الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر ولا القصد إلى النظر، ولا الشك كما هي أقوال أرباب الكلام المذموم، بل أئمة السلف كلهم متفقون أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان
…
" 1.
"د" أن الشارع احتاط لهذا التوحيد أعظم الحيطة عن كل قول وفعل وقصد يكون شركا أو وسيلة إلى الشرك كالرياء والحلف بغير الله والطيرة وبناء المساجد على القبور، والعكوف عندها.
وكذلك الألفاظ التي توهم النِّدِّيَّةَ بين الله وبعض خلقه كقول القائل: ما شاء الله وشاء فلان. روى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان"2.
1 شرح العقيدة الطحاوية ص 16.
2 أخرجه أحمد في المسند 5/384.
* وأبو داود كتاب الأدب باب ما يقال خبثت نفسي 5/259 ح4980.
* والنسائي في كتاب عمل اليوم والليلة ص544.
* والطحاوي في مشكل الآثار 1/90.
* والبيهقي في السنن 3/216.
جميعهم من طريق عبد الله بن يسار عن حذيفة وأورده النووي في كتابه الأذكار ص308 وقال: صحيح الإسناد.
المطلب الثاني: في "المراد بالعبادة
"
تقدم أن المراد بتوحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادات كلها، وأن من أسماء هذا التوحيد توحيد العبادة. فلا بد من الكلام على العبادة وهو يشمل الفقرات التالية:
1-
معناها
معنى العبادة لغة هو التذلل والخضوع.
قال الراغب الأصفهاني: "العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل"1.
وقال الجوهري: "العبادة الطاعة، والتعبد التنسك
…
وأصل العبودية الخضوع والذل" 2.
وقال ابن الأنباري: "فلان عابد؛ وهو الخاضع لربه المستسلم لقضائه المنقاد لأمره"3.
وقال ابن جرير: "العبودية عند جميع العرب أصلها الذلة، وأنها تسمي الطريق المذلل الذي قد وطئته الأقدام وذللته السابلة معبَّد"4.
هذا ما قاله أهل اللغة في كتبهم حول معنى العبادة؛ فنجد عباراتهم تكاد تكون متطابقة.
أما معنى العبادة في الاصطلاح:
فهي توحيد الله بالذل والخضوع مع كمال المحبة والطاعة.
قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} "سورة الفاتحة: الآية5".
"أي لك اللهم نخشع ونذل ونستكين؛ إقرارا لك يا ربنا بالربوبية لا لغيرك".
1 المفردات في غريب القرآن ص319.
2 الصحاح 2/503.
3 تهذيب اللغة 2/236.
4 جامع البيان 1/161.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: "إياك نوحد ونخاف ونرجو يا ربنا لا غيرك 1
…
" 2.
وقال الأزهري: "وقوله: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} "سورة البقرة: الآية 21".
أي أطيعوا ربكم وقيل في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إياك نوحد والعابد الموحد" 3.
وقال البغوي 4 في قوله تعالى: " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} "سورة الفاتحة: الآية 5".
"أي نوحدك ونطيعك خاضعين، والعبادة الطاعة مع التذلل. وسمي العبد عبدا لذلته وانقياده يقال: طريق معبد أي مذلل"5.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له، ومن خضع
1 الأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/19 وأورده ابن كثير في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور 1/14 وعزاه إلى ابن جرير وابن أبي حاتم.
2 انظر جامع البيان 1/160 ط دار المعارف.
3 تهذيب اللغة 2/236.
4 هو الحسين بن مسعود بن محمد الفراء الشافعي البغوي قال عنه الذهبي: "الإمام الحافظ الفقيه المجتهد محيي السنة
…
صاحب معالم التنزيل وشرح السنة والتهذيب والمصابيح وغير ذلك
…
وبورك له في تصانيفه لقصده الصالح فإنه كان من العلماء الربانيين وكان ذا تعبد ونسك وقناعة باليسير" مات سنة 516هـ.
تذكرة الحفاظ 1/1257-1258؛ وانظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 7/75؛ وشذرات الذهب 4/48.
5 تفسير البغوي 1/41.
لإنسان مع بغضه له لا يكون عابدا له، ولو أحب شيئا ولم يخضع له لم يكن عابدا له، كما يحب الرجل ولده وصديقه.
ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عندهم من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والذل التام إلا الله. وكل ما أُحبّ لغير الله فمحبته فاسدة وما عظم بغير أمر الله فتعظيمه باطل" 1.
ويطلق اسم العبادة على الأعمال الشرعية التي تُفعل تقربا إلى الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة"2.
2-
شروطها
العبادة الشرعية لا تكون مقبولة عند الله ومرضية إلا أن تتوفر فيها ثلاثة أصول، وإلا فهي مردودة على صاحبها غير مقبولة.
وفي بيان تلك الأصول الثلاثة يقول صاحب كتاب أضواء البيان:
"اعلم أولا أن القرآن العظيم دل على أن العمل الصالح هو ما استكمل ثلاثة أمور:
الأول: موافقته لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
1 العبودية ص44.
2 العبودية ص38.
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} "سورة الحشر: الآية7".
الثاني: أن يكون خالصا لله تعالى لأن الله جلّ وعلا يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} "سورة البينة: الآية5".
{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} "سورة الزمر: الآية 14".
{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} "سورة الزمر: الآية 15".
الثالث: أن يكون مبنيا على أساس العقيدة الصحيحة؛ لأن الله يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} "سورة النحل: الآية97".
فقيد ذلك بالإيمان ومفهوم مخالفته أنه لو كان غير مؤمن لما قبل منه ذلك العمل الصالح. وقد أوضح جلّ وعلا هذا المفهوم في آيات كثيرة كقوله في عمل غير المؤمن: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} "سورة الفرقان: الآية23".
وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} "سورة هود: الآية16".
وقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} "سورة النور: الآية39".
وقوله: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ
عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} "سورة إبراهيم: الآية18
…
"1.
3-
أنواعها
تقدم أن معنى العبادة معنى شامل للأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة فمنها العبادة القولية، ومنها العبادة العملية، ومنها العبادة الاعتقادية، فبحكم هذا التنوع تكون العبادة موزعة على القلب واللسان والجوارح، فلكل من هذه الجهات نصيب من العبادة.
فالعبادة الاعتقادية: مثل اعتقاد أن الله رب كل شيء وخالقه، ومالكه له الخلق والأمر وبيده النفع والضر وأنه لا شريك له ولا كفء ولا ند له وأنه لا معبود بحق غيره.
وكذا حب الله ورجاؤه والخوف والخشوع والإنابة والتوكل وإخلاص العمل لله وحده، فهذه المطالب هي نصيب القلب من العبادة.
العبادة القولية:
مثل النطق بالشهادتين وتلاوة القرآن في الصلاة وفي غيرها والتلفظ بالأذكار الواردة في الصلاة، والحج، ومثل الدعاء، والثناء والحمد والشكر، والاستغفار، وصدق الحديث، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. فهذه المطالب هي نصيب اللسان من العبادة.
العبادة العملية:
مثل الصلوات الخمس، وما يتعلق بها وسائر أركان الإسلام من زكاة
1 أضواء البيان 3/352-353.
الباب الثالث: اعتقاده في الإيمان
وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول: مسمى الإيمان عند أبي حنيفة وهل يدخل فيه العمل؟.
الفصل الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه.
الفصل الثالث: الاستثناء في الإيمان.
الفصل الرابع: علاقة الإسلام بالإيمان.
الفصل الخامس: حكم مرتكب الكبير.