الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مدى التزام الحنفية بعقيدة الإمام أبي حنيفة في التوحيد
الفصل الثاني: مدى التزام الحنفية بعقيدة الإمام أبي حنيفة في التوحيد
انتسب إلى مذهب أبي حنيفة في القديم والحديث أناس كثيرون، منهم من وافقه في الأصول والفروع، ومن من وافقه في الفروع فحسب، وهم في الأصول على طريقة المتكلمين وهذا أمر اعترف به أحد علماء الحنفيّة فقد قال اللكنوي الحنفي ما نصه:
:"وتوضيحه أن الحنفية عبارة عن فرقة تقّلد الإمام أبا حنيفة في المسائل الفرعية
…
سواء وافقته في أصول العقائد أم خالفته، فإن وافقته يقال لها "الحنفية الكاملة" وإن لم توافقه يقال له "الحنفية" مع قيد، يوضّح مسلكه في العقائد الكلامية، فكم من حنفيٍ حنفيٌّ في الفروع معتزلي عقيدةً
…
وكم من حنفي حنفيٌّ فرعا مرجئ أو زيدي أصلا وبالجملة فالحنفية لها فروع باعتبار اختلاف العقيدة فمنهم الشيعة ومنهم المعتزلة ومنهم المرجئة
…
"1.
ثم بيّن النسبة بين الحنفية وبين أهل السنة فيذكر: أن النسبة بين الحنفية ـ بمعنى المتابعين له أصلا وفرعا ـ وبين أهل السنة عموما
1 الرفع والتكميل ص385 بتصرف، وأقره محقق الكتاب ص387.
وخصوصا، فكل حنفي بهذا المعنى من أهل السنة ولا عكس لأنه قد يكون من أهل السنة ولم يكن حنفيا كأهل السنة من المالكية والشافعية وغيرهم. فأهل السنة أعم مطلقا، والحنفية الكاملة أخص مطلقا، والنسبة بين أهل السنة وبين الحنفية ـ التابعة للإمام أبي حنيفة في الفروع بدون اشتراط موافقة العقيدة ـ عموم وخصوص من وجه، فمادة الافتراق من يكون حنفيا ولا يكون من أهل السنة ـ كالمرجئة الحنفية والمعتزلة الحنفية ـ أو يكون من أهل السنة وليس حنفيا أصلا كأهل السنة من الشافعية ونحوهم فهاتان المادتان مادتا الافتراق، أما مادة الاجتماع فمن يكون حنفيا فرعا وأصلا فهو من هل السنة أيضا.
والنسبة بين أهل السنة وبين الحنفية الناقصة ـ التابعة للإمام أبي حنيفة في الفروع فقط مع اختلاف في العقيدة نسبة تباين كلِّي كالحنفية المرجئة والحنفية المعتزلة ونحوهم ليسوا من أهل السنة" 1.
قلت: لقد ذكر العلامة عبد الحي اللكنوي في كلامه هذا خمس فرق تنتسب للحنفية وهي:
أولا – الحنفية الكاملة.
ثانيا – الحنفية من الشيعة.
ثالثا – الحنفية من الزيدية.
رابعا – الحنفية من المعتزلة.
خامسا – الحنفية من المرجئة.
وإليك بيان ذلك:
1 انظر الرفع والتكميل ص387. بتصرف
أولا ـ الحنفية الكاملة:
ويعني بها اللكنوي من وافق الإمام أبا حنيفة في الفروع وأصول العقيدة وهذه أسماء 1 طائفة 2 ممن انتسب 3 إلى أبي حنيفة ممن وافقه 4 في الاعتقاد سواء من تلامذته أو ممن جاء بعده وانتسب إلى مذهبه في الفروع.
1-
زفر بن الهديل 5 المتوفى سنة 158هـ:
كان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي، وقفت له على كلام
1 اكتفيت بذكر أسماء الموافقين لأبي حنيفة في الاعتقاد إلى القرن الرابع الهجري إذ في هذا القرن وبعده ظهر التقليد لأبي منصور الماتريدي وأبي الحسن الأشعري في الأصول ثم استحكمت أطنابه فيما بعد ذلك إذ مشى غالب الحنفية على عقيدة أبي منصور الماتريدي وذلك لانتشار علم الكلام في نواحي بلاد المسلمين في تلك الحقبة الزمنية وتغلب المتكلمين وتصدرهم في أماكن حسّاسة كالمدارس والقضاء والإفتاء والخطابة فزاحمت العقيدة الكلامية الماتريدية العقيدة السلفية التي عليها الإمام أبو حنيفة حتى أزالتها فلا يعرف حنفي إلا هو ماتريدي في الاعتقاد. هذا في الجملة وإلا فإنه يوجد فئات من الحنفية سلكت ما قرّره الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه كابن أبي العز الحنفي شارح عقيدة الإمام الطحاوي.
2 رتبوا على حسب الوفيات.
3 ليعلم أن نسبة هؤلاء لأبي حنيفة نسبة التلميذ إلى شيخه لا نسبة المقلد إلى من يقلّده إذ التقليد لأبي حنيفة في الفروع لم ينشأ إلا في القرن الرابع فما بعد كما ذكر ذلك شاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة 1/152-153.
4 الموافقة في الجملة إذ لا يمنع أن تكون هناك مخالفة مع الإمام في قضية من قضايا الاعتقاد، ثم لا يمكن في هذا المقام الإحاطة بجميع عقيدة كل رجل لذا سأذكر موقفا واحدا له إن وجد أو كلاما له بين منهجه في الاعتقاد في الجملة أو كلام غيره فيه.
5 تقدم التعريف به في ص88.
حسن في الاتباع وذك الرأي وهو قوله: "لا نأخذ بالرأي ما دام الأثر وإذا جاء الأثر تركنا الرأي"1.
2-
إبراهيم بن طهمان المتوفى سنة 163هـ2:
كان شديدا على الجهمية 3 حتى إنه أخر رحلته إلى الحج للردّ على الجهمية 4 وألف في الرد عليهم كتابا بعنوان "سنن ابن طهمان" المطبوع باسم مشيخة ابن طهمان وهو أول كتاب وصل إلينا في الرد على الجهمية 5، وذكره اللالكائي فيما أجمعوا على تكفير القائل بخلق القرآن 6، ورُمي بشيء من الإرجاء وذكر ابن حجر أنه رجع عنه 7. 3- القاسم بن معن المسعودي المتوفى سنة 175هـ 8:
روى له أصحاب السنن، وثقه أحمد وأبو حاتم وقال عنه أبوداود:"كان ثقة يذهب إلى شيء من الإرجاء"9.
وقال عنه ياقوت: "كان فقيها على رأي أبي حنيفة ولقيه
…
وكان عالما بالحديث والفقه والشعر والنسب وأيام الناس" 10.
1 الفوائد البهية ص76.
