الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: آيات الأنبياء
اقتضت حكمة الله تعالى أن يؤيد رسله وأنبياءه بآية تدل على صدق دعواهم، كالناقة لصالح، والعصا، واليد لموسى، وكخلق الطير من الطين وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى لعيسى عليهم السلام، وكانشقاق القمر لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كل هذه الآيات والعلامات دالة على نبوة الأنبياء بالإضافة إلى ما جبلوا عليه وعرفوا به من مكارم الأخلاق وأعلاها. فهم نماذج عليا بين قومهم في أخلاقهم ومعاملاتهم وفي بعدهم عن ارتكاب القبائح التي تنفر منها العقول السليمة والطباع المستقيمة، كالخيانة والغدر والفجور والكذب والحقد والحسد أو زيغ كاتخاذ الوثن وعبادة الصنم.
فأخلاق الأنبياء وسلوكهم آية على صدقهم بدعواهم للنبوة. هذا ما أشار إليه أبو حنيفة فقد قال: "ومحمد عليه الصلاة والسلام نبيه وعبده ورسوله وصفيه ونقيه، لم يعبد الصنم، ولم يشرك بالله تعالى طرفة عين قط"1.
1 الفقه الأكبر ص303.
وقال: "الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم منزهون عن الصغائر والكبائر والكفر والقبائح"1.
ويثبت الإمام أبو حنيفة جميع آيات الأنبياء الواردة في الكتاب والسنة، دل على هذا قوله:"والآيات ثابتة للأنبياء، والكرامات للأولياء حق. وأما التي تكون لأعدائه مثل إبليس وفرعون والدجال مما روي في الأخبار أنه كان ويكون لا نسميها آيات، ولكن نسميها قضاء حاجات لهم، وذلك لأن الله تعالى يقضي حاجات أعدائه استدراجا لهم وعقوبة لهم، فيغترون به ويزدادون طغيانا، وذلك جائز وممكن"2.
فسمى أبو حنيفة ما يحصل للأنبياء من الخوارق آيات، وتسمى عند السلف دلائل النبوة وأعلام النبوة، ويسميها المتكلمون معجزات، لكن تسميتها آية أدل على المقصود من لفظ المعجزة فلا يوجد في الكتاب والسنة إلا لفظ الآية، وكذا لفظ البينة والبرهان، ثم إن لفظ الآية خاص فيما يحصل للأنبياء من خوارق أما المعجزة فقد يطلق على خوارق الأولياء إذ ليس فيه ما يقتضي اختصاص الأنبياء به 3.
وكذلك يثبت أبو حنيفة الكرامة للأولياء، وهي أمر خارق للعادة يجريها الله على يد عبد صالح متبع للشرع غير مقارن بدعوى النبوة، فإذا كان غير متبع لشرع الله ولا موافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فهو استدراج وإهانة 4.
1 الفقه الأكبر ص303.
2الفقه الأكبر ص304.
3 انظر الجواب الصحيح 4/67-70.
4 انظر التعريفات ص184.
وقد اشتمل كلام أبي حنيفة المتقدّم على ذكر هذه الأقسام الثلاثة.
وقرر الطحاوي الكرامة في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه حيث قال: "ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم"1. هذا ولقد جاء ذكر الكرامات في القرآن من ذلك قوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} "سورة آل عمران: الآية37".
وكذا ذكر كرامات بعض الصالحين في السنة، من ذلك تكلم الطفل ببراءة جريج الراهب من الفاحشة 2، وانفراج الصخرة على الثلاثة الذين في الغار بعد أن وقعت عليهم وسدت المنافذ 3.
وكرامات الأولياء داخلة في آيات الأنبياء لأنها دالة على صدقهم، وأن متبّعيهم على الحق والهدى. لذلك كان من أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء. قال شيخ الإسلام:"ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء وما يجريه الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات كالمأثور عن سالف هذه الأمة في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة"4.
1 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص 59.
2 قصة جريج الراهب، انظر صحيح مسلم كتاب البر والصلة باب تقديم بر الوالدين على التطوع 4/1976 ح255.
3 تقدم تخريجه ص270.
4 مجموع الفتاوى شيخ الإسلام 3/156.