الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
اختص الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بخصائص وميزات على سائر الأنبياء وهي:
"أ" ختم النبوة:
الله سبحانه وتعالى ختم بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جميع النبوات فلا نبي بعده، دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع السلف. قال تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} "سورة الأحزاب: الآية40".
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مثلي ومثل الأنبياء، كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"1.
وقال صلى الله عليه وسلم: "وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه
1 أخرجه البخاري كتاب المناقب باب خاتم النبيين 6/558 ح"3535"، ومسلم كتاب الفضائل باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين 4/1791 ح"2286" كلاهما من طريق أبي صالح عن أبي هريرة.
نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي" 1.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن لي أسماء: أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي"2.
قال القاضي عياض: "أخبر صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين، لا نبي بعده، وأخبر عن الله تعالى أنه خاتم النبيين، وأنه أرسل كافة للناس، وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره، وأنه مفهومه المراد منه دون تأويل وتخصيص"3.
فمن ادعى النبوة مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر4 وكذا من صدقه، فهذا الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى تنبأ رجل في زمنه وطلب الإمهال حتى يأتي بالعلامات، يقول الإمام أبو حنيفة:"من طلب منه علامة فقد كفر لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نبي بعدي
…
" 5 "6.
وقرر هذا الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب
1 أخرجه أبو داود كتاب الفتن باب ذكر الفتن 4/452 ح"4252" والترمذي كتاب الفتن باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون 4/499 ح"2219" كلاهما من طريق أبي أسماء عن ثوبان قال الترمذي على أثره: "هذا حديث حسن صحيح".
2 أخرجه البخاري كتاب المناقب باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 6/554 ح"3532"، ومسلم كتاب الفضائل باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم 4/1828 ح124 كلاهما من طريق محمد بن جبير عن جبير بن مطعم.
3 الشفا 2/271.
4 الشفا 2/270.
5 تقدم تخريجه ص473.
6 مناقب الإمام أبي حنيفة للمكي 1/161.
أبي حنيفة وصاحبيه حيث قال: "وأنه خاتم النبيين". وقال: "وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى"1.
قال الناصري 2 الحنفي شارحا كلام الطحاوي: "فصرح فقهاء الملة رحمهم الله بكونه خاتَماً، حسما لدعوى المتنبئين والدجالين. ولهذا المعنى قال مشايخنا رحمهم الله: إذا ادعى أحد بعد نبينا محمد صلوات الله عليه النبوة لا يقال له: ما آيتك على ما تدّعي، بل يقابل بالتكذيب والرد؛ لقيام الأدلة القاطعة على أنه لا نبي بعد محمد صلوات الله عليه؛ فثبت أن من ادّعى النبوة فهو كذاب دجال"3.
"ب" عموم الرسالة
اقتضت حكمة الله أن يرسل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم برسالة عامة للناس جميعهم على اختلاف بيئاتهم، وتنوع علاقاتهم، وتباين ألسنتهم وتقاليدهم وعاداتهم وألوانهم تضمن سعادتهم الدنيوية والأخروية.
قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} "سورة الأعراف: الآية158".
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} "سورة سبأ: الآية28".
1 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص ص22-23.
2 هو بكير بن نجم الدين التركي الناصري قال عنه اللكنوي: "كان فقيها عارفا بصيرا في الفقه
…
وشرح عقيدة الطحاوية سماه بالنور اللامع والبرهان الساطع. مات ببغداد سنة "652هـ". الفوائد البهية ص56. وانظر ترجمته في الجواهر المضية 1/62؛ وتاج التراجم ص19؛ وشرح الأحياء 2/3.
3 النور اللامع ""ق-64-ب".
وقال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} "سورة النساء: الآية79".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر وجُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تُحل لأحد قبلي، وأعطيتُ الشفاعة، وكان النبي يبعث في قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة "1.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"2.
وأجمعت الأمة على أنه مبعوث للناس جميعا.
قال القاضي عياض: "إنه أرسل كافة للناس وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره"3.
