المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع: علاقة الإسلام بالإيمان - أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة

[محمد بن عبد الرحمن الخميس]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

-

- ‌الباب الأول: في ترجمة الإمام أبي حنيفة وبيان منهجه في تقرير أصول الدين

-

- ‌الفصل الأول: ترجمة الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الأول: حياته الشخصية

- ‌المبحث الثاني: حياته العلمية

- ‌المبحث الثالث: دراسة موجزة لمؤلفاته في أصول الدين

-

- ‌الفصل الثاني: منهجه في تقرير أصول الدين

- ‌المبحث الأول: مصادر العقيدة عند الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الثاني: موقفه من علم الكلام

- ‌المبحث الثالث: موقفه من الفرق الكلامية

-

- ‌الباب الثاني: بيان اعتقاده في التوحيد

-

- ‌الفصل الأول: توحيد الربوبية

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: معنى توحيد الربوبية وخصائصه

- ‌المبحث الثاني: مناظرة الإمام أبي حنيفة للملاحدة في إنكارهم الخالق ونقده لطريقة المتكلمين في تقرير الربوبية

- ‌المبحث الثالث: منهج الإمام أبي حنيفة في تقرير الربوبية

-

- ‌الفصل الثاني: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: تقرير توحيد الألوهية عند السلف

- ‌المطلب الأول: معنى توحيد الألوهية وخصائصه

- ‌المطلب الثاني: في "المراد بالعبادة

- ‌المطلب الثالث: ما يناقض توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني: عقيدة الإمام أبي حنيفة في التوسل إلى الله

-

- ‌الفصل الثالث: توحيد الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تقرير توحيد الأسماء والصفات إجمالا عند الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الثاني: ذكر جملة من الصفات الذاتية وكلام أبي حنيفة عنها

- ‌المبحث الثالث: ذكر جملة من الصفات الفعلية وكلام الإمام أبي حنيفة عنها

-

- ‌الباب الثالث: اعتقاده في الإيمان

- ‌الفصل الأول: مسمى الإيمان عند الإمام أبي حنيفة وهل يدخل فيه العمل

- ‌الفصل الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإيمان

- ‌الفصل الرابع: علاقة الإسلام بالإيمان

- ‌الفصل الخامس: حكم مرتكب الكبيرة

- ‌الباب الرابع: اعتقاده في بقية أصول الدين

- ‌ تمهيد

-

- ‌الفصل الأول: النبوات

- ‌المبحث الأول: الفرق بين النبي والرسول

- ‌المبحث الثاني: آيات الأنبياء

- ‌المبحث الثالث: عصمة الأنبياء

- ‌المبحث الرابع: من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

-

- ‌الفصل الثاني: اليوم الآخر

- ‌المبحث الأول: أشراط الساعة

- ‌المبحث الثاني: فتنة القبر

- ‌المبحث الثالث: البعث

- ‌المبحث الرابع: أحوال اليوم الآخر

- ‌الفصل الثالث: القدر

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأول: كراهية الخوض في القدر عند الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الثاني: مراتب القدر

- ‌المبحث الثالث: أفعال العباد

- ‌المبحث الرابع: الطوائف المنحرفة في القدر ورد الإمام أبي حنيفة عليها

- ‌الفصل الرابع: الصحابة

- ‌المبحث الأول: الإمام أبو حنيفة يحب جميع الصحابة ويتولاهم

- ‌المبحث الثاني: قول الإمام أبي حنيفة في المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما

- ‌المبحث الثالث: قول الإمام أبي حنيفة فيمن يتنقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبهم

- ‌الفصل الخامس: الإمامة

- ‌المبحث الأول: الإمامة في قريش

- ‌المبحث الثاني: إمامة الخلفاء الراشدين

- ‌المبحث الثالث: الخروج على الإمام الجائر

-

- ‌الباب الخامس: المقارنة بين عقيدة الإمام أبي حنيفة وأتباعه

-

- ‌الفصل الأول: المقارنة بين عقيدة الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي وأتباعه الماتريدية

- ‌المبحث الأول: المقارنة بين الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي أتباعه في المنهج

- ‌المبحث الثاني: المقارنة في مسائل أصول الدين

- ‌الفصل الثاني: مدى التزام الحنفية بعقيدة الإمام أبي حنيفة في التوحيد

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الرابع: علاقة الإسلام بالإيمان

‌الفصل الرابع: علاقة الإسلام بالإيمان

اختلف الناس في مسمى الإيمان والإسلام على مذاهب:

أحدها: أن الإسلام والإيمان شيء واحد وهما مترادفان، وهذا قول البخاري على ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح 1 والمزني 2، والمروزي 3، وابن مندة 4، وابن عبد البر 5 والبغوي 6 وأبو يعلى 7.

