الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
في بيان أن اعتقاد الأئمة الأربعة واحد في مسائل أصول الدين ما عدا مسألة الإيمان
اعتقاد الأئمة الأربعة ـ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ـ هو ما نطق به الكتاب والسنَّة، وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. وليس بين هؤلاء الأئمة ولله الحمد نزاع في أصول الدين، بل هم متفقون على الإيمان بصفات الرب، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الإيمان لا بدّ فيه من تصديق القلب واللسان. بل كانوا ينكرون على أهل الكلام، من جهمية وغيرهم وممن تأثروا بالفلسفة اليونانية والمذاهب الكلامية
…
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
"
…
ولكن من رحمة الله بعباده، أن الأئمة الذين لهم في الأمة لسان صدق كالأئمة الأربعة وغيرهم
…
كانوا ينكرون على أهل الكلام من الجهمية قولهم في القرآن والإيمان وصفات الرب، وكانوا متفقين على ما كان عليه السلف من أن الله يرى في الآخرة وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الإيمان لا بد فيه من تصديق القلب واللسان
…
" 1.
وقال: "إن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى
1 كتاب الإيمان 350، 351، دار الطباعة المحمدية تعليق محمد الهراس.
ويقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ويقولون: إن الله يرى في الآخرة، هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم، وهذا مذهب الأئمة المتبوعين، مثل مالك بن أنس، والثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي وأحمد.." 1.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن اعتقاد الشافعي فأجاب بقوله:
"اعتقاد الشافعي رضي الله عنه، واعتقاد سلف الإسلام، كمالك، والثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، هو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم، كالفضيل بن عياض، وأبي سليمان الدارمي، وسهل بن عبد الله التستري، وغيرهم، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة وأمثالهم نزاع في أصول الدين وكذلك أبو حنيفة رحمه الله فإن الاعتقاد الثابت عنه في التوحيد والقدر ونحو ذلك، موافق لاعتقاد هؤلاء واعتقاد هؤلاء هو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وهو ما نطق به الكتاب والسنة"2.
وهذا ما اختاره العلامة صديق حسن خان حيث يقول:
"فمذهبنا مذهب السلف إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، وهو مذهب أئمة الإسلام، كمالك، والشافعي، والثوري، وابن المبارك، والإمام أحمد
…
وغيرهم، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين، وكذلك أبو حنيفة رضي الله عنه فإن الاعتقاد الثابت عنه موافق لاعتقاد هؤلاء، وهو الذي نطق به الكتاب والسنة
…
" 3.
1 منهاج السنة 2/106.
2 مجموع الفتاوى 5/256.
3 قطف الثمر ص 47،48.
وهاك طائفة من أقوال الأئمة الثلاثة ـ مالك، والشافعي، وأحمد ـ "أما أبو حنيفة فستأتي أقواله مفصلة في موضعها" ـ فيما يعتقدونه في مسائل أصول الدين، مع بيان موقفهم من علم الكلام.
أولا ـ الإمام مالك بن أنس.
"أ" قوله في التوحيد:
1-
أخرج الهروي عن الشافعي قال: سئل الإمام مالك عن الكلام والتوحيد؛ فقال مالك: "محال أن يُظنَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه علَّم أمَّته الاستنجاء، ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" 1، فما عصم به المال والدم حقيقة التوحيد"2.
2-
وأخرج الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال: "سألت مالكا، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات؛ فقالوا: أمرّوها كما جاءت"3.
1 أخرجه البخاري: كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة 3/262 ح1399، ومسلم: كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله 1/51 ح324، والنسائي: كتاب الزكاة باب مانع الزكاة 5/14 ح2443؛ جميعهم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة. وأخرجه أبو داود: كتاب الجهاد باب على ما يقاتل المشركون 3/101 ح2640 من طريق أبي صالح عن أبي هريرة.
2 ذم الكلام "ق-210".
3 أخرج هذا الأثر الدارقطني في الصفات ص 75؛ والآجري في الشريعة ص 314، والبيهقي في الاعتقاد ص 118؛ وابن عبد البر في التمهيد 7/149.
3-
وقال ابن عبد البر: "سئل مالك أيرى الله يوم القيامة؟ فقال: نعم يقول الله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} "سورة القيامة: الآيتان 22-23".
وقال لقوم آخرين: {كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} " سورة المطففين: الآية15"1 ".
أورد القاضي عياض في ترتيب المدارك 2، عن ابن نافع3، وأشهب 4، وأحدهما قال: يزيد على الآخر: يا أبا عبد الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ينظرون إلى الله؟ قال: نعم بأعينهم هاتين، فقلت له: فإن قوما يقولون: لا ينظر إلى الله، إن "ناظرة" بمعنى منتظرة قال: كذبوا بل ينظر إلى الله أما سمعت قول موسى عليه السلام {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} "سورة الأعراف: الآية143".
أترى موسى سأل ربه محالا؟ فقال الله: {لَنْ تَرَانِي} "سورة الأعراف: الآية143".
1 الانتقاء ص 36.
2 2/42.
3 الذي يروي عن الإمام مالك باسم ابن نافع رجلان. أما الأول فهو عبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري أبو بكر المدني قال عنه ابن حجر: "صدوق مات سنة 216 هـ". وأما الثاني فهو عبد الله بن نافع بن أبي نافع المخزومي مولاهم أبو محمد المدني قال عنه ابن حجر: "ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين مات سنة 206 هـ وقيل بعدها". تقريب التهذيب 1/455-456؛ وتهذيب التهذيب 6/50-551.
4 هو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي أبو عمر المصري قال عنه ابن حجر: "ثقة فقيه مات سنة 204 هـ"، تقريب التهذيب 1/80. وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 1/359.
أي في الدنيا لأنها دار فناء ولا ينظر ما يبقى بما يفنى فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى إلى ما يبقى وقال الله: {كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} "سورة المطففين: الآية15".
4-
وأخرج أبو نعيم عن جعفر بن عبد الله قال: "كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟
فما وجد 1 مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده علاه الرحضاء ـ يعني العرق ـ ثم رفع رأسه ورمى بالعود، وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج" 2.
5-
وأخرج أبو نعيم عن يحيى بن الربيع قال: "كنت عند مالك بن أنس، ودخل عليه رجل فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق؟ "
1 جاء في لسان العرب 3/446؛ "وجد عليه في الغضب يُجِدُ ويَجِدُ وجدا ومَوْجِدَة ووجدانا غضب، وفي حديث الإيمان، إني سائلك فلا تجد عليّ أي لا تغضب من سؤالي".
