المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: ما يناقض توحيد الألوهية - أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة

[محمد بن عبد الرحمن الخميس]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

-

- ‌الباب الأول: في ترجمة الإمام أبي حنيفة وبيان منهجه في تقرير أصول الدين

-

- ‌الفصل الأول: ترجمة الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الأول: حياته الشخصية

- ‌المبحث الثاني: حياته العلمية

- ‌المبحث الثالث: دراسة موجزة لمؤلفاته في أصول الدين

-

- ‌الفصل الثاني: منهجه في تقرير أصول الدين

- ‌المبحث الأول: مصادر العقيدة عند الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الثاني: موقفه من علم الكلام

- ‌المبحث الثالث: موقفه من الفرق الكلامية

-

- ‌الباب الثاني: بيان اعتقاده في التوحيد

-

- ‌الفصل الأول: توحيد الربوبية

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: معنى توحيد الربوبية وخصائصه

- ‌المبحث الثاني: مناظرة الإمام أبي حنيفة للملاحدة في إنكارهم الخالق ونقده لطريقة المتكلمين في تقرير الربوبية

- ‌المبحث الثالث: منهج الإمام أبي حنيفة في تقرير الربوبية

-

- ‌الفصل الثاني: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: تقرير توحيد الألوهية عند السلف

- ‌المطلب الأول: معنى توحيد الألوهية وخصائصه

- ‌المطلب الثاني: في "المراد بالعبادة

- ‌المطلب الثالث: ما يناقض توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني: عقيدة الإمام أبي حنيفة في التوسل إلى الله

-

- ‌الفصل الثالث: توحيد الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تقرير توحيد الأسماء والصفات إجمالا عند الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الثاني: ذكر جملة من الصفات الذاتية وكلام أبي حنيفة عنها

- ‌المبحث الثالث: ذكر جملة من الصفات الفعلية وكلام الإمام أبي حنيفة عنها

-

- ‌الباب الثالث: اعتقاده في الإيمان

- ‌الفصل الأول: مسمى الإيمان عند الإمام أبي حنيفة وهل يدخل فيه العمل

- ‌الفصل الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإيمان

- ‌الفصل الرابع: علاقة الإسلام بالإيمان

- ‌الفصل الخامس: حكم مرتكب الكبيرة

- ‌الباب الرابع: اعتقاده في بقية أصول الدين

- ‌ تمهيد

-

- ‌الفصل الأول: النبوات

- ‌المبحث الأول: الفرق بين النبي والرسول

- ‌المبحث الثاني: آيات الأنبياء

- ‌المبحث الثالث: عصمة الأنبياء

- ‌المبحث الرابع: من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

-

- ‌الفصل الثاني: اليوم الآخر

- ‌المبحث الأول: أشراط الساعة

- ‌المبحث الثاني: فتنة القبر

- ‌المبحث الثالث: البعث

- ‌المبحث الرابع: أحوال اليوم الآخر

- ‌الفصل الثالث: القدر

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأول: كراهية الخوض في القدر عند الإمام أبي حنيفة

- ‌المبحث الثاني: مراتب القدر

- ‌المبحث الثالث: أفعال العباد

- ‌المبحث الرابع: الطوائف المنحرفة في القدر ورد الإمام أبي حنيفة عليها

- ‌الفصل الرابع: الصحابة

- ‌المبحث الأول: الإمام أبو حنيفة يحب جميع الصحابة ويتولاهم

- ‌المبحث الثاني: قول الإمام أبي حنيفة في المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما

- ‌المبحث الثالث: قول الإمام أبي حنيفة فيمن يتنقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبهم

- ‌الفصل الخامس: الإمامة

- ‌المبحث الأول: الإمامة في قريش

- ‌المبحث الثاني: إمامة الخلفاء الراشدين

- ‌المبحث الثالث: الخروج على الإمام الجائر

-

- ‌الباب الخامس: المقارنة بين عقيدة الإمام أبي حنيفة وأتباعه

-

- ‌الفصل الأول: المقارنة بين عقيدة الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي وأتباعه الماتريدية

- ‌المبحث الأول: المقارنة بين الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي أتباعه في المنهج

- ‌المبحث الثاني: المقارنة في مسائل أصول الدين

- ‌الفصل الثاني: مدى التزام الحنفية بعقيدة الإمام أبي حنيفة في التوحيد

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثالث: ما يناقض توحيد الألوهية

وصيام وحج، وكذا الجهاد العملي لأعداء الإسلام، وسائر الواجبات المندوبات. فهذه المطالب هي نصيب الجوارح من عبادة الله تعالى 1.