2 انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 1/131؛ وتاريخ بغداد 6/107؛ والجواهر المضية 1/86؛ والطبقات السنية 1/198-200.
3 الجواهر المضية 1/86؛ والطبقات السنية 1/198.
4 تاريخ بغداد 6/107.
5 انظر مقدمة محقق كتاب مشيخة ابن طهمان ص4606.
6 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/306.
7 تهذيب التهذيب 1/131.
8 انظر ترجمته في معجم الأدباء 17/6؛ والجواهر المضيئة 2/709؛ والفوائد البهية ص154.
9 الفوائد البهية ص154.
10 معجم الأدباء 17/6.
4-
يعقوب بن إبراهيم القاضي "أبو يوسف" المتوفى سنة 182هـ 1:
قرّر الطحاوي عقيدة أبي يوسف وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، أبي جعفر في الرسالة التي كتبها في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه، ومن جملة ما قرره اعتقادهم في الإيمان أنه إقرار باللسان وتصديق بالجنان 2 غير أن ابن حبان ذكر أنه يباين صاحبيه في الإيمان 3.
وذكره اللالكائي 4 فيمن أجمعوا على تكفير القائل بخلق القرآن وروى اللالكائي عن أبي يوسف: "من قال القرآن مخلوق فحرام كلامه وفرض مباينته" 5 وذكره اللالكائي فيمن منع الصلاة خلف القدرية 6.
وقال: "لا أصلي خلف جهمي ولا رافضي ولا قدري"7.
5-
يحيى بن زكريا بن أبي زائدة 8 المتوفى سنة 183هـ:
روى له الجماعة، وذكره اللالكائي فيمن أجمعوا على تكفير القائل
1 تقدم التعريف به ض93.
2 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص42.
3 الثقات 7/345.
4 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/277.
5 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/270.
6 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/730.
7 رواه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد 4/733.
8 انظر ترجمته في الجواهر المضية 3/185؛ والفوائد البهية 224.
بخلق القرآن1، وأقرّ قول مالك فيمن قال القرآن مخلوق بأنه كافر زنديق 2.
6-
محمد بن الحسن الشيباني 3 المتوفى سنة 189هـ:
قرر عقيدة محمد بن الحسن وأبي حنيفة وأبي يوسف، أبو جعفر الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه، وذكره اللالكائي فيمن أجمعوا على تكفير القائل بخلق القرآن 4 وكان لا يرى الصلاة خلف من قال القرآن مخلوق 5، ويأمر من صلى خلف من يقول: القرآن مخلوق، بالإعادة 6.
وروى اللالكائي 7 عن محمد بن الحسن أنه ذكر اتفاق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات الرب عز وجل.
8-
حفص بن غياث القاضي 8 المتوفى سنة 194هـ:
روى له الجماعة، وذكره البخاري في علماء الأمصار الذين يقولون: إن القرآن كلام الله 9، وكذا اللالكائي ذكره فيمن أجمعوا على تكفير
1 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/277.
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/249-250
3 تقدم التعريف به ص91.
4 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/277.
5 العلو ص113؛ ومختصر العلو ص158.
6 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/271؛ والعلو ص113.
7 تقدم تخريجه في ص657 من هذه الرسالة.
8 انظر ترجمته في الجواهر المضية 2/138-141؛ والطبقات 3/173، 177؛ والفوائد البهية ص68.
9 خلق أفعال العباد ص68-69.
القائل بخلق القرآن 1، فمن قال: القرآن مخلوق فهم عنده جهمية لا يناكحون ولا تجوز شهادتهم 2، روى عنه البخاري حديث الصوت في صحيحه 3.
9-
أبو سليمان موسى بن سليمان الجوزجاني 4 المتوفى سنة 200هـ:
روى اللالكائي عن القاسم بن أبي رجاء قال: "كنت عند أبي سليمان الجوزجاني وجاءه رجل فقال: مسألة بلوى فإن رجلين البارحة حلف أحدهما فقال: امرأتي طالق ثلاثا البتّة إن كان القرآن مخلوقا، وقال الآخر: امرأتي طالق ثلاثا إن لم يكن القرآن مخلوقا فقال: إن الذي حلف إن امرأته طالق إن لم يكن القرآن مخلوقا قد بانت منه امرأته"5.
وروى اللالكائي عن محمد بن عبد الله الظاهراني قال: "سمعت الجوزجاني ـ يعني موسى بن سليمان" وسأله رجل عن مسألة فأفتى ثم قال له: إن المريسي يقول بخلاف هذا فقال الجوزجاني لمن حضره: أعجب من هذا سألني عن مسألة فأجبته، ثم حكى لي عن كافر" 6.
10-
معلَّى بن منصور الرازي7 المتوفى سنة 211هـ:
روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه ووثقه ابن معين قال الذهبي
1 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/270.
2 خلق أفعال العباد ص28.
3 انظر فتح الباري 13/453؛ ولفظه: "يقول الله: يا آدم فيقول لبيك وسعديك فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار".
4 انظر ترجمته في الجواهر المضية 3/518؛ والفوائد البهية ص216.
5 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/271.
6 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/384.
7 انظر ترجمته في الجواهر المضية 3/493؛ والفوائد البهية ص215.
في الكاشف: "قال العجلي: هو ثقة نبيل صاحب سنة طلبوه غير مرة للقضاء فأبى وكان من كبار أصحاب أبي يوسف ومحمد"1.
وذكره اللالكائي فيمن كفر القائل بخلق القرآن 2.
11-
شداد بن حكيم القاضي 3 البلخي المتوفى سنة 212هـ:
ذكره اللالكائي فيمن أجمعوا على تكفير القائل بخلق القرآن 4.
12-
عبد الله بن دواد الخريبي5 المتوفى سنة 213هـ:
روى له الجماعة غير مسلم، وكان شديدا على الجهمية، فقد نقل عنه البخاري قوله:"لو كان لي على المثنَّى الأنماطي سبيل لنزعت لسانه من قفاه وكان جهميا"6.
13-
هشام بن عبيد الله الرازي7 المتوفى سنة 221هـ:
من تلاميذ محمد بن الحسن وكان ليِّنا في الرواية قال عبد الرحمن بن حاتم: "وجدت في كتاب عند أبي مما وضعه هشام في الرد على الجهمية قال هشام:"وكان فيما سألتم في كتابكم عن أهل الجنة أنهم يرون ربهم قال هشام: ورد علينا في تفسير القرآن ومحكم الحديث أن الله جل ثناؤه يُرى في الآخرة ثم ذكر الروايات في تفسير القرآن والأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"8.
1 الكاشف 3/145؛ والفوائد البهية ص215.
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/288.
3 انظر ترجمته في الجرح والتعديل 4/331؛ ومشايخ بلخ من الحنفية 1/63.
4 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/308.