2 الحلية 6/325،326. وأخرجه أيضا الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 17-18 من طريق جعفر بن عبد الله عن مالك وابن عبد البر في التمهيد 7/151؛ من طريق عبد الله بن نافع عن مالك والبيهقي في الأسماء والصفات ص 408 من طريق عبد الله بن وهب عن مالك قال الحافظ ابن حجر في الفتح 13/406، 407: إسناده جيد وصححه الذهبي في العلو ص 103.
فقال مالك: زنديق 1 فاقتلوه فقال: يا أبا عبد الله، إنما أحكي كلاما سمعته فقال: لم أسمعه من أحد، إنما سمعته منك، وعظَّم هذا القول" 2.
6-
وأخرج ابن عبد البر عن عبد الله بن نافع قال: "كان مالك بن أنس يقول: من قال القرآن مخلوق يوجع ضربا ويحبس حتى يتوب"3.
7-
وأخرج أبو داود عن عبد الله بن نافع قال: "قال مالك: الله في السماء، وعلمه في كل مكان"4.
"ب" قوله في القدر:
1-
أخرج أبو نعيم عن ابن وهب 5 قال: "سمعت مالكا يقول لرجل: سألتني أمس عن القدر؟ قال: نعم. قال: إن الله تعالى يقول: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} "سورة السجدة:13".
1 الزنديق: كلمة معربة عن الفارسية استعملها المسلمون أولا في الدلالة على القائلين بالأصلين النور والظلمة على مذهب المانوية وغيرهم، ثم اتسع معناها عندهم، فشمل الدهريين والملحدين وسائر أصحاب المعتقدات الضالة، بل أطلق على المتشككين وكل متحرر عن أحكام الدين فكرا وعملا.
انظر الموسوعة الميسرة 1/929، وتاريخ الإلحاد لعبد الرحمن بدوي ص 24-32.
2 الحلية 6/325، وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/249، من طريق أبي محمد يحيى بن خلف عن مالك، وأورده القاضي عياض في ترتيب المدارك 2/44.
3 الانتقاء ص35.
4 رواه أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 263، وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة ص11 الطبعة القديمة وابن عبد البر في التمهيد 7/138.
5 هو عبد الله بن وهب القرشي مولاهم المصري قال عنه ابن حجر: "الفقيه ثقة حافظ عابد مات سنة 197هـ، تقريب التهذيب 1/460.
فلا بد أن يكون ما قال الله تعالى" 1.
2-
وقال القاضي عياض: "سئل الإمام مالك عن القدرية من هم؟ قال: من قال: ما خلق المعاصي، وسئل كذلك عن القدرية؟ قال: هم الذين يقولون إن الاستطاعة إليهم، إن شاؤوا أطاعوا، وإن شاؤوا عصوا"2.
3-
وأخرج ابن أبي عاصم عن سعيد بن عبد الجبار قال: "سمعت مالك بن أنس يقول: رأيي فيهم أن يستتابوا؛ فإن تابوا، وإلا قتلوا ـ يعني القدرية ـ"3.
4-
وقال ابن عبد البر: "قال مالك: ما رأيت أحدا من أهل القدر، إلا أهل سخافة وطيش وخفة"4.
5-
وأخرج ابن أبي عاصم عن مروان بن محمد الطاطري قال: "سمعت مالك بن أنس يسأل عن تزويج القدري؟ فقرأ {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} "سورة البقرة: الآية221" 5.
6-
وقال القاضي عياض: "قال مالك: لا تجوز شهادة القدري الذي يدعو 6 ولا الخارجي، والرافضي"7.
1 الحلية 6/326.
2 ترتيب المدارك 2/48. وانظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/701؛ والمقصود نفي أن يكون الله تعالى خلق المعاصي.
3 السنة لابن أبي عاصم 1/87، 88؛ وأخرجه أيضا أبو نعيم في الحلية 6/326.
4 الانتقاء ص34.
5 السنة لابن أبي عاصم 1/88؛ الحلية 6/326.
6 يدعو إلى بدعته.
7 ترتيب المدارك 2/47.
7 -
وقال القاضي عياض: "سئل مالك عن أهل القدر؟ أنكف عن كلامهم؟ قال: نعم إذا كان عارفا بما هو عليه، وفي رواية أخرى قال: لا يصلى خلفهم، ولا يقبل عنهم الحديث، وإن وافيتموهم في ثغر؛ فأخرجوهم منه"1.
"ج" قوله في الإيمان:
1-
أخرج ابن عبد البر، عن عبد الرزاق بن همام، قال:"سمعت ابن جريج 2، وسفيان الثوري، ومعمر بن راشد، وسفيان بن عيينة، ومالك بن أنس يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص"3.
2-
وأخرج أبونعيم، عن عبد الله بن نافع قال:"كان مالك بن أنس يقول: الإيمان قول وعمل"4.
وأخرج ابن عبد البر، عن أشهب بن عبد العزيز، قال:"قال مالك: فقام الناس يصلون نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، ثم أمروا بالبيت الحرام، فقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} "سورة البقرة: الآية143".
أي صلاتكم إلى بيت المقدس. قال مالك: وإني لأذكر بهذه قول المرجئة: إن الصلاة ليست من الإيمان"5.
1 ترتيب المدارك 2/47.
2 هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي الأموي مولاهم المكي، قال عنه الذهبي:"الإمام الحافظ فقيه الحرم أبو الوليد". مات سنة 150هـ، تذكرة الحفاظ 1/169. وانظر ترجمته في تاريخ بغداد 10/400.
3 الانتقاء ص34.
4 الحلية 6/327.
5 الانتقاء ص34.
"د" قوله في الصحابة:
أخرج أبو نعيم، عن عبد الله العنبري 1 قال:"قال مالك بن أنس: من تنقَّص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين. ثم تلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} "سورة الحشر:10".
فمن تنقصهم، أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له في الفيء حق" 2.
2-
وأخرج أبو نعيم، عن رجل من ولد الزبير 3 قال:"كنا عند مالك، فذكروا رجلا يتنقَّص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك هذه الآية {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ} ـ جتى بلغ ـ {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} "سورة الفتح: الآية29".
فقال مالك: من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية" 4.
3-
وأورد القاضي عياض، عن أشهب بن عبد العزيز قال: "كنا
1 هو عبد الله بن سُوار بن عبد الله العنبري البصري القاضي، قال عنه ابن حجر:"ثقة مات سنة 228هـ"، وقيل غير ذلك. تقريب التهذيب 1/421؛ وتهذيب التهذيب 5/248.