وبها البيان يتضح لنا شمول العبادة لحياة المسلم كلها المتضمنة لأقواله وأفعاله الظاهرة والباطنة وما ينطوي عليه ضميره من نية وقصد.

ص: 254

‌المطلب الثالث: ما يناقض توحيد الألوهية

تقدم أن جميع الأنبياء والرسل كان أول دعوتهم إلى عبادة الله وحده والبراءة من الشرك بأنواعه وألوانه وصوره. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} " سورة النحل: الآية36".

ولقد جاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالتوحيد والنهي عن الشرك، وحذر منه أبلغ التحذير.

قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا "2.

وسئل عليه الصلاة والسلام أي الذنب أعظم عند الله؟ فقال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك "3.

وقد أخبر الله بأن كل ذنب يغفره إن شاء ما عدا الشرك:

1 انظر مدارج السلكين 1/109-122 بتصرف.

2 تقدم تخريجه ص216.

3 أخرجه البخاري: كتاب الأدب باب قتل الولد خشية أن يأكل معه 10/433 ح6001 من طريق عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود.

ص: 254

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} "سورة النساء: الآية48".

وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} "سورة المائدة: الآية72".

قال ابن كثير: "أخبر تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به، أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به، ويغفر ما دون ذلك أي من الذنوب لمن يشاء، أي من عباده"1.

وقال صاحب تيسير العزيز الحميد: "وإنما كان كذلك لأنه أقبح القبح، وأظلم الظلم، إذ مضمونه تنقص رب العالمين، وصرف خالص حقه لغيره وعدل غيره به.

قال تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} "سورة الأنعام: الآية1".

ولأنه مناقض للمقصود بالخلق والأمر، مناف له من كل وجه، وذلك غاية المعاندة لرب العالمين، والاستكبار عن طاعته، والذل له والانقياد لأمره الذي لا صلاح للعالم إلا بذلك. فمتى خلا منه خرب العالم وقامت القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم:"لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله "2.

ولأن الشرك تشبيه للمخلوق بالخالق تعالى وتقدس، في خصائص الألوهية من ملك الضر والنفع والعطاء والمنع الذي يوجب تعلق الدعاء

1 تفسير ابن كثير 2/308 ط دار الأندلس.

2 أخرجه مسلم: كتاب الإيمان باب ذهاب الإيمان في آخر الزمان 1/131 ح234 من طريق ثابت عن أنس بن مالك.

ص: 255

والخوف والرجاء والتوكل وأنواع العبادة كلها لله وحده، فمن علق شيئا من ذلك لمخلوق فقد شبهه بالخالق" 1.

فعلى كل مسلم ـ يريد أن يخلص نفسه وينجيها من الوقوع فيما ينافي ويناقض شهادته بأنه لا إله إلا الله ـ أن يعرف التوحيد من الشرك معرفة تامة، وأن يميز بين الحق والباطل، والهدى والضلال، فمن لا يميز بين ما هو من الإسلام وما ليس منه فقد اختلط عليه الأمر، والنتيجة التي تحصل منها انتقاض إسلامه وجهل مقاصد دينه الذي أهم مقصد فيه على الإطلاق توحيد الباري جل وعلا والبراءة من الإشراك به. قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى شارحا ما يروى عن أمير المؤمنين عمر بن بالخطاب رضي الله عنه:"إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية""وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية والشرك، وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره ودعا إليه وصوبه وحسنه، وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه أهل الجاهلية أو نظيره أو شر منه أو دونه، فينقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه ويعود المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والبدعة سنة، والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان، وتجريد التوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عيانا والله المستعان"2.

