الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: فتنة القبر
يفتن الناس في قبورهم فينعمون أو يعذبون، دلّ على ذلك قوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} "سورة الأنعام: الآية93".
وقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} "سورة غافر: الآية46".
وقوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} "سورة إبراهيم: الآية27".
قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية: قوله تعالى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} " 1.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار
1 أخرجه البخاري كتاب التفسير باب يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت 8/378 ح4699 من طريق سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب.
فمن أهل النار، فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة" 1.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله
…
" 2.
فسؤال الملكين: منكر ونكير، والعذاب في القبر ونعيمه حق واجب شرعا لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أخبار يبلغ مجموعها مبلغ التواتر 3، وهو مقتضى الأدلة من الكتاب والسنة ومتفق عليه بين أهل السنة، قال النووي: "اعلم أن مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة.
قال الله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} "سورة غافر: الآية46".
وتظاهرت به الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية جماعة من الصحابة في مواطن كثيرة ولا يمتنع في العقل أن يعيد الله الحياة في جزء من الجسد ويعذبه
…
إلى أن قال: "والمقصود أن مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر، كما ذكرنا خلافا للخوارج ومعظم المعتزلة وبعض المرجئة"4.
1 أخرجه البخاري كتاب الجنائز باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي 3/243 ح13789، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار 4/2199 ح2866 كلاهما من طريق نافع عن عبد الله بن عمر.
2 أخرجه البخاري كتاب الوضوء باب من الكبائر ألا يستتر من بوله 1/317 ح216؛ ومسلم كتاب الطهارة باب الدليل على نجاسة البول 1/240، 241 ح292 كلاهما من طريق مجاهد عن طاوس عن ابن عباس.
3 لوامع النوار 2/5، 23.
4 شرح مسلم للنووي 17/200، 201.
وهذا هو ما عليه أبو حنيفة، دل على ذلك قوله:"سؤال منكر ونكير حق كائن في القبر، وإعادة الروح إلى جسد العبد في قبره حق، وضغطة القبر وعذابه حق كائن للكفار كلهم ولبعض عصاة المؤمنين"1.
وقال: "ونقرّ بأن عذاب القبر كائن لا محالة، ونقر بأن سؤال منكر ونكير حق لورود الأحاديث"2.
وقرر هذا الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه حيث قال: "ونؤمن بملك الموت الموكّل بقبض أرواح العالمين، وبعذاب القبر لمن كان له أهلا، وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه، على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضوان الله عليهم، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران"3.
قال الناصري الحنفي شارحا كلام الطحاوي: "وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، فيجب الاعتقاد بثبوت ذلك. وأما قولهم بسؤال منكر ونكير للميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه، وقولهم بأن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران؛ فإنما قالوا ذلك بما تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كله ولاتفاق الصحابة رضوان الله عنهم على ثبوته"4.
1 الفقه الأكبر ص306.
2 الوصية مع شرحها ص23-24.
3 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص 50.
4 النور اللامع "ق-110/ب".