2 الحلية 6/327.
3 الذي تتلمذ على مالك وسمع منه من ولد الزبير بن العوام هو عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام. وقد تقدم التعريف به ومصعب بن عبد الله بن مصعب وسيأتي التعريف به.
4 الحلية 6/327.
عند مالك إذ وقف عليه رجل من العلَويين، وكانوا يقبلون على مجلسه فناداه: يا أبا عبد الله، فأشرف له مالك، ولم يكن إذا ناداه أحد يجيبه أكثر من أن يشرف برأسه فقال له الطالبي: إني أريد أن أجعلك حجة فيما بيني وبين الله، إذا قدمت عليه فسألني، قلت له: مالك قال لي.
فقال له: قل.
فقال: من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: أبو بكر، قال العلوي: ثم من؟ قال مالك: ثم عمر. قال العلوي: ثم من؟ قال: الخليفة المقتول ظلما، عثمان، قال العلوي: والله لا أجالسك أبدا. قال له مالك: فالخيار إليك" 1.
"هـ" نهيه عن الكلام والخصومات في الدين.
أخرج ابن عبد البر، عن مصعب بن عبد الله الزبيري 2 قال:"كان مالك بن أنس يقول: الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك، ولا يحب الكلام إلا فيما تحته عمل. فأما الكلام في دين الله، وفي الله عز وجل، فالسكوت أحب إليّ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين، إلا فيما تحته عمل"3.
1 ترتيب المدارك.2/44-45
2 هو مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي المدني نزيل بغداد، قال عنه ابن حجر:"صدوق عالم بالنسب مات سنة 236هـ". تقريب التهذيب 2/252. وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 10/162.
3 جامع بيان العلم وفضله ص415. ط دار الكتب الإسلامية.
2-
وأخرج أبو نعيم، عن عبد الله بن نافع قال:"سمعت مالكا يقول: لو أن رجلا ارتكب الكبائر كلها بعد ألَاّ يشرك بالله، ثم تخلى من هذه الأهواء والبدع ـ وذكر كلاما ـ دخل الجنة"1.
3-
وأخرج الهروي، عن إسحاق بن عيسى 2 قال:"قال مالك: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب غريب الحديث كُذِّب"3.
4-
وأخرج الخطيب، عن إسحاق بن عيسى قال:"سمعت مالك بن أنس يعيب الجدال في الدين، ويقول: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل؛ أرادنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم "4.
5-
وأخرج الهروي، عن عبد الرحمن بن مهدي قال:"دخلت على مالك وعنده رجل يسأله، فقال: لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد لعن الله عمرو بن عبيد، فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام، ولو كان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون، كما تكلموا في الأحكام والشرائع"5.
6-
وأخرج الهروي، عن أشهب بن عبد العزيز قال:"سمعت مالكا يقول: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله، وصفاته، وكلامه، وعلمه، وقدرته، ولايسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان"6.
1 الحلية 6/325.
2 هو إسحاق بن عيسى بن نجيح البغدادي، قال عنه ابن حجر:"صدوق مات 214هـ". تقريب التهذيب 1/60. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 1/245.
3 ذم الكلام "ق173-أ".
4 شرف أصحاب الحديث ص5.
5 ذم الكلام "ق173-ب".
6 ذم الكلام "ق173-أ".
7-
وأخرج أبونعيم، عن الشافعي قال:"كان مالك بن أنس إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما إني على بينة من ربي وديني، وأما أنت فشاكٌّ، فاذهب إلى شاكٍّ فخاصمه"1.
8-
روى ابن عبد البر، عن محمد بن أحمد بن خويزِ منداد المصري المالكي، قال في كتاب الإجارات من كتابه الخلاف: قال مالك: لا تجوز الإجارات في شيء من كتب الأهواء والبدع والتنجيم وذكر كتبا، ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم، وتفسخ الإجارة في ذلك" 2.
ثانيا ـ الإمام الشافعي
"أ" قوله في التوحيد:
1-
أخرج البيهقي، عن الربيع بن سليمان قال:"قال الشافعي: من حلف بالله، أو باسم من أسمائه، فحنث؛ فعليه الكفارة. ومن حلف بشيء غير الله، مثل أن يقول الرجل: والكعبة، وأبي، وكذا وكذا ما كان، فحنث؛ فلا كفارة عليه. ومثل ذلك قوله: لعمري.. لا كفارة عليه. ويمين بغير الله فهي مكروهة، منهي عنها من قبل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت" 3
…
" 4.
1 الحلية 6/324.
2 جامع بيان العلم وفضله ص416 417، دار الكتب الإسلامية.
3 أخرجه البخاري: كتاب الأيمان والنذور باب لا تحلفوا بآبائكم 11/530، ومسلم: كتاب الإيمان باب النهي عن الحلف بغير الله 3/1266 ح1646.
4 مناقب الشافعي 1/405.
وعلَّل الشافعي ذلك بأن أسماء الله غير مخلوقة؛ فمن حلف باسم الله، فحنث؛ فعليه الكفارة 1.
2-
وأورد ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية، عن الشافعي أنه قال:"القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها، أهل الحديث الذين رأيتهم، وأخذت عنهم مثل سفيان، ومالك، وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء"2.
3-
وأورد الذهبي عن المزني قال: "قلت إن كان أحد يخرج ما في ضميري، وما تعلَّق بخاطري من أمر التوحيد؛ فالشافعي، فصرت إليه وهو في مسجد مصر، فلما جثوت بين يديه، قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أن أحدا لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟ فغضب ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم. قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون، أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا، قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: أتدري كم نجما في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله،
1 رواه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ص193، وأبو نعيم في الحلية 9/112، 113، والبيهقي في السنن الكبرى 10/28، وفي الأسماء والصفات ص255، 256، وذكره البغوي في شرح السنة 1/188، وانظر العلو ص121، ومختصره ص77.
2 اجتماع الجيوش الإسلامية ص165، إثبات صفة العلو ص124، وانظر مجموع الفتاوى 4/181-183؛ والعلو للذهبي ص120، ومختصره للألباني ص176.
ممَّ خلق؟ قلت: لَا، قال: فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه؟ ثم سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها، ففرَّعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منه، فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات؛ تدع علمه وتتكلف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك. فارجع إلى قول الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} "سورة البقرة: الآيتان 163-164".
فاستدل بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلف على ما لم يبلغه عقلك" 1.
