الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد:
في تعريف التوحيد وأقسامه
1-
تعريف التوحيد
"أ" التوحيد لغة:
هو تفعيل وحَّد يقال: "وحّده وأحّده كما يقال ثناه وثلّثه" 1 "وحده توحيدا أي جعله واحدا"2.
والتوحيد الإيمان بالله وحده لا شريك له 3.
قال أبو القاسم التيمي 4: "التوحيد على وزن التفعيل وهو مصدر وحدته توحيدا
…
ومعنى وحدته جعلته منفردا عما يشاركه أو يشبهه في ذاته وصفاته، والتشديد فيه للمبالغة أي بالغت في وصفه بذلك. وقيل الواو فيه مبدلة من الهمزة، والعرب تبدل الهمزة من الواو، وتبدل الواو من الهمزة كقولهم وشاح وأشاح، وتقول العرب أحّدهن لي وحدّهن لي أي جعلهن لي أحد عشر. ويقال جاءوا آحاد آحاد أي واحدا واحدا، فعلى هذا فالواو في التوحيد أصلها الهمزة".
1 الصحاح 2/548.
2 القاموس المحيط 1/343.
3 القاموس المحيط 1/343.
4 هو إسماعيل بن محمد بن الفضل بن العلي بن أحمد القرشي التيمي الطلحي الأصبهاني الملقب بقوام السنة. قال عنه الذهبي: "الإمام العلامة الحافظ شيخ =
قال الهذلي1:
ليت الصريمة2 أُحدان الرجال له
صيد ومجتزئ بالليل هجاس
وتقول العرب: "واحد وَحِد ووَحْد ووحيد أي: منفرد، فالله تعالى واحد أي منفرد عن الأنداد والأشكال في جميع الأحوال. فقولهم: وحَّدت الله: من باب عظمت الله، وكبرته، أي علمته عظيما وكبيرا.
فكذلك وحدته: أي علمته واحدا، منزها عن المثل في الذات والصفات" 3.
وقال الجرجاني 4: "التوحيد في اللغة الحكم بأن الشيء واحد، والعلم بأنه واحد"5.
وقال العيني 6 والقسطلاني 7: "ومعنى وحدت الله: اعتقدته منفردا
= الإسلام" مات سنة 535هـ، سير أعلام النبلاء 20/80؛ وانظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 4/1277؛ والمنتظم 10/90.
1 هو مالك بن خانع الخناعي الهذلي وهذا البيت في وصف الأسد.
انظر ديوان الهذليين 3/4.
2 الصريمة رميلة فيها شجر وجمعها الصرائم. الصحاح 5/1966.
3 الحجة في بيان المحجة للتيمي ص239-240.
4 هو علي بن محمد بن علي الجرجاني قال عنه اللكنوي: "علم نحرير قد حاز على قصبات السبق في التحرير فصيح العبارة دقيق الإشارة نظار فارس في البحث والجدل ولد في جرجان سنة 740هـ
…
وتوفي بشيراز سنة 816هـ.
5 التعريفات ص69
6 هو بدر الدين أبو الثناء محمود بن أحمد بن موسى بن حسين العنتابي الأصل والمولد والمنشأ المصري الدار والوفاة الحنفي المعروف بالعيني قال عنه تلميذه ابن تغري بردي: "هو علامة فريد عصره ووحيد دهره وعمدة المؤرخين
…
".
7 هو أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن أحمد القسطلاني المصري =
بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه" 1.
فالمقصود أن التوحيد في اللغة الاعتقاد في الشيء أنه واحد، والحكم بأنه واحد، والعلم بأنه واحد ونسبة الشيء إلى الوحدانية وجعل الشيء واحدا".
"ب" التوحيد اصطلاحا:
التوحيد عند أهل الكلام إفراد القديم من المحدَث 2.
وقيل: "إثبات ذات غير مشبهة بالذوات ولا معطلة عن الصفات"3.
وقيل: "إفراد القديم عن الحدث"4.
وقيل: نفي التقسيم لذاته، ونفي التشبيه عن حقه وصفاته، ونفي الشريك معه في أفعاله ومصنوعاته5.
وقيل: سلبت عنه الكيفية والكمية فهو واحد في ذاته لا انقسام له، وفي صفاته لا شبيه له، وألوهيته وملكه وتدبيره لا شريك له، ولا رب سواه، ولا خالق غيره 6.
= الشافعي قال عنه ابن العماد: "الإمام العلامة الحجة الرحلة الفقيه المقرئ المسند" ولد سنة 851هـ وتوفي سنة 923هـ.
1 عمدة القاري 25/81؛ إرشاد الساري 10/357.
2 فتح الباري 13/344.
