شرح العقائد النسفية ص2، 3.

ص: 591