5 انظر ترجمته في الجواهر المضية 2/308؛ فقه أهل العراق 63.
6 خلق أفعال العباد ص23.
7 انظر ترجمته في الجواهر المضية 3/569-570؛ والفوائد البهية ص31.
8 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/506.
ونقل اللالكائي عن هشام قوله: "الجهمية من زعم أن القرآن مخلوق"1، وحبس رجل بتهمة التجهم حتى تاب 2. وقال عن بشر المريسي:"المريسي عندنا خليفة جهم بن صفوان الضال وهو ولي عهده ومثله عندنا مثل بلعم بن باعورا الذي قال الله فيه: {واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} "سورة الأعراف: الآية175"3.
14-
الليث بن مساور البلخي4 المتوفى سنة 226هـ:
ذكره اللالكائي فيمن أجمعوا على تكفير القائلين بخلق القرآن 5 وكان قاضيا ببلخ ولما ورد كتاب الخلافة بوجوب القول بخلق القرآن قال: "الله أكبر ظهر الكفر
…
كل من يقول بخلق القرآن فهو كافر ثم رمى عمامته على الأرض وخلع نفسه من القضاء" 6.
15-
إبراهيم بن يوسف 7 الباهلي البلخي الماكياني المتوفى سنة 239هـ:
قال عنه ابن حبان: "كان ظاهر مذهبه الإرجاء واعتقاده في الباطن السنة سمعت أحمد بن محمد بن الفضل يقول سمعت محمد بن داود الفوعي يقول: حلفت أن لا أكتب إلا ممن يقول الإيمان قول وعمل فأتيت إبراهيم بن يوسف ـ يعني الباهلي ـ فأخبرته فقال: أكتب عني فإني أقول
1 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/271.
2 درء تعارض العقل والنقل 6/265؛ ومجموع الفتاوى 5/280
3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/384.
4 انظر ترجمته في مشايخ بلخ من الحنفية 1/164.
5 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/308.
6 مشايخ بلخ 1/125، 164.
7 انظر ترجمته في الثقات 8/76؛ والجواهر المضية 1/119؛ والطبقات السنية 1/254-255؛ والفوائد البهية ص11، 12.
الإيمان قول وعمل" 1. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت محمد بن الصديق يقول: "سمعته ـ يعني إبراهيم بن يوسف ـ يقول القرآن كلام الله ومن قال: مخلوق فهو كافر بانت منه امرأته ولا يصلَّى خلفه ولا يصلّى عليه إذا مات ومن وقف فهو جهمي" 2.
16-
يحيى بن أكثم التميمي 3 القاضي المتوفى سنة 243هـ:
روى عن محمد بن الحسن وسمع منه وروى عنه البخاري في غير الجامع والترمذي وذكره اللالكائي فيمن كفر القائلين بخلق القرآن 4 وكان يقول: القرآن كلام الله فمن قال مخلوق يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه" 5.
وقال عنه الإمام أحمد: "ما عرفناه ببدعة"6.
وقال عنه الخطيب: "كان يحيى سليما من البدعة ينتحل مذهب أهل السنة"7.
17-
محمد بن أحمد بن حفص 8 الزرقان المتوفى سنة 264ـ:
له كتاب الأهواء والرد على اللفظية وكان مرافقا للبخاري في الطلب9.
1 الثقات 8/76.
2 الطبقات السنية 1/255.
3 انظر ترجمته في تاريخ بغداد 14/191؛ والفوائد البهية ص224.
4 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/291.
5 تاريخ بغداد 14/198.
6 تاريخ بغداد 14/198.
7 تاريخ بغداد 14/198.
8 انظر الفوائد البهية ص19.
9 انظر الفوائد ص19.
18-
الحكم بن معبد الخزاعي 1 المتوفى سنة 295هـ:
مؤلف كتاب السنة 2.
قال عنه أبو نعيم: "على مذهب الكوفيين صاحب أدب وغريب"3.
19-
مقاتل بن فضل البخلي 4:
ذكره اللالكائي فيمن أجمعوا على تكفير القائل بخلق القرآن5
…
لم أقف على تاريخ وفاته.
20-
أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي 6 المتوفى سنة 321هـ:
صاحب كتاب بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني. وما يعتقدون من أصول الدين.
ولا شك أنه أثبت من غيره في تقرير عقيدة الإمام أبي حنفة وذلك للآتي:
1-
الطحاوي عند أهل العلم ثقة ثبت قال عنه الذهبي: "الإمام
1 ترجمته في تاريخ أصبهان 1/298؛ والجواهر المضية 2/143؛ والطبقات السنية 3/180.
2 الطبقات السنية 3/180.
3 تاريخ أصبهان 1/298.
4 انظر ترجمته في كتاب مشايخ بلخ 1/131.
5 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/308.
6 انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 15/27؛ والمنتظم 6/250؛ والجواهر المضية 1/102.
العلامة الحافظ الكبير محدث الديار المصرية وفقيهها"1.
وقال عنه أبو سعيد بن يونس: "كان ثقة ثبتا فقيها عاقلا لم يخلف مثله"2.
2-
إن جمهور العلماء تقلوا عقيدة الطحاوي بالقبول. قال السبكي الشافعي: "جمهور المذاهب الأربعة على الحق، يقرون عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول"3.
وقال الناصري الحنفي: "إن كتاب العقائد الذي رواه أبو جعفر الطحاوي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد هو الذي اعتمد عليه أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم"4.
وقال أبو المعين النسفي: "إن أبا جعفر الطحاوي ممن احتوى على علوم سلف الأئمة على العموم، وعلى علوم أبي حنيفة وأصحابه على الخصوص. قال في كتابه الذي افتتحه في العقائد: صح عندي مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني وما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به رب العالمين"5.
3-
إن ما قرره الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه يوافق في الجملة ما قرره أبو حنيفة في الكتب المنسوبة إليه، ثم إنه كذلك موافق لعقيدة سائر أئمة السنة باستثناء مسألة الإيمان.
1 سير أعلام النبلاء 15/27.
2 سير أعلام النبلاء 15/29.
3 كتاب معيد النعم ومبيد النقم ص62.
4 النور اللامع "69/أ".
5 النور اللامع "2/ب".
بخلاف ما قرره الماتريدي، فقد دخلت عليه الفلسفة والكلام، ومن ثم دخلت عليه عقائد بدعية فلسفية، فالإمام الطحاوي محدّث ثقة ثبت فيما يقرر وينقل احتوى على علوم أبي حنيفة وأصحابه، ولم تدخل عليه المذاهب الكلامية.