4-
وأخرج ابن عبد البر، عن يونس بن عبد الأعلى 2، قال:"سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى، أو الشيء غير الشيء، فاشهد عليه بالزندقة"3.
5-
وقال الشافعي في كتابه الرسالة: "والحمد لله
…
الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه" 4.
6-
وأورد الذهبي في السير عن الشافعي أنه قال: "نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن، ووردت بها السنة، وننفي التشبيه عنه، كما نفى عن نفسه، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} "سورة الشورى: الآية11" 5.
1 سير أعلام النبلاء 10/31.
2 هو يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصدفي المصري قال عنه ابن حجر: "ثقة من صغار العاشرة مات سنة 264هـ"؛ تقريب التهذيب 2/385، وانظر ترجمته في شذرات الذهب 2/149؛ وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص28.
3 الانتقاء ص79؛ ومجموع الفتاوى 6/187.
4 الرسالة ص7، 8..
5 السير 20/341.
7-
وأخرج ابن عبد البر عن الربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل {كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} "سورة المطففين: الآية15".
أعلمنا الله أن ثم قوما غير محجوبين، ينظرون إليه، لا يضامون في رؤيته" 1.
8-
وأخرج اللالكائي، عن الربيع بن سليمان قال:"حضرت محمد بن إدريس الشافعي، جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قوله تعالى: {كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ، قال الشافعي: "فلما حجبوا هؤلاء في السخط، كان هذا دليلا على أنه يرونه في الرضا. قال الربيع: قلت يا أبا عبد الله وبه تقول؟ قال: نعم به أدين الله" 2.
9-
وأخرج ابن عبد البر، عن الجارودي 3 قال: "ذُكر عند الشافعي، إبراهيم بن إسماعيل بن عليَّة 4 فقال: أنا مخالف له في كل شيء، وفي قول لا إله إلا الله، لست أقول كما يقول. أنا أقول لا إله إلا الله الذي كلم موسى عليه السلام تكليما من وراء حجاب، وذاك يقول
1 الانتقاء ص79.
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/506.
3 لعله موسى بن أبي الجارود قال عنه النووي: "أحد أصحاب الشافعي والآخذين عنه والرواة عنه"، وقال ابن هبة الله:"كان يفتي بمكة على مذهب الشافعي ولا يعلم تاريخ وفاته". تهذيب الأسماء واللغات 2/120؛ وطبقات الشافعي لابن هداية الله ص129.
4 هو إبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيَّة قال عنه الذهبي: "جهمي هالك كان يناظر ويقول بخلق القرآن مات سنة 218هـ"؛ ميزان الاعتدال 1/20، وانظر ترجمته في لسان الميزان 1/34، 35.
لا إله إلا الله الذي خلق كلاما أسمعه موسى من وراء حجاب" 1.
10-
وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان، قال الشافعي:"من قال القرآن مخلوق؛ فهو كافر"2.
11-
وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبيري قال: "قال رجل للشافعي، أخبرني عن القرآن خالق هو؟ قال الشافعي: اللهم لا، قال: فمخلوق؟ قال الشافعي: اللهم لا، قال: فغير مخلوق: قال الشافعي: اللهم نعم، قال: فما الدليل على أنه غير مخلوق؟ فرفع الشافعي رأسه وقال: تقر بأن القرآن كلام الله؟ قال: نعم. قال الشافعي: سبقت في هذه الكلمة، قال الله تعالى ذكره: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} "سورة التوبة: الآية6".
{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} .
قال الشافعي: فتقر بأن الله كان، وكان كلامه؟ أو كان الله، ولم يكن كلامه؟ فقال الرجل: بل كان الله، وكان كلامه قال: فتبسم الشافعي وقال: يا كوفيون إنكم لتأتوني بعظيم من القول إذا كنتم تقرّون بأن الله كان قبل القبل، وكان كلامه. فمن أين لكم الكلام: إن الكلام اللهُ، أو سوى اللهِ، أو غير اللهِ، أو دون الله؟ قال: فسكت الرجل وخرج" 3.
12-
وفي جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي ـ من رواية أبي طالب العشاري 4 ـ ما نصه قال: وقد سئل عن صفات الله عز وجل، وما ينبغي
1 الانتقاء ص79، والقصة ذكرها الحافظ عن مناقب الشافعي للبيهقي، اللسان 1/35.
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/252.
3 مناقب الشافعي 1/407، 408.
4 هو محمد بن علي العشاري شيخ صدوق معروف وقد تفرد برواية هذا الجزء =
أن يؤمن به؛ فقال: "لله تبارك وتعالى أسماء وصفات، جاء بها كتابه وخبَّر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته، لا يسع 1 أحدا من خلق الله عز وجل قامت لديه 1 الحجة أن القرآن نزل به، وصحَّ عنده 2 قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه، العدلَ خلافه 3، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجّة عليه؛ فهو كافر بالله 4 عز وجل. فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر؛ فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالدراية 5 والفكر. ونحو ذلك إخبار الله عز وجل أنه سميع وأن له يدين بقوله عز وجل:
{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} "سورة المائدة: الآية64".
وأن له يمينا بقوله عز وجل: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} "سورة الزمر: الآية67".
وأن له وجها بقوله عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} "سورة القصص: الآية88".
1 في الطبقات: "لا يسمع".
1 في الطبقات: "عليه".
2 في الطبقات: "عنه بقوله".
3 في الطبقات: سقطت كلمة "خلافه".
4 في الطبقات: "فهو بالله كافر".
5 في الطبقات: "ولا بالرواية".
وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} "سورة الرحمن: الآية27"..
وأن له قدما بقوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يضع الرب عز وجل فيها قدمه"1.
يعني جهنم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله عز وجل أنه: "لقي الله عز وجل وهو يضحك إليه " 2، وأنه يهبط كل ليلة إلى السماء الدنيا، بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأنه ليس بأعور لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الدجال فقال:"إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور " 3، وأن المؤمنين يرون ربهم عز وجل يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر، وأن له أصبعا بقوله صلى الله عليه وسلم:"ما من قلب إلا هو بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل "4.
1 أخرجه البخاري كتاب التفسير باب: "وتقول هل من مزيد" 8/594 ح4848، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء 4/2187 ح2848 كلاهما من طريق قتادة عن أنس بن مالك.
2 أخرجه البخاري: كتاب الجهاد باب الكافر يقتل المسلم 6/39 ح2826 ومسلم كتاب الإمارة باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة 3/1504 ح1890 كلاهما من طريق الأعرج عن أبي هريرة.
