الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الطوائف المنحرفة في القدر ورد الإمام أبي حنيفة عليها
المنحرفون في القدر طرفان متقابلان: طرف يثبت قدر الله سبحانه وتعالى، وغالوا فيه حتى جعلوا العبد مجبورا على فعله، ولم يثبتوا له فعلا ولا كسبا على الحقيقة، بل جعلوه كالريشة في الهواء، وجعلوا نسبة الفعل إلى العبد كنسبتها إلى الجماد، كما يقال: زالت الشمس، ودارت الرحى، وسقط الجدار. هؤلاء يسمون الجبرية 1.
وطرف غالوا في النفي وقالوا: لا قدر، والأمر أُنُف، وجعلوا الإنسان خالقا لأفعاله. وهؤلاء هم القدرية 2. وقد بسط الرد عليهم الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر بما لم يبسطه في غيره، وأتباعه متفقون على أن هذا هو مذهبه، وفي هذا يقول شيخ الإسلام: "إن أبا حنيفة من المقرين بالقدر باتفاق أهل المعرفة به وبمذهبه، وكلامه في الرد على القدرية معروف في الفقه الأكبر وقد بسط الحجج في الرد عليهم بما لم يبسطه على غيرهم في هذا الكتاب، وأتباعه متفقون على أن هذا هو مذهبه وهو مذهب الحنفية المتبعين له. ومن انتسب إليه في الفروع وخرج عن هذا من
1 انظر الفرق بين الفرق ص211؛ وشفاء العليل ص109.
2 انظر الفصل 3/22؛ والملل والنحل 1/43؛ وشفاء العليل ص109.
المعتزلة ونحوهم، فلا يمكنه أن يحكى هذا القول عنه بل هم عند أئمة الحنفية، الذين يفتي بقولهم مذمومون معيبون من أهل البدع والضلالة" 1.
وإليك نماذج من كلام الإمام أبي حنيفة في الرد على القدرية والجبرية.
قال الإمام أبو حنيفة: "وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خلقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره، والطاعات كلها كانت واجبة بأمر الله تعالى وبمحبته وبرضاه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره، والمعاصي كلها بعلمه وقضائه وتقديره ومشيئته لا بمحبته ولا برضائه ولا بأمره"2.
وقال: "خلق الله تعالى الخلق سليما من الكفر والإيمان 3 ثم خاطبهم وأمرهم ونهاهم، فكفر من كفر بفعله وإنكاره وجحوده الحق بخذلان الله تعالى إياه، وآمن من آمن بفعله وإقراره وتصديقه بتوفيق الله تعالى ونصرته له"4.
وقال: "وأخرج ذريّة آدم من صلبه على صورة الذر فجعلهم عقلاء، فخاطبهم وأمرهم بالإيمان ونهاهم عن الكفر فأقروا له بالربوبية فكان ذلك منهم إيمانا فهم يولدون على تلك الفطرة، ومن كفر بعد ذلك فقد بدّل وغيّر ومن آمن وصدّق فقد ثبت عليه وداوم"5.
1 منهاج السنة 3/139.
2 الفقه الأكبر ص303.
3 الفقه الأكبر ص302، 303.
4 الفقه الأكبر ص303.
5 الصواب خلق الله تعالى الخلق على فطرة الإسلام كما سيبينه أبو حنيفة في قوله الآتي.
وقال: "وهو الذي قدّر الأشياء وقضاها ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره وكتبه في اللوح المحفوظ"1.
وقال: "ولم يجبر أحدا من خلقه على الكفر ولا على الإيمان، ولكن خلقهم أشخاصا، والإيمان والكفر فعل العباد، ويعلم الله تعالى من يكفر في حال كفره كافرا، فإذا آمن بعد ذلك علمه مؤمنا وأحبّه من غير أن يتغيّر علمه"2.
1 الفقه الأكبر ص302.
2 الفقه الأكبر ص303.