ثانيا ـ الحنفية من المعتزلة:
المشهور أن المعتزلة هم أصحاب واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وقد تقدم أن اسمها يرجع إلى اعتزال إمامها واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري لقول واصل: إن مرتكب الكبيرة ليس كافرا ولا مؤمنا بل هو في منزلة بين المنزلتين. ولما اعتزل واصل مجلس الحسن البصري وانضم إليه عمرو بن عبيد وتبعهما أنصارهما قيل لهم معتزلة أو معتزلون 1.
وللمعتزلة أصول خمسة هي: التوحيد وهو مرادف لإنكار الصفات 2 والعدل وهو إنكار القدر وإنفاذ الوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمنزلة بين المنزلتين.
وقد تسرب الاعتزال إلى الحنفية شيئا فشيئا حتى دخل الاعتزال إلى
1 انظر الفرق بين الفرق ص14؛ والملل والنحل 1/30.
2 لم تكن المعتزلة في بدء الأمر معطلة لجميع الصفات بل دخل عليهم التعطيل والقول بخلق القرآن من قبل جهم بن صفوان. قال الإمام أحمد فأضل بكلامه بشرا كثيرا وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية. انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد ص104؛ والفرق بين الفرق ص14، 15؛ والملل والنحل 1/30؛ وصحيح مسلم 1/36.
أسرة الإمام أبي حنيفة فقد كان إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة من دعاة الفتنة بخلق القرآن 1، بل إن كثيرا من أئمة الفتنة والاعتزال كانوا من الحنفية المعتزلة 2 كبشر المريسي 3 228هـ وتلميذه ابن شجاع البلخي 266هـ4 وابن أبي دؤاد 5، ومحمد بن أبي الليث 6، وأبو هاشم الجبائي 7، والخصّاف8
1 الانتقاء ص166؛ ولسان الميزان 1/399؛ والسنة لعبد الله بن أحمد 1/182.
2 انظر تأنيب الخطيب ص11؛ والتنكيل 1/259.
3 خالف المعتزلة في أفعال العباد ووافق السلف لذا هجرته المعتزلة. انظر الفرق بين الفرق ص205.
4 هو محمد بن شجاع الثلجي. انظر ترجمته في الجواهر المضية 3/173؛ والفوائد البهية ص171.
5 هو أحمد بن أبي دؤاد بن جرير الحنفي المعتزلي قاضي المأمون المتوفى سنة 240هـ. انظر ترجمته في الجواهر المضية في طبقات الحنفية 1/134-135؛ والطبقات السنية 1/290-331؛ وتاريخ بغداد 1/141؛ وسير أعلام النبلاء 11/169.
6 هو محمد بن أبي الليث الأصم الحنفي المعتزلي قاضي مصر وأحد رؤوس الفتنة في تعذيب أهل السنة، انظر عنه في أخبار القضاة لوكيع 3/240-326؛ وتاريخ ولاة مصر وقضاتها للكندي ص340-341؛ وضحى الإسلام 3/183-284؛ وعقيدة الإسلام لأبي الخير ص552.
7 هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي الحنفي المعتزلي إمام الهاشمية من فرق المعتزلة المتوفى سنة 321هـ عده اللكنوي في عداد الحنفية من المعتزلة في الرفع والتكميل ث385. انظر ترجمته وبعض آرائه في تاريخ بغداد 11/55؛ والميزان 2/616؛ واللسان 4/16؛ ومنهاج السنة 1/127؛ ودرء التعارض 3/444، 8/320؛ وتبصرة الأدلة "37/أ" والمسايرة ص49.
8 هو أحمد بن عمر الخصّاف بفتح الخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة آخره فاء يقال لمن يخصف النعل. وإنما اشتهر بالخصاف لأنه كان يأكل من صنعته، قال =
والكعبي 1، ومحمد بن علي البصري 2، وأبي علي الجبائي 3، وأبي سعيد البردعي 4، والحسين البصري5، وعثمان بن جني 6
= عنه اللكنوي: "كان فرضيا عارفا بمذهب أبي حنيفة"، مات سنة 261هـ.
الفوائد البهية ص29. وانظر ترجمته في الجواهر المضية 1/230؛ وتاج التراجم ص7؛ وطبقات الفقهاء ص44، 45؛ والطبقات السنية 1/418، 419.
1 هو عبد الله بن أحمد البلخي أبو القاسم الكعبي الحنفي إمام الكعبية من معتزلة بغداد مات في سنة "319"هـ. انظر ترجمته في الجواهر المضية في طبقات الحنفية 2/296، 3/400؛ وتاج التراجم ص30.
2 هو محمد بن علي البصري أبو الحسين الحنفي المعتزلي صاحب كتاب المعتمد في الأصول مات في سنة 436هـ.
ترجم له القرشي في الجواهر المضية في طبقات الحنفية 3/261. وانظر ترجمته كذلك في تاريخ بغداد 3/100؛ والمنتظم 8/126-127.
3 هو محمد بن عبد الوهاب الجبائي الحنفي المتوفى سنة 303هـ.
إما المعتزلة في وقته وشيخ أبي الحسن الأشعري. ذكره اللكنوي في عداد الحنفية من المعتزلة في الرفع والتكميل ص385 وأقره المحقق أبو غدة. انظر ترجمته في اللسان 5/271.
4 هو أحمد بن الحسين أبو سعيد البردعي القاضي الحنفي المتوفى سنة 317هـ.
رأس المعتزلة وشيخ أبي الحسن عبيد الله الكرخي. انظر ترجمته في الجواهر المضية في طبقات الحنفية 1/163؛ والطبقات السنية 1/341-342؛ والفوائد البهية ص19.
5 الحسين بن علي البصري المعتزلي الحنفي قال عنه الصيمري: "لم يبلغ أحد مبلغه في العلمين أعني الفقه والكلام" مات سنة 396هـ. انظر أخبار أبي حنيفة للصيمري ص165؛ والجواهر المضية 4/63، 2/22؛ والفوائد البهية ص67.
6 هو أبو الفتح عثمان بن جني المعتزلي.
لم أقف على ترجمة له في طبقات الحنفية غير أنه حنفي معتزلي. انظر تحقيق ذلك في مقدمة الأستاذ/ محمد علي لكتاب الخصائص لابن جني ص5-39، 40-43.
وإسماعيل السمان 1، وعبد الجبار الهمداني 2، والزمخشري 3، ونجم الدين الزاهدي 4، وغيرهم من أئمة الاعتزال.
قال السخاوي: "وكان آخر من كان في أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين والمائتين. وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن نسأل الله السلامة"5.
1 هو إسماعيل بن علي بن الحسين الحنفي المعتزلي أبو سعيد السمان المتوفى سنة 445هـ. انظر ترجمته في الجواهر المضية 1/424؛ والطبقات السنية 2/197؛ وفقه أهل العراق ص69؛ والعلماء العزاب ص64-67.