3 أخرجه البخاري: كتاب الفتن باب ذكر الدجال 13/91 ح7131، ومسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة باب ذكر الدجال وصفته 4/2248 ح2933 كلاهما من طريق قتادة عن أنس بن مالك.
4 أخرجه بنحو هذا اللفظ أحمد في المسند 4/182 وابن ماجه في المقدمة باب: فيما أنكرت الجهمية 1/72 ح199 والحاكم في المستدرك 1/525، والآجري في الشريعة ص317، وابن مندة في الرد على الجهمية ص87 جميعهم من حديث النواس بن سمعان، قال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في التلخيص، وقال عنه ابن مندة:"حديث النواس بن سمعان حديث ثابت رواه الأئمة المشاهير ممن لا يمكن الطعن على واحد منهم".
وإن 1 هذه المعاني التي وصف الله عز وجل بها نفسه، ووصفه بها رسول صلى الله عليه وسلم لا تُدرَك 2 حقيقتها 3 تلك بالفكر والدراية 4، ولا يكفر بجهلها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه به، وإن 5 كان الوارد بذلك خبرا يقوم في الفهم مقام المشهادة في السَّماع؛ "وجبت الدينونة" 6 على سامعه بحقيقته والشهادة عليه، كما عاين وسمع وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن نثبت 7 هذه الصفات، وننفي 8 التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} "سورة الشورى: الآية11"
…
" 9 آخر الاعتقاد.
"ب" قوله في القدر:
1-
أخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان، قال: سئل الشافعي عن القدر، فقال:
ما شئتَ كان وإن لم أشأ
…
وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت
…
ففي العلم يجري الفتى والمسنُ
1 في الطبقات: "فإن".
2 في الطبقات: "مما لا يدرك".
3 في الطبقات: "حقيقته".
4 في الطبقات: "والروية".
5 في الطبقات: "فإن كان".
6 ما بين القوسين مثبت من الطبقات.
7 في الطبقات: "يثبت".
8 في الطبقات: "وينفى".
9 نقل هذا الاعتقاد من نسخة مصورة من أصل خطي محفوظ في المكتبة المركزية بجامعة ليدن بهولندا.
على ذا مننت وذا خذلت
…
وهذا أعنت وذا لم تعن
فمنهم شقيّ ومنهم سعيد
…
ومنهم قبيحٌ ومنهم حسن 1
2-
أورد البيهقي في مناقب الشافعي أن الشافعي، قال:"إن مشيئة العباد هي إلى الله تعالى، ولا يشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين، فإن الناس لم يخلقوا أعمالهم، وهي خلق من خلق الله تعالى، أفعال العباد وإن القدر خيره وشرَّه من الله عز وجل، وإن عذاب القبر حقٌّ، ومساءلة أهل القبور حقٌّ، والبعث حقٌّ، والحساب حق والجنَّة والنار حق، وغير ذلك مما جاءت به السنن"2.
3-
وأخرج اللالكائي، عن المزني، قال:"قال الشافعي: تدري ما القدري؟ الذي يقول: إن الله لم يخلق الشيء حتى عمل به"3.
4-
وأورد البيهقي، عن الشافعي حيث قال:"القدرية الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم مجوس هذه الأمة" 4، الذين يقولون إن الله لا يعلم المعاصي حتى تكون"5.
5-
وأخرج البيهقي، عن الربيع بن سليمان عن الشافعي أنه كان يكره الصلاة خلف القدري 6.
1 مناقب الشافعي 1/412، 413؛ شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/702.
2 مناقب الشافعي 1/415.
3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/701.
4 أخرجه أبو داود: كتاب السنة باب في القدر 5/66 ح4691، والحاكم في المستدرك 1/85 كلاهما من طريق أبي حازم عن ابن عمر، قال الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر ولم يخرجاه" وأقره الذهبي.
5 مناقب الشافعي1/413.
6 مناقب الشافعي 1/413.
"ج" قوله في الإيمان:
1-
أخرج ابن عبد البر، عن الربيع، قال:"سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل واعتقاد بالقلب، ألا ترى قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} "سورة البقرة: الآية143".
يعني صلاتكم إلى بيت المقدس؛ فسمى الصلاة إيمانا وهي قول وعمل وعقد" 1.
2-
وأخرج البيهقي، عن الربيع بن سليمان، قال:"سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص"2.
3-
وأخرج البيهقي، عن أبي محمد الزبيري قال: "قال رجل للشافعي: أي ُّ الأعمال عند الله أفضل؟ قال الشافعي: ما لا يقبل عملا إلا به قال: وما ذاك؟ قال: الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو، أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حظا، قال الرجل: ألا تخبرني عن الإيمان: قول وعمل، أو قول بلا عمل؟ قال الشافعي: الإيمان عمل لله، والقول بعض ذلك العمل، قال الرجل: صف لي ذلك حتى أفهمه. قال: الشافعي: إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات، فمنها التام، المنتهي تمامه، والناقص البين نقصانه، والراجح الزائدة رجحانه؛ قال الرجل: وإن الإيمان لا يتم وينقص ويزيد؟ قال الشافعي: نعم، قال: وما الدليل على ذلك؟ قال الشافعي: إن الله جل ذكره فرض الإيمان على جوارح بني آدم، فقسَّمه فيها، وفرَّقه عليها، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وُكِّلت به أختها لفرض من الله تعالى:
1 الانتقاء ص81.
2 مناقب الشافعي 1/387-393.
فمنها: قلبه الذي يعقل به، ويفقه ويعلم، وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره.
ومنها: عيناه اللتان ينظر بهما، وأذناه اللتان يسمع بهما، ويداه اللتان يبطش بهما، ورجلاه اللتان يمشي بهما، وفرجه الذي الباه من قِبَله، ولسانه الذي ينطق به، ورأسه الذي فيه وجهه.
فرض على القلب غير ما فرض على اللسان، وفرض على السمع غير ما فرض على العينين، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه.
فأما فرض الله على القلب من الإيمان: فالإقرار، والمعرفة، والعقد، والرضا، والتسليم بأن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند الله من نبيٍّ أو كتاب فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على الخلق وهو عمله:
{إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} "سورة النحل: الآية106".
وقال: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} "سورة الرعد: الآية28".
وقال: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} "سورة المائدة: الآية41.
وقال: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} "سورة البقرة: الآية284".
فذلك ما فرض الله على القلب من الإيمان، وهو عمله، وهو رأس الإيمان.
"وفرض الله على اللسان": القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقر به، فقال في ذلك:{قُولُوا آمَنَّا} .
وقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا} "سورة البقرة: الآية83".
فذلك ما فرض الله على اللسان من القول، والتعبير عن القلب، وهو عمله، والفرض عليه من الإيمان.
"وفرض الله على السمع": أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله، وأن يغض عما نهى الله عنه، فقال في ذلك:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} "سورة النساء: الآية140".
ثم استثتنى موضع النسيان، فقال جل وعز:{إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ} "سورة الأنعام: الآية68". أي: فقعدت معهم {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} "سورة الأنعام: الآية68".
وقال: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} "سورة الزمر: الآيتان17-18".
وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} "سورة المؤمنون: الآيتان1، 2"
إلى قوله: {لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} "سورة المؤمنون: الآيات من1-4".
وقال: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} "سورة القصص: الآية55".
وقال: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} "سورة الفرقان: الآية72".
فذلك ما فرض الله جل ذكره، على السمع من التنزيه عما لا يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان.
"وفرض على العينين": ألا ينظر بهما إلى ما حرم الله، وأن يغضهما عما نهاه عنه، فقال تبارك وتعالى في ذلك:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} "سورة النور: من الآية30".
نهى في الآيتين: أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه.
وقال: كل شيء من حفظ الفرج، في كتاب الله، فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر.
فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر، وهو عملهما، وهو من الإيمان.
ثم أخبر عما فرض على القلب والسمع والبصر، في آية واحدة، فقال سبحانه وتعالى، في ذلك:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} "سورة الإسراء:36".
قال: يعني وفرض على الفرج: أن لا يهتكه بما حرم الله عليه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} "سورة المؤمنون: الآبة5".
وقال: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} "سورة فصلت: الآية22".
يعني بالجلود: الفروج والأفخاذ، فذلك ما فرض الله على الفروج من حفظها عما لا يحل له، هو عملها.
"وفرض على اليدين": ألا يبطش بها "إلى ما حرم الله تعالى، وأن
يبطش بهما" إلى ما أمر الله من الصدقة وصلة الرحم، والجهاد في سبيل الله، والطهور للصلوات، فقال في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ
…
} "سورة المائدة: الآية6" إلى آخر الآية.
وقال: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} "سورة محمد: الآية4".
لأن الضرب، والحرب، وصلة الرحم، والصدقة من علاجها.
"وفرض على الرجلين": ألا يُمشى بهما إلى ما حرم الله، جلَّ ذكره، فقال في ذلك:{وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} "سورة لقمان: الآية18".
"وفرض على الوجه": السجود لله بالليل والنهار، ومواقيت الصلاة، فقال في ذلك:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} "سورة الحج: الآية77".
وقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} "سورة الجن:18".
يعني بالمساجد: ما يسجد عليه ابن آدم في صلاته، من الجبهة وغيرها.
قال: فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح.
وسمَّى الطهور والصلوات إيمانا في كتابه، وذلك حين صرف الله تعالى، وجه نبيه صلى الله عليه وسلم من الصلاة إلى بيت المقدس، وأمره بالصلاة إلى الكعبة. وكان المسلمون قد صلوا إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، فقالوا: يا رسول الله، أرأيت صلاتنا كنا نصليها إلى بيت المقدس، ما حالها وحالنا؟
فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} "سورة البقرة: الآية143".
فسمى الصلاة إيمانا، فمن لقي الله حافظا لصلواته، حافظا لجوارحه، مؤديا بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليه ـ لقي الله مستكمل الإيمان من أهل الجنة، ومن كان لشيء منها تاركا متعمدا مما أمر الله ـ لقي الله ناقص الإيمان. قال: وقد عرفت نقصانه وإتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟
قال الشافعي: قال الله، جل ذكره:{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} "سورة التوبة: الآيتان 124-125".
وقال: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} "سورة الكهف: الآية13".
قال الشافعي: "ولو كان هذا الإيمان كله واحدا لا نقصان فيه ولا زيادة ـ لم يكن لأحد فيه فضل، واستوى الناس، وبطل التفضيل ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله "في الجنة"، وبالنقصان من الإيمان دخل المفرطون النار".
قال الشافعي: "إن الله، جلّ وعزّ، سابق بين عباده كما سوبق بين الخيل يوم الرهان، ثم إنهم على درجاتهم من سبق عليه، فجعل كل امرئ على درجة سبقه، لا ينقصه فيها حقه، ولا يقدّم مسبوق على سابق، ولا مفضول على فاضل. وبذلك فُضل أول هذه الأمة على آخرها. ولو
لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه للحق آخر هذه الأمة بأولها" 1.
"د" قوله في الصحابة:
1-
أورد البيهقي عن الشافعي أنه قال: "أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن، والتوراة، والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله، هنّأهم بما أتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصدّيقين، والشهداء والصالحين، فهم أدّوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاما وخاصا وعزما وإرشادا، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به وآراؤهم لنا أحمد وأولى من آرائنا عندنا لأنفسنا، والله أعلم"
2-
وأخرج البيهقي، عن الربيع بن سليمان قال:"سمعت الشافعي يقول في التفضيل: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي"2.
3-
وأخرج البيهقي، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم3 قال:"سمعت الشافعي يقول: أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم"4.
1 مناقب الشافعي 1/387-393.
2 مناقب الشافعي 1/442.
3 مناقب الشافعي 1/432.
4 هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري أبو عبد الله قال عنه الشيرازي: صحب الشافعي وتفقه به وحمل في المحنة إلى بغداد إلى ابن أبي دؤاد ولم يجب إلى ما طلب منه ورُدّ إلى مصر..مات في سنة اثنتين وستّين =
4-
وأخرج الهروي، عن يوسف بن يحيى البويطي قال:"سألت الشافعي أأصلي خلف الرافضي؟ قال: لا تصل خلف الرافضي ولا القدري ولا المرجئ، قلت: صفهم لنا، قال: من قال: الإيمان قول فهو مرجئ، ومن قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه فهو قدري"1.
"هـ" نهيه عن الكلام والخصومات في الدين:
1-
أخرج الهروي، عن الربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي يقول:
…
لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر، وكان فيها كتب الكلام، لم تدخل في الوصية لأنه ليس من العلم" 2.
2-
وأخرج الهروي، عن الحسن الزعفراني قال:"سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرة، وأنا أستغفر الله من ذلك"3.
3-
وأخرج الهروي، عن الربيع بن سليمان قال:"قال الشافعي: لو أردت أن أضع على مخالف كتابا كبيرا لفعلت، ولكن ليس الكلام من شأني، ولا أحب أن ينسب إليّ منه شيء"4.