وهذا ما قرره الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه: "وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى وبالنور والضياء"4.
1 أخرجه البخاري كتاب التيمم باب التيمم 1/435 ح"335"، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة 1/370 ح521 كلاهما من طريق يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله.
2 أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس 1/134 ح"153" من طريق أبي يونس عن أبي هريرة.
3 الشفا 2/271
4 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص 34.
قال الناصري الحنفي شارحا كلام الطحاوي: "فهذا إخبار منهم أن رسالته عمت الجن والإنس، وإنما قالوا ذلك لدلالات موجبات العلم، منها قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} "سورة الأعراف: الآية158".
ومنها قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} "سورة سبأ: الآية28".
فتعميم رسالته جميع الناس دليل على تعميمها جميع الجن
…
" 1.
"ج" السيادة على الناس يوم القيامة:
جاءت الأحاديث بإثبات سيادة النبي صلى الله عليه وسلم على الناس يوم القيامة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع"2.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد". وذكر الحديث وفيه: " فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع
…
"3.
1 النور اللامع "ق-66-أ".
2 أخرجه مسلم كتاب الفضائل باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق 4/1782 ح2278 من طريق عبد الله بن فروخ عن أبي هريرة.
3 أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها 1/184 ح"194" من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} "سورة الإسراء: الآية79".
قال: "هي الشفاعة"1.
وقال ابن عمر: "إن الناس يصيرون يوم القيامة جثًى كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود"2.
وقد تقدم 3 حديث أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي وفيه: "أعطيت الشفاعة".
وقال ابن قتيبة: "وإنما أراد أنه سيد ولد آدم يوم القيامة لأنه الشافع يومئذ والشهيد، وله لواء الحمد والحوض، وهو أول من تنشق عنه الأرض
…
وليس ما أعطى الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من السؤدد والفضل على جميع الأنبياء والرسل بعمله، بل في تفضيل الله تعالى إياه واختصاصه له" 4.
وقال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: " {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} "سورة الإسراء: الآية79".
1 أخرجه الترمذي كتاب تفسير القرآن باب من سورة بني إسرائيل 5/303 ح2137 من طريق الزغافري عن أبيه عن أبي هريرة قال الترمذي على أثره: "هذا حديث حسن".
2 أخرجه البخاري كتاب التفسير باب {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} 8/399.
3 ص489.
4 تأويل مختلف الحديث ص109.
"فقال أكثر أهل العلم ذلك هو المقام الذي هو يقوم صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم"1.
وقال ابن كثير: "ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تشريفات يوم القيامة لا يشركه فيها أحد، وتشريفات لا يساويه فيها أحد؛ فهو أول من تنشق عنه الأرض، ويبعث راكبا إلى المحشر، وله اللواء الذي آدم فمن دونه تحت لوائه، وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر واردا منه، وله الشفاعة العظمى عند الله ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق"2.
وقال شيخ الإسلام: "وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات، أما الشفاعة الأولى: فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن تتراجع الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم، عن الشفاعة حتى تنتهي إليه، وأما الشفاعة الثانية: فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة. وهاتان الشفاعتان خاصتان له، وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار. وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها"3.
وهذا ما قرره الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه حيث قال: "وإمام الأنبياء وسيد المرسلين"4.
وقال: "الشفاعة التي ادّخرها لهم حق كما روي في الأخبار"5.
1 تفسير ابن جرير 15/143، 144.
2 تفسير ابن كثير 4/335.
3 مجموع الفتاوى 3/147.
4 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص 22.
5 شرح العقيدة الطحاوية ص30.
وقال الإمام أبو حنيفة: "وشفاعة نبينا عليه الصلاة والسلام للمؤمنين المذنبين ولأهل الكبائر منهم المستوجب العقاب حق ثابت"1.
وقال: "وشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حق لكل من هو من أهل الجنة وإن كان صاحب كبيرة"2.
1 الفقه الأكبر ص305.
2 الوصية مع شرحها ص32.