2 هو عبد الجبار بن أحمد بن الخليل بن عبد الله الهمداني نسبة إلى همدان المعتزلي الحنفي المتوفى سنة 415هـ ولم أقف له على ترجمة له في طبقات الحنفية لكن عدّه اللكنوي في عداد الحنفية من المعتزلة في الرفع والتكميل ص385. وانظر ترجمته في شذرات الذهب 3/202، 203.
3 هو محمود بن عمر الزمخشري نسبة إلى زمخشر قرية من قرى خوارزم قال عنه اللكنوي: "كان إمام عصره بلا مدافع نحويا ذكيا فقيها مناظرا متكلما أديبا شاعرا مفسرا من أكابر الحنفية، حنفي المذهب معتزلي المعتقد". مات سنة 538. انظر ترجمته في الفوائد البهية ص210؛ وتاج التراجم ص71؛ وطبقات الفقهاء ص97.
4 هو مختار بن محمد أبو الرجاء نجم الدين الزاهدي الغزميني نسبة إلى غزمين بفتح الغين ثم الميم المكسورة ثم الياء الساكنة ثم النون قصبة من قصبات خوارزم قال عنه اللكنوي: "كان من كبار الأئمة وأعيان الفقهاء عالما
…
له اليد الباسطة في الخلاف والمذهب والباع الطويل في الكلام والمناظرة
…
صرح ابن وهبان وغيره أنه معتزلي الاعتقاد حنفي الفروع". مات سنة 658هـ. انظر الفوائد البهية ص212؛ والرفع والتكميل ص385؛ والنافع الكبير ص18.
5 فتح المغيث 3/146.
وقال المعلمي: "وهل كانت المحنة في زمن المأمون والمعتصم والواثق إلا على يدي 1 أصحابكم ـ يعني الحنفية من المعتزلة ـ ينسبون أقوالهم إلى صاحبكم ـ يعني أبا حنفية ـ إلى أن قال: كانت المحنة على يدي أصحابكم، واستمرت خلافة المأمون، وخلافة المعتصم، وخلافة الواثق، وكانت قوة الدولة كلها تحت إشارتهم، فسعوا في نشر مذهبهم في الاعتقاد وفي الفقه في جميع الأقطار، وعمدوا إلى من يخالفهم في الفقه بأنواع الأذى ولذلك تعمدوا أبا مسهر عبد الأعلى بن مسهر عالم الشام وارث فقه الأوزاعي والإمام أحمد بن حنبل حامل راية فقه الحديث وأبا يعقوب البويطي خليفة الشافعي وابن عبد الحكم وغيره"2.
وكان من أشد الناس تعذيبا للمخالفين وتحمسا للقول بخلق القرآن، أحمد بن أبي دؤاد قاضي القضاة ومحمد بن أبي الليث قاضي مصر أيام المعتصم والواثق.
قال ابن قديد3: "ورد كتاب المعتصم على هارون بن عبد الله ـ قاضي مصر ـ بحمل الفقهاء في المحنة فاستعفى هارون من ذلك فكتب ابن أبي دؤاد إلى محمد بن أبي الليث يأمره بالقيام في المحنة وذلك قبل ولايته القضاء وكان رأسا في القيام بذلك فحمل نعيم بن حماد والبويطي وخشنام المحدث في جمع كثير سواهم"4.
وقال علي بن عمرو بن خالد: "لما استخلف الواثق ورد كتابه على
1 هكذا في التنكيل، ولعل الصواب:"على أيدي أصحابكم".
2 التنكيل 1/259-261.
3 لعله علي بن الحسين بن خلف بن قديد المصري المتوفى 312هـ. انظر ترجمته في السير 14/435، 436.
4 رواه الكندي في كتاب الولاة والقضاة ص447.
محمد بن أبي الليث بامتحان الناس أجمع، فلم يبق أحد من فقيه ولا محدث ولا مؤذن ولا معلم حتى أُخذ بالمحنة، فهرب كثير من الناس، وملئت السجون ممن أنكر المحنة، وأمر ابن أبي الليث بالاكتتاب على المساجد لا إله إلا الله رب القرآن المخلوق فكتب بذلك على المساجد فسطاط مصر، ومنع الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي من الجلوس في المساجد، وأمرهم ألا يقربوه"1.
واستمرت المحنة حتى تولى الخلافة المتوكل، فأظهر الله السنة وفرج عن الناس2.
قال الذهبي: "وفي سنة 234هـ أظهر المتوكل 3 السنّة، وزجر عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار واستقدم المحدثين إلى سمراء وأجزل لهم صلاتهم ورووا أحاديث الرؤية والصفات"4.
وقال ابن الجوزي: "وفي سنة 408هـ استتاب القادر 5 بالله أمير
1 الولاة وكتاب القضاء ص451.
2 سير أعلام النبلاء 11/265.
3 هو جعفر بن محمد بن هارون بن محمد القرشي البغدادي العباسي ولد سنة 205هـ وبويع له بالخلافة سنة 232هـ بعد موت أخيه الواثق بالله فأظهر السنة ونصر أهلها ومحا البدعة مات سنة 247هـ مقتولا. تاريخ بغداد7/165-172. وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 12/30؛ وشذرات الذهب 2/114-116.
4 سير أعلام النبلاء 12/34.
5 هو أحمد بن إسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي البغدادي قال عنه الخطيب: "وكان من الستر والديانة وإدامة التهجد بالليل وكثرة البر والصدقات على صفة اشتهرت عنه وعرف بها عند كل أحد مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد وكان صنف كتابا في الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب =
المؤمنين فقهاء المعتزلة الحنفية فأظهروا الرجوع وتبرأوا من الاعتزال ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام، وأخذ خطوطهم بذلك، وأنهم متى خالفوه حل بهم من النكال والعقوبة ما يتّعظ به أمثالهم" 1.
وقد تقدم بيان موقف الإمام أبي حنيفة من المعتزلة، أما الصاحبان فأبو يوسف كان يرمي المعتزلة بالزندقة 2، وأما محمد بن الحسن فيوصي من صلّى خلف المعتزلي بإعادة صلاته 3 ويرى أن المعتزلي لا تجوز الصلاة عليه 4.
ثالثا ـ الحنفية من الشيعة:
تقدم التعريف بالشيعة وموقف الإمام أبي حنيفة منهم في الفصل الثاني من الباب الأول بما يغني عن الكلام فيه مرة أخرى وقد ذكر أبو المظفر الإسفراييني أن من أهل الرأي من تلبس بشيء من مقالات الروافض والقدرية، وإذا خاف سيوف أهل السنة نسب ما هو فيه إلى أبي حنيفة تسترا 5 به وكذا العلامة اللكنوي، وقد ذكر أن من فرق الحنفية
= مذهب أصحاب الحديث، وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن
…
". توفي القادر في سنة 422هـ. تاريخ بغداد 4/37. وانظر ترجمته في المنتظم 7/160؛ وسير أعلام النبلاء 15/127.