وأخرج ابن بطة، عن أبي ثور قال:"قال لي الشافعي: ما رأيت أحدا ارتدى شيئا من الكلام فأفلح"5.
= ومائتين. طبقات الفقهاء ص99، وانظر ترجمته في طبقات الشافعية لابن هداية الله ص30؛ وشذرات الذهب 2/154.
1 مناقب الشافعي 1/433.
2 ذم الكلام "ق-215"، وأورده الذهبي في السير 10/31.
3 ذم الكلام "ق-213"، وأورده الذهبي في السير 10/30.
4 ذم الكلام "ق-213"، وأورده الذهبي في السير 10/30.
5 ذم الكلام "ق-215".
5 -
وأخرج الهروي، عن يونس المصري قال:"قال الشافعي: لأن يبتلي الله المرء بما نهى عنه خلا الشرك بالله، خير من أن يبتليه بالكلام"1.
ثالثا ـ الإمام أحمد بن حنبل
"أ" قوله في التوحيد:
1-
جاء في طبقات الحنابلة 1/416: "إن الإمام أحمد سئل عن التوكل، فقال: قطع الاستشراف بالإياس من الخلق".
2-
وجاء في كتاب المحنة لحنبل ص68 أن الإمام أحمد قال: "لم يزل الله عز وجل متكلما، والقرآن كلام الله عز وجل، غير مخلوق، وعلى كل جهة، ولا يوصف الله بشيء أكثر مما وصف به نفسه، عز وجل ".
3-
وأورد ابن أبي يعلى، عن أبي بكر المروذي قال:"سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي ترددها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش فصححها، وقال: تلقتها الأمة بالقبول وتمر الأخبار كما جاءت"2.
4-
قال عبد الله بن أحمد في كتاب السنة: إن أحمد قال: "من زعم أن الله لا يتكلم فهو كافر، إلا أننا نروي هذه الأحاديث كما جاءت"3.
1 الإبانة الكبرى ص535، 536.
2 مناقب الشافعي لابن أبي حاتم ص182.
3 طبقات الحنابلة 1/56.
5-
وأخرج اللالكائي، عن حنبل 1 أنه سأل الإمام أحمد عن الرؤية فقال:"أحاديث صحاح، نؤمن بها، ونقر، وكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جيدة نؤمن به ونقر"2.
6-
وأورد ابن الجوزي في المناقب كتاب أحمد بن حنل لمسدد 3 وفيه: "صِفوا الله بما وصف به نفسه، وانفُوا عن الله ما نفاه عن نفسه
…
" 4.
7-
جاء في كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد قوله: "وزعم ـ جهم بن صفوان ـ أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه، أو حدّث عنه رسوله كان كافرا وكان من المشبهة"5.
8-
وأورد ابن تيمية في الدرء قول الإمام أحمد: "نحن نؤمن بأن الله على العرش، كيف شاء، وكما شاء، بلا حد، ولا صفة يبلغها واصف، أو يحده أحد؛ فصفات الله منه وله، وهو كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار"6.
1 السنة ص71 "ط/ دار الكتب العلمية".
2 هو حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد أبو علي الشيباني وهو ابن عم أحمد بن حنبل، قال عنه الخطيب:"ثقة ثبت". مات سنة 273هـ، تاريخ بغداد 8/286، 287.
وانظر ترجمته في طبقات الحنابلة 1/143.
3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/507.
4 هو مسدد بن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري، قال عنه الذهبي:"الإمام الحافظ الحجة". مات سنة 228هـ، سير أعلام النبلاء 10/591. وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 10/107.
5 مناقب الإمام أحمد ص221.
6 درء تعارض العقل والنقل 2/30.
9-
وأورد ابن أبي يعلى، عن أحمد، أنه قال:"من زعم أن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر مكذب بالقرآن"1.
10-
وأورد ابن أبي يعلى، عن عبد الله بن أحمد، قال:"سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلم الله موسى، لم يتكلم بصوت فقال أبي: تكلم الله بصوت، وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت"2.
11-
وأخرج اللالكائي عن عبدوس بن مالك العطار، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: "
…
والقرآن كلام الله، وليس بمخلوق، ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوق؛ فإن كلام الله منه، وليس منه شيء مخلوق" 3.
"ب" قوله في القدر:
1-
أورد ابن الجوزي في المناقب، كتاب أحمد بن حنبل لمسدد، وفيه:"ويؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومرّه من الله"4.
2-
وأخرج الخلال، عن أبي بكر المروذي، قال:"سئل أبو عبد الله فقال: الخير والشر مقدر على العباد؟ فقيل له: الله خلق الخير والشر، قال: نعم الله قدره"5.
1 طبقات الحنابلة 1/59، 145.
2 طبقات الحنابلة 1/185.
3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/157.
4 مناقب الإمام أحمد ص169، 172، ط/ دار الآفاق الجديدة.
5 السنة للخلال "ق-85".
3-
وجاء في كتاب السنة للإمام أحمد، قوله:"والقدر خيره وشره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه ومره، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوله وآخره من الله قضاء قضاه على عباده، وقدر قدره، ولا يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل، ولا يجاوز قضاءه"1.
4-
وأخرج الخلال، عن محمد بن أبي هارون، عن أبي الحارث قال:"سمعت أبا عبد الله يقول: فالله عز وجل قدر الطاعة والمعاصي، وقدر الخير والشر، ومن كتب سعيدا فهو سعيد، ومن كتب شقيا فهو شقي"2.
5-
قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي، وسأله علي بن جهم عمن قال بالقدر يكون كافرا؟ قال:"إذا جحد العلم، إذا قال: إن الله لم يكن عالما حتى خلق علما، فعلم، فجحد علم الله فهو كافر"3.
6-
قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي مرة أخرى عن الصلاة خلف القدري، فقال: إن كان يخاصم فيه، ويدعو إليه فلا تصل خلفه"4.
"ج" قوله في الإيمان:
1-
أورد ابن أبي يعلى عن أحمد، قال:"من أفضل خصال الإيمان؛ الحب في الله والبغض في الله"5.
2-
وأورده ابن الجوزي، عن أحمد، قال: "الإيمان يزيد وينقص،
1 السنة ص68.
2 السنة للخلال "ق-85".
3 السنة لعبد الله بن أحمد ص119.
4 السنة ص1/384.
5 طبقات الحنابلة 2/275.
كما جاء في الخبر: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" 1
…
" 2.
