الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: الإمام أبو حنيفة يحب جميع الصحابة ويتولاهم
.
أثنى الله على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة كقوله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} "سورة التوبة: الآيتان 88-89".
وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} "سورة التوبة: الآية100".
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} "سورة الأنفال: الآية74".
فوصفهم الله بأنهم مؤمنون حقا، ومجاهدون بأموالهم وأنفسهم صدقا، وهم المفلحون والفائزون بمغفرة الله ورضوانه، فلهم من عنده تعالى الخيرات والرزق الكريم وجنات النعيم. فأي ثناء أبلغ من هذا الثناء وأي فضل أبلغ من هذا!.
وكذا أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة منها حديث جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها
…
" 1.
وحديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"2.
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدَّ أحد ولا نصيفه"3.
فالحديث الأول فيه بيان لفضيلة بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن بايعوه تحت الشجرة وأنهم لا يدخلون النار.
أما الحديث الثاني ففيه إثبات الخيرية لجميع الصحابة رضي الله عنهم، الذين هم خير القرون، وأنهم مقدمون في الفضل على من جاء بعدهم من التابعين.
أما الحديث الثالث ففيه بيان لفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث
1 أخرجه مسلم كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أصحاب الشجرة 4/1942 ح"2496" من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله.
2 أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 7/3 ح"3650" ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل الصحابة 4/1964 ح"2535" كلاهما من طريق زهدم بن مضرّب عن عمران بن الحصين.
3 أخرجه البخاري كتاب فضائل الصحابة باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا " 7/21 ح"3673" من طريق ذكوان عن أبي سعيد البخدري، ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة 4/1967 ح"2540" من طريق أبي صالح عن أبي سعيد الخدري.
وصفهم بالصحبة، ونهى عن التعرض لهم وأوجب ذكرهم بالقول الحسن.
وهذا هو ما عليه الإمام أبو حنيفة طاعة لربه وامتثالا لأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فهو يحب جميع الصحابة ويترضى عنهم ويتولاهم ولا يتبرأ من أحد منهم ولا يذكرهم إلا بالخير. دل على هذا قول الإمام أبي حنيفة: "ولا نذكر أحدا من أصحاب الرسول إلا بخير"1.
وقوله: "ولا نتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نوالي أحدا دون أحد"2.
وقرر هذا الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه حيث قال: "ونحب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نفرِّط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان"3.
وقال: "ومن أحسنَ القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذريته المقدسين من كل رجز فقد برئ من النفاق"4.
وكان أبو حنيفة يقول: "مقام أحدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة واحدة خير من عمل أحدنا جميع عمره وإن طال"5.
ويشهد الإمام أبو حنيفة لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة بالجنة.
1 الفقه الأكبر ص304.
2 الفقه الأبسط ص40.
3 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص 57.
4 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص 58.
5 مناقب أبي حنيفة للمكي ص76.
حنيفة وصاحبيه حيث قال: "وإن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالجنة على ما شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله حق وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، وهو أمين هذه الأمة رضي الله عنهم أجمعين"1.
دل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " عشرة في الجنة: النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، ولو شئت لسميت العاشر قال: فقالوا: من هو؟ قال: سعيد بن زيد "2.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة"3.
1 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني صص58.
2 أخرجه أبو داود كتاب السنة باب في الخلفاء 5/39 ح"4649" من طريق عبد الرحمن بن الأخنس عن سعيد بن زيد والترمذي كتاب المناقب باب مناقب عبد الرحمن بن عوف 5/648 ح"3748" والحاكم في المستدرك 3/440 كلاهما من طريق حميد بن عبد الرحمن عن سعيد بن زيد، قال الترمذي:"سمعت محمدا: يقول: "هو أصح من الحديث الأول". وقال الألباني: "صحيح". انظر تخريج الألباني على شرح العقيدة الطحاوية ص550.
3 أخرجه أحمد في المسند 1/193.
الترمذي كتاب المناقب باب مناقب عبد الرحمن بن عوف 5/647 ح"3747" كلاهما من طريق عبد الرحمن بن حميد عن أبيه قال الألباني في صحيح الجامع 1/70: "صحيح" وكذا في تخريج الطحاوية ص551 وكذا في مشكاة المصابيح 3/1727.
هذه هي عقيدة الإمام أبي حنيفة في الصحابة؛ فهو يحبهم جميعا، ويتولاهم ولا يفرط في محبة أحد منهم، ولا يذكرهم إلا بالخير.