الثاني: التفريق بين الإسلام والإيمان، فالإسلام الكلمة، والإيمان العمل. وهذا قول الزهري 8.

1 فتح الباري 1/114.

2 مسند أبي عوانة 1/49.

3 تعظيم قدر الصلاة 1/418، 2/506، 535.

4 الإيمان لابن مندة 1/321.

5 التمهيد 9/247-250.

6 شرح السنة 1/10.

7 مسائل الإيمان للقاضي أبي يعلى ص429.

8 مختصر سنن أبي داود 7/49.

ص: 433

الثالث: قول طائفة أجابوا بما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإسلام والإيمان، حيث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالإيمان بالأصول الستة، ذكره ابن أبي العز 1 ولم ينسبه لأحد.

الرابع: ان النسبة بين الإسلام والإيمان عموم وخصوص مطلق. فالإسلام أعم مطلقا والإيمان أخص مطلقا، وذلك أن الإسلام اسم لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسم لما بطن من الاعتقاد كما في حديث جبريل. فدل على أن المسلم قد يكون مؤمنا. وقد لا يكون مؤمنا أما المؤمن فهو مسلم في جميع الأحوال، فالمسلم أعم مطلقا والمؤمن أخص مطلقا. فكل مؤمن مسلم ولا عكس إذ يجوز أن يكون مسلما ولا يكون مؤمنا. وإليه ذهب الإمام أبو سليمان الخطابي 2.

الخامس: أن الإيمان والإسلام يتفقان في موطن إذا أفردا ويختلفان في موطن آخر إذا ذكرا معا، فقد يطلق الإسلام ويراد به ما يشمل الإيمان، ويطلق الإيمان ويراد به ما يشمل الإسلام كذلك، وقد يذكر الإسلام ولا يراد به الإيمان وقد يطلق الإيمان ولا يراد به الإسلام.

وحاصل هذا المذهب أن الإسلام والإيمان إذا افترقا اجتمع مدلولهما، وإذا اجتمعا اختلف مدلولهما، وهذا قول أبي بكر الإسماعيلي 3 وابن الصلاح 4 وشيخ الإسلام 5 وابن رجب 6 وابن

1 شرح العقيدة الطحاوية ص 382.

2 مختصر سنن أبي داود 7/49، 50..

3 جامع العلوم والحكم 1/64.

4 شرح مسلم للنووي 1/147-148.

5 انظر كتاب الإيمان ص246، 257.

6 جامع العلوم والحكم 1/67، 72.

ص: 434

أبي العز 1. أما أبو حنيفة فهل الإسلام والإيمان عنده بمعنى واحد؟ أم أن أحدهما غير الآخر؟

فالذي ورد في الفقه الأكبر برواية ابنه حماد ما حاصله أن الإسلام والإيمان بينهما فرق من ناحية اللغة، فالإسلام هو التسليم والانقياد لأوامر الله، والإيمان هو التصديق كما تقدم تقرير مذهبه، فيطلق الإسلام على الأعمال ظاهرة والإيمان على التصديق.

وأما من ناحية الشرع فبين الإسلام والإيمان تلازم فلا يوجد إسلام بلا إيمان ولا إيمان بلا إسلام.

قال أبو حنيفة: "والإسلام هو التسليم والانقياد لأوامر الله تعالى، فمن طريق اللغة فرق بين الإسلام والإيمان، ولكن لا يكون إيمان بلا إسلام، ولا يوجد إسلام بلا إيمان فهما كالظهر مع البطن. والدين اسم واقع على الإيمان والإسلام والشرائع كلها 2"3.

وهذا يدل دلالة صريحة على المغايرة بين مسمى الإيمان والإسلام في اللغة لكنهما في الشرع متلازمان.

هذا وقد شرح المغنساوي كلام الإمام أبي حنيفة هذا على وفق ما تقدم ذكره وكذا القاري4.

1 شرح العقيدة الطحاوية ص383-384.

2 الفقه الأكبر ص304، 305.

3 لم أقف على مثل هذا الكلام في الكتب الأخرى عن أبي حنيفة، ومن المعلوم أن الفقه الأكبر لم يثبت أن كل ما فيه من كلام أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا سيما مثل هذه المباحث الكلامية الدقيقة الغامضة التي لم تكن في الصدر الأول، وإنما وجدت بعد تطور التأليف والتدوين في علم الكلام والتفريعات والتخريجات على كلام الأئمة.

4 شرح الفقه الأكبر ص130، 131.