ثم الشرك أقسام:

شرك أكبر: وهو مناف للتوحيد بالكلية ومخرج من الملة لا يغفره الله إلا بالتوبة منه وجزاؤه الخلود في النار إذا مات عليه.

1 تيسير العزيز الحميد ص115.

2 مدارج السالكين 1/344.

ص: 256

قال ابن القيم في بيان الشرك الأكبر: "وهو أن يتخذ من دون الله ندا يحبه كما يحب الله، وهو الشرك الذي يتضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين، ولهذا قالوا لآلهتهم في النار: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} "سورة الشعراء: الآية98".

مع إقرارهم بأن الله وحده خالق كل شيء وربه ومليكه، وأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق ولا تحيي ولا تميت، وإنما كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة

" 1.

وفصَّل الشيخ عبد الرحمن 2 بن حسن آل الشيخ أنواع الشرك الأكبر فقال: وهو أربعة أنواع:

النوع الأول: شرك الدعوة أي الدعاء، والدليل قوله تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} "سورة العنكبوت: الآية65".

النوع الثاني:

شرك النية والإرادة والقصد، والدليل قوله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} "سورة هود: الآية15".

1 مدارج السالكين 1/33.

2 هو عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قال عنه ابن بشر: "العالم النحرير البحر الزاخر

جامع أنواع العلوم الشرعية ومحقق العلوم الدينية والأحاديث النبوية

قاضي قضاة الإسلام والمسلمين

صنّف مصنفات في الأصول والفروع" ومن جملة مصنفاته فتح المجيد وقرة عيون الموحدين توفي سنة 1285هـ. انظر عنوان المجد لابن بشر 2/20.

ص: 257

النوع الثالث:

شرك الطاعة، والدليل قوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} "سورة التوبة: الآية31".

وتفسيرها الذي لا إشكال فيه طاعة العلماء والعُبّاد في المعصية لا دعاؤهم إياهم، كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله ـ عدي بن حاتم ـ فقال:"لسنا نعبدهم" فذكر له: "أن عبادتهم طاعتهم في المعصية"1.

النوع الرابع:

شرك المحبة، والدليل على قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} "سورة البقرة: الآية165"2.

أما القسم الثاني من أقسام الشرك فهو الأصغر، وإنما قيل عنه كذلك لأنه لا يخرج من الملة بخلاف الأكبر.

قال ابن القيم رحمه الله في كلامه على هذا القسم: "وأما الشرك الأصغر: فكيسير الرياء، والتصنع والحلف بغير الله كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم

1 أخرجه الترمذي: كتاب تفسير القرآن باب من سورة التوبة 5/278 ح3905، وابن جرير الطبري في التفسير 10/114، والبيهقي في السنن 10/116 جميعهم من طريق مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم، قال الترمذي:"هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وعطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث".

2 مجموعة التوحيد ص347، 348.

ص: 258

أنه قال: "من حلف بغير الله فقد أشرك " 1 وقول الرجل للرجل: "ما شاء الله وشئت" و"هذا من الله ومنك" و"أنا بالله وبك" و"ومالي إلا الله وأنت" و"أنا متوكل على الله وعليك" ، و"لولا أنت لم يكن كذا وكذا".

وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب قائله ومقصده. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل قال له: "ما شاء الله وشئت""أجعلتني لله ندا؟ قل: ما شاء الله وحده"2. وهذا اللفظ أخف من غيره من الألفاظ" 3.

1 أخرجه أحمد في المسند 2/69، 86، وأبو داود: كتاب الأيمان والنذور باب كراهية الحلف بالآباء 3/570 ح3251.

والترمذي في كتاب النذور والأيمان باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله 4/110 ح1535.

والبيهقي في السنن 10/29.

والحاكم في المستدرك 1/18.

جميعهم من طريق سعد بن عبيدة عن ابن عمر ولفظه عند الترمذي والبيهقي: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ". ولفظه عند الحاكم: "من حلف بغير الله كفر".

قال الترمذي على إثره: "هذا حديث حسن".

وقال الحاكم: "هذا حديث على شرط الشيخين فقد احتجا بمثل هذا الإسناد".

وأقره الذهبي في التلخيص.