1 المنتظم 7/287.
2 الفرق بين الفرق ص156.
3 الفرق بين الفرق ص156.
4 أصول الدين للبغدادي ص342.
5 التبصير في الدين 1/114.
الشيعة، ومن الحنفية الذين تلبسوا بعقيدة الشيعة الباطنية الحسن بن عبد الله بن سينا المعروف بالرئيس المتوفى سنة824هـ فقد قال ابن الصلاح:"كان شيطانا من شياطين الإنس"1.
ومع هذا هو عند بعض كتاب التراجم من الحنفية ولي من أولياء الله تعالى، صاحب كرامات مشهورة2. ولم أقف على تعيين سواه من هذه الطائفة.
رابعا ـ الحنفية من الزيدية:
هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها ولا يرونها في غيرهم، إلا أنهم جوّزوا إمامة المفضول مع وجود الفاضل، لذا صححوا إمامة أبي بكر رضي الله عنه. وكان زيد بن علي لا يتبرأ من الشيخين، فلما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة رفضوه فسميت رافضة 3. وقد تتلمذ زيد بن علي هذا على واصل بن عطاء الغزّال إمام المعتزلة، وحكى المقبلي 4 عن بعض الأشعرية أن الزيدية مقلدون للمعتزلة في الأصول، والحنفية في الفروع. ولكن علق على ذلك بقوله: "فليس موافقتهم للحنفية غالبة، بل ذلك في بعض أئمتهم"5.
لكن ذكر الشيخ أحمد عبد الأحد السرهندي الحنفي: "أن الزيدية في
1 فتاوى ابن الصلاح 1/209.
2 انظر الجواهر المضية 2/63؛ وتبديد الظلام ص137.
3 انظر مقالات الإسلاميين ص65؛ والملل والنحل 1/154، 155.
4 العلم الشامخ ص13.
5 العلم الشامخ ص13.
الفروع على مذهب أبي حنيفة وفي الأصول على مذهب المعتزلة" 1.
أما الكوثري فقد ذكر أن مذهب زيد بن علي متفق في معظمه مع أبي حنيفة لاتحاد مصدر المذهبين2.
خامسا ـ الحنفية من المرجئة:
تقدم التعريف بالمرجئة مع بيان أنواعها في الفصل الثاني من الباب الأول.
ومن الحنفية الذين تلبسوا بعقيدة المرجئة بشر 3 بن غياث المريسي المتوفى سنة 228هـ وإليه تنسب المريسية وقد عدّها بعض كتاب المقالات 4 من فرق المرجئة. قال عنه الإسفراييني: "منهم المريسية أصحاب بشر المريسي ومرجئة بغداد من أتباعه، وكان يتكلم بالفقه على مذهب أبي يوسف القاضي ولكنه خالفه بقوله إن القرآن مخلوق وكان مهجورا من الفريقين وهو الذي ناظر الشافعي رضي الله عنه في أيامه فلما
1 تائية أهل السنة ص16، طبعة حسين حلمي بإستنبول تركيا.
2 مقالات الكوثري ص123.
3 وجمع مع الإرجاء تعطيل صفات الرب أخذها عن جهم بن صفوان، وأخذ عنه ابن أبي دؤاد وجرد القول بخلق القرآن لذا كفره كثير من أئمة الإسلام وحكموا عليه بالزندقة وقد ذكر الإمام اللالكائي تكفيره عن ستة وعشرين إماما من أئمة السنة.
انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/382-383. وانظر ترجمة بشر في تاريخ بغداد 7/56-67؛ وفيات الأعيان 1/277-278؛ وسير أعلام النبلاء 10/199-202؛ والجواهر المضية 1/447؛ والفوائد البهية ص54.
4 انظر مقالات الأشعري ص140؛ والفرق بين الفرق ص192؛ والتبصير في الدين ص61.
عرف الشافعي أنه يوافق أهل السنة في مسألة والقدرية في مسألة قال له: نصفك مؤمن ونصفك كافر. وكان يقول: الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان كما قاله ابن الراوندي. هذه فرق المرجئة المحضة الذين يتبرأون عن القول بالجبر والقدر" 1.
ومنهم محمد بن كرام السجستاني 2 المتوفى سنة 255هـ وإليه تنسب فرق الكرامية وقد عدها بعض كتاب المقالات من المرجئة 3.
قال عنه الذهبي: "المبتدع شيخ الكرامية، كان زاهدا عابدا ربانيا بعيد الصوت كثير الأصحاب
…
كان يقول: الإيمان هو نطق اللسان بالتوحيد مجردا عن عقد قلب وعمل جوارح. وقال خلق من الأتباع له: عن الباري جسم لا كالأجسام
…
وكان الكرامية كثيرين بخراسان ولهم تصانيف ثم قلّوا وتلاشوا نعوذ بالله من الأهواء" 4.
ومنهم أبو منصور الماتريدي الحنفي المتوفى سنة 323هـ وإليه تنسب فرقة الماتريدية وقد تقدم الكلام عنه في الفصل الأول من الباب الخامس بما يغني عن الكلام فيه مرة أخرى.
هذه الفرق الخمس التي انتسبت إليها الحنفية ولا يعني هذا أن الحنفية لم يتلبسوا إلا بمقالات هذه الفرق المذكورة آنفا، بل الثابت أن من الحنفية من تلبس بمقالات فرق أخرى كالجهمية 5، بل إن منهم من اعتنق
1 التبصير في الدين ص61.
2 جمع مع بدعة الإرجاء بدعة التجسيم وقد زعم أن الله تعالى له جسم له حد ونهاية. انظر الفرق بين الفرق ص217.
3 انظر مقالات الإسلاميين 1/223؛ والفرق بين الفرق ص25.
4 سير أعلام النبلاء 11/523-524.
5 كأمثال أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي المتوفى سنة 199هـ فقد قال عنه =
مذهب الحلولية الاتحادية 1.
= الإمام أحمد "لا ينبغي أن يروى عنه حكوا عنه أنه يقول الجنة والنار خلقتا فستفنيان وهذا كلام جهم".
انظر الضعفاء للعقيلي 1/256؛ والميزان 1/574؛ واللسان 2/334؛ ومحمد بن شجاع البلخي المتوفى سنة 266هـ. قال عنه المزي: "كان أحد الجهمية". وقال عنه ابن كثير: "كان أحد عباد الزنادقة". وقال عنه الذهبي: "كان يقول: "عند أحمد بن حنبل كتب الزنادقة". وجاء من غير وجه أنه كان ينال من أحمد وأصحابه ويقول إيش قام به أحمد؟ وكان يقول: أصحاب أحمد يحتاجون أن يذبحوا. وكان يقول إنما أقول كلام الله كما أقول سماء الله وأرض الله. وأوصى وصية كان فيها: "لا يعطى من ثلثي إلا من قال القرآن مخلوق". وكان ينال من الإمام الشافعي ويقول: من الشافعي؟ "إنما كان يصحب بربر المغني" ورجع عن مقالاته هذه لما احتضر. ولقد ادعى هذا الجهمي أن الزنادقة قد وضعوا اثني عشر ألفا من الحديث وروّجوها على رواة الحديث.