ص: 435

وزاد المغنساوي قائلا في شرح كلام أبي حنيفة: "ولا يوجد إسلام بلا إيمان: لأن الإسلام هو التسليم والانقياد لأوامر الله تعالى وذلك لا يوجد إلا بعد التصديق والإقرار، فلا يعقل بحسب الشرع مؤمن ليس بمسلم، أو مسلم ليس بمؤمن، وهذا مراد القوم بترادف الاسمين واتحاد المعنى"1.

قلت: مراده بالقوم هاهنا الحنفية الماتريدية ومعنى ترادف الاسمين مع اتحاد المعنى أن يكون لمسمى واحد اسمان فما فوق.

قال الجرجاني: "الترادف عبارة عن الاتحاد في المفهوم وقيل: هو توالي الألفاظ المفردة على شيء واحد باعتبار واحد"2.

أما الحنفية الماتريدية فنجد بعضهم يصرح بأن الإسلام والإيمان مترادفان: منهم أبو المعين النسفي فقد قال: "فصل. وإذا عرف أالإيمان هو التصديق؛ عُرف أن الإيمان والإسلام واحد. والاسمان من قبيل الأسماء المترافة وكل مسلم مؤمن وكل مؤمن مسلم"3.

ونرى بعضهم يصرح بأنهما واحد، كنور الدين الصابوني فقد قال: "ثم إن الإسلام والإيمان واحد عندنا خلاف أصحاب الظواهر وذلك أن الإيمان تصديق الله تعالى فيما أخبر من أمره ونواهيه والإسلام هو الانقياد

1 شرح الفقه الأكبر للمغنساوي ص35. يعني المغنساوي أن المراد من الترادف الواقع في كلام أبي حنيفة ليس هو الترادف الاصطلاحي وهو كون الاثنين لمسمى واحد كالأسد والغضنفر لهذا الحيوان المفترس، بل يقصد أبو حنيفة بالترادف التلازم بمعنى أن الإيمان لا ينفك عن الإسلام وهما متلازمان في الوجود شرعا وإن كان بينهما اختلاف في المفهوم لغة.

2 التعريفات ص77، ط / دار الكتاب العربي.

3 تبصرة الأدلة ص341/أ.

ص: 436

والخضوع للألوهية فالإيمان لا ينفك عن الإسلام حكما فلا يتغايران" 1.

وعمر النسفي فقد قال: "والإيمان والإسلام واحد"2.

وقال التفتازاني 3 في تعليل هذا القول: عين ما نقلت عن الصابوني آنفا وهكذا عبد الله النسفي فقد صرح بأنهما واحد، وقال في تفسيره لقوله تعالى:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} "سورة الذريات: الآيتان 35-36".

قال: "وفيه دليل على أن الإسلام والإيمان واحد"4.

والذي يظهر لي أن هؤلاء الذين قالوا بالترادف لا يقصدون الترادف الاصطلاحي بمعنى أن الإسلام والإيمان اسمان لمسمى واحد، بل يقصدون أن الإسلام والإيمان في الشرع لا ينفك أحدهما عن الآخر، فهما متلازمان. وهذا يوافق ما قاله أبو حنيفة في الفقه الأكبر، ولذلك قال المغنساوي في التوفيق بين قول من قال بالترادف ومن قال بالتلازم:"وهذا مراد القوم بترادف الاسمين واتحاد المعنى"5.

وقد علمنا مما تقدم من قول الصابوني، وشارح الفقه الأكبر المغنساوي أن معنى ترادف الإسلام والإيمان كونهما متلازمين، فيرجع هذا القول في المعنى إلى ما تقدم عن الإمام أبي حنيفة من التغاير مع التلازم بين الإسلام والإيمان. أما ما ذكره أبو المعين النسفي فلا يتفق مع مذهب

1 البداية ص157.

2 العقيدة النسفية مع شرحها للتفتازاني ص128 ط/ الهندية..

3 العقيدة النسفية مع شرحها للتفتازاني ص128.

4 مدارك التنزيل 3/419.

5 شرح الفقه الأكبر للمغنساوي ص35.

ص: 437

أبي حنيفة ويلزم منه على قوله أن الإيمان هو التصديق، وأن الإسلام كذلك هو التصديق.

قال ابن أبي العز في مناقشة القول بأن الإسلام والإيمان مترادفان: "وطائفة جعلوا الإسلام مرادفا للإيمان

مع أنهم قالوا: إن الإيمان هو التصديق بالقلب ثم قالوا: الإسلام والإيمان شيء واحد فيكون الإسلام هو التصديق، وهذا لم يقله أحد من أهل اللغة وإنما هو الانقياد والطاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم لك أسلمت وبك آمنت" 1

"2.