2 أخرجه أحمد في المسند 1/214.

* والبخاري في الأدب ص274 ح783.

* والنسائي في عمل اليوم والليلة ص545، 546.

* وابن ماجه: كتاب الكفارات باب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت 1/284 ح2117 بنحو هذا اللفظ.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه 2/136.

:"هذا إسناد فيه الأجلح بن عبد الله مختلف فيه، ضعفه الإمام أحمد وأبو حاتم والنسائي وأبو داود وابن سعد ووثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان العجلي وباقي رجال الإسناد ثقات".

3 مدارج السالكين 1/344.

ص: 259

هذا هو الشرك بقسميه فواجب على المسلم أن يحذر من الوقوع فيه حفاظا على عقيدته وتوحيده.

ص: 260

المطلب الرابع: أقوال لأبي حنيفة وبعض1 أتباعه تتعلق بالشرك وأنواعه ووسائله

جاء عن الإمام أبي حنيفة وبعض أتباعه النهي عن أنواع من الشرك الأكبر والأصغر.

كالدعاء، والاستغاثة بغير الله 2، والسجود لغير الله 3، والنذر لغير الله 4، والذبح لغير الله 5.

واعتقاد أن الأولياء لهم تصرف 6 في الكون مع الله، أو اعتقاد أن

1 كلام المتقدمين كأبي حنيفة وأصحابه الأوائل عن الشرك وأنواعه ووسائله قليل لأن بدع القبورية لم تكن موجودة وإنما كانوا يتكلمون في بعض هذه المسائل عرضا إذا وردت في النصوص بخلاف ما عليه المتأخرون من أتباع أبي حنيفة فقد بسطوا القول في تلك المسائل كما هو ظاهر من النماذج الآتية من نصوصهم.

2 انظر روح المعاني 11/98، 6/129..

3 انظر البحر الرائق 5/124، وروح المعاني 17/213، والمرقاة شرح المشكاة 2/202.

4 انظر حاشية ابن عابدين على الرد المحتار 2/439، 440؛ والبحر الرائق 2/298؛ وروح المعاني 17/313.

5 انظر تحفة الفقهاء 3/67.

6 انظر البحر الرائق 2/298، وروح المعاني 17/213.

ص: 260

أحدا يعلم الغيب 1. والحلف بغير الله 2.

قال الإمام أبو حنيفة: "لا يحلف إلا بالله متجردا بالتوحيد والإخلاص"3.

وقال ابن نجم الحنفي عمن حلف بغير الله: "ويخاف الكفر على من قال بحياتي وحياتك"4.

وقال محمد علاء الدين الحصكفي فيمن نذر لغير الله: "واعلم أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام، وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام؛ تقربا إليهم هو بالإجماع باطل وحرام

" 5.

قال ابن عابدين شارحا هذا النص: "قوله: تقربا إليهم، كأن يقول: يا سيدي فلان إن ردّ غائبي أو عوفي مريضي أو قُضيت حاجتي؛ فلك من الذهب أو الفضة أو من الطعام أو من الشمع أو الزيت كذا قوله: "باطل وحرام" لوجوه منها أنه: نذر لمخلوق، والنذر لمخلوق لا يجوز؛ لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق. ومنها أن المنذور له ميت والميت لا يملك

"6.

وقال الألوسي واصفا حال المستغيثين بغير الله وتعلقهم الشديد بالأموات؛ حيث صرفوا لهم أنواعا من الطاعات كالنذر وغيره: "ويستغيثون

1 انظر الفتاوى الهندية 6/323، 325، 326؛ والبحر الرائق 3/88، 5/124.

2 انظر البحر الرائق 5/124.

3 بدائع الصنائع 3/8.

4 البحر الرائق 5/124.

5 رد المحتار مع حاشية ابن عابدين 2/439.

6 حاشية ابن عابدين على رد المحتار 2/449-440.

ص: 261

بهم في الشدة ـ أي الأولياء ـ غافلين عن الله تعالى، وينذرون لهم النذور، والعقلاء منهم يقولون إنهم وسائلنا إلى الله تعالى، وإنما ننذر لله عز وجل، ونجعل ثوابه للولي. ولا يخفى أنهم في دعواهم الأولى أشبه الناس بعبدة الأصنام القائلين: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى. ودعواهم الثانية لا بأس بها لو لم يطلبوا منهم بذلك شفاء مريضهم أو ردّ غائبهم أو نحو ذلك.