3 عمدة القاري 25/81.
4 إرشاد الساري 10/357.
5 إرشاد الساري 10/357.
6 فتح الباري 13/345.
وقال الجرجاني: "واصطلاح أهل الحقيقة تجريد الذات الإلهية عن كل ما يتصور في الأفهام ويتخيل في الأوهام والأذهان. والتوحيد ثلاثة أشياء: معرفة الله تعالى بالربوبية، والإفراد بالوحدانية، ونفي الأنداد عنه جملة"1.
وقال الشهرستاني 2: "إن الله تعالى واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته الأزلية لا نظير له، وواحد في أفعاله لا شريك له"3.
وقال الملَاّ علي قاري 4:: "واحدا في ذاته، ووحدا في صفاته، وخالقا لمصنوعاته"5.
وقال الشيخ محمد عبده 6: "إثبات الوحدة لله في الذات، والفعل في خلق الأكوان، وأنه وحده مرجع كل كون ومنتهى كل قصد"7.
1 كتاب التعريفات ص69.
2 هو محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني قال عنه الذهبي: "شيخ أهل الكلام والحكمة وصاحب التصانيف. صنف كتاب نهاية الإقدام وكتاب الملل والنحل وكان كثير المحفوظ قوي الفهم مليح الوعظ". مات سنة 548هـ؛ سير أعلام النبلاء 20/286؛ وانظر ترجمته في شذرات الذهب 4/149.
3 الملل والنحل 1/42.
4 هو علي بن سلطان الهروي القاري الحنفي قال عنه الشوكاني: "أحد جماهير الأعلام ومشاهير أولي الحفظ والإفهام" توفي سنة 1014هـ.
البدر الطالع 1/445؛ وانظر ترجمته في خلاصة الأثر 3/185؛ وهداية العارفين 1/751.
5 ضوء المعالي للقاري ص13.
6 هو محمد بن عبدة بن حسن خير الله من آل تركمان مفتي الديار المصرية ومن قادة الإصلاح الحديث ولد سنة 1266 وتوفي سنة 1323هـ.
الأعلام للزركلي 6/252، 253..
7 رسالة التوحيد.
فالحاصل أنهم لا يعرضون لتوحيد الألوهية ويفسرونه بتوحيد الربوبية؛ فظنوا أنه هو المطلوب من العبادة وأن معنى لا إله إلا الله لا خالق إلا الله أو لا قادر على الاختراع إلا الله.
فأفنوا أعمارهم بما لم ينازع فيه المشركون لكن لم ينفعهم ذلك ولم يدخلهم الإسلام.
ومعلوم أن المقصد الأعظم الذي أرسل لأجله الرسل وأنزلت الكتب وخلق له الجن والإنس هو عبادة الله وحده لا شريك له، فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله.
أما التوحيد المستنبط من الكتاب والسنة فهو:
الإقرار بالقلب واللسان بأن الله رب كل شيء ومليكه وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه على كل شيء قدير، وأنه الخالق لكل شيء، وأنه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأنه الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه؛ فلا رب غيره ولا إله سواه ولا شريك ولا ند له، ثم إفراده بالعبادة وذلك بصرف جميع أنواع العبادة له وإخلاص الدين له. فهذا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل بكل جوانبه ظاهرا وباطنا علما وعملا.
هذا هو معناه الاصطلاحي، أما المناسبة بينه وبين معنى التوحيد في اللغة: فهي أن المعنى الاصطلاحي أخص من اللغوي وهذا شأن عامة المعاني الشرعية مع المعاني اللغوية كما في الصلاة والصوم والحج.
2-
أقسام التوحيد
قسم أهل العلم 1 التوحيد إلى أقسام:
فمن العلماء من قسمه إلى نوعين وهما:
1-
التوحيد في المعرفة والإثبات.
2-
التوحيد في القصد والطلب.
ومنهم من قسمه إلى ثلاثة أنواع هي:
1-
توحيد الربوبية.
2-
توحيد الألوهية.
3-
توحيد الأسماء والصفات. ولا منافاة بين الطريقتين في التقسيم، فمن جعله ثنائيا فقد أجمل، ومن جعله ثلاثيا فقط فصل.
وقد ورد تقسيم التوحيد في الجملة في كلام أبي حنيفة وبعض أتباعه، دل على هذا قول الإمام أبي حنيفة:"والله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء"2.
وقرر هذا الطحاوي في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه، حيث قال:"نقول معتقدين بتوفيق الله إن الله واحد لا شريك له ولا شيء مثله ولا شيء يعجزه ولا إله غيره". فقوله: "ولا
1 أما أهل الكلام فقد قسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام هي:
1-
توحيد الذات فهو واحد في ذاته لا قسيم له.