فتحدّاه الإمام عثمان بن سعيد الدارمي بوضع عشرة أحاديث فضلا عن اثني عشر ألف حديث.
انظر تهذيب الكمال النسخة المصورة 3/2110؛ والميزان 3/577-579؛ والمشتبه ص89؛ وتهذيب التهذيب 9/220، 221؛ وتبصير المنتبه 1/168، وتاريخ بغداد 5/351؛ والكشف الحثيث ص379؛ ورد الدارمي على بشر المريسي ص150-151؛ والفوائد البهية ص171.
1 "أ" أمثال السيد الشريف الجرجاني 816هـ صاحب شرح المواقف.
"ب" والفناوي بدر الدين ملا حسن الشبلي "جلي" ابن محمد شاه الرومي 886هـ.
"ج" والجامي نور الدين عبد الرحمن 898هـ.
صرح بأن هؤلاء أهل وحدة الوجود وأتباع ابن عربي المحقق ولي الدين في حاشيته على حاشية العصام على شرح التفتازاني على العقائد النسفية ص2 والجامي يشهد عليه كتابه "الدرة الفاخرة".
"د" وهكذا لطف الله بن حسن التوقاني الرومي المقتول 900هـ فقد ألف كتابا سماه "السبع الشداد". أوله: "حمدا لك يا من هو الموجود في كل مكان". انظر =
والرَزِيَّة كل الرزية أن من تلبس بشيء من هذه البدع فإنه ينسب ذلك إلى أبي حنيفة وهو بريء منها.
فقد نسب إليه الحنفية من المعتزلة بعضا من عقائدها1، وكذا المرجئة2 إرجاء مطلقا.
وقد حقق أهل العلم أن انتسابهم إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى منكر من القول وزور.
= كشف الظنون 2/976، وهذا حلول صريح.
"هـ" وهكذا إسماعيل صفي بن مصطفى الجلوتي الإسلامبولي مؤلف روح البيان 1137هـ. على الطريقة الجلوتية الصوفية على غلوه في وحدة الوجود، صرح به الكوثري في مقالاته ص483.
"و" وكذا ابن الفرس أبو اليسير محمد بن محمد بن خليل القاهري 894هـ كان مع جلالته وإمامته في العلوم من الاتحادية قال البقاعي 885هـ:
"
…
فصار من رؤوس الاتحادية التابعين للحلاج وابن عربي وابن الفارض".
انظر الضوء اللامع 6/220-221.
"ز" ومنهم صدر الدين أبو الفتح محمد بن يوسف الدهلوي 825هـ الاتحادي الخرافي الباطني، راجع نزهة الخواطر 3/160؛ والأعلام 7/154، والدعوة الإسلامية وتطورها في الهند ص367؛ والثقافة الإسلامية في هند ص234.
"ح" محمد بن شجاع بن معز الدين اليحيوي الهندي الاتحادي ومن أعيان القرن الثالث عشر. انظر نزهة الخواطر 6/315؛ والثقافة الإسلامية في الهند ص239.
1 كإنكار العلو والاستواء والرؤية. انظر أمثلة على ذلك في صفحة ص13 من هذه الرسالة.
2 من ذلك قول الشهرستاني "ومن العجب أن غسان كان يحكي عن أبي حنيفة رحمه الله مثل مذهبه في الإيمان ويعده من المرجئة ولعله كذب كذلك عليه".
انظر الملل والنحل 1/141.
وقال ابن أبي العز رحمه الله:"ولا يلتفت إلى من أنكر ذلك ـ يعني علو الله تعالى على خلقه واستواءه على عشره ـ ممن ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة فقد انتسب إليه طوائف معتزلة وغيرهم مخالفون له في كثير من اعتقاداته. وقد ينتسب إلى مالك والشافعي وأحمد من يخالفهم في بعض اعتقاداتهم، وقصة أبي يوسف في استتابة بشر المريسي لما أنكر أن يكون الله عز وجل فوق العرش، مشهورة"1.
وقال شيخ الإسلام: "وكذلك أهل المذاهب الأربعة وغيرها ولا سيما وقد تلبس ببعض المقالات الأصولية وخلط هذا بهذا، فالحنبلي والشافعي والمالكي يخلط بمذهب مالك والشافعي وأحمد شيئا من أصول الأشعرية والسالمية وغير ذلك، ويضيفه إلى مذهب مالك والشافعي وأحمد.
وكذلك الحنفي يخلط بمذهب أبي حنيفة شيئا من أصول المعتزلة والكرامية والكلابية ويضيفه إلى مذهب أبي حنيفة" 2.
وقال أبو المظفر الإسفراييني: "قد نبغ من أحداث أهل الرأي من تلبّس بشيء من مقالات القدرية والروافض مقلدا فيها، وإذا خاف سيوف أهل السنة نسب ما هو فيه من عقائده الخبيثة إلى أبي حنيفة تسترا به فلا يغرنك ما ادعوا من نسبتها إليه فإن أبا حنيفة بريء منهم ومما نسبوه إليه"3.
وقال شيخ الإسلام: "فما من إمام إلا وقد انتسب إليه أقوام وهو منهم بريء. فقد انتسب إلى مالك أناس، مالك بريء منهم، وانتسب إلى
1 شرح العقيدة الطحاوية ص302، ط دار البيان.
2 منهاج السنة 5/261.
3 التبصير في الدين ص114 تحقيق الكوثري.
الشافعي أناس هو منهم بريء، وانتسب إلى أبي حنيفة أناس هو بريء منهم" 1.
وبعد هذا العرض نصل إلى نتيجة واقعية وهي أن الحنيفة تلبس كثير منهم بعقائد فرق شتى، وجعلت كل فرقة تنسب عقيدتها إلى الإمام أبي حنيفة بخاصة وأهل السنة عامة، وكان بين هذه الفرق قدر مشترك من البدع كالتعطيل للصفات، والتحريف لنصوصها تحت ستار التنزيه، والتأويل والقول بالإرجاء. وكان بين هذه الفرق احتكاك لرابطة عقائدية فيما بينها في الجملة. ولاعتناقها المذهب الحنفي، فصار هذا كله سببا مهما في اضمحلال العقيدة الحنفية التي قررها الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه وصارت العقيدة الماتريدية تمثل عقيدة جمهور الحنفية منذ عهد بعيد إلى العصر الحاضر.
1 العقود الدرية ص157. انظر مجموع الفتاوى 3/185.