والظاهر من حالهم الطلب، ويرشد إلى ذلك أنه لو قيل انذروا لله تعالى واجعلوا ثوابه لوالديكم فإنهم أحوج من أولئك الأولياء لم يفعلوا.

ورأيت كثيرا منهم يسجد على أعتاب حُجَر قبور الأولياء، ومنهم من يثبت التصرف لهم جميعا في قبورهم. لكنهم متفاوتون فيه حسب تفاوت مراتبهم. والعلماء منهم يحصرون التصرف في القبور في أربعة أو خمسة وإذا طولبوا بالدليل قالوا: ثبت ذلك بالكشف. قاتلهم الله تعالى، ما أجهلهم وما أكثر افتراءاتهم.

ومنهم من يزعم أنهم يخرجون من القبور ويتشكلون بأشكال مختلفة. وعلماؤهم يقولون إنما تظهر أرواحهم متشكلة، وتطوف حيث شاءت، وربما تشكلت بصورة أسد أو غزال أو نحوه.

وكل ذلك باطل لا أصل له في الكتاب والسنة وكلام السلف الأمة. وقد أفسد هؤلاء على الناس دينهم، وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة من اليهود والنصارى

" 1.

ويقول كذلك: "وقد رأينا كثيرا من الناس

يهشون لذكر الأموات؛ يستغيثون بهم، ويطلبون منهم، ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم

1 روح المعاني 17/212، 213.

ص: 262

توافق أهواءهم واعتقادهم فيهم، ويعظمون من يحكي لهم ذلك، وينقبضون من ذكر الله تعالى وحده ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه عز وجل

وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة، وينسبونه إلى ما يكره. وقد قلت يوما لرجل يستغيث في شدة ببعض الأموات وينادي يا فلان أغثني قلت له: قل: يا الله فقد قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} "سورة البقرة: الآية186".

فغضب وبلغني أنه قال: فلان منكر على الأولياء.

وسمعت بعضهم أنه قال: "الولي أسرع إجابة من الله عز وجل"، وهذا من الكفر بمكان، نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزيغ والطغيان

" 1.

وكذا ورد عن أبي حنيفة وبعض أتباعه النهي عما هو من وسائل الشرك، كتجصيص 2 القبور وتعليتها3، والكتابة عليها 4، والبناء

1 روح المعاني 11/24.

2 تجصيص القبر منهي عنه عند الإمام أبي حنيفة.

انظر حاشية رد المحتار لابن عابدين 2/237؛ والفتاوى الهندية 1/194؛ والبحر الرائق 2/194؛ والمبسوط 2/62؛ وبدائع الصنائع 1/320؛ ومعارف السنن 3/306؛ وحاشية مراقي الفلاح ص405؛ وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص335.

3 انظر تبيين الحقائق للزيلعي 1/264؛ وفتح القدير 2/141؛ وفتح الملهم 2/506؛ وروح المعاني 15/237.

4 كره أبو يوسف الكتابة على القبر. انظر بدائع الصنائع 1/320؛ وتحفة الفقهاء 2/256؛ وتبيين الحقائق 1/264؛ حاشية مراقي الفلاح 405.

ص: 263

عليها 1، واتخاذها مساجد 2، إسراجها 3، واستقبالها للدعاء 4.

قال محمد محيي الدين بن محمد الكندهلوي الحنفي: "وأما اتخاذ المساجد عليها فلما فيه من الشبه باليهود باتخاذهم مساجد على قبور أنبيائهم وكبرائهم، ولما فيه من تعظيم الميت وشبه بعبدة الأصنام

وأما اتخاذ السُرُج عليها، فمع ما فيه من إسراف في ماله المنهي عنه بقوله تعالى:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} "سورة الإسراء: الآية27".

ففيه تشبه باليهود، فإنهم كانوا يسرجون المصابيح على قبور كبرائهم وتعظيم للقبور واشتغال بما لا يعنيه

" 5.