2-
توحيد الصفات فهو واحد في صفاته لا شبيه له.
3-
توحيد الأفعال فهو واحد في أفعاله لا شريك له.
انظر مجموع الفتاوى 3/98.
2 الفقه الأبسط ص51
شيء مثله" في توحيد الأسماء والصفات، وقوله: "ولا شيء يعجزه" في توحيد الربوبية والقدرة، وكل ذلك في توحيد المعرفة والإثبات، وقوله: "ولا إله غيره"1 في توحيد الألوهية، وذلك في توحيد الطلب والقصد. وما أشار إليه الطحاوي قرره ابن أبي العزَّ شارح متن العقيدة الطحاوية، حيث قال: "ثم التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه نوعان: توحيد في الإثبات والمعرفة، وتوحيد في الطلب والقصد" 2.
وذكر هذا شارح فقه الأكبر الملاّ علي القاري حيث قال: "ابتداء كلامه سبحانه وتعالى في الفاتحة بالحمد لله رب العالمين يشير إلى تقرير توحيد الربوبية، المترتب عليه توحيد الألوهية، المقتضي من الخلق تحقيق العبودية"3.
فما أشار إليه الإمام أبو حنيفة وقرره الطحاوي وابن أبي العز الحنفي هو ما دل عليه القرآن والسنة واللغة.
قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} "سورة الزخرف: الآية 87".
وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} "سورة يونس: الآية31".
وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
1 متن العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص17و18.
2 شر العقيدة الطحاوية ص31.
3 شرح الفقه الأكبر ص15.
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} "سورة المؤمنون: الآيات 84-89".
فأخبر الله تعالى أن المشركين الذين بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم معترفون بالربوبية لا ينكرونها، ولا يجعلون أحدا من آلهتهم شريكا لله في ربوبيته من الخلق والرزق والملك والتدبير والتصريف، فهذه حقيقة لا ينكرها المشركون، وأخبر تعالى أن المشركين أنكروا على النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة أخرى لما نهاهم عن اتخاذا الشركاء وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده.
فهذا باطل عندهم وفاسد، وقالوا ما حكى الله عنهم في كتابه الكريم:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} "سورة ص: الآية 5".
لذا تعجبوا كيف ينهى عن اتخاذ الشركاء والأنداد ويأمر بإخلاص العبادة لله وحده.
وأما الأدلة من السنة فهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه والداخلين في الإسلام من جديد بأن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئا، حيث كانوا مقرين بأن الله هو الخالق. فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: " إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
…
" 1.
وفي رواية: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم
1 أخرجه البخاري: كتاب الزكاة باب أخذ صدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا 3/357 ح1496.
من طريق أبي معبد عن ابن عباس.
إلى أن يوحدوا الله تعالى
…
" 1.
وفي رواية أخرى قال: "إنك تقدم قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل
…
" 2.
وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله"3.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن حق الله على العباد أن يوحدوه بالعبادة ويفردوه في ذلك، ويتجردوا من الشرك قليله وكثيره، صغيره وكبيره، حيث قال لمعاذ بن جبل:" أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: ألا يعذبهم"4.
1 أخرجه البخاري كتاب التوحيد باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تعالى 13/347 ح7372 من طريق أبي معبد عن ابن عباس.
2 أخرجه مسلم: كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام 1/51 ح31 طريق أبي معبد عن ابن عباس.
3 أخرجه البخاري: كتاب الإيمان باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} 1/75 ح25، من طريق واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر. ومسلم: كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله 1/53 ح36 من طريق زيد بن عبد الله عن ابن عمر.
4 أخرجه البخاري: كتاب التوحيد باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله 13/. ومسلم: كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا 1/59 كلاهما من طريق الأسود بن هلال عن معاذ بن جبل.
وأما في لغة العرب فإن معنى الرب غير معنى الإله. فالأول يدل على الإحاطة والخلق والإيجاد والتربية، والثاني يدل على المعبود بحق أو باطل كما سيأتي تفصيل ذلك في موضعه.
فالمقصود أن الكتاب والسنة واللغة دلت جميعها على أن هناك فرقا بين الربوبية والألوهية.
وهذا خلاف ما عليه المتكلون فهم خلطوا معنى الألوهية بالربوبية، وظنوا أن الألوهية هي القدرة على الاختراع، فمن أقر بأن الله هو القادر على الاختراع دون غيره فقد صار عندهم موحدا، وليس الأمر كما ذهبوا إليه بل الإله الحق هو الذي يستحق أن يعبد دون غيره.