واستدل أبو المعين النسفي بما يأتي:

1-

قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} "سورة آل عمران: الآية85".

2-

قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ} "سورة آل عمران: الآية19".

3-

قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} "سورة الذريات: الآيتان 35-36".

4-

وقوله تعالى حكاية عن موسى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} "سورة يونس: الآية84".

5-

وقوله تعالى: {إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} "سورة الروم: الآية53".

1 أخرجه البخاري كتاب قيام الليل باب التهجد 3/2 ح"1120"، ومسلم كتاب صلاة المسافرين باب الدعاء في صلاة الليل 1/533 ح"769"، كلاهما من طريق طاوس عن ابن عباس.

2 شرح العقيدة الطحاوية ص382، 3853.

ص: 438

6-

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة" 1، وفي رواية:"إلا نفس مسلمة"2.

الجواب عن أدلة أبي معين النسفي:

"أ" أن يقال: إن غاية ما في هاتين الآيتين: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ

} {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ} أن كل دين غير دين الإسلام باطل. وليس فيهما إشارة إلى أن الإسلام المذكور في هاتين الآيتين هو الإسلام الشرعي المتضمن للإيمان الشرعي. وليس المراد بالإسلام في هاتين الآيتين الانقياد ظاهرا فقط، فلا دلالة في هذه الآية على أن الإسلام والإيمان مترادفان.

"ب" أما قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} .

فغاية ما في هذه الآية جواز إطلاق المؤمن على المسلم وليس فيهما إشارة إلى ترادفهما.

قال ابن أبي العز: "فلا حجة فيه لأن أهل البيت المُخرَج كانوا متصفين بالإسلام والإيمان ولا يلزم من الاتصاف بهما ترادف"3.

وأيضا رد هذا الاستدلال أحد أئمة الحنفية الماتريدية الهندية

1 أخرجه أحمد 1/79، والترمذي كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة التوبة 5/276 ح"3092"، والحاكم في المستدرك 4/178، جميعهم من طريق زيد بن يثبع عن علي بن أبي طالب. قال الترمذي:"هذا حديث حسن" وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي.

2 أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه 1/105، 106 ح"178" من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة.

3 شرح العقيدة الطحاوية ص387 ط دار البيان.

ص: 439

عبد العزيز الفريهاري حيث قال: "الاستثناء لا يلزم اتحاد االمستثنى والمستثنى منه، بل يجوز أن يكون الأول أعم، كقولك أخرجنا العلماء فلم نجد إلا النحاة"1.

"ج" وأما الاستدلال بقوله تعالى حكاية عن موسى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} "سورة يونس: الآية84".

وقوله تعالى: {إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} "سورة الروم: الآية53".

يقال: غاية ما في هاتين الآيتين صحة إطلاق المسلم على المؤمن لأن الإسلام والإيمان مترادفان أعني أن هؤلاء كانوا مسلمين مؤمنين ولا يلزم من ذلك الترادف بين الإسلام والإيمان، أو أن كل مؤمن مسلم، كإطلاق الكتاب على القرآن فهما ليسا مترادفين؛ إذ كل منهما يدل على معنى في القرآن، وإن كان المسمى واحدا وهو كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

وأما قوله تعالى: {إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} "سورة الروم: الآية53".

ففيه أن من آمن الإيمان الشرعي المتضمن الإقرار والعمل، فلا شك أنه مسلم لكن ليس فيه دليل على كون الإيمان والإسلام مترادفين.

قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآية: "لأن الذي يؤمن بآياتنا إذا سمع كتاب الله تدبره وفهمه وعقله وعمل بما فيه وانتهى إلى حدود الله الذي حد فيه فهو الذي سمع السماع النافع"2.

1 النبراس ص413.

2 تفسير ابن جرير 21/56.

ص: 440

"د" وأما الاستدلال بحديث: "لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة"، وفي رواية:"إلا نفس مسلمة".

يقال: غاية ما في هذا الحديث جواز إطلاق المؤمن على المسلم وبالعكس، لكن هل فيه أن الإسلام والإيمان مترادفان، بمعنى أنهما اسمان لمفهوم واحد؟

لأن النفس المؤمنة التي تدخل الجنة هي مسلمة، وكذا النفس المسلمة التي تدخل الجنة هي مؤمنة. وليس المراد من الإسلام الانقياد ظاهرا كإسلام المنافقين، كما أنه ليس المراد من الإيمان مجرد التصديق بدون العمل والإقرار؛ فهذا لم يقصده رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الذي صدق بقلبه فقط ولم يقر بلسانه ولم يعمل بالأركان فهذا ليس من المؤمنين، كما أنه ليس من المسلمين؛ فلا يدخل الجنة.