وقال الألوسي الحنفي: "ولقد رأيت من يبيح ما يفعله الجهلة في قبور الصالحين من إشرافها وبنائها بالجص والآجر وتعليق القناديل عليها والصلاة إليها والطواف بها واستلامها والاجتماع عندها في أوقات مخصوصة إلى غير ذلك

وكل ذلك محادة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وإبداع

1 كره الإمام أبو حنيفة البناء على القبر وأن يعلَّم بعلامة.

انظر بدائع الصنائع 1/320؛ وتحفة الفقهاء 2/256؛ والمتانة 1/320؛ والمتانة ص301؛ وفتح الملهم 2/121، 122، ومعارف السنن 3/305، 307؛ وحاشية الطحطاوي على مراقي الفرح ص335.

2 انظر تبيين الحقائق 1/264؛ وروح المعاني 15/237؛ والمرقاة في شرح المشكاة 2/202، والكوكب الدري 1/316، 317.

3 الكوكب الدري 1/317.

4 كره أبو حنيفة استقبال قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقت الدعاء.

انظر كتاب التوسل والوسيلة ص293؛ وروح المعاني 6/125؛ ومجمع الأنهر في شرح ملقتى الأبحر 1/313.

5 الكوكب الدري 1/316-317.

ص: 264

دين لم يأذن به الله عز وجل

ويكفيك في معرفة الحق تتبع ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل قبر على وجه الأرض

والوقوف على أفعالهم في زياراتهم له، والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام.

فتتبع ذاك وتأمل وما هنا وما هناك والله سبحانه وتعالى يتولى هداك

" 1.

هذا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن هذه الأمور، فقد روى مسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يكون بخمس، وهو يقول:"إني أبرأ إلى الله أن يكون لبي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك"2.

وروى عن جابر بن عبد الله قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يُقعد عليه، وأن يُبنى عليه"3.

1 روح المعاني 15/239-240.

2 أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة من صحيحه باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد 1/377، 378 ح532.

3 أخرجه مسلم في كتاب الجنائز من صحيحه باب النهي عن تجصيص القبر 2/667 ح970.

وأبو داود: كتاب الجنائز باب في البناء على القبر 3/552 ح3225.

والترمذي: كتاب الجنائز باب ما جاء في كراهية تحصيص القبور والكتابة عليها 3/359 ح1052.

وابن ماجه: كتاب الجنائز باب ما جاء في النهي عن البناء على القبور =

ص: 265

وروي عن أبي الهياج الأسدي 1 قال: " قال علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سوّيته"2.

وروى البخاري ومسلم عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نُزل برسول الله صلى الله عليه وسلم، طفق 3 يطرح خميصة 4 له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه. فقال، وهو كذلك:"لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر مثل ما صنعوا 5.

= وتجصيصها والكتابة عليها 1/498 ح1562.

والنسائي: كتاب الجنائز باب الزيادة على القبر 4/86 ح2027.

جميعهم من طرق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله.

1 هو حيان بن حصين أبو الهياج الأسدي الكوفي. قال عنه ابن حجر: "ثقة من الثالثة".

تقريب التهذيب 1/208؛ وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 3/67.

2 أخرجه مسلم في كتاب الجنائز من صحيحه باب الأمر بتسوية القبر 2/666 ح969.

والترمذي: كتاب الجنائز باب ما جاء في تسوية القبور 3/357 ح1049.

والنسائي: كتاب الجنائز باب تسوية القبور إذا رفعت 4/88 ح2031.

جميعهم من طريق أبي وائل عن أبي الهياج الأسدي.

3 طفق: يقال طفق يفعل كذا أبي جعل يفعل. الصحاح 4/1517.

4 خميصة: الخميصة كساء له أعلام، انظر النهاية 2/80-81 وغريب الحديث لابن سلام 1/266، 227.

5 أخرجه البخاري في كتاب الصلاة من صحيحه باب 55، 1/532 ح436.

ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة من صحيحه باب النهي عن بناء المساجد واتخاذ صور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد 1/3787 ح531.

كلاهما من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة وابن عباس.

ص: 266