الخاتمة
الحمد لله الذي يسر وأعان على إتمام هذا البحث في أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فلله وحده الفضل والمنة، وقد توصلت إلى نتائج أجملها فيما يلي:
1-
أن العقيدة الصحيحة التي منبعها الكتاب والسنة هي أساس الدين وأصله المتين، وكل ما يبنى على غير أساس فمآله الهدم والانهيار والاضمحلال.
2-
أن اعتقاد أئمة الفقه ـ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ـ واحدٌ في أصول الدين. وقد ذكرت نصوص الأئمة الأربعة الواضحة في بيان عقيدتهم ليعرف القارئ الكريم أنهم متفقون في باب الاعتقاد.
3-
أن أبا حنيفة باشر علم الكلام وتضلّع فيه ثم تحوّل عنه إلى السنة لما أدرك خطورته على الدين وضرره على العقيدة.
4-
أن أبا حنيفة اعتصم بنصوص القرآن والسنة في إثبات العقائد فهما العمدة والأصل، ولأن تجاوزهما قول على الله بغير علم وتقديمٌ بين يدي الله ورسوله.
5-
سلك الإمام أبو حنيفة في استدلاله على وجود الله طريقة القرآن والسنة وأعرض عن مناهج المتكلمين وطرقهم.
6-
أن الضابط للإثبات والتنزيه عند الإمام أبي حنيفة قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} "سورة الشورى: الآية11".
وهذا هو الصراط المستقيم في باب صفات الله إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل.
7-
ليس في منهج الإمام أبي حنيفة نوع من التشبيه أو التعطيل، وكذلك لا يوجد في كلام الإمام أبي حنيفة تفويض مطلق، بل الذي في كلام أبي حنيفة تفويض مقيّد بنفي علم الكيفية فقط لا المعنى.
8-
أثبت أبو حنيفة جميع الصفات: ذاتية كانت أو فعليّة بدون تأويل، أو تحريف، وظلّ ملتزما بمنهجه هذا أثناء التطبيق؛ فأبى أن يؤوّل اليد بالقدرة أو النعمة 1، والرضا بالثواب 2، والغضب بالعقاب 3.
9-
سلك أبو حنيفة منهج أهل السنة والجماعة في باب القدر، وردّ على المنحرفين فيه من قدرية أو جبرية.
10-
أثبت أبو حنيفة نعيم القبر وعذابه، وأحوال اليوم الآخر، وأن الجنة والنار موجودتان مخلوقتان، وأنهما باقيتان لا فناء لهما.
11-
أخذ عليه رحمه الله تعالى أنه خالف جمهور السلف في مسألة إخراج الأعمال عن حقيقة الإيمان، ولعله رجع عنها وإن لم يكن رجع عنها فعفا الله عنا وعنه وغفر الله لنا وله وجمعنا وإياه في مستقر رحمته، فكل يؤخذ من قوله ويترك إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
12-
لم يصل إلينا كتب للإمام أبي حنيفة كتبت بخط يده أو نسخ
1 الفقه الأكبر ص302.
2 الفقه الأبسط ص56.
3 الفقه الأبسط ص56.
معتمدة من تألفيه، غير أنه يوجد كتب منسوبة للإمام أبي حنيفة كالفقه الأكبر برواية حماد بن أبي حنيفة ورسالة أبي حنيفة للبتي والوصية.
وقد صرّح بعض الحنفية أنها ليست من تأليف الإمام مباشرة بل هي أماليه وأقواله قام التلاميذ بجمعها وتأليفها 1.
13-
المقارنة بين الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي والماتريدية أظهرت أنهما مختلفان في المنهج متباعدان في التطبيق في كثير من مسائل الاعتقاد. فلم يكن الماتريدي والماتريدية على منهج أبي حنيفة في الاعتقاد وإن انتسبوا إليه في الفروع.
14-
ليس كل من انتسب إلى أبي حنيفة يعدّ موافقا له في أصول الدين وفروعه، بل هناك من كبار المبتدعة من انتسب إلى أبي حنيفة، وأبو حنيفة بريء منهم كبراءة الذئب من دم يوسف.
15-
أن بعض أقوال الإمام أبي حنيفة في الاعتقاد لم تسلم من التحريف والتبديل من قبل بعض المبتدعة المنتسبين إلى أبي حنيفة، كقوله في القرآن والرؤية والاستواء وغير ذلك.
وبعد أن عشت مع هذا البحث فترة ليست بالقصيرة ظهر لي أن هناك جانبا مهما لم يعط حقه من الدراسة ألا وهو تنقية عقائد أئمة الفقه الأربعة مما علق بها من آراء مذهبية كلامية وتأويلات جهمية، ولهذا فإنني أقترح على الدوائر العلمية الإسلامية ما يلي:
أولا: تشجيع الدارسين والباحثين على الكتابة في عقائد الأئمة الفقهاء الأربعة وأصحابهم الأوائل مع كشف ما أدخل عليهم وما علق بهم من آراء المبتدعة وتأويلاتهم.
1 انظر تفصيل ذلك في ص140.
ثانيا: أن تكون دراسة العقيدة من مصدرها الأول الكتاب والسنة بعيدا عن تعقيدات المتكلمين والفلاسفة وجدلهم العقيم، ولا نخضع تلك الأدلة لتفسيرات المتكلمين وطريقتهم في الجدل.
ثالثا: تشجيع اتّجاه دراسة عقائد أتباع أئمة الفقه الأربعة ثم مقارنتها بعقيدة الأئمة لإظهار الفرق بينها مع بيان قربها أو بعدها من الكتاب والسنة فطالما يتساءل الإنسان هل أتباع الأئمة الأربعة متبعون لهم في الاعتقاد؟ أم هم مخالفون لهم؟ وهل تتفق عقائدهم مع ما جاء به التنزيل وما فطر الله عليه العباد أم لا؟
أم هم اعتنقوا أصول مذاهب مختلفة نتج عنها ميراث الخلاف المذهبي الذي يعيش فيه المسلمون اليوم بما له من آثار سيئة على الأمة والمجتمع الإسلامي؟.
رابعا: العمل على إثراء عقيدة السلف بتدوين تاريخ العقيدة السلفية إذ الحاجة ماسة إلى هذا، وأن تكون تلك الدراسة من مصادرها الأصلية وتنقيتها من الدخيل مع إعادة تقييم السلف على أنهم الأسلم والأحكم والأعلم.
وفي الختام فهذا جهد المقل، فقوى الإنسان محدودة قاصرة، فلا بد من خلل وهفوة، فإن التقصير وكثرة العيوب من صفات المخلوقين. وقد قيل: من صنّف فقد استُهدف، فرجائي من القارئ الكريم التماس العذر لكل نقص وهفوة في هذا البحث وبذل النصيحة خالية من الفضيحة، والله أسأل أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن يوفقنا جميعا لهدي كتابه والسير على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.