الترجيح:

الذي يظهر لي أن الراجح قول من يقول إن الإسلام والإيمان يتفقان في موطن ويختلفان في موطن آخر، فقد يطلق الإيمان ويراد به الإسلام، وبالعكس، وقد يطلق الإسلام على الأعمال الظاهرة، ويطلق الإيمان على الأعمال القلبية؛ لأنه قول وسط وبه تجمع النصوص الشرعية المختلفة، لأن للإيمان حقيقة لغوية وحقيقة شرعية، وهكذا للإسلام حقيقة لغوية وحقيقة شرعية. فباعتبار الحقيقة اللغوية يفترق الإسلام والإيمان، وباعتبار الحقيقة الشرعية يتضمن الإيمان الإسلام.

وكذا يستلزم الإيمان الإسلام هذا مقتضى النصوص الواردة في الكتاب والسنة.

وحاصل هذا المذهب أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا اختلفا في

ص: 441

مدلولهما وإذا افترقا اجتمعا في مدلولهما، وذلك مثل ألفاظ الفقير مع المسكين والبر مع التقوى والفحشاء مع المنكر، والخير والمعروف، والإثم والعدوان 1 ونحوهما من الألفاظ التي فيها اشتراك في موطن وافتراق في موطن آخر بحسب التقييد والإطلاق. فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الإسلام والإيمان في حديث جبريل؛ ففسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال القلبية، فالإسلام في هذا الحديث الإيمان المقيد باعتقاد القلب، وليس المراد من الإسلام والإيمان الإيمان المطلق، والإسلام المطلق، لأن الإيمان المطلق يتضمن الإسلام والإسلام المطلق يتضمن الإيمان.

ففي حديث جبريل لما اجتمع الإسلام والإيمان افترق مدلوهما وترى في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ} "سورة آل عمران: الآية19" ذكر الإسلام بدون الإيمان.

فالمراد من الإسلام هنا الإسلام المطلق الشامل للإيمان، لأنه ليس المراد الإسلام الظاهر فقط، بل المراد الإسلام الذي يشمل الأعمال الظاهرة والأعمال القلبية، وهكذا لفظ الإيمان في حديث:"لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة" يراد به الإيمان المطلق المتضمن للإسلام، وليس المراد بالإيمان هنا الإيمان المقيد الذي هو التصديق بالقلب فقط دون الإقرار باللسان والعمل بالأركان، ولذلك صح لنا أن نقول: إذا افترق الإيمان والإسلام اتفق مدلولهما. ثم يجب ألا يفهم أحد من قولنا: إذا اجتمعا افترقا أن الفرق بين الإسلام والإيمان فرق التباين والمغايرة الضدية بحيث لا يجتمعان في محل واحد كما هو الشأن في المتضادين المتباينين، لأن هذا المعنى ليس

1 انظر كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ص153-159، وشرح العقيدة الطحاوية ص392، ط. المكتب الإسلامي.

ص: 442

المقصود من التفريق، بل المراد من هذا التفريق بين الإسلام والإيمان أن لكل واحد مسمى غير الآخر مع التلازم بينهما تلازم الروح والبدن، فقد شبه شيخ الإسلام التلازم والتباين بين الإسلام والإيمان بالروح والبدن، فالروح شيء والبدن شيء إلا أنه لا حياة للبدن بلا روح والروح لا بد لها من بدن. فالإيمان كالروح والإسلام كالبدن فهما متلازمان، لا أن مسمى أحدهما غير الآخر 1.

قال ابن أبي العز مبينا ارتباط الإسلام والإيمان: "لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له، إذاً لا يخلو المؤمن من إسلام به يتحقق إيمانه، ولا يخلو المسلم من إيمان يصح به إسلامه"2.

فالمقصود أن الفرق بين الإسلام والإيمان ليس للتضاد والتباين بل لأجل أن لكل منهما حقيقة لغوية وشرعية يجب اعتبارها، مع التلازم بينهما بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر كالشهادتين، لأنه لكل من الشهادتين 3 حقيقة غير حقيقة الأخرى، مع التلازم بينهما، وعدم انفكاك إحداهما عن الأخرى.

1 مجموع الفتاوى 7/367.

2 شرح العقيدة الطحاوية ص392، ط/ المكتب الإسلامي ط/ الخامسة.

3 شرح العقيدة الطحاوية ص392، ط/ المكتب الإسلامي.

ص: 443