3-
وأخرج الخلال، عن سليمان بن أشعث 3، قال:"إن أبا عبد الله قال: الصلاة والزكاة والحج والبر من الإيمان، والمعاصي تنقص الإيمان"4.
4-
قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن رجل يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ولكن لا يستثني أمرجئ؟ قال: أرجو ألا يكون مرجئا. سمعت أبي يقول: الحجة على من لا يستنثني؛ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل القبور: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون "5
…
" 6.
5-
قال عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي رحمه الله، سئل عن الإرجاء، فقال: نحن نقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، إذا زنى، وشرب الخمر، نقص إيمانه"
1 أخرجه أحمد في المسند 2/250 وأبو داود في كتاب السنة باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه 5/60 ح4682، والترمذي في الرضاع باب ما جاء في حق المرأة على زوجها 3/457 ح1162 جميعهم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال عنه الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح".
2 مناقب الإمام أحمد ص173، وانظر أيضا ص153، 168.
3 هو أبو داود سليمان بن أشعث بن إسحاق السجستاني صاحب السنن قال عنه الذهبي: "الإمام الثبت سيد الحفاظ" مات سنة 275هـ، تذكرة الحفاظ 2/591، وانظر ترجمته في تاريخ بغداد 9/55.
4 السنة للخلال "ق-96".
5 أخرج مسلم: كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها 2/669 ح974 من طريق عطاء عن عائشة رضي الله عنها.
6 السنة لعبد الله 1/307، 308، ط/ المحققة.
"د" قوله في الصحابة:
1-
جاء في كتاب السنة للإمام أحمد ما يأتي: "ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين، والكف عن ذكر مساوئهم والخلاف الذي شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدا منهم فهو مبتدع، رافضي خبيث، مجاف، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة". ثم قال: "ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأربعة خير الناس، ولا يجوز أن يذكر شيئا من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه"1.
2-
أورد ابن الجوزي رسالة أحمد إلى مسدد وفيها: "وأن تشهد للعشرة أنهم في الجنة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ومن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم شهدنا له بالجنة"2.
3-
قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن الأئمة فقال: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي"3.
4-
وقال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن قوم يقولون: إن عليا ليس بخليفة، قال هذا قول سوء رديء "4.
1 كتاب السنة للإمام أحمد ص77/78.
2 مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص170، ط/ دار الآفاق الجديدة.
3 السنة ص235.
4 السنة ص235.
5-
وأورد ابن الجوزي عن أحمد، قال:"من لم يثبت الخلافة لعلي، فهو أضل من حمار أهله"1.
6-
وأورد ابن أبي يعلى عن أحمد، قال:"من لم يربّع علي بن أبي طالب الخلافة؛ فلا تكلموه، ولا تناكحوه"2.
"هـ" نهيه عن الكلام والخصومات في الدين:
1-
أخرج ابن بطة عن أبي بكر المروذي، قال:"سمعت أبا عبد الله يقول: من تعاطى علم الكلام لم يفلح، ومن تعاطى الكلام لم يخل أن يتجهم"3.
2-
وأورد ابن عبد البر في جامع بيان العلم عن أحمد، قال:"إنه لا يفلح صاحب الكلام أبدا ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دَغَل"4.
3-
وأخرج الهروي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال:"كتب أبي إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان 5: لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا، إلا ما كان في كتاب الله، أو في حديث"
1 مناقب الإمام أحمد ص163، ط/ دار الآفاق.
2 طبقات الحنابلة 1/54.
3 الإبانة 2/538.
4 جامع بيان العلم وفضله 2/95، ط/ دار الكتب العلمية.
5 هو أبو الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان التركي ثم البغدادي قال عنه الذهبي: "الوزير الكبير
…
وزر للمتوكل والمعتمد..وحظي عند المتوكل وكان سمحا جوادا"، وقال ابن أبي يعلى: "نقل عن إمامنا أشياء منها: سمعت أحمد، يقول: أنزه نفسي عن مال السلطان وليس بحرام" مات سنة 263هـ؛ وسير أعلام النبلاء 13/9؛ وطبقات الحنابلة 1/204.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود" 1.
4-
وأخرج ابن الجوزين عن موسى بن عبد الله الطرسوسي، قال:"سمعت أحمد بن حنبل، يقول: لا تجالسوا أهل الكلام وإن "ذبُّوا" عن السنة"2.
5-
وأخرج ابن بطة، عن أبي الحارث الصَّايغ، قال:"من أحب الكلام لم يخرج من قلبه، ولا ترى صاحب كلام يفلح"3.
6-
وأخرج ابن بطة عن عبيد الله بن حنبل، قال "حدثني أبي، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: عليكم بالسنة والحديث، وينفعكم الله به، وإياكم والخوض والجدال والمراء، فإنه لا يفلح من أحب الكلام، وكل من أحدث كلاما لم يكن آخر أمره إلا إلى بدعة، لأن الكلام لا يدعو إلى خير، ولا أحب الكلام ولا الخوض ولا الجدال، وعليكم بالسنن والآثار والفقه الذي تنتفعون به، ودعوا الجدال وكلام أهل الزيغ والمراء، أدركنا الناس ولا يعرفون هذا، ويجانبون أهل الكلام، وعاقبة الكلام لا تؤول إلى خير. أعاذنا الله وإياكم من الفتن وسلمنا وإياكم من كل هلكة"4.
7-
أورد ابن بطة في الإبانة عن أحمد، قال:"إذا رأيت الرجل يحب الكلام فاحذره"5.
1 ذم الكلام "ق-216-ب".
2 مناقب الإمام أحمد ص205.
3 الإبانة لابن بطة 2/539.
4 الإبانة لابن بطة 2/539.
5 الإبانة لابن بطة 2/540.
هذا اعتقاد الأئمة الأربعة ـ أبي حنيفة 1 ومالك والشافعي وأحمد ـ وهذا ما يدينون الله به، ما عدا مسألة الإيمان التي وقع فيها النزاع مع أبي حنيفة، وخالف السلف فيما ذهبوا إليه. وسيأتي تفصيله في مبحث الإيمان في الباب الثالث من هذه الرسالة إن شاء الله تعالى.
1 ستأتي أقوال مفصلة في مواضعها إن شاء الله تعالى وقد حرصت على تتبع أقواله في أصول الدين وتصنيفها وترتيبها وإتباعها بمذهب السلف ليتبين لكل مطلع ما قدمناه آنفا أن اعتقاد الأئمة الأربعة واحد في مسائل أصول الدين ما عدا مسألة الإيمان.